الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وجاءَ المُعَذِّرُونَ مِنَ الأعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهم وقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا شَرَحَ أحْوالَ المُنافِقِينَ الَّذِينَ كانُوا في المَدِينَةِ ابْتَدَأ في هَذِهِ الآيَةِ بِشَرْحِ أحْوالِ المُنافِقِينَ مِنَ الأعْرابِ في قَوْلِهِ: ﴿وجاءَ المُعَذِّرُونَ﴾ وقالَ: لَعَنَ اللَّهُ المُعَذِّرِينَ، وذَهَبَ إلى أنَّ المُعْذِرَ هو المُجْتَهِدُ الَّذِي لَهُ عُذْرٌ، والمُعَذِّرُ بِالتَّشْدِيدِ الَّذِي يَعْتَذِرُ بِلا عُذْرٍ.
والحاصِلُ: أنَّ المُعْذِرَ هو المُجْتَهِدُ البالِغُ في العُذْرِ، ومِنهُ قَوْلُهم: قَدْ أعْذَرَ مَن أنْذَرَ، وعَلى هَذِهِ القِراءَةِ فَمَعْنى الآيَةِ: أنَّ اللَّهَ تَعالى فَصَلَ بَيْنَ أصْحابِ العُذْرِ وبَيْنَ الكاذِبِينَ، فالمُعَذِّرُونَ هُمُ الَّذِينَ أتَوْا بِالعُذْرِ. قِيلَ: هم أسَدٌ وغَطَفانُ. قالُوا: إنَّ لَنا عِيالًا وإنّا بِنا جَهْدًا فائْذَنْ لَنا في التَّخَلُّفِ. وقِيلَ: هم رَهْطُ عامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ، قالُوا: إنْ غَزَوْنا مَعَكَ أغارَتْ أعْرابُ طَيِّءٍ عَلَيْنا، فَأذِنَ رَسُولُ اللَّهِ لَهم. وعَنْ مُجاهِدٍ: نَفَرٌ مِن غَطَفانَ اعْتَذَرُوا. والَّذِينَ قَرَءُوا: ﴿المُعَذِّرُونَ﴾ بِالتَّشْدِيدِ، وهي قِراءَةُ العامَّةِ فَلَهُ وجْهانِ مِنَ العَرَبِيَّةِ.
الوَجْهُ الأوَّلُ: ما ذَكَرَهُ الفَرّاءُ والزَّجّاجُ وابْنُ الأنْبارِيِّ: وهو أنَّ الأصْلَ في هَذا اللَّفْظِ: المُعْتَذِرُونَ، فَحُوِّلَتْ فَتْحَةُ التّاءِ إلى العَيْنِ، وأُبْدِلَتِ الذّالُ مِنَ التّاءِ، وأُدْغِمَتْ في الذّالِ الَّتِي بَعْدَها، فَصارَتِ التّاءُ ذالًا مُشَدَّدَةً. والِاعْتِذارُ قَدْ يَكُونُ بِالكَذِبِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَعْتَذِرُونَ إلَيْكم إذا رَجَعْتُمْ إلَيْهِمْ﴾ (التَّوْبَةِ: ٩٤) فَبَيَّنَ كَوْنَ هَذا الِاعْتِذارِ فاسِدًا بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ لا تَعْتَذِرُوا﴾ . وقَدْ يَكُونُ بِالصِّدْقِ كَما في قَوْلِ لَبِيدٍ:
؎ومَن يَبْكِ حَوْلًا كامِلًا فَقَدِ اعْتَذَرَ
يُرِيدُ فَقَدْ جاءَ بِعُذْرٍ صَحِيحٍ.
الوَجْهُ الثّانِي: أنْ يَكُونَ ﴿المُعَذِّرُونَ﴾ عَلى وزْنِ قَوْلِنا: مُفَعِّلُونَ مِنَ التَّعْذِيرِ الَّذِي هو التَّقْصِيرُ. يُقالُ: عَذَّرَ تَعْذِيرًا إذا قَصَّرَ ولَمْ يُبالِغْ. يُقالُ: قامَ فُلانٌ قِيامَ تَعْذِيرٍ، إذا اسْتَكْفَيْتَهُ في أمْرٍ فَقَصَّرَ فِيهِ، فَإنْ أخَذْنا بِقِراءَةِ التَّخْفِيفِ، كانَ (المُعْذِرُونَ) كاذِبِينَ. وأمّا إنْ أخَذْنا بِقِراءَةِ التَّشْدِيدِ، وفَسَّرْناها بِالمُعْتَذِرِينَ، فَعَلى هَذا التَّقْدِيرِ: يُحْتَمَلُ أنَّهم كانُوا صادِقِينَ وأنَّهم كانُوا كاذِبِينَ، ومِنَ المُفَسِّرِينَ مَن قالَ: المُعَذِّرُونَ كانُوا صادِقِينَ بِدَلِيلِ أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَهم قالَ بَعْدَهم: ﴿وقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ فَلَمّا مَيَّزَهم عَنِ الكاذِبِينَ دَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّهم لَيْسُوا بِكاذِبِينَ. ورَوى الواحِدِيُّ بِإسْنادِهِ عَنْ أبِي عَمْرٍو: أنَّهُ لَمّا قِيلَ لَهُ هَذا الكَلامُ قالَ: إنْ أقْوامًا تَكَلَّفُوا عُذْرًا بِباطِلٍ، فَهُمُ الَّذِينَ عَناهُمُ اللَّهُ تَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿وجاءَ المُعَذِّرُونَ﴾ وتَخَلَّفَ الآخَرُونَ لا لِعُذْرٍ ولا لِشُبْهَةِ عُذْرٍ جَراءَةً عَلى اللَّهِ تَعالى، فَهُمُ المُرادُونَ بِقَوْلِهِ: ﴿وقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ والَّذِي قالَهُ أبُو (p-١٢٧)عَمْرٍو مُحْتَمَلٌ، إلّا أنَّ الأوَّلَ أظْهَرُ.
وقَوْلُهُ: ﴿وقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ وهم مُنافِقُو الأعْرابِ الَّذِينَ ما جاءُوا وما اعْتَذَرُوا، وظَهَرَ بِذَلِكَ أنَّهم كَذَبُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ في ادِّعائِهِمُ الإيمانَ. وقَرَأ أُبَيٌّ (كَذَّبُوا) بِالتَّشْدِيدِ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾ في الدُّنْيا بِالقَتْلِ، وفي الآخِرَةِ بِالنّارِ، وإنَّما قالَ: ﴿مِنهُمْ﴾ لِأنَّهُ تَعالى كانَ عالِمًا بِأنَّ بَعْضَهم سَيُؤْمِنُ ويَتَخَلَّصُ عَنْ هَذا العِقابِ، فَذَكَرَ لَفْظَةَ (مِن) الدّالَّةِ عَلى التَّبْعِيضِ.
{"ayah":"وَجَاۤءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِیُؤۡذَنَ لَهُمۡ وَقَعَدَ ٱلَّذِینَ كَذَبُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ سَیُصِیبُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق