الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ﴾ . الآيَةَ.
أخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿إلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ﴾ قالَ: ذَكَرَ ما كانَ مِن أوَّلِ شَأْنِهِ حِينَ بُعِثَ، يَقُولُ اللَّهُ: فَأنا فاعِلٌ ذَلِكَ بِهِ، وناصِرُهُ كَما نَصَرْتُهُ إذْ ذاكَ وهو ثانِيَ اثْنَيْنِ.
وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وأحْمَدُ، والبُخارِيُّ ومُسْلِمٌ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قالَ: «اشْتَرى أبُو بَكْرٍ مِن عازِبٍ رَجُلًا بِثَلاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَقالَ لِعازِبٍ: مُرِ البَراءَ فَلْيَحْمِلْهُ إلى مَنزِلِي، فَقالَ: لا حَتّى تُحَدِّثَنا كَيْفَ صَنَعْتَ حَيْثُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأنْتَ مَعَهُ. فَقالَ أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: خَرَجْنا فَأدْلَجْنا، فَأحْثَثْنا يَوْمَنا ولَيْلَتَنا حَتّى أظْهَرْنا وقامَ قائِمُ الظَّهِيرَةِ، فَضَرَبْتُ بِبَصَرِي هَلْ أرى ظِلًّا فَآوِيَ إلَيْهِ، فَإذا أنا بِصَخْرَةٍ فَأهْوَيْتُ إلَيْها، فَإذا بَقِيَّةُ ظِلِّها فَسَوَّيْتُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وفَرَشْتُ لَهُ فَرْوَةً وقُلْتُ: (p-٣٦٣)اضْطَجِعْ يا رَسُولَ اللَّهِ فاضْطَجَعَ، ثُمَّ خَرَجْتُ أنْظُرُ هَلْ أرى أحَدًا مِنَ الطَّلَبِ، فَإذا أنا بِراعِي غَنَمٍ فَقُلْتُ: لِمَن أنْتَ يا غُلامُ؟ فَقالَ: لِرَجُلٍ مِن قُرَيْشٍ فَسَمّاهُ، فَعَرَفْتُهُ فَقُلْتُ: هَلْ في غَنَمِكَ مِن لَبَنٍ؟ قالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وهَلْ أنْتَ حالِبٌ لِي؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَأمَرْتُهُ فاعْتَقَلَ شاةً مِنها، ثُمَّ أمَرْتُهُ فَنَفَضَ ضَرْعَها مِنَ الغُبارِ، ثُمَّ أمَرْتُهُ فَنَفَضَ كَفَّيْهِ مِنَ الغُبارِ ومَعِي إداوَةٌ عَلى فَمِها خِرْقَةٌ فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً مِنَ اللَّبَنِ فَصَبَبْتُ عَلى القَدَحِ حَتّى بَرَدَ أسْفَلُهُ، ثُمَّ أتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَوافَقْتُهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ فَقُلْتُ: اشْرَبْ يا رَسُولَ اللَّهِ فَشَرِبَ حَتّى رَضِيتُ ثُمَّ قُلْتُ: هَلْ أنى لِلرَّحِيلِ؟ قالَ: فارْتَحَلْنا والقَوْمُ يَطْلُبُونا، فَلَمْ يُدْرِكْنا مِنهم إلّا سُراقَةُ عَلى فَرَسٍ لَهُ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، هَذا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنا فَقالَ: لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنا. حَتّى إذا دَنا فَكانَ بَيْنَنا وبَيْنَهُ قَدْرُ رُمْحٍ أوْ رُمْحَيْنِ أوْ ثَلاثَةٍ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، هَذا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقْنا وبَكَيْتُ، قالَ: لِمَ تَبْكِي؟ قُلْتُ: أما واللَّهِ ما أبْكِي عَلى نَفْسِي، ولَكِنْ أبْكِي عَلَيْكَ، فَدَعا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وقالَ: اللَّهُمَّ اكْفِناهُ بِما شِئْتَ. فَساخَتْ فَرَسُهُ إلى بَطْنِها في أرْضٍ صَلْدٍ ووَثَبَ عَنْها، وقالَ: يا مُحَمَّدُ إنَّ هَذا عَمَلُكَ فادْعُ اللَّهَ أنْ يُنْجِيَنِي مِمّا أنا فِيهِ، فَواللَّهِ لَأُعَمِّيَنَّ عَلى مَن ورائِي مِنَ الطَّلَبِ، وهَذِهِ كِنانَتِي فَخُذْ مِنها (p-٣٦٤)سَهْمًا فَإنَّكَ سَتَمُرُّ بِإبِلِي وغَنَمِي في مَوْضِعِ كَذا وكَذا فَخُذْ مِنها حاجَتَكَ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لا حاجَةَ لِي فِيها. ودَعا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأُطْلِقَ ورَجَعَ إلى أصْحابِهِ، ومَضى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأنا مَعَهُ حَتّى قَدِمْنا المَدِينَةَ فَتَلَقّاهُ النّاسُ فَخَرَجُوا في الطُّرُقِ وعَلى الأجاجِيرِ واشْتَدَّ الخَدَمُ والصِّبْيانُ في الطُّرُقِ اللَّهُ أكْبَرُ جاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جاءَ مُحَمَّدٌ. وتَنازَعَ القَوْمُ أيُّهم يَنْزِلُ عَلَيْهِ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أنْزِلُ اللَّيْلَةَ عَلى بَنِي النَّجّارِ أخْوالِ عَبْدِ المُطَّلِبِ لِأُكْرِمَهم بِذَلِكَ، فَلَمّا أصْبَحَ غَدا حَيْثُ أُمِرَ» .
وأخْرَجَ البُخارِيُّ عَنْ سُراقَةَ بْنِ مالِكٍ قالَ: «خَرَجْتُ أطْلُبُ النَّبِيَّ ﷺ وأبا بَكْرٍ حَتّى إذا دَنَوْتُ مِنهم عَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَقُمْتُ فَرَكِبْتُ حَتّى إذا سَمِعْتُ قِراءَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وهو لا يَلْتَفِتُ وأبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ التَّلَفُّتَ، ساخَتْ يَدا فَرَسِي في الأرْضِ حَتّى بَلَغَتا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْها ثُمَّ زَجَرْتُها فَنَهَضَتْ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْها، فَلَمّا اسْتَوَتْ قائِمَةً إذا لِأثَرِ يَدَيْها عُثانٌ ساطِعٌ في السَّماءِ مِثْلُ الدُّخانِ فَنادَيْتُهُما بِالأمانِ: فَوَقَفا لِي ووَقَعَ في نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ ما لَقِيتُ مِنَ (p-٣٦٥)الحَبْسِ عَنْهُما أنَّهُ سَيَظْهَرُ رَسُولُ اللَّهِ» ﷺ .
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ وأبُو نُعَيْمٍ في ”الدَّلائِلِ“ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ اللَّيْلِ فَلَحِقَ بِغارِ ثَوْرٍ قالَ: وتَبِعَهُ أبُو بَكْرٍ، فَلَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِسَّهُ خَلْفَهُ خافَ أنْ يَكُونَ الطَّلَبَ، فَلَمّا رَأى ذَلِكَ أبُو بَكْرٍ تَنَحْنَحَ فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَرَفَهُ، فَقامَ لَهُ حَتّى تَبِعَهُ فَأتَيا الغارَ فَأصْبَحَتْ قُرَيْشٌ في طَلَبِهِ، فَبَعَثُوا إلى رَجُلٍ مِن قافَّةٍ بَنِي مُدْلِجٍ فَتَبِعَ الأثَرَ حَتّى انْتَهى إلى الغارِ وعَلى بابِهِ شَجَرَةٌ فَبالَ في أصْلِها القائِفُ، ثُمَّ قالَ: ما جازَ صاحِبُكُمُ الَّذِي تَطْلُبُونَ هَذا المَكانَ، قالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ حَزِنَ أبُو بَكْرٍ فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنا. قالَ: فَمَكَثَ هو وأبُو بَكْرٍ في الغارِ ثَلاثَةَ أيّامٍ يَخْتَلِفُ إلَيْهِمْ بِالطَّعامِ عامِرُ بْنُ فَهَيْرَةَ وعَلِيٌّ يُجَهِّزُهم فاشْتَرَوْا ثَلاثَةَ أباعِرَ مِن إبِلِ البَحْرَيْنِ واسْتَأْجَرَ لَهم دَلِيلًا، فَلَمّا كانَ في بَعْضِ اللَّيْلِ مِنِ اللَّيْلَةِ الثّالِثَةِ أتاهم عَلِيٌّ بِالإبِلِ والدَّلِيلِ، فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ راحِلَةً، ورَكِبَ أبُو بَكْرٍ أُخْرى، ورَكِبَ الدَّلِيلُ أُخْرى فَتَوَجَّهُوا نَحْوَ المَدِينَةِ وقَدْ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ في طَلَبِهِ» .
وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وعَلِيٍّ وعائِشَةَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ، وعائِشَةَ بِنْتِ قُدامَةَ وسُراقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ «دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ في بَعْضٍ قالُوا: خَرَجَ (p-٣٦٦)رَسُولُ اللَّهِ ﷺ والقَوْمُ جُلُوسٌ عَلى بابِهِ فَأخَذَ حَفْنَةً مِنَ البَطْحاءِ، فَجَعَلَ يَذُرُّها عَلى رُؤُوسِهِمْ ويَتْلُو: ﴿يس﴾ [يس: ١] ﴿والقُرْآنِ الحَكِيمِ﴾ [يس: ٢] الآياتِ [يس: ١-٢] ومَضى فَقالَ لَهم قائِلٌ: ما تَنْتَظِرُونَ؟ قالُوا: مُحَمَّدًا، قالَ: قَدْ - واللَّهِ - مَرَّ بِكُمْ، قالُوا: واللَّهِ ما أبْصَرْناهُ وقامُوا يَنْفُضُونَ التُّرابَ عَنْ رُؤُوسِهِمْ، وخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأبُو بَكْرٍ إلى غارِ ثَوْرٍ، فَدَخَلاهُ وضَرَبَتِ العَنْكَبُوتُ عَلى بابِهِ بِعِشاشٍ بَعْضُها عَلى بَعْضٍ، وطَلَبَتْهُ قُرَيْشٌ أشَدَّ الطَّلَبِ حَتّى انْتَهَتْ إلى بابِ الغارِ، فَقالَ بَعْضُهم: إنَّ عَلَيْهِ لَعَنْكَبُوتًا قَبْلَ مِيلادِ مُحَمَّدٍ. فانْصَرَفُوا» .
وأخْرَجَ أبُو نُعَيْمٍ في ”الدَّلائِلِ“ عَنْ عائِشَةَ بِنْتِ قُدامَةَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «لَقَدْ خَرَجْتُ مِنَ الخَوْخَةِ مُتَنَكِّرًا، فَكانَ أوَّلَ مَن لَقِيَنِي أبُو جَهْلٍ فَعَمّى اللَّهُ بَصَرَهُ عَنِّي وعَنْ أبِي بَكْرٍ حَتّى مَضَيْنا» .
وأخْرَجَ أبُو نُعَيْمٍ عَنْ أسْماءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ «أنَّ أبا بَكْرٍ رَأى رَجُلًا مُواجِهَ الغارِ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ لَرائِينا، قالَ: كَلّا إنَّ المَلائِكَةَ تَسْتُرُهُ الآنَ بِأجْنِحَتِها. فَلَمْ يَنْشَبِ الرَّجُلُ أنْ قَعَدَ يَبُولُ مُسْتَقْبِلَهُما، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يا أبا بَكْرٍ لَوْ كانَ يَرانا ما فَعَلَ هَذا» .
