الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ﴾ الآية. روى المنهال بن عمرو قال: بعثت امرأة إلى رسول الله -ﷺ- ابنها فقالت: قل له: اكسني ثوبًا، فقال رسول الله -ﷺ-: "ما عندي شيء"، قالت: فارجع إليه وقل له: اكسني قميصك، قال: فأتاه فقال: إنها تقول: اكسني قميصك، قال: فنزع قميصه فأعطاه إياه، فنزلت هذه الآية. [[ورد بنحوه في "تفسير السمرقندي" 2/ 266، و"الثعلبي" 7/ 107 ب، وأورده المؤلف في "أسباب النزول" ص 287، بنحوه من طريق ابن مسعود، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 322 وعزاه إلى ابن أبي حاتم، وأورده بنحوه -كذلك- وعزاه إلى ابن جرير من طريق ابن مسعود- لم أجده، وأورده في "لباب النقول" ص 136، بنحوه من طريق ابن مسعود وعزاه إلى ابن مردويه. وهذه الرواية مقطوعة؛ لأن المنهال لم يحفظ له سماع عن الصحابة، إنما روايته عن كبار التابعين -كما في "الميزان"- كما أن إسناد هذا الحديث -من طريق ابن مسعود- ضعيف، بسبب ضعف: سليمان بن سفيان الجهني، وقيس بن الربيع الأسدي. انظر: "الضعفاء" للبخاري رقم (301) وللنسائي رقم (246)، (499) و"الضعفاء والمتروكين" للدارقطني رقم (254)، و"ميزان الاعتدال" 2/ 209، 3/ 393.]]. قال أهل اللغة: معنى الغل: الإدخال [[انظر (غلل) في "تهذيب اللغة" (غلل) 3/ 2690، و"مقاييس اللغة" 4/ 376، و"الصحاح" 5/ 1784، و"اللسان" 6/ 3288.]]، قال امرؤ القيس: لها مُقْلَةٌ حَدْرَةٌ بَدْرَةٌ ... إلى حاجبٍ غُلّ فيه الشُّفُرْ [[ورد في "الديوان" ص 72 برواية أخرى ليس فيها الشاهد وهي: وعَينٌ لها حَدْرةٌ بَدْرةٌ ... شُقّت مآقيها منْ أُخُرْ وورد -بلا نسبة- في "مقاييس اللغة" 4/ 376، برواية: وعينٌ لها حَدْرةٌ بَدْرَةٌ ... إلى حاجبٍ غُلّ فيه الشُّفُر وورد عجزه -بلا نسبة- في "مجمل اللغة" 2/ 679، (حدْرة): واسعة، (بدْرة): تامَّة، ومنه قيل: ليلة البدر لتمام قمرها، (المأقي): مؤخر العينين، (أخُر): آخرهما، (الشُّفُر): بالضم شُفْر العين، وهو ما نبت عليه الشعر.]] أي عورٌ وأدخل فيه الشُّفُر [[في جميع النسخ: (الشعر)، والصواب ما أثبته، ويبدو أنها تصحفت على النساخ.]]، ومنه قولهم: غَلَّ في الغنيمة إذا خان؛ لأن ما خان شيئًا أو سرقه أدخله في كُمِّه، ومعنى غُلَّتْ يدُ فلان: أي أدخلت في الحديد، ولعل هذا مما سبق ذكره [[عند قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: 161].]]. قال ابن عباس والمفسرون في قوله: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ﴾: يريد البخل ومنع حق الله في الزكاة والصلة [[أخرجه "الطبري" 15/ 77 مختصرًا، من طريق ابن أبي طلحة صحيح، و"الدر المنثور" 4/ 322 وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.]]. والمعنى: لا تمسك يدك عن البذل كل الإمساك، حتى كأنها مقبوضة إلى عنقك بالغل لا تُبْسَط لخير. قال صاحب النظم: لا تكاد العرب تقول جعلت يدي مغلولة، ولا جعلت رجلي مقيدة، ولا جعلت رأسي معممًا، إنما يقولون: غَلَلتُ يدي، وقَيَّدتُ رجلي، وعَمَّمتُ رأسي، والعلة في هذا النظم؛ أن الفعل أقل من النعت، والنعت ألزم وأكثر من الفعل؛ كما قلنا في قوله: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ [طه: 121]؛ لأنه قد كان منه، ولا يجوز أن يقال: آدم عاصٍ غاوٍ؛ لأن هذا نعت لازم، وكانوا يقولون: يد فلان مغلولة، أي أن المنع عادةٌ له، ولا يكادون يقولون: غُلَّت يده؛ لأن هذا فعل غير لازم، والأول لازم، وقد يمنع الإنسان في مواضع المنع ولا يُرْجَع عليه بلوم، فلذلك قال -عز وجل-: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ﴾، أي: لا تكن ممسكًا عن البذل عادة، ولم يُرِدْ أن لا يمسك عند وقت الإمساك، يدل على ذلك قوله: ﴿وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾؛ ومما يشبه هذا النظم، قوله تعالى: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ﴾ [إبراهيم: 40] وقد مر، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: 30]، وسنذكره في موضعه إن شاء الله [[قال الواحدي عند تفسير هذه الآية: وذكر صاحب النظم وجهًا آخر من الهجر؛ فقال: ويجوز أن يكون المهجور مصدرًا؛ كالهجر والهجير، ويكون المعنى: اتخذوا هذا القرآن هُجرًا، أي: إذا سمعوه قالوا فيه الهجير، وقالوا: إنه هجر، كما يقال: اتخذنا فلانًا ضحكة أو سُخرة، أي إذا رأيناه ضحكنا منه وسخرنا منه، وهذا النظم أبلغ من أن لو قيل: هجروا القرآن، أو هجروا فيه؛ لأنه يدل على أنهم جعلوا عادتهم هجر القرآن.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ قال ابن عباس: يريد في النفقة والعطية [[ورد في "تفسير السمرقندي" 2/ 266 - بمعناه، وتفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي 2/ 493 بنصه، انظر: "تنوير المقباس" ص 299 بنصه.]]. وقال مجاهد وقتادة: يعني التبذير والإنفاق في معصية الله تعالى، وفيما لا يصلح [[ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي 2/ 493 بنصه عن مجاهد، انظر: "تفسير ابن عطية" 9/ 64، عن قتادة.]]، فحصل في قوله: ﴿وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ وجهان من التفسير؛ أحدهما: أنه نهي عن بذل جميع ما يملك، حتى لا يبقى له شيء، وإن كان في طاعة الله، على ما ذكر من سبب النزول، وفي معنى قول ابن عباس. والثاني: أنه نهي عن التبذير؛ على قول مجاهد وقتادة. وقوله تعالى: ﴿فَتَقْعُدَ مَلُومًا﴾ قال السدي: تلوم نفسك وتُلام [[ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي 2/ 493 بنصه.]]، ﴿مَحْسُورًا﴾ قال ابن عباس: ليس عندك شيء [[أخرجه "الطبري" 15/ 77 بمعناه، من طريق العوفي ضعيفة، ورد في تفسيره الوسيط، تح: سيسي (2/ 493 بنصه، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 322 وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.]]، وقال مجاهد: مقطوعًا بك [[ورد في "معاني القرآن" للنحاس 4/ 146، بنحوه.]]. قال الفراء: والعرب تقول للبعير: هو محسور إذا انقطع سَيْرُه، وحَسرتُ الدَّابة إذا سَيَّرتَها حتى ينقطعَ سَيْرُها [["معاني القرآن" للفراء 2/ 122 بنصه.]]. وقال ابن قتيبة: أي تَحْسِرُكَ العطيةُ وتَقْطعك؛ كما يَحْسِرُ السفرُ البعيرَ، فيبقى منقطعًا [["الغريب" لابن قتيبة 1/ 255 بنصه.]]، هذا هو الأصل، ثم يُقال: حَسَرْتُ الرجلَ بالمسألة حَسْرَةً: إذا أفنيتَ جميعَ ما عنده، وحُسِرَ فهو يُحْسَرُ: إذا لم يبق عنده شيء، من قولهم: حَسَرَتِ الدابةُ والعينُ [[ساقطة من (ع).]]، ومنه قوله تعالى: ﴿وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ [الملك: 4]. وقال قتادة في قوله: ﴿مَحْسُورًا﴾، (أي نادمًا على ما سلف منك [[أخرجه بنحوه عبد الرزاق 2/ 377، والطبري 15/ 77، وورد في "معاني القرآن" للنحاس 4/ 146 - مختصرًا، والثعلبي 7/ 108 أ، بنحوه، انظر: "تفسير البغوي" 5/ 9، و"القرطبي" 10/ 251.]]، فجعله من الحَسْرَة، والفاعل من الحسرة يكون حَسْرُا، وحُسْرَان، ولا يقال في الفاعل منه: محسور) [[ما بين القوسين ساقط من (ع).]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب