الباحث القرآني
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿أوَمَن كانَ مَيْتًا فَأحْيَيْناهُ وجَعَلْنا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ في الناسِ كَمَن مَثَلُهُ في الظُلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنها كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنا في كُلِّ قَرْيَةٍ أكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وما يَمْكُرُونَ إلا بِأنْفُسِهِمْ وما يَشْعُرُونَ﴾
تَقَدَّمَ في هَذِهِ الآيَةِ السالِفَةِ ذِكْرُ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ أُمِرُوا بِتَرْكِ ظاهِرِ الإثْمِ وباطِنِهِ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ؛ وذِكْرُ قَوْمٍ كافِرِينَ يَضِلُّونَ بِأهْوائِهِمْ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَمَثَّلَ اللهُ - عَزَّ وجَلَّ - في الطائِفَتَيْنِ؛ بِأنْ شَبَّهَ الَّذِينَ آمَنُوا بَعْدَ كُفْرِهِمْ بِأمْواتٍ أُحْيُوا؛ هَذا مَعْنى قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما -؛ ومُجاهِدٍ ؛ وغَيْرِهِما؛ وشَبَّهَ الكافِرِينَ وحَيْرَةَ جَهْلِهِمْ بِقَوْمٍ في ظُلُماتٍ يَتَرَدَّدُونَ فِيها ولا يُمْكِنُهُمُ الخُرُوجُ مِنها؛ لِيُبَيِّنَ - عَزَّ وجَلَّ - الفارِقَ بَيْنَ الطائِفَتَيْنِ؛ والبَوْنَ بَيْنَ المَنزِلَتَيْنِ.
وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "أوَمَن"؛ بِفَتْحِ الواوِ؛ فَهي ألِفُ اسْتِفْهامٍ؛ دَخَلَتْ عَلى واوِ عَطْفِ جُمْلَةٍ عَلى جُمْلَةٍ؛ و"مَن"؛ بِمَعْنى "اَلَّذِي"؛ وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: "أفَمَن"؛ بِالفاءِ؛ والمَعْنى قَرِيبٌ مِن مَعْنى الواوِ؛ والفاءُ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ "فَأحْيَيْناهُ"؛﴾ عاطِفَةٌ؛ و﴿ "نُورًا"؛﴾ أمْكَنُ ما يُعْنى بِهِ: اَلْإيمانُ؛ و﴿ "يَمْشِي بِهِ"؛﴾ يُرادُ بِهِ جَمِيعُ التَصَرُّفِ في الأفْعالِ؛ والأقْوالِ؛ قالَ أبُو عَلِيٍّ: ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ النُورُ الَّذِي يُؤْتاهُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ القِيامَةِ؛ و﴿ "فِي الناسِ"؛﴾ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَمْشِي"؛ ويَصِحُّ أنْ يَتَعَلَّقَ بِـ "كانَ مَيْتًا"؛ وقَوْلُهُ تَعالى (p-٤٥٣)﴿ "كَمَن مَثَلُهُ"؛﴾ بِمَنزِلَةِ: "كَمَن هُوَ"؛ والكافُ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿كَذَلِكَ زُيِّنَ﴾ ؛ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ؛ يَدُلُّ ظاهِرُ الكَلامِ عَلَيْهِ؛ تَقْدِيرُهُ: "وَكَما أحْيَيْنا المُؤْمِنِينَ وجَعَلْنا لَهم نُورًا؛ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ..."؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ تَعالى "كَمَن مَثَلُهُ"؛ أيْ: "كَهَذِهِ الحالِ هو التَزْيِينُ".
وقَرَأ نافِعٌ وحْدَهُ: "مَيِّتًا"؛ بِكَسْرِ الياءِ؛ وشَدِّها؛ وقَرَأ الباقُونَ: "مَيْتًا"؛ بِسُكُونِ الياءِ؛ قالَ أبُو عَلِيٍّ: اَلتَّخْفِيفُ كالتَشْدِيدِ؛ والياءُ المَحْذُوفَةُ هي الثانِيَةُ المُنْقَلِبَةُ عن واوٍ؛ أُعِلَّتْ بِالحَذْفِ؛ كَما أُعِلَّتْ بِالقَلْبِ.
وقالَتْ طائِفَةٌ: إنَّ هَذِهِ الألْفاظَ الَّتِي مُثِّلَ بِها؛ وإنْ كانَتْ تَعُمُّ كُلَّ مُؤْمِنٍ وكُلَّ كافِرٍ؛ فَإنَّما نَزَلَتْ في مَخْصُوصِينَ؛ فَقالَ الضَحّاكُ: اَلْمُؤْمِنُ الَّذِي كانَ مَيْتًا فَأُحْيِيَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ - رَضِيَ اللهُ عنهُ -؛ وحَكى المَهْدَوِيُّ عن بَعْضِهِمْ أنَّهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ - رَضِيَ اللهُ عنهُ -؛ وقالَ عِكْرِمَةُ: عَمّارُ بْنُ ياسِرٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُ -؛ وقالَ الزَجّاجُ: جاءَ في التَفْسِيرِ أنَّهُ يَعْنِي بِهِ النَبِيَّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: واتَّفَقُوا عَلى أنَّ الَّذِي في الظُلُماتِ: أبُو جَهْلِ بْنُ هِشامٍ ؛ وإلى حالِهِ وحالِ أمْثالِهِ هي الإشارَةُ؛ والتَشْبِيهُ؛ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنا في كُلِّ قَرْيَةٍ﴾ ؛ وهَذِهِ الآيَةُ تَتَضَمَّنُ إنْذارًا بِفَسادِ حالِ الكَفَرَةِ؛ المُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ؛ لِأنَّهُ مُقْتَضى حالِ مَن تَقَدَّمَهم مِن نَظائِرِهِمْ؛ وقالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في المُسْتَهْزِئِينَ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: يَعْنِي أنَّ التَمْثِيلَ لَهُمْ؛ و"جَعَلْنا"؛ في هَذِهِ الآيَةِ؛ بِمَعْنى "صَيَّرْنا"؛ فَهي تَتَعَدّى إلى مَفْعُولَيْنِ؛ فالمَفْعُولُ الأوَّلُ: ﴿ "مُجْرِمِيها"؛﴾ والثانِي: "أكابِرَ"؛ وفي الكَلامِ - عَلى هَذا - تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ؛ تَقْدِيرُهُ: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنا في كُلِّ قَرْيَةٍ مُجْرِمِيها أكابِرَ"؛ وقَدَّمَ الأهَمَّ؛ إذْ لِعِلَّةِ كِبَرِهِمْ أجْرَمُوا؛ ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ المَفْعُولُ الأوَّلُ: "أكابِرَ"؛ و"مُجْرِمِيها"؛ مُضافًا؛ والمَفْعُولُ الثانِي قَوْلَهُ - سُبْحانَهُ -: ﴿فِي كُلِّ قَرْيَةٍ﴾ ؛ و"لِيَمْكُرُوا"؛ نُصِبَ بِلامِ الصَيْرُورَةِ.
والأكابِرُ جَمْعُ "أكْبَرُ"؛ كَما "اَلْأفاضِلُ"؛ جَمْعُ "أفْضَلُ"؛ ويُقالُ: "أكابِرَةٌ"؛ كَما يُقالُ: "أحْمَرُ"؛ و"أحامِرَةٌ"؛ ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:(p-٤٥٤)
؎ إنَّ الأحامِرَةَ الثَلاثَةَ أتْلَفَتْ ∗∗∗ مالِي وكُنْتُ بِهِنَّ قِدْمًا مُولَعا
يُرِيدُ: اَلْخَمْرَ؛ واللَحْمَ؛ والزَعْفَرانَ؛ و"اَلْمَكْرُ": اَلتَّحَيُّلُ بِالباطِلِ؛ والخَدِيعَةُ؛ ونَحْوُهُما؛ وقَوْلُهُ تَعالى ﴿وَما يَمْكُرُونَ إلا بِأنْفُسِهِمْ﴾ ؛ يُرِيدُ: لِرُجُوعِ وبالِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ؛ "وَما يَشْعُرُونَ"؛ أيْ: ما يَعْلَمُونَ؛ وهي لَفْظَةٌ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الشِعارِ؛ وهو الشَيْءُ الَّذِي يَلِي البَدَنَ؛ فَكَأنَّ الَّذِي لا يَشْعُرُ نُفِيَ عنهُ أنْ يَعْلَمَ عِلْمَ حِسٍّ؛ وفي ذَلِكَ مُبالَغَةٌ في صِفَةِ جَهْلِهِ؛ إذِ البَهائِمُ تَعْلَمُ عُلُومَ الحِسِّ؛ وأمّا هَذِهِ الآيَةُ فَإنَّما نُفِيَ فِيها الشُعُورُ في نازِلَةٍ مَخْصُوصَةٍ.
{"ayahs_start":122,"ayahs":["أَوَمَن كَانَ مَیۡتࣰا فَأَحۡیَیۡنَـٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورࣰا یَمۡشِی بِهِۦ فِی ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِی ٱلظُّلُمَـٰتِ لَیۡسَ بِخَارِجࣲ مِّنۡهَاۚ كَذَ ٰلِكَ زُیِّنَ لِلۡكَـٰفِرِینَ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ","وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَا فِی كُلِّ قَرۡیَةٍ أَكَـٰبِرَ مُجۡرِمِیهَا لِیَمۡكُرُوا۟ فِیهَاۖ وَمَا یَمۡكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمۡ وَمَا یَشۡعُرُونَ"],"ayah":"أَوَمَن كَانَ مَیۡتࣰا فَأَحۡیَیۡنَـٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورࣰا یَمۡشِی بِهِۦ فِی ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِی ٱلظُّلُمَـٰتِ لَیۡسَ بِخَارِجࣲ مِّنۡهَاۚ كَذَ ٰلِكَ زُیِّنَ لِلۡكَـٰفِرِینَ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق