الباحث القرآني
(p-18)﴿أوَمَن كانَ مَيْتًا فَأحْيَيْناهُ﴾ تَمْثِيلٌ مَسُوقٌ لِتَنْفِيرِ المُسْلِمِينَ عَنْ طاعَةِ المُشْرِكِينَ إثْرَ تَحْذِيرِهِمْ عَنْها بِالإشارَةِ إلى أنَّهم مُسْتَضِيئُونَ بِأنْوارِ الوَحْيِ الإلَهِيِّ والمُشْرِكُونَ غارِقُونَ في ظُلُماتِ الكُفْرِ والطُّغْيانِ فَكَيْفَ يُعْقَلُ طاعَتُهم لَهُ فالآيَةُ كَما قالَ الطَّيِّبِيُّ مُتَّصِلَةٌ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وإنْ أطَعْتُمُوهُمْ﴾ والهَمْزَةُ لِلْإنْكارِ والَوْاوُ كَما قالَ غَيْرُ واحِدٍ لِعَطْفِ الجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ عَلى مِثْلِها الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الكَلامُ أيْ أنْتُمْ مِثْلُهم ومَن كانَ مَيْتًا فَأعْطَيْناهُ الحَياةَ ﴿وجَعَلْنا لَهُ﴾ مَعَ ذَلِكَ مِنَ الخارِجِ ﴿نُورًا﴾ عَظِيمًا ﴿يَمْشِي بِهِ﴾ أيْ بِسَبَبِهِ ﴿فِي النّاسِ﴾ أيْ فِيما بَيْنَهم آمِنًا مِن جِهَتِهِمْ والجُمْلَةُ إمّا اسْتِئْنافٌ مَبْنِيٌّ عَلى سُؤالٍ نَشَأ مِنَ الكَلامِ كَأنَّهُ قِيلَ: فَماذا يَصْنَعُ بِذَلِكَ النُّورِ فَقِيلَ يَمْشِي .. إلَخْ. أوْ صِفَةٌ لَهُ ومَنِ اسْمٌ مَوْصُولٌ مُبْتَدَأٌ وما بَعْدَهُ صِلَتُهُ والخَبَرُ مُتَعَلِّقُ الجارِّ والمَجْرُورِفِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كَمَن مَثَلُهُ﴾ أيْ صِفَتُهُ العَجِيبَةُ ومَن فِيهِ اسْمٌ مَوْصُولٌ أيْضًا و( مَثَلُهُ ) مُبْتَدَأٌ وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ ﴿فِي الظُّلُماتِ﴾ خَبَرُ هو مَحْذُوفٌ وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿لَيْسَ بِخارِجٍ مِنها﴾ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ المُسْتَكِنِ في الظَّرْفِ وهَذِهِ الجُمْلَةُ خَبَرُ المُبْتَدَأِ أعْنِي ( مَثَلُهُ ) عَلى سَبِيلِ الحِكايَةِ بِمَعْنى إذا وُصِفَ يُقالُ لَهُ ذَلِكَ وجُمْلَةُ ( مَثَلُهُ ) مَعَ خَبَرِهِ صِلَةُ المَوْصُولِ.
وإنْ شِئْتَ جَعَلْتَ مِنَ المَوْضِعَيْنِ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً ولَمْ يُجَوَّزْ أنْ يَكُونَ ﴿فِي الظُّلُماتِ﴾ خَبَرًا عَنْ ( مَثَلُهُ ) لِأنَّ الظُّلُماتِ لَيْسَ ظَرْفًا لِلْمَثَلِ وظاهِرُ كَلامِ بَعْضِهِمْ كَأبِي البَقاءِ أنَّ ( في الظُّلَماتِ ) هو الخَبَرُ ولَيْسَ هُناكَ هو مُقَدَّرًا ولا يَلْزَمُ كَما نَصَّ عَلَيْهِ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ حَدِيثُ الظَّرْفِيَّةِ لِأنَّ المُرادَ أنْ مَثَلَهُ هو كَوْنُهُ في الظُّلُماتِ والمَقْصُودُ الحِكايَةُ نَعَمْ ما ذُكِرَ أوَّلًا أوْلى لِأنَّ خَبَرَ ( مَثَلُهُ ) لا يَكُونُ إلّا جُمْلَةً تامَّةً والظَّرْفُ بِغَيْرِ فاعِلٍ ظاهِرٍ لا يُؤَدِّي مُؤَدّى ذَلِكَ.
وجُوِّزَ كَوْنُ جُمْلَةِ ﴿لَيْسَ بِخارِجٍ﴾ حالًا مِنَ الهاءِ في ( مَثَلُهُ ) ومَنَعَهُ أبُو البَقاءِ لِلْفَصْلِ قِيلَ: ولِضَعْفِ مَجِيءِ الحالِ مِنَ المُضافِ إلَيْهِ وقَرَأ نافِعٌ ويَعْقُوبُ ( مَيِّتًا ) بِالتَّشْدِيدِ وهو أصْلٌ لِلْمُخَفَّفِ والمَحْذُوفُمِنَ الياءَيْنِ الثّانِيَةِ المُنْقَلِبَةِ عَنِ الواوِ أُعِلَّتْ بِالحَذْفِ كَما أُعِلَّتْ بِالقَلْبِ ولا فَرْقَ بَيْنَهُما عِنْدَ الجُمْهُورِ.
ثُمَّ إنَّ هَذا الأخِيرَ كَما قالَ شَيْخُ الإسْلامِ مَثَلُ ما أُرِيدَ بِهِ مَن بَقِيَ في الضَّلالَةِ بِحَيْثُ لا يُفارِقُها أصْلًا كَما أنَّ الأوَّلَ مَثَلٌ أُرِيدَ بِهِ مَن خَلَقَهُ اللَّهُ تَعالى عَلى فِطْرَةِ الإسْلامِ وهَداهُ بِالآياتِ البَيِّناتِ إلى طَرِيقِ الحَقِّ يَسْلُكُهُ كَيْفَ شاءَ لَكِنْ لا عَلى أنْ يَدُلَّ عَلى كُلِّ واحِدٍ مِن هَذِهِ المَعانِي بِما يَلِيقُ بِهِ مِنَ الألْفاظِ الوارِدَةِ في المَثَلَيْنِ بِواسِطَةِ تَشْبِيهٍ بِما يُناسِبُهُ مِن مَعانِيها فَإنَّ ألْفاظَ المَثَلِ باقِيَةٌ عَلى مَعانِيها الأصْلِيَّةِ بَلْ عَلى أنَّهُ قَدِ انْتُزِعَتْ مِنَ الأُمُورِ المُتَعَدِّدَةِ المُعْتَبَرَةِ في كُلِّ واحِدٍ مِن جانِبِ المَثَلَيْنِ هَيْئَةٌ عَلى حِدَةٍ ومِنَ الأُمُورِ المُتَعَدِّدَةِ المَذْكُورَةِ في كُلِّ واحِدٍ مِن جانِبِ المَثَلَيْنِ هَيْئَةٌ عَلى حِدَةٍ فَشُبِّهَتْ بِهِما الأُولَيانِ ونَزَلَتا مَنزِلَتَهُما فاسْتُعْمِلَ فِيهِما ما يَدُلُّ عَلى الأخِيرَتَيْنِ بِضَرْبٍ مِنَ التَّجَوُّزِ إلى آخِرِ ما قالَ ونَصَّ القُطْبُ الرّازِيُّ عَلى أنَّهُما تَمْثِيلانِ لا اسْتِعارَتانِ ورُدَّ كَما قالَ الشِّهابُ بِأنَّ الظّاهِرَ بِأنَّ مَن كانَ مَيْتًا ومَن مَثَلُهُ في الظُّلُماتِ مِن قَبِيلِ الِاسْتِعارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ إذْ لا ذِكْرَ لِلْمُشَبَّهِ صَرِيحًا ولا دَلالَةَ بِحَيْثُ يُنافِي الِاسْتِعارَةَ والِاسْتِعارَةُ الأُولى بِجُمْلَتِها مُشَبَّهَةٌ والثّانِيَةُ مُشَبَّهٌ بِهِ وهَذا كَما تَقُولُ في الِاسْتِعارَةِ الإفْرادِيَّةِ أيَكُونُ الأسَدُ كالثَّعْلَبِ أيِ الشُّجاعُ كالجَبانِ وهو مِن بَدِيعِ المَعانِي الَّذِي يَنْبَغِي أنْ يُتَنَبَّهَ لَهُ ويُحْفَظَ والتَّفْسِيرُ المَأْثُورُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّ المُرادَ بِالمَيِّتِ الكافِرُ الضّالُّ وبِالأحْياءِ الهِدايَةُ وبِالنُّورِ القُرْآنُ وبِالظُّلُماتِ الكُفْرُ والضَّلالَةُ والآيَةُ عَلى ما أخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ عَنْهُ نَزَلَتْ في عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ (p-19)وهُوَ المُرادُ بِمَن أحْياهُ اللَّهُ تَعالى وهَداهُ وأبِي جَهْلِ بْنِ هِشامٍ لَعَنَهُ اللَّهُ تَعالى وهو المُرادُ بِمَن مَثَلُهُ في الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنها ورُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ مِثْلُ ذَلِكَ.
وفِي رِوايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّها في حَمْزَةَ وأبِي جَهْلٍ وعَنْ عِكْرِمَةَ أنَّها في عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ وأبِي جَهْلٍ وأيًّا ما كانَ فالعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لا بِخُصُوصِ السَّبَبِ فَيَدْخُلُ في ذَلِكَ كُلُّ مَنِ انْقادَ لِأمْرِ اللَّهِ تَعالى ومَن بَقِيَ عَلى ضَلالِهِ وعُتُوِّهِ ﴿كَذَلِكَ﴾ إشارَةٌ إلى التَّزْيِينِ المَذْكُورِ عَلى طُرُزِ ما قُرِّرَ في أمْثالِهِ أوْ إشارَةٌ إلى إيحاءِ الشَّياطِينِ إلى أوْلِيائِهِمْ أوْ إلى تَزْيِينِ الإيمانِ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿زُيِّنَ﴾ مِن جِهَتِهِ تَعالى خُلُقًا أوْ مِن جِهَةِ الشَّياطِينِ وسْوَسَةً ﴿لِلْكافِرِينَ﴾ كَأبِي جَهْلٍ وأضْرابِهِ ﴿ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (122) أيْ ما اسْتَمَرُّوا عَلى عَمَلِهِ مِن فُنُونِ الكُفْرِ والمَعاصِي الَّتِي مِن جُمْلَتِها ما حُكِيَ عَنْهم مِنَ القَبائِحِ.
{"ayah":"أَوَمَن كَانَ مَیۡتࣰا فَأَحۡیَیۡنَـٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورࣰا یَمۡشِی بِهِۦ فِی ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِی ٱلظُّلُمَـٰتِ لَیۡسَ بِخَارِجࣲ مِّنۡهَاۚ كَذَ ٰلِكَ زُیِّنَ لِلۡكَـٰفِرِینَ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق