الباحث القرآني
(p-٣٨١)قوله عزّ وجلّ:
﴿لَكِنِ الرَسُولُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ وأُولَئِكَ لَهُمُ الخَيْراتُ وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ ﴿أعَدَّ اللهُ لَهم جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ ﴿وَجاءَ المُعَذِّرُونَ مِنَ الأعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهم وقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ ورَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾
الأكْثَرُ في "لَكِنْ" أنْ تَجِيءَ بَعْدَ نَفْيٍ، وهو هُنا في المَعْنى، وذَلِكَ أنَّ الآيَةَ السالِفَةَ مَعْناها أنَّ المُنافِقِينَ لَمْ يُجاهِدُوا فَحَسُنَ بَعْدَها: ( لَكِنَّ الرَسُولَ والمُؤْمِنُونَ جاهَدُوا )، والخَيْراتُ جَمْعُ خَيْرَةٍ، وهو المُسْتَحْسَنُ مِن كُلِّ شَيْءٍ، وكَثُرَ اسْتِعْمالُهُ في النِساءِ، فَمِن ذَلِكَ قوله عزّ وجلّ: ﴿فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ﴾ [الرحمن: ٧٠]، ومِن ذَلِكَ قَوْلُ الشاعِرِ، أنْشَدَهُ الطَبَرِيُّ:
ولَقَدْ طَعنتُ مَجامِعَ الرَبَلاتِ... رَبَلاتِ هِنْدٍ خِيرَةِ المَلِكاتِ
و"المُفْلِحُونَ": الَّذِينَ أدْرَكُوا بُغْيَتَهم مِنَ الجَنَّةِ، والفَلاحُ يَأْتِي بِمَعْنى إدْراكِ البُغْيَةِ، مِن ذَلِكَ قَوْلُ لَبِيدٍ:
أفْلِحْ بِما شِئْتَ فَقَدْ يُبْلَغُ بِالضَعْـ... فِ وقَدْ يُخْدَعُ الأرِيبُ
وقَدْ يَأْتِي بِمَعْنى البَقاءِ كَقَوْلِ الشاعِرِ:
لِكُلِّ هَمٍّ مِنَ الهُمُومِ سَعَهْ... والمُسْىُ والصُبْحُ لا فَلاحَ مَعَهْ
(p-٣٨٢)أيْ لا بَقاءَ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وبُلُوغُ البُغْيَةِ يَعُمُّ لَفْظَةَ الفَلاحِ حَيْثُ وقَعَتْ فَتَأمَّلْهُ.
و"أعَدَّ" مَعْناهُ: يَسَّرَ وهَيَّأ، وقَوْلُهُ: "مِن تَحْتِها" يُرِيدُ: مِن تَحْتِ مَبانِيها وأعالِيها، و"الفَوْزُ" حُصُولُ الإنْسانِ عَلى أمَلِهِ وظَفَرُهُ بِبُغْيَتِهِ، ومِن ذَلِكَ فَوْزُ سِهامِ الأيْسارِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجاءَ المُعَذِّرُونَ مِنَ الأعْرابِ﴾ الآيَةُ، اخْتَلَفَ المُتَألُّونَ في هَؤُلاءِ الَّذِي جاءُوا هَلْ كانُوا مُؤْمِنِينَ أو كافِرِينَ؟، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وقَوْمٌ مَعَهُ مِنهم مُجاهِدٌ: كانُوا مُؤْمِنِينَ وكانَتْ أعْذارُهم صادِقَةً، وقَرَأ: "وَجاءَ المُعْذِرُونَ" بِسُكُونِ العَيْنِ، وهي قِراءَةُ الضَحّاكِ، وحَمِيدُ الأعْرَجِ، وأبِي صالِحٍ، وعِيسى بْنِ هِلالٍ، وقَرَأ بَعْضُ قائِلِي هَذِهِ المَقالَةَ "المُعَذِّرُونَ" بِشَدِّ الذالِ، قالُوا: وأصْلُهُ "المُتَعَذَّرُونَ" فَقُلِبَتِ التاءُ ذالًا وأُدْغِمَتْ. ويَحْتَمِلُ "المُعْتَذِرُونَ" في هَذا القَوْلِ مَعْنَيَيْنِ؛ أحَدُهُما: المُتَعَذَّرُونَ بِأعْذارٍ حَقٍّ، والآخَرُ أنْ يَكُونَ: الَّذِينَ قَدْ بَلَغُوا عُذْرَهم مِنَ الِاجْتِهادِ في طَلَبِ الغَزْوِ مَعَكَ فَلَمْ يَقْدِرُوا، فَيَكُونُ مِثْلَ قَوْلِ لَبِيدٍ:
؎ .................... ∗∗∗ ومَن يَبْكِ حَوْلًا كامِلًا فَقَدِ اعْتَذَرْ
