الباحث القرآني

﴿أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ﴾ أَيْ: عُقُوبَةٌ مُجَلَّلَةٌ. قَالَ مُجَاهِدٌ: عَذَابٌ يَغْشَاهُمْ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ الْآيَةَ ﴿الْعَنْكَبُوتِ -٥٥﴾ . قَالَ قَتَادَةُ: وَقِيعَةٌ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَعْنِي الصَّوَاعِقَ وَالْقَوَارِعَ. ﴿أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً﴾ فَجْأَةً، ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ بِقِيَامِهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَهِيجُ الصَّيْحَةُ بِالنَّاسِ وَهُمْ فِي أَسْوَاقِهِمْ. ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّدُ، ﴿هَذِهِ﴾ الدَّعْوَةُ الَّتِي أَدْعُو إِلَيْهَا وَالطَّرِيقَةُ الَّتِي أَنَا عَلَيْهَا، ﴿سَبِيلِي﴾ سُنَّتِي وَمِنْهَاجِي. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: دِينِي، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ﴾ [النحل: ١٢٥] أَيْ: إِلَى دِينِهِ. ﴿أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ﴾ عَلَى يَقِينٍ. وَالْبَصِيرَةُ: هِيَ الْمَعْرِفَةُ الَّتِي تُمَيِّزُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، ﴿أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ أَيْ: وَمَنْ آمَنَ بِي وَصَدَّقَنِي أَيْضًا يَدْعُو إِلَى اللَّهِ. هَذَا قَوْلُ الْكَلْبِيِّ وَابْنِ زَيْدٍ، قَالُوا: حَقٌّ عَلَى مَنِ اتَّبَعَهُ أَنْ يَدْعُوَ إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ، وَيُذَكِّرَ بِالْقُرْآنِ [[انظر: تفسير الطبري: ١٦ / ٢٩٣. والدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به، وبما جاءت به رسله، بتصديقهم فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أمروا؛ وذلك يتضمن الدعوة إلى الشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والدعوة إلى الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره، والدعوة إلى أن يعبد العبد ربه كأنه يراه. وهذه الدرجات الثلاث التي هي: "الإسلام" و"الإيمان" و"الإحسان" داخلة في الديين، كما قال في الحديث الصحيح: "هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم" بعد أن أجابه عن هذه الثلاث.. فالدعوة إلى الله تكون بدعوة العبد إلى دينه، وأصل ذلك: عبادته وحده لا شريك له، كما بعث الله بذلك رسله وأنزل به كتبه.. فالرسل متفقون في الدين الجامع للأصول الاعتقادية والعملية. والرسول ﷺ قام بهذه الدعوة إلى الله، وهي بإذنه سبحانه، لم يشرع دينا لم يأذن به الله، ومما يبين ذلك: أنه سبحانه يذكر أنه أمره بالدعوة إلى الله تارة، وتارة بالدعوة إلى سبيله، إذْ قد عُلِم أن الداعي الذي يدعو غيره إلى أمر لا بد له فيما يدعوه إليه من أمرين: أحدهما: المقصود المراد، والثاني: الوسيلة والطريق الموصل إلى المقصود، فلهذا يذكر الدعوة تارة إلى الله وتارة إلى سبيله، فإنه سبحانه هو المعبود المقصود بالدعوة. انظر: دقائق التفسير، لابن تيمية: ٣ / ٢٨٤ وما بعدها.]] . وَقِيلَ: تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿أَدْعُو إِلَى اللَّهِ﴾ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ: ﴿عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ يَقُولُ: إِنِّي عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ رَبِّي، وَكُلُّ مَنِ اتَّبَعَنِي. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ﷺ كَانُوا عَلَى أَحْسَنِ طَرِيقَةٍ وَأَقْصَدِ هِدَايَةٍ، مَعْدِنَ الْعِلْمِ، وَكَنْزَ الْإِيمَانِ وَجُنْدَ الرَّحْمَنِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ كَانَ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ [فَإِنَّ الْحَيَّ لَا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ] [[ما بين القوسين من "المسند" للإمام أحمد، وهو في المطبوع، وساقط من النسختين الخطيتين.]] أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ كَانُوا خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَبَرَّهَا قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ ﷺ وَإِقَامَةِ دِينِهِ، [فَاعْرِفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ، وَاتَّبِعُوهُمْ فِي آثَارِهِمْ وَتَمَسَّكُوا بِمَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ وَسِيَرِهِمْ] [[ما بين القوسين من "المسند" للإمام أحمد، وهو في المطبوع، وساقط من النسختين الخطيتين.]] ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ [[أثر موقوف على ابن مسعود، رواه الإمام أحمد في المسند: (٥ / ٢١١) بتحقيق الشيخ أحمد شاكر قال الهيثمي في المجمع: (١ / ١٧٨) : "رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير، ورجاله موثقون".]] . قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ﴾ أَيْ: وَقُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ تَنْزِيهًا لَهُ عَمَّا أَشْرَكُوا بِهِ. ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب