الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٩٠) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ﴿وجاء﴾ ، رسولَ الله ﷺ = ﴿المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم﴾ ، في التخلف = ﴿وقعد﴾ ، عن المجيء إلى رسول الله ﷺ والجهاد معه [[انظر تفسير " القعود " فيما سلف ص: ٤١٢، تعليق: ١، والمراجع هناك.]] = ﴿الذين كذبوا الله ورسوله﴾ ، وقالوا الكذب، واعتذرُوا بالباطل منهم. يقول تعالى ذكره: سيُصيب الذين جحدوا توحيد الله ونبوة نبيه محمد ﷺ منهم، عذابٌ أليم. [[انظر تفسير " أليم " فيما سلف من فهارس اللغة (ألم) .]]
* * *
فإن قال قائل: ﴿وجاء المعذّرون﴾ ، وقد علمت أن "المعذِّر"، في كلام العرب، إنما هو: الذي يُعَذِّر في الأمر فلا يبالغ فيه ولا يُحكمه؟ وليست هذه صفة هؤلاء، وإنما صفتهم أنهم كانوا قد اجتهدوا في طلب ما ينهضون به مع رسول الله ﷺ إلى عدوّهم، وحرصوا على ذلك، فلم يجدوا إليه السبيل، فهم بأن يوصفوا بأنهم: "قد أعذروا"، أولى وأحق منهم بأن يوصفوا بأنهم "عذَّروا". وإذا وصفوا بذلك، [[في المطبوعة: " بأنهم عذروا، إذا وصفوا بذلك "، كأنه متعلق بالسالف.
والصواب أنه ابتداء كلام، والواو في " وإذا " ثابتة في المخطوطة.]] فالصَّواب في ذلك من القراءة، ما قرأه ابن عباس، وذلك ما:-
١٧٠٧٣- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي حماد قال، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك قال: كان ابن عباس يقرأ: ﴿وَجَاءَ الْمُعْذِرُونَ﴾ ، مخففةً، ويقول: هم أهل العذر.
= مع موافقة مجاهد إياه وغيره عليه؟ قيل: إن معنى ذلك على غير ما ذهبتَ إليه، وإن معناه: وجاء المعتذِرون من الأعراب = ولكن "التاء" لما جاورت "الذال" أدغمت فيها، فصُيِّرتا ذالا مشدَّدة، لتقارب مخرج إحداهما من الأخرى، كما قيل: "يذَّكَّرون" في "يتذكرون"، و"يذكّر" في "يتذكر" وخرجت العين من "المعذّرين" إلى الفتح، لأن حركة التاء من "المعتذرين"، وهي الفتحة، نقلت إليها، فحركت بما كانت به محركة. والعرب قد توجِّه في معنى "الاعتذار"، إلى "الإعذار"، فيقول: "قد اعتذر فلان في كذا"، يعني: أعذر، [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٤٤٧، ٤٤٨.]] ومن ذلك قول لبيد:
إِلَى الحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلامِ عَلَيْكُمَا ... ومَنْ يَبْكِ حَوْلا كَامِلا فَقَدِ اعتَذَرْ [[سلف البيت وتخريجه ١: ١١٩، تعليق: ١.]]
فقال: فقد اعتذر، بمعنى: فقد أعْذَر.
* * *
على أن أهل التأويل قد اختلفوا في صفة هؤلاء القوم الذين وصفهم الله بأنهم جاءوا رسول الله ﷺ "معذِّرين".
فقال بعضهم: كانوا كاذبين في اعتذارهم، فلم يعذرهم الله.
* ذكر من قال ذلك:
١٧٠٧٤- حدثني أبو عبيدة عبد الوارث بن عبد الصمد قال، حدثني أبي، عن الحسين قال: كان قتادة يقرأ: ﴿وجاء المعذرون من الأعراب﴾ ، قال: اعتذروا بالكذب.
١٧٠٧٥- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا يحيى بن زكريا، عن ابن جريج، عن مجاهد: ﴿وجاء المعذرون من الأعراب﴾ ، قال: نفر من بني غفار، جاءوا فاعتذروا، فلم يعذرهم الله.
* * *
= فقد أخبر من ذكرنا من هؤلاء: أن هؤلاء القوم إنما كانوا أهل اعتذار بالباطل لا بالحق، فغير جائز أن يوصفوا بالإعذار، إلا أن يوصفوا بأنهم أعْذَرُوا في الاعتذار بالباطل. فأمّا بالحق = على ما قاله من حكينا قوله من هؤلاء = فغير جائز أن يوصَفوا به.
* * *
وقد كان بعضهم يقول: إنما جاءوا معذّرين غير جادِّين، يعرضون ما لا يريدون فعله. فمن وجَّهه إلى هذا التأويل فلا كلفة في ذلك، غير أني لا أعلم أحدًا من أهل العلم بتأويل القرآن وجَّه تأويله إلى ذلك، فأستحبُّ القول به. [[في المطبوعة: " فاستحبوا " جمعًا، وإنما جاء الخطأ من سوء كتابة المخطوطة، لأنه أراد أن يكتب بعد آخر الباء واوًا، ثم عدل عن ذلك، فأخذ الناشر بما عدل عنه الناسخ! ! .]]
وبعدُ، فإن الذي عليه من القراءة قرأة الأمصار، التشديد في "الذال"، أعني من قوله: ﴿المُعَذّرُونَ﴾ ، ففي ذلك دليلٌ على صحة تأويل من تأوله بمعنى الاعتذار، لأن القوم الذين وُصفوا بذلك لم يكلفوا أمرًا عَذَّرُوا فيه، وانما كانوا فرقتين: إما مجتهد طائع، وإما منافق فاسقٌ، لأمر الله مخالف. فليس في الفريقين موصوفٌ بالتعذير في الشخوص مع رسول الله ﷺ، وإنما هو معذّر مبالغٌ، أو معتَذِر.
فإذا كان ذلك كذلك، وكانت الحجة من القرأة مجمعة على تشديد "الذال" من " المعذرين "، عُلم أن معناه ما وصفناه من التأويل.
* * *
وقد ذكر عن مجاهد في ذلك موافقة ابن عباس.
١٧٠٧٦- حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن حميد قال: قرأ مجاهد: ﴿وَجاءَ المُعذَرُونَ﴾ ، مخففةً، وقال: هم أهل العذر.
١٧٠٧٧- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: كان المعذرون، [فيما بلغني، نفرًا من بني غِفارٍ، منهم: خفاف بن أيماء بن رَحَضة، ثم كانت القصة لأهل العذر، حتى انتهى إلى قوله: ﴿ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم﴾ ، الآية] . [[الأثر: ١٧٠٧٧ - سيرة ابن هشام ٤: ١٩٧، وهو تابع الأثر السالف رقم: ١٧٠٦٣. وكان هذا الخبر في المخطوطة والمطبوعة مبتورًا، أتممته من سيرة ابن هشام، ووضعت تمامه بين القوسين.]]
{"ayah":"وَجَاۤءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِیُؤۡذَنَ لَهُمۡ وَقَعَدَ ٱلَّذِینَ كَذَبُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ سَیُصِیبُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق