الباحث القرآني
وقوله سبحانه: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ، لما تقدَّم ذكْر المؤمنين، وذكْر الكافرين، مثَّل سبحانه في الطائفتين بأنْ شَبَّه الذين آمنوا بَعْد كفرهم بأمواتٍ أُحْيُوا، هذا معنى قول ابن عباس [[أخرجه الطبري (5/ 332) برقم (13843، 13844، 13845) عن مجاهد وبرقم (13846، 13847) عن ابن عباس، وبرقم (13849) عن السدي، وبرقم (13850) عن ابن زيد، وذكره ابن عطية (2/ 341) ، والسيوطي (3/ 81) وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ عن ابن عباس، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر، وأبي الشيخ عن مجاهد.]] ومجاهد وغيرهما، وشَبَّه الكافرين وحَيْرَةَ جهلهم بقَوْمٍ في ظلمات يتردَّدون فيها، ولا يمكنهم الخروجُ منها ليبيِّن عزَّ وجلَّ الفرق بيْنَ الطائفتَيْن، والبَوْن [[البون والبون: مسافة ما بين الشيئين. ينظر: «لسان العرب» (391) .]] بين المنزلتين، ونُوراً أمكن ما يعني به الإيمان، قيل: ويحتمل أن يراد به النُّور الذي يُؤْتَاهُ المؤمن يوم القيامة، وجَعَلْنا في هذه الآية: بمعنى صيّرنا، فهي تتعدّى إلى مفعولَيْن، الأول: مُجْرِمِيها، والثاني: أَكابِرَ، وفي الكلام على هذا: تقديمٌ وتأخير، وتقديره: وكذلك جعلنا في كلِّ قريةٍ مجرميها أَكَابِرَ، وقدَّم الأهمَّ إذ لعلَّة كِبْرهم أجرموا، ويصح أن يكون المفعولُ الأول: «أكابر» ، و «مجرميها» [[اختلف في تقديرهما، والصحيح: أن يكون «في كلّ قرية» مفعولا ثانيا قدم على الأول، والأول «أكابر» مضافا ل «مجرميها» .
والثاني: أن يكون «في كلّ قرية» مفعولا ثانيا أيضا مقدما، و «أكابر» هو الأول، و «مجرميها» بدل من «أكابر» ذكر ذلك أبو البقاء.
الثالث: أن يكون «أكابر» مفعولا ثانيا قدم، و «مجرميها» مفعول أول آخر، والتقدير: جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر- فيتعلق الجار بنفس الفعل قبله، ذكر ذلك ابن عطية.
قال الشيخ: «وما أجازاه- يعني أبا البقاء وابن عطية- خطأ وذهول عن قاعدة نحوية، وهو أن «أفعل» التفضيل إذا كان ب «من» ملفوظا بها أو مقدرة، أو مضافة إلى نكرة كانت مفردة مذكرة على كل حال، سواء كانت لمذكر أم مؤنث مفرد أو مثنى أم مجموع. وإذا ثنيت أو جمعت أو أنثت، طابقت ما هي له، ولزمها أحد أمرين: إمّا الألف واللام، وإمّا الإضافة لمعرفة. وإذا تقرر ذلك، فالقول بكون «مجرميها» بدلا، وبكونه مفعولا أول، و «أكابر» مفعول ثان خطأ، لاستلزام أن يبقى «أكابر» مجموعا، وليست فيه ألف ولام، ولا هي مضافة لمعرفة. قال: وقد تنبه الكرماني إلى هذه القاعدة فقال: «أضاف «أكابر» إلى «مجرميها» لأن «أفعل» لا يجمع إلّا مع الألف واللام، أو مع الإضافة» . قال الشيخ: وكان ينبغي أن يقيد بالإضافة إلى معرفة. قلت: أما هذه القاعدة فمسلمة ولكن قد ذكر مكي ما ذكر ابن عطية سواء، وما أظنه أخذ إلّا منه، وكذلك الواحدي أيضا، ومنع أن يجوز إضافة «أكابر» إلى «مجرميها» . قال الواحدي- رحمه الله-: «والآية على التقديم والتأخير، تقديره: جعلنا مجرميها أكابر، ولا يجوز أن يكون «الأكابر» مضافة، لأنه لا يتم المعنى، ويحتاج إلى إضمار المفعول الثاني للجعل، لأنك إذا قلت:
جعلت زيدا، وسكت، لم يفد الكلام حتّى تقول: رئيسا أو ذليلا أو ما أشبه ذلك، ولأنك إذا أضفت «الأكابر» فقد أضفت النعت إلى المنعوت، وذلك لا يجوز عند البصريين» . قلت: هذان الوجهان اللذان ردّ بهما الواحدي ليسا بشيء. أما الأول فلا نسلم أنا نضمر المفعول الثاني، وأنه يصير الكلام غير مفيد، وما أورده من الأمثلة فليس مطابقا، لأنا نقول: إنّ المفعول الثاني هنا مذكور مصرح، وهو الجار والمجرور السابق. وأما الثاني فلا نسلم أنه من باب إضافة الصفة لموصوفها، لأن المجرمين: أكابر، وأصاغر، فأضاف للبيان، لا لقصد الوصف.
الرابع: أن المفعول الثاني محذوف. قالوا: وتقديره: جعلنا في كلّ قرية أكابر مجرميها فسّاقا ليمكروا.
وهذا ليس بشيء لأنه لا يحذف شيء، إلا الدليل، والدليل على ما ذكروه غير واضح. وقال ابن عطية:
ويقال: أكابرة، كما يقال: أحمر وأحامرة.
ينظر: «الدر المصون» (3/ 171- 172) .]] مضافٌ، والمفعولُ الثاني: في قوله: فِي كُلِّ قَرْيَةٍ، ولِيَمْكُرُوا: نصب بلامِ الصيرورةِ والأكابر: جمع أكْبَر كما الأفاضلُ جمع أفْضَل، قال الفَخْر [[ينظر: «تفسير الرازي» (13/ 143) .]] : وإنما جعل المجرمين أكابر لأنهم لأجل رياستهم أقْدَرُ على الغَدْرِ والمَكْرِ ورُكُوبِ الباطلِ من غيرهم ولأن كثرة المال والجاه يَحْمِلاَنِ الإنسان على المبالغةِ في حِفْظهما وذلك الحِفْظُ لا يتمُّ إلا بجميع الأخلاق الذميمةِ كالغَدْر والمَكْر والكَذِب والغِيبة والنَّميمة والأَيْمَان الكاذبة ولو لم يكن للمالِ والجاهِ سوى أنَّ اللَّه تعالى حَكَم بأنه إنما وصفَ بهذه الأوصافِ الذميمةِ مَنْ كان له مالٌ وجاه، لكفى ذلك دليلاً على خَسَاسة المالِ والجَاهِ. انتهى، وما ذكره من المال والجاه هو الأغلَبُ.
وَما يَشْعُرُونَ، أي: ما يعلمون.
وقوله سبحانه: وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ، أي: علامةٌ ودليلٌ على صحَّة الشرع، تشطَّطوا، وقالوا: لَنْ نؤمن حتَّى يُفْلَقَ لنا البَحْرُ، ويحيى لنا الموتى، ونحْوَ ذلك، فردَّ اللَّه تعالى عليهم بقوله: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ فيمن اصطفاه، وانتخبه، لا فيمن كَفَرَ، وجعل يتشطَّط على اللَّه سبحانه، قال الفَخْر [[ينظر: «تفسير الرازي» (13/ 143) .]] : قال المفسِّرون: قال الوليدُ بْنُ المُغِيرَةِ [[الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، أبو عبد شمس: من قضاة العرب في الجاهلية، ومن زعماء قريش، ومن زنادقتها. يقال له «العدل» لأنه كان عدل قريش كلها: كانت قريش تكسو «البيت» جميعها، والوليد يكسوه وحده. وكان ممن حرم الخمر في الجاهلية، وضرب ابنه هشاما على شربها. وأدرك الإسلام، وهو شيخ هرم، فعاداه وقاوم دعوته. قال ابن الأثير: وهو الذي جمع قريشا، وقال: «إن الناس يأتونكم أيام الحج، فيسألونكم عن محمد، فتختلف أقوالكم فيه، فيقول هذا: كاهن:
ويقول هذا: شاعر، ويقول هذا: مجنون وليس يشبه واحدا مما يقولون، ولكن أصلح ما قيل فيه:
«ساحر» لأنه يفرق بين المرء وأخيه، والزوج وزوجته!» وهلك بعد الهجرة بثلاثة أشهر، ودفن بالحجون. وهو والد سيف الله خالد بن الوليد.
ينظر: «الأعلام» (8/ 122) ، «الكامل» لابن الأثير (2/ 26) ، «اليعقوبي» (1/ 215) .]] :
لو كانتِ النبوَّة حقًّا، لكنْتُ أولى بها، قال الضَّحَّاك: أراد كلُّ واحد من هؤلاء الكفرة أنْ يُخَصَّ بالوحْيِ والرسالةِ كما أخبر عنهم سبحانه: بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً [المدثر: 52] انتهى.
ثم توعَّد سبحانه بأن هؤلاء المجرمين الأكابر في الدنيا سيصيبهم عند اللَّه صَغَارٌ وذلَّة.
{"ayahs_start":122,"ayahs":["أَوَمَن كَانَ مَیۡتࣰا فَأَحۡیَیۡنَـٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورࣰا یَمۡشِی بِهِۦ فِی ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِی ٱلظُّلُمَـٰتِ لَیۡسَ بِخَارِجࣲ مِّنۡهَاۚ كَذَ ٰلِكَ زُیِّنَ لِلۡكَـٰفِرِینَ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ","وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَا فِی كُلِّ قَرۡیَةٍ أَكَـٰبِرَ مُجۡرِمِیهَا لِیَمۡكُرُوا۟ فِیهَاۖ وَمَا یَمۡكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمۡ وَمَا یَشۡعُرُونَ","وَإِذَا جَاۤءَتۡهُمۡ ءَایَةࣱ قَالُوا۟ لَن نُّؤۡمِنَ حَتَّىٰ نُؤۡتَىٰ مِثۡلَ مَاۤ أُوتِیَ رُسُلُ ٱللَّهِۘ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ حَیۡثُ یَجۡعَلُ رِسَالَتَهُۥۗ سَیُصِیبُ ٱلَّذِینَ أَجۡرَمُوا۟ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابࣱ شَدِیدُۢ بِمَا كَانُوا۟ یَمۡكُرُونَ"],"ayah":"أَوَمَن كَانَ مَیۡتࣰا فَأَحۡیَیۡنَـٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورࣰا یَمۡشِی بِهِۦ فِی ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِی ٱلظُّلُمَـٰتِ لَیۡسَ بِخَارِجࣲ مِّنۡهَاۚ كَذَ ٰلِكَ زُیِّنَ لِلۡكَـٰفِرِینَ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق