الباحث القرآني

ذلِكَ الَّذِي ذكرت من نعيم الجنّات. يُبَشِّرُ اللَّهُ به. عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فإنّهم أهله. قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قال ابن عباس: لما قدم رسول الله ﷺ‎ من المدينة كانت تنوبه نوائب وحقوق، وليس في يديه سعة لذلك، قالت الأنصار: إنّ هذا الرجل قد هداكم الله به، وهو ابن أختكم، منوبة به. فقالوا له: يا رسول الله إنّك ابن أختنا، وقد هدانا الله على يديك، وتنوبك نوائب وحقوق، ولست لك عندها سعة، فرأينا أن نجمع لك من أموالنا، فنأتيك به، فتستعين به على ما ينوبك وها هو ذا، فنزلت هذه الآية. وقال قتادة: اجتمع المشركون في مجمع لهم، فقال بعضهم لبعض: أترون محمّدا يسأل على ما يتعاطاه أجرا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، يحثهم على مودته، ومودّة أقربائه ، وهذا التأويل أشبه بظاهر الآية والتنزيل لأنّ هذه السورة مكّية، واختلف العلماء في معنى الآية. أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه بقراءتي عليه، حدثنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي، حدثنا أبو بكر الأزدي، حدثنا عاصم بن علي، حدثنا قزعة بن سويد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي ﷺ‎: «لا أسألكم على ما أتيتكم من البينات والهدى أجرا إلّا أن تودّوا الله تعالى، وتقرّبوا إليه بطاعته» [170] [[مسند احمد: 1/ 268، المستدرك: 2/ 444.]] . وإلى هذا ذهب الحسن البصري، فقال: هو القربى إلى الله تعالى، يقول إلّا التقرب إلى الله تعالى والتودّد إليه بالطاعة والعمل الصالح، وروى طاوس والشعبي والوالبي والعوفي عن ابن عباس، قال: لم يكن بطن من بطون قريش إلّا وبين رسول الله وبينهم قرابة، فلما كذّبوه وأبوا أن يبايعوه، أنزل الله تعالى، قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى يعني أن تحفظوني وتودّوني وتصلوا رحمي، فقال رسول الله: «إذا أبيتم أن تبايعوني، فاحفظوا قرابتي فيكم ولا تؤذوني، فإنّكم قومي وأحق من أطاعني وأجابني [[جامع البيان للطبري: 25/ 31.]] [171] . وإليه ذهب أبو مالك وعكرمة ومجاهد والسدي والضحاك وابن زيد وقتادة، وقال بعضهم: معناه إلّا أن تودوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم، وهو قول سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب. ثمّ اختلفوا في قرابة رسول الله ﷺ‎، الّذين أمر الله تعالى بمودتهم. أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه الثقفي العدل، حدثنا برهان بن علي الصوفي، حدثنا محمّد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي، حدثنا حرب بن الحسن الطحان، حدثنا حسين الأشقر، عن قيس، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الّذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: «علي وفاطمة وأبناءهما [[مجمع الزوائد: 7/ 103]] [172] ، ودليل هذا التأويل ما أخبرنا أبو منصور الجمشاذي، قال: حدثني أبو عبد الله الحافظ، حدثني أبو بكر بن مالك، حدثنا محمد بن يونس، حدثنا عبيد الله بن عائشة، حدثنا إسماعيل بن عمرو، عن عمر بن موسى، عن زيد بن علي بن حسين، عن أبيه، عن جده علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: «شكوت إلى رسول الله ﷺ‎، حسد النّاس لي» . فقال: «أما ترضى أن تكون رابع أربعة، أول من يدخل الجنّة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن أيماننا وشمالنا، وذريتنا خلف أزواجنا وشيعتنا من ورائنا» [173] [[شواهد التنزيل: 1/ 185.]] . حدثنا أبو منصور الجمشاذي، حدثنا أبو نصر أحمد بن الحسين بن أحمد، حدثنا أبو العباس محمد بن همام، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن محمد بن رزين، حدثنا حسان بن حسان، حدثنا حماد بن سلمة ابن أخت حميد الطويل، عن علي بن زيد بن جدعان، عن شهر بن حوشب، عن أمّ سلمة، عن رسول الله ﷺ‎ إنّه قال لفاطمة: «ائتيني بزوجك وابنيك، فجاءت بهم، فالقى عليهم كساء فدكيا، ثمّ رفع يديه عليهم، فقال: اللهم هؤلاء آل محمد، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد، فإنك حميد مجيد» . قالت: فرفعت الكساء لأدخل معهم، فاجتذبه وقال: «إنّك على خير» [174] [[مسند احمد: 6/ 323.]] .. وروى أبو حازم عن أبي هريرة، قال: نظر رسول الله ﷺ‎ إلى علي وفاطمة والحسن والحسين، فقال: «أنا حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم [[سنن الترمذي: 5/ 360.]] [175] . أخبرنا عقيل بن محمّد، أخبرنا المعافا بن زكريا بن المبتلي، حدثنا محمّد بن جرير، حدثني محمّد بن عمارة، حدثنا إسماعيل بن أبان، حدثنا الصياح بن يحيى المزني، عن السدي، عن أبي الديلم، قال: لما جيء بعلي بن الحسين أسيرا فأقيم على درج دمشق، وقام رجل من أهل الشام، فقال: الحمد لله الّذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرن الفتنة، فقال علي بن الحسين: أقرأت القرآن؟ قال: نعم. قال: قرأت أل حم؟ قال: قرأت القرآن، ولم أقرأ أل حم. قال: ما قرأت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى. قال: وإنّكم لأنتم هم؟ قال: نعم» [176] . أخبرنا الحسين بن العلوي الوصي، حدثنا أحمد بن علي بن مهدي، حدثني أبي، حدثنا علي بن موسى الرّضا، حدثني أبي موسى بن جعفر، حدثنا أبي جعفر بن محمد الصادق، قال: كان نقش خاتم أبي محمد بن علي: ظنّي بالله حسن ... وبالنبي المؤتمن وبالوصي ذي المنن ... والحسين والحسن. أنشدنا محمد بن القاسم الماوردي، أنشدني محمد بن عبد الرّحمن الزعفراني، أنشدني أحمد بن إبراهيم الجرجاني، قال: أنشدني منصور الفقيه لنفسه: إن كان حبّي خمسة ... زكت بهم فرائضي وبغض من عاداهم ... رفضا فإنّي رافضي [[جواهر العقدين: 2/ 304، وينابيع المودة: 3/ 103.]] وقيل: هم ولد عبد المطلب. يدلّ عليه ما حدثنا أبو العباس سهل بن محمد بن سعيد المروزي، حدثنا أبو الحسن المحمودي، حدثنا أبو جعفر محمد بن عمران الأرسابندي حدثنا هديّة بن عبد الوهّاب، حدثنا سعيد بن عبد الحميد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن زياد اليمامي، عن إسحاق بن أبي عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ‎: «نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنّة، أنا وحمزة وجعفر وعلي والحسن والحسين والمهدي [[سنن ابن ماجة: 2/ 1368.]] [177] . علي بن موسى الرضا: حدثني أبي موسى بن جعفر، حدثني أبي جعفر بن محمد، حدثني أبي محمد بن علي، حدثني أبي علي بن الحسين، قال: قال رسول الله ﷺ‎: «حرمت الجنّة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي، ومن اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها، فأنا أجازيه غدا إذا لقيني في يوم القيامة» [178] [[تفسير القرطبي: 16/ 22.]] . وقيل: الّذين تحرم عليهم الصدقة ويقسم فيهم الخمس وهم بنو هاشم وبنو عبد المطلب الّذين لم يقترفوا في جاهلية ولا إسلام. يدل عليه قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى [[سورة الأنفال: 41.]] ، وقوله: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى [[سورة الحشر: 7.]] ، وقوله: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ [[سورة الإسراء: 17.]] . أخبرنا عقيل بن محمّد إجازة، أخبرنا أبو الفرج البغدادي، حدثنا محمّد بن جدير، حدثنا أبو كرير، حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا عبد السلم حدثني يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس، قال: قالت الأنصار: فعلنا وفعلنا فكأنهم مخزوك، فقال ابن عباس أو العباس: شل عبد السلم لنا الفضل عليكم. [فبلغ ذلك رسول الله ﷺ‎ فأتاهم في مجالسهم. فقال: «يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله بي؟» . قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي؟» . قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «أفلا تجيبوني؟» . قالوا: ما نقول يا رسول الله؟. فقال: «ألا تقولون، ألم يخرجك قومك فآويناك، أو لم يكذّبوك فصدقناك، أو لم يخذلوك فنصرناك؟» . قال: فما زال يقول حتّى جثوا على الركب، وقالوا: أموالنا وما في أيدينا لله تعالى ولرسوله. قال: فنزلت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى [179] [[جامع البيان للطبري: 25/ 33.]] . أخبرنا الحسين بن محمّد بن فنجويه، حدثنا محمد بن عبد الله بن حمزة، حدثنا عبيد بن شريك البزاز، حدثنا سلمان بن عبد الرّحمن بن بنت شرحبيل، حدثنا مروان بن معاوية الفزاري، حدثنا يحيى بن بشير الأسدي، عن صالح بن حيان الفزاري عبد الله بن شداد بن الهاد عن العباس ابن عبد المطلب إنّه، قال: يا رسول الله ما بال قريش يلقى بعضهم بعضا بوجوه تكاد أن تسايل من الود، ويلقوننا بوجوه قاطبة، تعني باسرة عابسة، فقال رسول الله (عليه السلام) : «أويفعلون ذلك؟» . قال: نعم، والّذي بعثك بالحقّ. فقال: «أمّا والّذي بعثني بالحقّ، لا يؤمنوا حتّى يحبّوكم لي» [180] [[المصنف: 7/ 518، العجم الكبير: 11/ 343، كنز العمال: 13/ 514.]] . وقال قوم: هذه الآية منسوخة فإنّما نزلت بمكّة وكان المشركون يؤذون رسول الله ﷺ‎، فأنزل الله تعالى هذه الآية وأمرهم فيها بمودة رسول الله وصلة رحمه. فلما هاجر إلى المدينة وآواه الأنصار وعزروه ونصروه أحبّ الله تعالى أن يلحقه بإخوانه من الأنبياء (عليهم السلام) حيث قالوا: وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ [[سورة الشعراء: 109.]] ، فأنزل الله تعالى عليه قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ [[سورة سبأ: 47.]] ، فهي منسوخة بهذه الآية وبقوله: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [[سورة ص: 86.]] ، وقوله: وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ [[سورة المؤمنون: 72.]] ، وقوله: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ [[سورة يوسف: 104.]] ، وقوله: أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ [[سورة الطور: 40.]] وإلى هذا ذهب الضحاك بن مزاحم والحسين بن الفضل. وهذا قول غير قوي ولا مرضي، لأنّ ما حكينا من أقاويل أهل التأويل في هذه الآية لا يجوز أن يكون واحد منها منسوخا، وكفى فتحا بقول من زعم إنّ التقرب الى الله تعالى بطاعته ومودة نبيه وأهل بيته منسوخ. والدليل على صحة مذهبنا فيه، ما أخبرنا أبو محمد عبد الله بن حامد الأصبهاني، أخبرنا أبو عبد الله بن محمّد بن علي بن الحسين البلخي، حدثنا يعقوب بن يوسف بن إسحاق، حدثنا محمد بن أسلم الطوسي، حدثنا يعلي بن عبيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله البجلي، قال: قال رسول الله ﷺ‎: «من مات على حبّ آل محمّد مات شهيد، ألّا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفورا له، ألّا ومات على حبّ آل محمّد مات تائبا، ألّا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمنا مستكمل الإيمان، ألّا ومن مات على حبّ آل محمّد بشره ملك الموت بالجنّة ثم منكرا ونكيرا، ألّا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله تعالى زوار قبره ملائكة الرحمن، ألّا ومن مات على حبّ آل محمّد فتح له في قبره بابان من الجنّة. ألّا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله، ألّا ومن مات على بغض آل محمّد مات كافرا، ألّا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشم رائحة الجنّة» [181] [[ينابيع المودة: 3/ 140، وتفسير القرطبي: 16/ 23. بتفاوت يسير.]] . وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً يكتسب طاعة. نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً بالضعف. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ. أخبرنا الحسين بن محمّد بن فنجويه، حدثنا ابن حنش المقري، حدثنا أبو القاسم بن الفضل، حدثنا علي بن الحسين، حدثنا إسماعيل بن موسى، حدثنا الحكم بن طهر، عن السدّي عن أبي مالك عن ابن عباس في قوله: وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً، قال: المودة لآل محمّد ﷺ‎ [[العمدة لابن بطريق عن المصنف: 55 ح 53، ونظم درر السمطين: 86، والكامل لابن عدي: 2/ 209 ترجمة الحكم بن ظهير الفرازي.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب