الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ﴾ الآية، ذكرنا معنى العذر والاعتذار وأصله في اللغة عند قوله: ﴿قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا﴾ [التوبة: 66]، وتقول: أعذر [[في (ح): (عذر). وأثبت ما في (م) و (ى) لموافقته لما في "تهذيب اللغة" (عذر) 3/ 2366.]] فلان أي كان منه ما يُعذر به، ومنه قولهم: قد أعذر من أنذر، واعتذر اعتذارًا: إذا أتى بعذر صدق فيه أو كذب، وعذر تعذيرًا: أي قصر ولم يبالغ. يقال: قام فلان قيام [[في (ح): (مقام). وأثبت ما في (م) و (ى) لموافقته لما في "تهذيب اللغة" (عذر) 3/ 2366 إذ النص منقول منه.]] تعذير فيما استكفتيه: إذا لم يبالغ، وقصر فيما اعتمد عليه، فمن قرأ (المُعَذِرُون) بالتخفيف وهو قراءة جماعة من الصحابة والتابعين [[روى هذه القراءة ابن جرير عن ابن عباس ومجاهد، وهي أيضًا قراءة زيد بن علي والضحاك والأعرج وأبو صالح وعيسى بن هلال، ومن العشرة يعقوب والكسائي في رواية، وقرأ الباقون بالتشديد. انظر: "تفسير ابن جرير" 10/ 209 - 211، و"الغاية في القراءات العشر" 166، و"تقريب النشر" ص 121، و"البحر المحيط" 5/ 83 - 84.]]، فمعناه المجتهدون المبالغون في العذر، روى الضحاك عن ابن عباس أنه قرأ: (وجاء المعذرون) [["تفسير ابن جرير" 10/ 210، وابن أبي حاتم 46/ 1860، وفي سنده بشر بن عمارة، قال البخاري: يُعرف وينكر، وقال الدارقطني: متروك. انظر: "كتاب الضعفاء الصغير" ص46، و"الضعفاء والمتروكون" ص 160، و"تهذيب التهذيب" 1/ 230، ثم إن في الأثر علة أخرى حيث إن الضحاك لم يلق ابن عباس على القول الصحيح، انظر: "تهذيب التهذيب" 2/ 226.]]، وقال (لعن الله المعذرين) [[رواه الفراء في "معاني القرآن" 1/ 448 وعنه ابن الأنباري في "كتاب الأضداد" ص 321 بإسنادين شديدي الضعف، إذ في أحدهما الكلبي وهو متهم بالكذب كما في "التقريب" ص479 (5901)، وفي الثاني جويبر البلخي، وهو ضعيف جدًّا كما في "المصدر السابق" ص 143 (987).]] ذهب إلى أن المعذرين هم الذين لا عذر لهم [[في (م): (الذين لهم عذر)، وهو خطأ.]].
و ﴿الْمُعَذِّرُونَ﴾ [[في (ى): (والمعذر).]] بالتشديد: الذين يعتذرون بلا عذر، كأنهم المقصرون الذين لا عذر لهم، وعلى هذه القراءة، معنى الآية: إن الله تعالى فصل بين أصحاب العذر وبين الكاذبين، قال ابن عباس: (هم الذين تخلفوا بعذر بإذن رسول الله -ﷺ-) [[رواه الثعلبي في "تفسيره" 6/ 137 أ، وبنحوه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 6/ 1860، وابن جرير 10/ 210.]].
وقال عطاء عنه: (يريد الأعراب [الذين يعتذرون] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]] إلى النبي -ﷺ- في تخلفهم ليؤذن لهم في التخلف) [["تنوير المقباس" ص 201 بنحوه من رواية الكلبىِ.]].
وقال الضحاك: (هم وهي عامر بن الطفيل [[هو: عامر بن الطفيل بن مالك العامري سيد بني عامر بن صعصعة، كان من فرسان العرب وفتاكها وشعرائها، وهو الذي فتك بأصحاب رسول الله -ﷺ- في بئر معونة، ثم حال الغدر بالنبي -ﷺ- وظل جادًا في سعيه لإطفاء نور الله، حتى هلك سنة 11هـ. انظر: "السيرة النبوية" 3/ 185، 4/ 233، و"الشعر والشعراء" ص 207، و"الإصابة" 3/ 125.]] جاؤا [[في (ح): (جاء).]] إلى رسول الله -ﷺ-، وقالوا: إن نحن غزونا معك تُغير أعراب طيء على حلائلنا [[الحلائل: جمع حليلة وهي الزوجة. انظر: "الصحاح" (حلل) 4/ 1673.]] وأولادنا ومواشينا فعذرهم رسول الله -ﷺ-) [[رواه الثعلبي 6/ 137 أ، والبغوي 4/ 83.]].
ونحو هذا قال مجاهد: (هم أهل العذر) [[رواه ابن جرير 10/ 210.]]، ومن قرأ: ﴿الْمُعَذِّرُونَ﴾ بالتشديد وهو قراءة العامة [[هي قراءة العشرة عدا يعقوب، وقتيبة عن الكسائي. انظر: "الغاية في القراءات العشر" ص 166، و"تقريب النشر" ص 121.]] فله وجهان من العربية والتأويل:
أحدهما: ما ذكره الفراء والزجاج وابن الأنباري: (وهو أن الأصل في هذا اللفظ عند النحويين: المعتذرون فحولت فتحة التاء إلى العين وأبدلت الذال من التاء، وأدغمت في الذال التي بعدها فصارتا ذالًا مشددة [[في (م): (مشدودة).]]) [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 447، و"معاني القرآن وإعرابه" للزجاج 2/ 464، و"كتاب الأضداد" لابن الأنباري ص 321.]].
والاعتذار ينقسم في كلام العرب على قسمين، يقال: اعتذر [[في (ح): (اعتذرت).]]: إذا كذب في عذره، قال الله تعالى: ﴿يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ﴾، فدل على فساد عذرهم بقوله [[في (ح): (لقوله).]]: ﴿قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا﴾ [التوبة: 94]، ويقال: اعتذر: إذا جاء بعذر صحيح، ومنه قول لبيد:
ومن يبك حولًا كاملًا فقد اعتذر [[هذا عجز بيت، وصدره:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
وهو للبيد بن ربيعة العامري في "ديوانه" ص 214، و"كتاب الأضداد" لابن الأنباري ص 321، و"تهذيب اللغة" (عذر)، و"الخصائص" 3/ 29، و"لسان العرب" (عذر) 5/ 2855.
والشاعر يوصي ابنتيه بالبكاء عليه بعد موته حولًا كاملاً، وقبل هذا البيت قال:
فقوما فقولا بالذي قد علمتما ... ولا تخمشا وجهًا ولا تحلقا شعر]] يريد فقد جاء بعذر صحيح.
(الوجه الثاني من العربية - أن يكون ﴿الْمُعَذِّرُونَ﴾ [[في (ى): (المعذورون)، وهو خطأ.]] على (مفعلين) من التعذير الذي هو التقصير على ما بينا، فإن قلنا: المعذرون [[في (ى): (المعذورون)، وهو خطأ.]] [معناه: المعتذرون بعذر] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح) و (ى).]] صحيح فوجهه من التأويل ما ذكرنا في قراءة من خفف، وإن قلنا أن معناه: المعتذرون بعذر باطل، أو أخذناه من التعذير فوجهه من التأويل ما قال قتادة) [[ما بين القوسين مضطرب في النسخة (ح) وفيه تقديم وتأخير ونقص ضاع معه المعنى، ونصه: (الوجه الثاني من العربية أن يكون المعذرون صحيح فوجهه من التأويل ما ذكرنا في قراءة من خفف وإن قلنا إن معناه المعتذرون بعذر باطل على (مفعلين) من التعذير الذي هو التقصير على ما بينا، فإن قلنا: المعذرون باطل أو أخذنا من التعذير فوجهه من التأويل ما قال قتادة).]]: (هم الذين اعتذروا بالكذب) [[رواه ابن جرير 10/ 210.]]، ونحو هذا قال محمد بن إسحاق: (هم أعراب من غفار، اعتذروا فلم يعذرهم الله) [["السيرة النبوية" لابن هشام، و"تفسير ابن جرير" 10/ 211.]].
فإن قيل على هذا: إذا كانوا مقصرين فلم أفردوا من الكاذبين الله ورسوله؟
والجواب عن هذا ما أخبرني العروضي [[هو: أحمد بن محمد النيسابوري، تقدمت ترجمته عند ذكر شيوخ المؤلف.]] عن الأزهري قال أخبرني المنذري عن ابن فهم [[هو: الحسين بن محمد بن عبد الرحمن بن فهم البغدادي، حافظ علامة نسابة أخباري، وكان متفننًا في العلوم، كثير الحفظ للحديث، ولأصناف الأخبار والنسب والشعر، والمعرفة بالرجال، وتوفي سنة 289 هـ.
انظر: "تاريخ بغداد" 8/ 92، و"سير أعلام النبلاء" 13/ 427، و"البداية والنهاية" 11/ 95، و"طبقات الحفاظ" للسيوطي ص 299]] عن محمد بن سلام [[هو: محمد بن سلام بن عبيد الله الجمحي مولاهم، أبو عبد الله البصري، كان عالمًا أخباريًّا، أديبًا بارعًا، إمامًا في رواية الشعر، من أهل الصدق، وهو صاحب "طبقات فحول الشعراء" المشهور، توفي سنة 231 هـ.
انظر: "تاريخ بغداد" 5/ 327، و"مراتب النحويين" ص67، و"طبقات النحويين واللغويين" ص 180، و"سير أعلام النبلاء" 10/ 651.]] عن يونس النحوي أنه سأله عن قوله: ﴿وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ﴾، قال: قلت ليونس (المعذرون) مخففة كأنها أقيس؛ لأن المعذر الذي له عذر، والمعذر الذي يعتذر ولا عذر له، فقال يونس: (قال أبو عمرو [[في (ى): (قال عمرو)، وهو خطأ.]] بن العلاء: كلا الفريقين كان [[في (ى): (جاء)، وفي (ح): (كانا).]] مسيئًا، جاء قوم فعذروا، وجلح [[في (ى): صلح، وما أثبته موافق لما في "تهذيب اللغة"، ومعنى جلح: ركب رأسه، والتجليح: الإقدام الشديد والتصميم في الأمر والمضي، والمجالح: المكابر. انظر: "لسان العرب" (جلح) 2/ 652.]] آخرون فقعدوا) [["تهذيب اللغة" (عذر) 3/ 2366.]]، يريد أن قومًا تكلفوا عذرًا بالباطل، فهم الذين عناهم [[في (ى): (أغناهم)، وهو خطأ.]] الله بقوله: ﴿وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ﴾ وتخلف آخرون [[في (ح): (الآخرون).]] من غير تكلف عذر وإظهار علة جرأة على الله ورسوله، وهو معنى قوله: وجلح آخرون فقعدوا).
وقوله تعالى: ﴿وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾، قال عطاء عن ابن عباس: (يريد لم يصدقوا نبيه واتخذوا إسلامهم جنة) [["تنوير المقباس" ص 201 بمعناه من رواية الكلبي.]]، فبان بهذا أنه ليس يريد الكذب في العذر إنما يريد كذبهم في قولهم [[في (ى): (قوله).]]: إنا مؤمنون.
{"ayah":"وَجَاۤءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِیُؤۡذَنَ لَهُمۡ وَقَعَدَ ٱلَّذِینَ كَذَبُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ سَیُصِیبُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق