الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ ولا تَبْسُطْها كُلَّ البَسْطِ﴾ يَعْنِي واللَّهُ أعْلَمُ: لا تَبْخَلْ بِالمَنعِ مِن حُقُوقِهِمُ الواجِبَةِ لَهم. وهَذا مَجازٌ، ومُرادُهُ تَرْكُ الإنْفاقِ، فَيَكُونُ بِمَنزِلَةِ مَن يَدُهُ مَغْلُولَةٌ إلى عُنُقِهِ فَلا يُعْطِي مِن مالِهِ شَيْئًا وذَلِكَ لِأنَّ العَرَبَ تَصِفُ البَخِيلَ بِضِيقِ اليَدِ فَتَقُولُ: فُلانٌ جَعْدُ الكَفَّيْنِ، إذا كانَ بَخِيلًا، وقَصِيرُ الباعِ ويَقُولُونَ في ضِدِّهِ: فُلانٌ رَحْبُ الذِّراعِ وطَوِيلُ اليَدَيْنِ «وقالَ النَّبِيُّ ﷺ لِنِسائِهِ: أسْرَعُكُنَّ بِي لِحاقًا أطْوَلُكُنَّ يَدًا» .
وإنَّما أرادَ كَثْرَةَ الصَّدَقَةِ، فَكانَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ لِأنَّها كانَتْ أكْثَرَهُنَّ صَدَقَةً وقالَ الشّاعِرُ:
؎وما إنْ كانَ أكْثَرَهم سَواما ولَكِنْ كانَ أرْحَبَهم ذِراعا
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا تَبْسُطْها كُلَّ البَسْطِ﴾ يَعْنِي: ولا تُخْرِجْ جَمِيعَ ما في يَدِكَ مَعَ حاجَتِكَ وحاجَةِ عِيالِكَ إلَيْهِ ﴿فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ يَعْنِي: ذا حَسْرَةٍ عَلى ما خَرَجَ مِن يَدِكَ. وهَذا الخِطابُ لِغَيْرِ النَّبِيِّ ﷺ لِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَكُنْ يَدَّخِرْ شَيْئًا لِغَدٍ وكانَ يَجُوعُ حَتّى يَشُدَّ الحَجَرَ عَلى بَطْنِهِ، وقَدْ كانَ كَثِيرٌ مِن فُضَلاءِ الصَّحابَةِ يُنْفِقُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ جَمِيعَ أمْلاكِهِمْ فَلَمْ يُعَنِّفْهُمُ النَّبِيُّ ﷺ لِصِحَّةِ يَقِينِهِمْ وشِدَّةِ بَصائِرِهِمْ، وإنَّما نَهى اللَّهُ تَعالى عَنِ الإفْراطِ في الإنْفاقِ وإخْراجِ جَمِيعِ ما حَوَتْهُ يَدُهُ مِنَ المالِ مَن خِيفَ عَلَيْهِ الحَسْرَةُ عَلى ما خَرَجَ عَنْ يَدِهِ فَأمّا مِن وثِقَ بِمَوْعُودِ اللَّهِ وجَزِيلِ ثَوابِهِ فِيما أنْفَقَهُ فَغَيْرُ مُرادٍ بِالآيَةِ وقَدْ رُوِيَ أنَّ «رَجُلًا أتى النَّبِيَّ ﷺ بِمِثْلِ بَيْضَةٍ مِن ذَهَبٍ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ أصَبْتُ هَذِهِ مِن مَعْدِنٍ واللَّهِ ما أمْلِكُ غَيْرَها فَأعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ ﷺ فَعادَ ثانِيًا فَأعْرَضَ عَنْهُ، فَعادَ ثالِثًا فَأخَذَها النَّبِيُّ ﷺ فَرَمى (p-٢٣)بِها فَلَوْ أصابَتْهُ لَعَقَرَتْهُ، فَقالَ: يَأْتِينِي أحَدُهم بِجَمِيعِ ما يَمْلِكُ ثُمَّ يَقْعُدُ يَتَكَفَّفُ النّاسَ» .
ورُوِيَ «أنَّ رَجُلًا دَخَلَ المَسْجِدَ وعَلَيْهِ هَيْئَةٌ رَثَّةٌ والنَّبِيُّ ﷺ عَلى المِنبَرِ، فَأمَرَ الرَّجُلُ بِأنْ يَقُومَ فَقامَ، فَطَرَحَ النّاسُ ثِيابًا لِلصَّدَقَةِ فَأعْطاهُ النَّبِيُّ ﷺ مِنها ثَوْبَيْنِ، ثُمَّ حَثَّ النَّبِيُّ ﷺ النّاسَ عَلى الصَّدَقَةِ، فَطَرَحَ أحَدَ ثَوْبَيْهِ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: اُنْظُرُوا إلى هَذا أمَرْتُهُ أنْ يَقُومَ لِيُفْطَنَ لَهُ فَيَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَأعْطَيْتُهُ ثَوْبَيْنِ ثُمَّ قَدْ طَرَحَ أحَدَهُما ثُمَّ قالَ لَهُ: خُذْ ثَوْبَكَ». فَإنَّما مَنَعَ أمْثالَ هَؤُلاءِ مِن إخْراجِ جَمِيعِ أمْوالِهِمْ. فَأمّا أهْلُ البَصائِرِ فَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ يَمْنَعُهم مِن ذَلِكَ، وقَدْ كانَ أبُو بَكْرِ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذا مالٍ كَثِيرٍ فَأنْفَقَ جَمِيعَ مالِهِ عَلى النَّبِيِّ ﷺ وفي سَبِيلِ اللَّهِ حَتّى بَقِيَ في عَباءَةٍ فَلَمْ يُعَنِّفْهُ النَّبِيُّ ﷺ ولَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ. والدَّلِيلُ عَلى أنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُخاطَبَةٍ لِلنَّبِيِّ ﷺ وإنَّما خُوطِبَ بِهِ غَيْرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ ولَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ مِمَّنْ يَتَحَسَّرُ عَلى إنْفاقِ ما حَوَتْهُ يَدُهُ في سَبِيلِ اللَّهِ، فَثَبَتَ أنَّ المُرادَ غَيْرُ النَّبِيِّ ﷺ وهو نَحْوُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥] الخِطابُ لِلنَّبِيِّ ﷺ والمُرادُ غَيْرُهُ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ كُنْتَ في شَكٍّ مِمّا أنْزَلْنا إلَيْكَ﴾ [يونس: ٩٤] لَمْ يُرِدْ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ لِأنَّهُ لَمْ يَشُكَّ قَطُّ. فاقْتَضَتْ هَذِهِ الآياتُ مِن قَوْلِهِ: ﴿وقَضى رَبُّكَ ألا تَعْبُدُوا إلا إيّاهُ﴾ [الإسراء: ٢٣] الأمْرُ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ والإحْسانِ إلى الوالِدَيْنِ والتَّذَلُّلِ لَهُما وطاعَتِهِما وإعْطاءِ ذِي القُرْبى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ حُقُوقَهم والنَّهْيِ عَنْ تَبْذِيرِ المالِ وإنْفاقِهِ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ والأمْرِ بِالِاقْتِصادِ في الإنْفاقِ والنَّهْيِ عَنِ الإفْراطِ والتَّقْصِيرِ في الإعْطاءِ والمَنعِ وتَعْلِيمِ ما يُجِيبُ بِهِ السّائِلَ والمِسْكِينَ عِنْدَ تَعَذُّرِ ما يُعْطِي.
{"ayah":"وَلَا تَجۡعَلۡ یَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومࣰا مَّحۡسُورًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق