الباحث القرآني

قال اللهُ تعالى: ﴿ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ قُلْ لا أسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أجْرًا إلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبى ومَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْنًا إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ۝﴾ [الشورى: ٢٣]. دعا اللهُ المُصلِحِينَ إلى التجرُّدِ والإعراضِ عن دُنْيا الناسِ، حتى لا يظُنُّوا بهم سُوءًا، كطمعٍ في الدُّنيا والجاهِ، وذلك أنّ أولَ ظنِّ الظالِمِينَ بالمُصْلِحِينَ حينَما يُنكِرونَ عليهم ضلالَهُمْ: أنّهم يُريدونَ مُزاحَمَتَهم على سُلْطانِهم وجاهِهِم، لأنّ نفوسَهم تتشرَّبُ مِن اتباعِ ذلك، فيَخافُ الإنسانُ على أنفَسِ شيءٍ عليه، لذا يَخافونَ المزاحَمةَ، فيَشُكُّونَ في المُصلِحِينَ، وهكذا ظَنُّوا بالنبيِّ ﷺ بمكةَ، فعرَضُوا عليه المالَ والنِّساءَ، وفي «المسنَدِ»، عن عبدِ الرحمنِ بنِ شِبْلٍ، أنّه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: (تَعَلَّمُوا القُرْآنَ، فَإذا عَلِمْتُمُوهُ، فَلا تَغْلُوا فِيهِ، ولا تَجْفُوا عَنْهُ، ولا تَأْكُلُوا بِهِ، ولا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ) [[أخرجه أحمد (٣ /٤٤٤).]]. وقد تقدَّم الكلامُ على الحِكْمةِ مِن نهيِ الأنبياءِ وأَتْباعِهم عن ذلك، عندَ قولِهِ تعالى: ﴿وياقَوْمِ لا أسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا إنْ أجْرِيَ إلاَّ عَلى اللَّهِ وما أنا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ ولَكِنِّي أراكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ۝﴾ [هود: ٢٩]. وفي قولِه تعالى: ﴿قُلْ لا أسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أجْرًا إلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبى﴾ قد صحَّ عن ابنِ عبّاسٍ، قال: «كان لرسولِ اللهِ ﷺ قَرابةٌ مِن جميعِ قريشٍ، فلمّا كذَّبوه، وأَبَوْا أنْ يُبايِعُوه، قال: يا قومِ، إذا أبَيْتُم أنْ تُبايِعُوني، فاحفَظُوا قَرابَتِي فيكم، ولا يكونُ غيرُكُمْ مِن العَرَبِ أولى بحِفْظِي ونُصْرَتي منكم»، رواهُ ابنُ أبي حاتمٍ[[«تفسير ابن أبي حاتم» (١٠ /٣٢٧٥).]]. ورَوى البخاريُّ، مِن حديثِ طاوُسٍ، عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما، أنّه سُئِلَ عن قولِه تعالى: ﴿إلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبى﴾، فقال سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ: قُرْبى آلِ مُحَمَّدٍ، فقال ابنُ عبّاسٍ: عَجِلْتَ! إنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِن قُرَيْشٍ إلاَّ كانَ لَهُ فِيهِمْ قَرابَةٌ، فَقالَ: إلاَّ أنْ تَصِلُوا ما بَيْنِي وبَيْنَكُمْ مِنَ القَرابَةِ[[أخرجه البخاري (٤٨١٨).]]. وظاهرُ هذه الآيةِ: أنّها في صِلةِ الرَّحِمِ وأداءِ الحقِّ بينَ النبيِّ ﷺ وبينَ قومِهِ قريشٍ، لأنّ السورةَ مكيَّةٌ، والخِطابَ بينَهُ وبينَ قريشٍ لا سائرِ العربِ.

{"ayah":"ذَ ٰ⁠لِكَ ٱلَّذِی یُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِۗ قُل لَّاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِی ٱلۡقُرۡبَىٰۗ وَمَن یَقۡتَرِفۡ حَسَنَةࣰ نَّزِدۡ لَهُۥ فِیهَا حُسۡنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ شَكُورٌ"}