وقالَ قَتادَةُ وفِرْقَةٌ مَعَهُ: بَلِ الَّذِينَ جاءُوا كَفَرَةٌ، وقَوْلُهم وعُذْرُهم كَذِبٌ، وكُلُّ هَذِهِ الفِرْقَةِ قَرَأ: "المُعَذِّرُونَ" بِشَدِّ الذالِ، فَمِنهم مَن قالَ: أصْلُهُ المُتَعَذَّرُونَ، نُقِلَتْ حَرَكَةُ (p-٣٨٣)التاءِ إلى العَيْنِ وأُدْغِمَتِ التاءُ في الذالِ، والمَعْنى: مُعْتَذِرُونَ بِكَذِبٍ، ومِنهم مَن قالَ: هو مِنَ التَعْذِيرِ، أيِ الَّذِينَ يَعْذُرُونَ الغَزْوَ ويَدْفَعُونَ في وجْهِ الشَرْعِ، فالآيَةُ إلى آخِرِها -فِي هَذا القَوْلِ- إنَّما وصَفَتْ صِنْفًا واحِدًا في الكُفْرِ يَنْقَسِمُ إلى أعْرابِيٍّ وحَضَرِيٍّ، وعَلى القَوْلِ الأوَّلِ وصَفَتْ صِنْفَيْنِ مُؤْمِنًا وكافِرًا، قالَ أبُو حاتِمٍ: وقالَ بَعْضُهُمْ: سَألْتُ مَسْلَمَةَ فَقالَ: "المُعَذِّرُونَ" بِشَدِّ العَيْنِ والذالِ، قالَ أبُو حاتِمٍ: أرادَ: المُعْتَذِرِينَ، والتاءُ لا تُدْغَمُ في العَيْنِ لِبُعْدِ المَخارِجِ، وهي غَلَطٌ عنهُ أو عَلَيْهِ، قالَ أبُو عَمْرٍو: وقَرَأ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: "المُعْتَذِرُونَ" بِزِيادَةِ تاءٍ، وقَرَأ الحَسَنُ -بِخِلافٍ عنهُ- وأبُو عَمْرٍو، ونافِعٌ، والناسُ: "كَذَبُوا" بِتَخْفِيفِ الذالِ، وقَرَأ الحَسَنُ -وَهُوَ المَشْهُورُ عنهُ- وأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، ونُوحٌ، وإسْماعِيلُ: "كَذَّبُوا" بِتَشْدِيدِ الذالِ، والمَعْنى: لَمْ يُصَدِّقُوهُ تَعالى ولا رَسُولَهُ ورَدُّوا عَلَيْهِ أمْرَهُ، ثُمَّ تَوَعَّدَ -فِي آخِرِ الآيَةِ- الكافِرِينَ بِعَذابٍ ألِيمٍ، فَيُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ في الدُنْيا بِالقَتْلِ والأسْرِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ في الآخِرَةِ بِالنارِ.
وقَوْلُهُ: "مِنهُمْ" يُرِيدُ أنَّ المُعَذِّرِينَ كانُوا مُؤْمِنِينَ، ويُرَجِّحُهُ بَعْضُ التَرْجِيحِ فَتَأمَّلْهُ، وضَعَّفَ الطَبَرِيُّ قَوْلَ مَن قالَ إنَّ "المُعَذِّرِينَ" مِنَ التَعْذِيرِ وأنَحى عَلَيْهِ، والقَوْلُ مَنصُوصٌ ووَجْهُهُ بَيِّنٌ واللهُ المُعِينُ.
وقالَ ابْنُ إسْحاقَ: "المُعَذِّرُونَ" نَفَرٌ مِن بَنِي غِفارٍ، مِنهم خِفافُ بْنُ إيماءَ بْنِ رُحْضَةَ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا يَقْتَضِي أنَّهم مُؤْمِنُونَ.
{"ayahs_start":88,"ayahs":["لَـٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ جَـٰهَدُوا۟ بِأَمۡوَ ٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمُ ٱلۡخَیۡرَ ٰتُۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ","أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ ذَ ٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ","وَجَاۤءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِیُؤۡذَنَ لَهُمۡ وَقَعَدَ ٱلَّذِینَ كَذَبُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ سَیُصِیبُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ"],"ayah":"وَجَاۤءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِیُؤۡذَنَ لَهُمۡ وَقَعَدَ ٱلَّذِینَ كَذَبُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ سَیُصِیبُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق