الباحث القرآني

(p-٦٧)سُورَةُ يُوسُفَ مَكِّيَّةٌ، إلّا الآياتِ: ١ و٢ و٣ و٧، فَمَدَنِيَّةٌ وآياتُها: ١١١، نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ هُودٍ ﷽ ﴿الر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ المُبِينِ﴾ ﴿إنّا أنْزَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ﴾ ﷽ ﴿الر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ المُبِينِ﴾ ﴿إنّا أنْزَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ﴾ . وقَدْ ذَكَرْنا في أوَّلِ سُورَةِ يُونُسَ تَفْسِيرَ: ﴿الر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الحَكِيمِ﴾ فَقَوْلُهُ: ﴿تِلْكَ﴾ إشارَةٌ إلى آياتِ هَذِهِ السُّورَةِ، أيْ تِلْكَ الآياتُ الَّتِي أُنْزِلَتْ إلَيْكَ في هَذِهِ السُّورَةِ المُسَمّاةِ ”الر“ هي ﴿آياتُ الكِتابِ المُبِينِ﴾ وهو القُرْآنُ، وإنَّما وُصِفَ القُرْآنُ بِكَوْنِهِ مُبِينًا لِوُجُوهٍ: الأوَّلُ: أنَّ القُرْآنَ مُعْجِزَةٌ قاهِرَةٌ وآيَةٌ بَيِّنَةٌ لِمُحَمَّدٍ ﷺ . والثّانِي: أنَّهُ بَيَّنَ فِيهِ الهُدى والرُّشْدَ، والحَلالَ والحَرامَ، ولَمّا بُيِّنَتْ هَذِهِ الأشْياءُ فِيهِ كانَ الكِتابُ مُبِينًا لِهَذِهِ الأشْياءِ. الثّالِثُ: أنَّهُ بُيِّنَتْ فِيهِ قِصَصُ الأوَّلِينَ وشُرِحَتْ فِيهِ أحْوالُ المُتَقَدِّمِينَ. * * * ثُمَّ قالَ: ﴿إنّا أنْزَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: رُوِيَ أنَّ عُلَماءَ اليَهُودِ قالُوا لِكُبَراءِ المُشْرِكِينَ: سَلُوا مُحَمَّدًا لِمَ انْتَقَلَ آلُ يَعْقُوبَ مِنَ الشّامِ إلى مِصْرَ، وعَنْ كَيْفِيَّةِ قِصَّةِ يُوسُفَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ، وذَكَرَ فِيها أنَّهُ تَعالى عَبَّرَ عَنْ هَذِهِ القِصَّةِ بِألْفاظٍ عَرَبِيَّةٍ، لِيَتَمَكَّنُوا مِن فَهْمِها ويَقْدِرُوا عَلى تَحْصِيلِ المَعْرِفَةِ بِها. والتَّقْدِيرُ: إنّا أنْزَلْنا هَذا الكِتابَ الَّذِي فِيهِ قِصَّةُ يُوسُفَ في حالِ كَوْنِهِ قُرْآنًا عَرَبِيًّا، وسُمِّيَ بَعْضُ القُرْآنِ قُرْآنًا؛ لِأنَّ القُرْآنَ اسْمُ جِنْسٍ يَقَعُ عَلى الكُلِّ والبَعْضِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: احْتَجَّ الجُبّائِيُّ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى كَوْنِ القُرْآنِ مَخْلُوقًا مِن ثَلاثَةِ أوْجُهٍ: الأوَّلُ: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿إنّا أنْزَلْناهُ﴾ يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَإنَّ القَدِيمَ لا يَجُوزُ تَنْزِيلُهُ وإنْزالُهُ وتَحْوِيلُهُ مِن حالٍ إلى حالٍ. الثّانِي: أنَّهُ تَعالى وصَفَهُ بِكَوْنِهِ عَرَبِيًّا، والقَدِيمُ لا يَكُونُ عَرَبِيًّا ولا فارِسِيًّا. الثّالِثُ: أنَّهُ لَمّا قالَ: ﴿إنّا أنْزَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ دَلَّ عَلى أنَّهُ تَعالى كانَ قادِرًا عَلى أنْ يُنْزِلَهُ لا عَرَبِيًّا، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى حُدُوثِهِ. الرّابِعُ: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿تِلْكَ آياتُ الكِتابِ﴾ يَدُلُّ (p-٦٨)عَلى أنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنَ الآياتِ والكَلِماتِ، وكُلُّ ما كانَ مُرَكَّبًا كانَ مُحْدَثًا. والجَوابُ عَنْ هَذِهِ الوُجُوهِ بِأسْرِها أنْ نَقُولَ: إنَّها تَدُلُّ عَلى أنَّ المُرَكَّبَ مِنَ الحُرُوفِ والكَلِماتِ والألْفاظِ والعِباراتِ مُحْدَثٌ وذَلِكَ لا نِزاعَ فِيهِ، إنَّما الَّذِي نَدَّعِي قِدَمَهُ شَيْءٌ آخَرُ، فَسَقَطَ هَذا الِاسْتِدْلالُ. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: احْتَجَّ الجُبّائِيُّ بِقَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ﴾ فَقالَ: كَلِمَةُ ”لَعَلَّ“ يَجِبُ حَمْلُها عَلى الجَزْمِ، والتَّقْدِيرُ: إنّا أنْزَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتَعْقِلُوا مَعانِيَهُ في أمْرِ الدِّينِ، إذْ لا يَجُوزُ أنْ يُرادَ بِلَعَلَّكم تَعْقِلُونَ الشَّكَّ؛ لِأنَّهُ عَلى اللَّهِ مُحالٌ، فَثَبَتَ أنَّ المُرادَ أنَّهُ أنْزَلَهُ لِإرادَةِ أنْ يَعْرِفُوا دَلائِلَهُ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ تَعالى أرادَ مِن كُلِّ العِبادِ أنْ يَعْقِلُوا تَوْحِيدَهُ وأمْرَ دِينِهِ، مَن عَرَفَ مِنهم، ومَن لَمْ يَعْرِفْ، بِخِلافِ قَوْلِ المُجَبِّرَةِ. والجَوابُ: هَبْ أنَّ الأمْرَ ما ذَكَرْتُمْ إلّا أنَّهُ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ تَعالى أنْزَلَ هَذِهِ السُّورَةَ، وأرادَ مِنهم مَعْرِفَةَ كَيْفِيَّةِ هَذِهِ القِصَّةِ، ولَكِنْ لِمَ قُلْتُمْ إنَّها تَدُلُّ عَلى أنَّهُ تَعالى أرادَ مِنَ الكُلِّ الإيمانَ والعَمَلَ الصّالِحَ ؟ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب