الباحث القرآني

ولَمّا كانَ مَعْنى التَّحْذِيرِ مِن طاعَةِ المُشْرِكِينَ أنَّكم إنْ فَعَلْتُمْ كُنْتُمْ قَدْ رَدَدْتُمْ أنْفُسَكم إلى ظَلامِ الضَّلالِ بَعْدَ أنْ مُنِحْتُمْ نُورَ الهِدايَةِ - فَكانَ التَّقْدِيرُ: أفَمَن كانَ هَكَذا كانَ كَمَن نَصَحَ لِنَفْسِهِ بِاتِّباعِ الأدِلَّةِ وتَوَقِّي الشُّبَهِ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿أوَمَن كانَ مَيْتًا﴾ أيْ: بِالغَرَقِ في أمْواجِ ظَلامِ الكُفْرِ، لَيْسَ لَهم مِن ذَواتِهِمْ إلّا الجَمادِيَّةُ بَلْ العَدَمِيَّةُ ﴿فَأحْيَيْناهُ﴾ أيْ: بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ بِإشْراقِ أنْوارِ الإيمانِ عَلى قَلْبِهِ الَّذِي إنْ صَلَحَ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإنْ فَسَدَ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ ﴿وجَعَلْنا﴾ أيْ: بِعَظَمَتِنا عَلى وجْهِ الخُصُوصِ ﴿لَهُ نُورًا﴾ أيْ: بِالهِدايَةِ إلى كُلِّ خَيْرٍ ﴿يَمْشِي﴾ مُسْتَضِيئًا ﴿بِهِ في النّاسِ﴾ فَيَعْرِفُونَ أفْعالَهُ وأخْلاقَهُ وأقْوالَهُ ﴿كَمَن مَثَلُهُ﴾ أيْ: الَّذِي يُمَثَّلُ بِهِ، وهو ما يَنْكَشِفُ بِوَجْهِ الشَّبَهِ رُوحُ لُبِّهِ وخُلاصَةُ حالِ قَلْبِهِ (p-٢٥٣)حالَ قَلْبِهِ، أوْ يَكُونُ المَعْنى: صِفَتُهُ أنَّهُ ﴿فِي الظُّلُماتِ﴾ أيْ: ما لَهُ مِن نَفْسِهِ مِن ظُلْمَةِ الجَهْلِ وظُلْمَةِ ما يَنْشَأُ عَنْهُ مِنَ الهَوى وظُلْمَةِ ما نَشَأ عَنِ الهَوى مِنَ الكُفْرِ، وإذا كانَ المَثَلُ الَّذِي هو الأعْلى مِنَ المَمْثُولِ في شَيْءٍ كانَ المَمْثُولُ عَرِيقًا فِيهِ بِطَرِيقِ الأوْلى، فَلِذَلِكَ قالَ: ﴿لَيْسَ بِخارِجٍ﴾ أيْ: ذَلِكَ المَثَلُ ﴿مِنها﴾ أيْ: الظُّلُماتِ بِما زُيِّنَ لَهُ مِن سُوءِ أعْمالِهِ حَتّى صارَتْ أحَبَّ إلَيْهِ مِن نَفْسِهِ ومالِهِ، وإذا لَمْ يَخْرُجُ المَثَلُ مِن شَيْءٍ لَمْ يَخْرُجْ المَمْثُولُ مِنهُ وإلّا لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُما مُماثَلَةٌ، وذَلِكَ لِأنَّهُ زُيِّنَ لَهُ عَمَلُهُ، وهي ناظِرَةٌ إلى قَوْلِهِ أوَّلَ السُّورَةِ ﴿إنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ والمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ٣٦] وقَوْلِهِ: ﴿والَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وبُكْمٌ في الظُّلُماتِ﴾ [الأنعام: ٣٩] ولَمّا كانَ إيحاءُ الشَّياطِينَ إلى أوْلِيائِهِمْ مِمّا يُوجِبُ لُزُومَ العَمى لَيْسَ إلّا تَزْيِينًا لِلْقَبائِحِ، فَكانَ حالُهم مِمّا يَشْتَدُّ العَجَبُ مِنهُ، كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: لَوْلا رُؤْيَتُنا لِحالِهِمْ ما صَدَّقْنا أنَّ عاقِلًا يَرْضى ما فَعَلُوهُ بِأنْفُسِهِمْ، فَهَلْ وقَعَ لِأحَدٍ قَطُّ مِثْلُ حالِهِمْ؟ فَقِيلَ: نَعِمَ ﴿كَذَلِكَ﴾ أيْ: مِثْلُ ما زُيِّنَ لَهم سُوءُ أعْمالِهِمْ ﴿زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ﴾ أيْ: كُلِّهِمْ ﴿ما كانُوا﴾ بِما جَبَلْناهم عَلَيْهِ ﴿يَعْمَلُونَ﴾ فَهَمْ أبَدًا في الظُّلُماتِ، فالآيَةُ مِنَ الِاحْتِباكِ: أثْبَتَ أوَّلًا كَوْنَهُ في الظُّلُماتِ دَلِيلًا عَلى تَقْدِيرِهِ (p-٢٥٤)ثانِيًا، وثانِيًا التَّزْيِينَ دَلِيلًا عَلى تَقْدِيرِهِ أوَّلًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب