الباحث القرآني
وقوله تعالى: ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ إشارة إلى قوله تعالى في الآية الأخرى:
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً [الأحزاب: 47] .
وقوله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى اختلف الناسُ في معناه فقال ابن عباس وغيره: هي آية مَكِّيَّةٌ نزلت في صدر الإسلام، ومعناها: استكفاف شَرِّ الكفار ودفع أذاهم، أي: ما أسألكم على القرآن إلاَّ أَنْ تَوَدُّوني لقرابةٍ بيني وبينكم فَتَكُفُّوا عَنِّي أذاكم [[ذكره ابن عطية في «تفسيره» (5/ 33) .]] ، قال ابن عباس، وابن إسحاق، وقتادة: ولم يكن في قريش بطن إلّا وللنّبيّ ﷺ فيه نسب أو صِهْرٌ [[أخرجه البخاري (8/ 426) كتاب «التفسير» باب: إلا المودة في القربى (4818) عن ابن عبّاس، والترمذي (5/ 377) كتاب «التفسير» باب: ومن سورة حم عسق (3251) ، وابن جرير في «تفسيره» (11/ 142) (30662- 30663) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 125) عن ابن عبّاس جميعهم، وابن عطية (5/ 33) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 699) ، وعزاه إلى مسلم وابن مردويه، وعبد بن حميد، وأحمد عن ابن عبّاس.]] ، فالآية على هذا فيها استعطافٌ مَّا، ودفع أذًى، وطلبُ سلامة منهم، وذلك كله منسوخ بآية السيف، ويحتمل هذا التأويل أنْ يكون معنى الكلام استدعاء نصرهم، أي: لا أسألكم غرامة ولا شيئاً إلاَّ أَنْ تَوَدُّوني لقرابتي منكم، وأنْ تكونوا أولى بي من غيركم، قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 34) .]] : وقُرَيْشٌ كُلُّها عندي قربى، وإنْ كانت تتفاضل، وقد روي عن النبي ﷺ أَنَّه قال: «مَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ شَهِيداً، ومَنْ مَاتَ على بُغْضِهِم، لَمْ يَشمَّ رَائِحَةَ الجَنَّةِ» [[ينظر: القرطبي (16/ 23) تفسير سورة الشورى.]] ، وقال ابن عَبَّاس أيضاً: ما يقتضي أَنَّ الآية مَدَنِيَّةٌ، وأَنَّ الأنصار جمعت لرسول الله ﷺ مالاً وساقَتْهُ إليه، فَرَدَّهُ عليهم، وَنَزَلَتِ الآيةُ في ذلك [[ذكره ابن عطية (5/ 34) .]] ، وقيلَ غَيْرُ هذا، وعلى كُلِّ قول، فالاستثناء منقطع، وإِلَّا بمعنى «لكن» ويَقْتَرِفْ معناه: يَكْتَسِب، ورَجُلٌ قُرَفَةٌ إذا كان محتالاً كسوبا وغَفُورٌ معناه: ساتر عيوب عباده، وشَكُورٌ معناه: مُجِازٍ على الدقيقة من الخير، لا يضيع عنده لعاملٍ عَمَلٌ.
وقوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً «أم» هذه مقطوعةٌ مضمنة إضراباً عن كلام متقدِّم، وتقريراً على هذه المقالة منهم.
وقوله تعالى: فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ معناه في قول قتادة وفرقة من المفسرين: ينسيك/ القرآن [[أخرجه الطبري (11/ 146) برقم (30691) ، وذكره ابن عطية (5/ 34) والسيوطي (5/ 703) وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد.]] ، والمراد الرَّدُّ على مقالة الكُفَّار، وبيانُ إبْطَالِهَا، كأَنَّهُ يقُولُ:
وكيف يَصِحُّ أنْ تكون مفترياً، وأنت من اللَّه بمرأًى ومَسْمَعٍ؟ هو قَادِرٌ لو شاء أَنْ يختم على قلبك فلا تَعْقِلُ، ولا تنطق، ولا يستمرُّ افتراؤك فمقصد اللفظ: هذا المعنى، وحُذِفَ ما يَدُلُّ عليه الظاهر اختصاراً واقتصاراً، وقال مجاهد: المعنى: فإن يشإ اللَّه يختمْ على قلبك بالصبر لأذى الكفار، ويربطْ عليك بالجَلَدِ [[ذكره ابن عطية (5/ 35) .]] ، فهذا تأويل لا يتضمَّن الردَّ على مقالتهم قال أبو حَيَّان: وذكر القُشَيْرِيُّ أنَّ الخطاب للكفار، أي: يختم على قلبك أَيُّهَا القائلُ فيكون انتقالاً من الغيبة للخطاب، وَيَمْحُ: استئنافُ إخبارٍ لا داخل في الجواب، وتسقط الواو من اللفظ لالتقاء الساكنين، ومن المصحف حملاً على اللفظ، انتهى.
وقوله تعالى: وَيَمْحُ فعل مستقبل، خبر من اللَّه تعالى أَنَّهُ يمحو الباطل، ولا بُدَّ إمَّا في الدنيا وإمَّا في الآخرة، وهذا بحسب نازلة نازلة، وكتب يَمْحُ في المصحف بحاء مرسلة، كما كتبوا: وَيَدْعُ الْإِنْسانُ [الإسراء: 11] إلى غير ذلك مِمَّا ذهبوا فيه إلى الحذف والاختصار.
وقوله: بِكَلِماتِهِ معناه: بما سبق في قديم علمه وإرادته من كون الأشياء، فالكلمات: المعاني القائمة القديمة التي لا تبديلَ لها، ثم ذكر تعالى النعمة في تَفَضُّلِهِ بقبول التوبة من عباده، وقبول التوبة فيما يستأنف العبد من زمانه وأعماله- مقطوعٌ به بهذه الآية، وأمَّا ما سلف من أعماله فينقسم، فأمَّا التوبة من الكفر فَمَاحِيَةٌ كُلَّ ما تَقَدَّمَها من مظالم العباد الفائتة وغير ذلك، وأمَّا التوبة من المعاصي فلأهل السُّنَّةِ فيها قولان: هل تُذْهِبَ المعاصيَ السالفةَ للعبد بينه وبين خالقه؟ فقالت فرقة: هي مُذْهِبَةٌ لها، وقالت فرقة: هي في مشيئة اللَّه تعالى، / وأجمعوا أَنَّها لا تُذْهِبُ مظالم العباد، وحقيقةُ التوبة: الإقلاعُ عن المعاصِي، والإقبالُ، والرجوعُ إلى الطاعات، ويلزمها النَّدَمُ على ما فَاتَ والعَزْمُ على ملازمة الخَيْرَات.
وقال سَرِيٌّ السِّقَطِيُّ: التوبة: العَزْمُ على ترك الذنوب والإقبالُ بالقَلْبِ على عَلاَّم الغيوب، وقال يحيى بن مُعَاذٍ: التائبُ: مَنْ كَسَرَ شَبَابَهُ على رأسه، وكَسَرَ الدنيا على رأسِ الشيطان، [ولزم الفِطام] [[سقط في: د.]] حتى أتاه الحِمَام [[ذكره ابن عطية (5/ 35) .]] .
وقوله تعالى: عَنْ عِبادِهِ بمعنى مِنْ عباده، وكأنه قال: التوبة الصادرة عن عباده، وقرأ الجمهور: «يَفْعَلُونَ» بالياء على الغَيْبَة، وقرأ حمزة والكسائيُّ: «تَفْعَلُونَ» بالتاء على المخاطبة [[وقرأ بها حفص عن عاصم.
ينظر: «السبعة» (580) ، و «الحجة» (6/ 128) ، و «إعراب القراءات» (2/ 283) ، و «معاني القراءات» (2/ 356) ، و «شرح الطيبة» (5/ 212) ، و «العنوان» (170) ، و «حجة القراءات» (641) ، و «إتحاف» (2/ 450) .]] ، وفي الآية توعُّد.
وقوله تعالى: «ويستجيب» قال الزَّجَّاجُ وغيره: معناه: يجيبُ، والعَرَبُ تقول: أجاب واستجاب بمعنى، والَّذِينَ على هذا التأويل: مفعول «يستجيب» ، وروي هذا المعنى عن معاذِ بن جَبَلٍ، ونحوه عن ابن عباس [[ذكره ابن عطية (5/ 35) .]] ، وقالت فرقة: المعنى: ويستدعي الذين آمنوا الإجابة من ربهم بالأعمال الصالحات، ودَلَّ قوله: وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ على أنَّ المعنى: فيجيبهم، والَّذِينَ على هذا القول فَاعِلُ يَسْتَجِيبُ،، وقالتْ فرقة: المعنى: ويجيبُ المؤمنونَ رَبَّهم، ف الَّذِينَ فاعلٌ بمعنى: يجيبُونَ دَعْوَةَ شَرْعِهِ ورسالتِهِ، والزيادة من فضله هي تضعيفُ الحسنات، ورُوِيَ عن النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قال: «هِيَ قَبُولُ الشَّفَاعَاتِ في المُذْنِبِينَ، والرضوان» .
{"ayahs_start":23,"ayahs":["ذَ ٰلِكَ ٱلَّذِی یُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِۗ قُل لَّاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِی ٱلۡقُرۡبَىٰۗ وَمَن یَقۡتَرِفۡ حَسَنَةࣰ نَّزِدۡ لَهُۥ فِیهَا حُسۡنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ شَكُورٌ","أَمۡ یَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبࣰاۖ فَإِن یَشَإِ ٱللَّهُ یَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَۗ وَیَمۡحُ ٱللَّهُ ٱلۡبَـٰطِلَ وَیُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَـٰتِهِۦۤۚ إِنَّهُۥ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ","وَهُوَ ٱلَّذِی یَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَیَعۡفُوا۟ عَنِ ٱلسَّیِّـَٔاتِ وَیَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ","وَیَسۡتَجِیبُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَیَزِیدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۚ وَٱلۡكَـٰفِرُونَ لَهُمۡ عَذَابࣱ شَدِیدࣱ"],"ayah":"ذَ ٰلِكَ ٱلَّذِی یُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِۗ قُل لَّاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِی ٱلۡقُرۡبَىٰۗ وَمَن یَقۡتَرِفۡ حَسَنَةࣰ نَّزِدۡ لَهُۥ فِیهَا حُسۡنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ شَكُورٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق