الباحث القرآني

تَفْسِيرُ سُورَةِ يُوسُفَ [وَهِيَ مَكِّيَّةٌ] [[زيادة من ت، أ.]] رَوَى الثَّعْلَبِيُّ وَغَيْرُهُ، مِنْ طَرِيقِ سَلام بْنِ سُلَيْمٍ -وَيُقَالُ: سَلِيمٍ -الْمَدَائِنِيِّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ كَثِيرٍ -وَقَدْ نَصَّ عَلَى جَهَالَتِهِ أَبُو حَاتِمٍ -عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: " عَلِّمُوا أَرِقَّاءَكُمْ سُورَةَ يُوسُفَ، فَإِنَّهُ أَيُّمَا مُسْلِمٍ تَلَاهَا، أَوْ عَلَّمَهَا أَهْلَهُ، أَوْ مَا [[في ت: "وما".]] مَلَكَتْ يَمِينُهُ، هَوَّن اللَّهُ عَلَيْهِ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ، وَأَعْطَاهُ مِنَ الْقُوَّةِ أَلَّا يَحْسِدَ مُسْلِمًا " [[تفسير الثعلبي (٧/ل ٦١ "المحمودية") وأورده الزيلعي في تخريج الكشاف (٢/١٧٩) من رواية الثعلبي في تفسيره، ورواه الواحدي في الوسيط (٢/٥٩٩) من طريق إبراهيم بن شريف عن أحمد بن يونس عن سلام بن سليم به.]] . وَهَذَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا يَصِحُّ، لِضَعْفِ إِسْنَادِهِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَقَدْ سَاقَهُ لَهُ [[في جميع النسخ: "وقد ساقه" وهذا التعبير غير صحيح".]] الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مُتَابِعًا مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ هَارُونَ بْنِ كَثِيرٍ، بِهِ -وَمِنْ طَرِيقِ شَبَابة، عَنْ مَخْلَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْبَصَرِيِّ [[جميع النسخ: "محمد بن عبد الواحد النضري"، وفي أ، ت: "مخلد بن عبد الواحد النضري" والصواب ما أثبتناه.]] عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ -وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيش، عَنْ أُبي بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ -فَذَكَرَ نَحْوَهَ [[نقله الزيلعي في تخريج الكشاف (٢/١٨٠) عن المؤلف.]] وَهُوَ مُنْكَرٌ مِنْ سَائِرِ طُرُقِهِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِلِ " أَنَّ طَائِفَةً مِنَ الْيَهُودِ حِينَ سَمِعُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَتْلُو هَذِهِ السُّورَةَ أَسْلَمُوا لِمُوَافَقَتِهَا مَا عِنْدَهُمْ. وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * * * أَمَّا الْكَلَامُ عَلَى الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ "الْبَقَرَةِ". * * * وَقَوْلُهُ: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ﴾ أَيْ: هَذِهِ آيَاتُ الْكِتَابِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ، ﴿الْمُبِينِ﴾ أَيِ: الْوَاضِحُ الْجَلِيُّ، الَّذِي يُفْصِحُ عَنِ الْأَشْيَاءِ الْمُبْهَمَةِ وَيُفَسِّرُهَا وَيُبَيِّنُهَا [[في ت: "وتفسيرها وتبينها".]] . ﴿إِنَّا أَنزلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ وَذَلِكَ لِأَنَّ لُغَةَ الْعَرَبِ أَفْصَحُ اللُّغَاتِ وَأَبْيَنُهَا وَأَوْسَعُهَا، وَأَكْثَرُهَا تَأْدِيَةً لِلْمَعَانِي الَّتِي تَقُومُ بِالنُّفُوسِ؛ فَلِهَذَا أنزلَ أَشْرَفُ الْكُتُبِ بِأَشْرَفِ اللُّغَاتِ، عَلَى أَشْرَفِ الرُّسُلِ، بِسِفَارَةِ [[في ت: "كسفارة".]] أَشْرَفِ الْمَلَائِكَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَشْرَفِ بِقَاعِ الْأَرْضِ، وَابْتَدَئَ إِنْزَالُهُ فِي أَشْرَفِ شُهُورِ السَّنَةِ وَهُوَ رَمَضَانُ، فَكَمُلَ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ﴾ بِسَبَبِ إِيحَائِنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ. وَقَدْ وَرَدَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأوْدِيّ [[في ت: "الأوذي".]] . حَدَّثَنَا حَكَّامٌ الرَّازِّيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرٍو -هُوَ ابْنُ قَيْسٍ الْمُلَائِيُّ -عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ قَصَصْتَ عَلَيْنَا؟ فَنَزَلَتْ: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ [[تفسير الطبري (١٥/٥٥٢) .]] . وَرَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ مُرْسَلًا. وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ [[في أ: "سعد".]] الْعَطَّارُ [[في ت، أ: "القطان".]] ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا خَلاد الصَّفَّارُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّة [[في ت، أ: "قرة".]] ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سعد عن عَنْ سَعْدٍ قَالَ: أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ الْقُرْآنُ، قَالَ: فَتَلَا عَلَيْهِمْ زَمَانًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ قصصتَ عَلَيْنَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [[في ت: " (لعلكم تعقلون) الآية".]] . ثُمَّ تَلَا عَلَيْهِمْ زَمَانًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ حَدَّثْتَنَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾ الْآيَةَ [الزُّمَرِ: ٢٣] ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَويه، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ القرَشي العَنْقزي، بِهِ [[تفسير الطبري (١٥/٥٥٣) والمستدرك (٢/٣٤٥) وقال: "حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ ابن حجر في المطالب العالية برقم (٣٦٥٢) .]] . وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ بِسَنَدِهِ [[في ت: "بسند".]] ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عَوْن بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَلّ أصحابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم مَلّةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَدثنا. [فأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾ ثُمَّ مَلّوا مَلَّةً أُخْرَى فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَدِّثْنَا] [[زيادة من ت، أ، والطبري.]] فَوْقَ الْحَدِيثِ وَدُونَ الْقُرْآنِ -يَعْنُوِنُ الْقَصَصَ -فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ فَأَرَادُوا الْحَدِيثَ، فدلَّهم عَلَى أَحْسَنِ الْحَدِيثِ، وَأَرَادُوا الْقَصَصَ فَدَلَّهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْقَصَصِ [[تفسير الطبري (١٥/٥٥٢) .]] . وَمِمَّا يُنَاسِبُ ذِكْرَهُ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى مَدْحِ الْقُرْآنِ، وَأَنَّهُ كَافٍ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ مِنَ الْكُتُبِ مَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُرَيْج بْنُ النُّعْمَانِ، أَخْبَرَنَا هُشَيْم، أَنْبَأَنَا مَجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ أن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَرَأَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فغضب وقال: "أمُتَهوكون فيها يا ابن الْخَطَّابِ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُونَهُ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُونَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا، لَمَا [[في ت: "ما".]] وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي" [[المسند (٣/٣٧٨) .]] وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: جَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي مَرَرْتُ بِأَخٍ لِي مِنْ قُرَيْظَةَ، فَكَتَبَ لِي جَوَامِعَ مِنَ التَّوْرَاةِ، أَلَا أَعْرِضُهَا عَلَيْكَ؟ قَالَ: فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَابِتٍ: فَقُلْتُ لَهُ: أَلَا تَرَى مَا بِوَجْهِ [[في ت: "ما توجه".]] رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ فَقَالَ عُمَرُ: رَضِينَا بِاللَّهِ رِبَّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا. قَالَ: فسُرِّي عَنِ النَّبِيِّ [[في أ: "رسول الله".]] ﷺ وَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَصْبَحَ فِيكُمْ مُوسَى ثُمَّ اتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ، إِنَّكُمْ حَظِّي مِنَ الْأُمَمِ، وَأَنَا حَظُّكُمْ مِنَ النَّبِيِّينَ" [[المسند (٣/٣٦٥) .]] . وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِر، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عُرْفَطة قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عُمَرَ، إِذْ أُتِيَ بِرَجُلٍ مَنْ عَبَدَ الْقَيْسِ مَسْكَنُهُ بِالسُّوسِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْعَبْدِيُّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَأَنْتَ النَّازِلُ بِالسُّوسِ، قَالَ: نَعَمْ. فَضَرَبَهُ بِقَنَاةٍ مَعَهُ، قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا لِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اجْلِسْ. فَجَلَسَ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ: ﴿بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ [أَحْسَنَ الْقَصَصِ] ﴾ [[زيادة من ت.]] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ فَقَرَأَهَا [[في ت، أ: "فقرأها عليه".]] ثَلَاثًا، وَضَرَبَهُ ثَلَاثًا، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: مَا لِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: أَنْتَ الَّذِي نَسَخْتَ كِتَابَ دَانْيَالَ! قَالَ: مُرْنِي بِأَمْرِكَ أَتَّبِعْهُ. قَالَ: انْطَلَقَ فَامْحُهُ بِالْحَمِيمِ وَالصُّوفِ الْأَبْيَضِ، ثُمَّ لَا تقْرأه [[في ت: "لا يقرأه".]] وَلَا تُقرئه أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، فَلَئِنْ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قَرَأْتَهُ أَوْ أَقَرَأْتَهُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ لَأَنْهَكَنَّكَ عُقُوبَةً، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اجْلِسْ، فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا فَانْتَسَخْتُ كِتَابًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ فِي أَدِيمٍ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَا هَذَا فِي يَدِكَ يَا عُمَرُ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كِتَابٌ نَسَخْتُهُ لِنَزْدَادَ [[في ت: "ليزداد".]] بِهِ عِلْمًا إِلَى عِلْمِنَا. فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ، ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ جَامِعَةً، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: أَغَضِبَ نَبِيُّكُمْ ﷺ؟ السِّلَاحَ السِّلَاحَ. فَجَاءُوا حَتَّى أَحْدَقُوا بِمِنْبَرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ أُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَخَوَاتِيمَهُ، واختُصِر لِيَ اخْتِصَارًا، وَلَقَدْ أَتَيْتُكُمْ بها بَيْضَاءَ نَقِيَّةً فَلَا تَتهوَّكوا، وَلَا يَغُرَّنَّكُمُ المتهوِّكون". قَالَ عُمَرُ: فَقُمْتُ فَقُلْتُ: رَضِيتُ بِاللَّهِ رِبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِكَ رَسُولَا. ثُمَّ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ [[لم أعثر عليه في المطبوع من مسند أبي يعلى، وأورده الهيثمي في المجمع (١/١٨٢) وقال: "رواه أبو يعلى، وفيه عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي، ضعفه أحمد وجماعة". ورواه المقدسي في المختارة برقم (١١٥) من طريق أبي يعلى وقال: "عبد الرحمن بن إسحاق أخرج له مسلم وابن حبان". يقصد عبد الرحمن بن إسحاق المدني وهو أثبت من الواسطي وفترتهما متقاربة، لكن المزني ذكر علي بن مسهر من الرواة عن الواسطي الضعيف، وقد رجح المؤلف هنا أنه الواسطي. وكذا في مسند عمر بن الخطاب (٢/٥٩١) وقال: "وزعم الحافظ الضياء المقدسي في كتابه "المختارة" أنه الذي روى له مسلم كما (أظن صوابه كذا) قال: وأما شيخه خليفة بن قيس فقال فيه أبو حاتم الرازي: شيخ ليس بالمعروف. وقال البخاري: لم يصح حديثه".]] . وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ مُخْتَصَرًا، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، بِهِ. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ هُوَ أَبُو شَيبَة [[في ت: "ابن شيبة".]] الْوَاسِطِيُّ، وَقَدْ ضَعَّفُوهُ وَشَيْخَهُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ. قُلْتُ: وَقَدْ رُوِيَ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلَاءِ الزُّبَيْدِيُّ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ الْأَشْعَرِيُّ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: أَنَّ جُبَير بْنَ نُفَير حَدّثهم: أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا بِحِمْصَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا فِيمَنْ أَرْسَلَ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ، وَكَانَا قَدِ اكْتَتَبَا مِنَ الْيَهُودِ صلاصفة [[في هـ: "ملاصق" بدون نقط، والمثبت من ت، أ.]] فَأَخَذَاهَا مَعَهُمَا يَسْتَفْتِيَانِ فِيهَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَيَقُولُونَ: إِنْ رَضِيَهَا لَنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ازْدَدْنَا فِيهَا رَغْبَةً. وَإِنْ نَهَانَا عَنْهَا رَفَضْنَاهَا، فَلَمَّا قَدِمَا عَلَيْهِ قَالَا إِنَّا بِأَرْضِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ، وَإِنَّا نَسْمَعُ مِنْهُمْ كَلَامًا تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُنَا، أَفَنَأْخَذُ مِنْهُ أَوْ نَتْرُكُ؟ فَقَالَ: لَعَلَّكُمَا كَتَبْتُمَا مِنْهُ شَيْئًا. قَالَا [[في ت، أ: "فقالا".]] لَا. قَالَ: سَأُحَدِّثُكُمَا، انْطَلَقْتُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ [[في ت: "النبي".]] ﷺ حَتَّى أَتَيْتُ خَيْبَرَ، فَوَجَدْتُ يَهُودِيًّا يَقُولُ قَوْلًا أَعْجَبَنِي، فَقُلْتُ: هَلْ أَنْتَ مُكْتِبِي مَا تَقُولُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَتَيْتُ بِأَدِيمٍ، فَأَخَذَ يُمْلِي عَلَيَّ، حَتَّى كَتَبْتُ فِي الأكرُع. فَلَمَّا رَجَعْتُ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: "ائْتِنِي بِهِ". فَانْطَلَقْتُ أَرْغَبُ عَنِ الْمَشْيِ رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ أَتَيْتُ [[في ت: "جئت".]] رَسُولَ اللَّهِ بِبَعْضِ مَا يُحِبُّ، فَلَمَّا أَتَيْتُ بِهِ قَالَ: "اجْلِسِ اقْرَأْ عَلَيَّ". فَقَرَأْتُ سَاعَةً، ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَى وَجْهِهِ فَإِذَا هُوَ يَتَلَوَّنُ، فَتَحَيَّرْتُ مِنَ الفَرق، فَمَا اسْتَطَعْتُ أُجِيزُ [[في ت: "أحبر".]] مِنْهُ حَرْفًا، فَلَمَّا رَأَى الَّذِي بِي دَفَعه [[في ت: "دفعته".]] ثُمَّ جَعَلَ يُتْبِعُهُ رَسْمًا رَسْمًا فَيَمْحُوهُ بِرِيقِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: "لَا تَتَبِعُوا هَؤُلَاءِ، فَإِنَّهُمْ قَدْ هَوكوا وتَهَوَّكوا"، حَتَّى مَحَا آخِرَهُ حَرْفًا حَرْفًا. قَالَ عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَلَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا كَتَبْتُمَا مِنْهُ شَيْئًا جَعَلْتُكُمَا نَكَالًا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ! قَالَا وَاللَّهِ مَا نَكْتُبُ مِنْهُ شَيْئًا أَبَدًا. فَخَرَجَا بِصلَاصفَتِهِمَا [[في هـ، ت: "بصفيهما" والمثبت من أ.]] فَحَفَرَا لَهَا [[في ت: "فحفراها".]] فَلَمْ يألُوا أَنْ يعمِّقَا، ودفناها فَكَانَ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْهَا [[ورواه أبو نعيم في الحلية (٥/١٣٦) عن الطبراني، عن عَمْرُو بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلَاءِ الحمصي، عن أبيه، عن عمرو بن الحارث به.]] . وَكَذَا رَوَى الثَّوْرِيُّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الجُعْفي، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، بِنَحْوِهِ [[سبق تخريجه في المسند.]] وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي قِلابة، عَنْ عُمَرَ نَحْوَهُ [[المراسيل برقم (٤٥٥) .]] . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب