وقوله سبحانه: وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ ... الآية: قال ابن عبَّاس وغيره:
هؤلاء كانوا مؤمنين، وكانَتْ أَعذارُهُم صادقة [[ذكره ابن عطية (3/ 69) ، والبغوي (2/ 318) ، وابن كثير (2/ 381) نحوه، والسيوطي في «الدر المنثور» (3/ 477) ، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.]] ، وأصل اللفظة: «المُعْتَذِرُونَ» ، فقلبت التاءُ ذالاً وأدغمتْ، وقال قتادة، وفرقةٌ معه: بل الذين جاؤوا كفرةٌ [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (6/ 444) برقم: (17089- 17090) ، وذكره ابن عطية (3/ 70) ، وابن كثير (2/ 381) نحوه.]] ، وقولُهُمْ وعُذْرهم كَذِبٌ.
قال ص: والمعنى: تكلَّفوا العُذْر، ولا عذر لهم، وكَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، أي: في إيمانهم. انتهى.
وقوله: سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ ... الآية/ قوله: مِنْهُمْ يؤيِّد أن المعذِّرين كانوا مؤمنين، فتأمَّله، قال ابنُ إِسحاق: المعذِّرون: نَفَرٌ من بني غِفَارٍ وهذا يقتضي أنهم مؤمنون.
وقوله جلَّت عظمته: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى ... الآية: يقولُ:
ليس على أهل الأعذار مِنْ ضَعْف بدنٍ أو مرضٍ أو عدمِ نفقةٍ إِثمٌ والحَرَجُ: الإِثم.
وقوله: إِذا نَصَحُوا: يريد: بنيَّاتهم وأقوالهم سرًّا وجهراً، مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ: أي: من لائمةٍ تناطُ بِهِمْ، ثم أكَّد الرجاءَ بقوله سبحانه: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وقرأ ابنُ عبَّاس [[ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 70) ، و «البحر المحيط» (5/ 88) .]] : «وَاللَّهُ لأَهْلِ الإِسَاءَة غَفُورٌ رَحِيم» ، وهذا على جهة التفسيرِ أشبهُ منه على جهةِ التلاوة لخلافه المصحف، واختلف في من المرادُ بقوله: الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ: فقالتْ فرقة: نَزلَتْ في بَنِي مُقَرِّنٍ: ستَّة إِخوة، وليس في الصحابة ستَّة إِخوة غيرهم، وقيل: كانوا سبعةً.
وقيل: نزلَتْ في عائِذِ بْنِ عمرو المُزَنيِّ قاله قتادة [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (6/ 445) برقم: (17093) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 478) ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ.]] ، وقيل: في عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَعْقِلٍ المزَنِّي [[عبد الله بن معقل بن مقرن، أبو الوليد المزني، قال ابن حجر في «الإصابة» :
ذكره ابن فتحون في «ذيل الاستيعاب» ولم يذكر مستندا لذكره في الصحابة، وقد قال ابن قتيبة: ليست له صحبة ولا إدراك، وذكره في التابعين ابن سعد، والعجلي، والبخاري، وابن حبان وغيرهم، وله رواية عند أبي داود في «المراسيل» ، وقال بعده: ابن معقل لم يدرك النبي ﷺ.
قال العجلي: تابعي ثقة من خيار التابعين. توفي سنة 88 تقريبا.
ينظر ترجمته في «الإصابة» (5/ 144) ، «الثقات» (5/ 35) ، «بقي بن مخلد» (644) ، «الجرح والتعديل» (5/ 169) ، «تقريب التهذيب» (1/ 453) ، «سير أعلام النبلاء» (4/ 206) .]] . قاله ابن عباس [[أخرجه الطبري (6/ 445) برقم: (17094) ، وذكره ابن عطية (3/ 70) .]] .
وقوله عَزَّ وجلَّ: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ هذه الآيةُ نزلَتْ في البَكَّائين، واختلف في تعيينهم، فقيل: في أبي موسَى الأشعريِّ وَرَهْطِهِ، وقيل: في بني مُقَرِّنٍ وعلى هذا جمهور المفسِّرين، وقيل: نزلَتْ في سبعة نَفَرٍ من بطونٍ شتَّى، فهم البكّاءون، وقال مجاهد: البكّاءون هم بنو مُقَرِّن من مُزَيْنة [[أخرجه الطبري (6/ 446) برقم: (17095، 17098) ، وذكره ابن عطية (3/ 71) ، وابن كثير (2/ 381) .]] ، ومعنى قوله: لِتَحْمِلَهُمْ:
أيْ: عَلَى ظَهْر يُرْكَبُ، ويُحْمَل عليه الأثاثُ.
ت: وقصة أبي موسَى الأشعريِّ ورَهْطِهِ مذكورةٌ في الصَّحيح، قال ابنُ العربيِّ في «أحكامه» [[ينظر: «الأحكام» (2/ 993) .]] : القول بأن الآية نزلَتْ في أبي موسى وأصحابه هو الصحيح، انتهى.
{"ayahs_start":90,"ayahs":["وَجَاۤءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِیُؤۡذَنَ لَهُمۡ وَقَعَدَ ٱلَّذِینَ كَذَبُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ سَیُصِیبُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ","لَّیۡسَ عَلَى ٱلضُّعَفَاۤءِ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرۡضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِینَ لَا یَجِدُونَ مَا یُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا۟ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِینَ مِن سَبِیلࣲۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ","وَلَا عَلَى ٱلَّذِینَ إِذَا مَاۤ أَتَوۡكَ لِتَحۡمِلَهُمۡ قُلۡتَ لَاۤ أَجِدُ مَاۤ أَحۡمِلُكُمۡ عَلَیۡهِ تَوَلَّوا۟ وَّأَعۡیُنُهُمۡ تَفِیضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ حَزَنًا أَلَّا یَجِدُوا۟ مَا یُنفِقُونَ"],"ayah":"وَجَاۤءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِیُؤۡذَنَ لَهُمۡ وَقَعَدَ ٱلَّذِینَ كَذَبُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ سَیُصِیبُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ"}