وأخْرَجَ أبُو نُعَيْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْراهِيمَ التَّيْمِيِّ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ حِينَ دَخَلَ الغارَ ضَرَبَتِ العَنْكَبُوتُ عَلى بابِهِ بِعِشاشٍ بَعْضُها عَلى بَعْضٍ، فَلَمّا انْتَهَوْا إلى فَمِ (p-٣٦٧)الغارِ قالَ قائِلٌ مِنهُمُ: ادْخُلُوا الغارَ. قالَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ: وما أرَبَكم إلى الغارِ؟ إنَّ عَلَيْهِ لَعَنْكَبُوتًا كانَ قَبْلَ مِيلادِ مُحَمَّدٍ فَنَهى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ قَتْلِ العَنْكَبُوتِ وقالَ: إنَّها جُنْدٌ مِن جُنُودِ اللَّهِ» .
وأخْرَجَ أبُو نُعَيْمٍ في ”الحِلْيَةِ“ عَنْ عَطاءِ بْنِ مَيْسَرَةَ قالَ: نَسَجَتِ العَنْكَبُوتُ مَرَّتَيْنِ، مَرَّةً عَلى داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ كانَ طالُوتُ يَطْلُبُهُ ومَرَّةً عَلى النَّبِيِّ ﷺ في الغارِ.
وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ وأبُو نُعَيْمٍ والبَيْهَقِيُّ كِلاهُما في ”الدَّلائِلِ“ عَنْ أنَسٍ قالَ: «لَمّا خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ وأبُو بَكْرٍ التَفَتَ أبُو بَكْرٍ فَإذا هو بِفارِسٍ قَدْ لَحِقَهم فَقالَ: يا نَبِيَّ اللَّهِ هَذا فارِسٌ قَدْ لَحِقَ بِنا، فَقالَ: اللَّهُمَّ اصْرَعْهُ، فَصُرِعَ عَنْ فَرَسِهِ فَقالَ: يا نَبِيَّ اللَّهِ مُرْنِي بِما شِئْتَ، قالَ: تَقِفُ مَكانَكَ لا تَتْرُكَنَّ أحَدًا يَلْحَقُ بِنا، فَكانَ أوَّلَ النَّهارِ جاهِدًا عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وآخِرَ النَّهارِ مَسْلَحَةً لَهُ وفي ذَلِكَ يَقُولُ سُراقَةُ مُخاطِبًا لِأبِي جَهْلٍ:
؎أبا حَكَمٍ واللَّهِ لَوْ كُنْتَ شاهِدًا لِأمْرِ جَوادِي إذْ تَسِيخَ قَوائِمُهْ
؎عَلِمْتَ ولَمْ تَشْكُكْ بِأنَّ مُحَمَّدًا ∗∗∗ رَسُولٌ بِبُرْهانٍ فَمَن ذا يُقاوِمُهْ»
(p-٣٦٨)وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في ”الدَّلائِلِ“، وابْنُ عَساكِرَ عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ العَنَزِيِّ قالَ: «قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الخَطّابِ: أنْتَ خَيْرٌ مِن أبِي بَكْرٍ فَبَكى وقالَ: واللَّهِ لَلَيْلَةٌ مِن أبِي بَكْرٍ ويَوْمٌ خَيْرٌ مِن عُمَرَ هَلْ لَكَ أنْ أُحَدِّثَكَ بِلَيْلَتِهِ ويَوْمِهِ؟ قالَ: قُلْتُ: نَعَمْ يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، قالَ: أمّا لَيْلَتُهُ فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هارِبًا مِن أهْلِ مَكَّةَ خَرَجَ لَيْلًا فَتَبِعَهُ أبُو بَكْرٍ فَجَعَلَ يَمْشِي مَرَّةً أمامَهُ ومَرَّةً خَلْفَهُ، ومَرَّةً عَنْ يَمِينِهِ ومَرَّةً عَنْ يَسارِهِ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ما هَذا يا أبا بَكْرٍ؟ ما أعْرِفُ هَذا مِن فِعْلِكَ؟ قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ أذْكُرُ الرَّصَدَ فَأكُونُ أمامَكَ وأذْكُرُ الطَّلَبَ فَأكُونُ خَلْفَكَ، ومَرَّةً عَنْ يَمِينِكَ، ومَرَّةً عَنْ يَسارِكَ لا آمَنُ عَلَيْكَ، قالَ: فَمَشى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيْلَتَهُ عَلى أطْرافِ أصابِعِهِ حَتّى حَفِيَتْ رِجْلاهُ، فَلَمّا رَآهُ أبُو بَكْرٍ أنَّها قَدْ حَفِيَتْ حَمَلَهُ عَلى كاهِلِهِ، وجَعَلَ يَشْتَدُّ بِهِ حَتّى أتى بِهِ فَمَ الغارِ فَأنْزَلَهُ، ثُمَّ قالَ: والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لا تَدْخُلْهُ حَتّى أدْخُلَهُ، فَإنْ كانَ فِيهِ شَيْءٌ نَزَلَ بِي قَبْلَكَ فَدَخَلَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَحَمَلَهُ فَأدْخَلَهُ وكانَ في الغارِ خَرْقٌ فِيهِ حَيّاتٌ وأفاعِي، فَخَشِيَ أبُو بَكْرٍ أنْ يَخْرُجَ مِنهُنَّ شَيْءٌ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَألْقَمَهُ قَدَمَهُ، فَجَعَلْنَ يَضْرِبْنَهُ ويَلْسَعْنَهُ الحَيّاتُ والأفاعِي وجَعَلَتْ دُمُوعُهُ تَنْحَدِرُ ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ لَهُ: يا أبا بَكْرٍ لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ أيْ طُمَأْنِينَتَهُ لِأبِي بَكْرٍ فَهَذِهِ لَيْلَتُهُ. وأمّا يَوْمُهُ فَلَمّا تُوُفِّيَ (p-٣٦٩)رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وارْتَدَّتِ العَرَبُ فَقالَ بَعْضُهم: نُصَلِّي ولا نُزَكِّي، وقالَ بَعْضُهم: لا نُصَلِّي ولا نُزَكِّي فَأتَيْتُهُ ولا آلُوهُ نُصْحًا، فَقُلْتُ: يا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ تَألَّفِ النّاسَ وارْفُقْ بِهِمْ، فَقالَ: جَبّارٌ في الجاهِلِيَّةِ خَوّارٌ في الإسْلامِ؟ فَبِماذا أتَألَّفُهُمْ؛ أبِشِعْرٍ مُفْتَعَلٍ أوْ بِشِعْرٍ مُفْتَرًى؟ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وارْتَفَعَ الوَحْيُ فَواللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقالًا مِمّا كانُوا يُعْطُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَقاتَلْتُهم عَلَيْهِ، قالَ: فَقاتَلْنا مَعَهُ، فَكانَ - واللَّهِ - رَشِيدَ الأمْرِ فَهَذا يَوْمُهُ» .
وأخْرَجَ أبُو نُعَيْمٍ والبَيْهَقِيُّ في ”الدَّلائِلِ“ عَنِ ابْنِ شِهابٍ وعُرْوَةَ، «أنَّهم رَكِبُوا في كُلِّ وجْهٍ يَطْلُبُونَ النَّبِيَّ ﷺ وبَعَثُوا إلى أهْلِ المِياهِ يَأْمُرُونَهم ويَجْعَلُونَ لَهُ الجُعْلَ العَظِيمَ وأتَوْا عَلى ثَوْرِ الجَبَلِ الَّذِي فِيهِ الغارُ الَّذِي فِيهِ النَّبِيُّ ﷺ حَتّى طَلَعُوا فَوْقَهُ، وسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأبُو بَكْرٍ أصْواتَهم وأشْفَقَ أبُو بَكْرٍ وأقْبَلَ عَلَيْهِ الهَمُّ والخَوْفُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنا﴾ . ودَعا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ سَكِينَةٌ مِنَ اللَّهِ ﴿فَأنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وعَلى المُؤْمِنِينَ﴾ [الفتح: ٢٦] [الفَتْحِ: ٢٦]: ﴿وجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وكَلِمَةُ اللَّهِ هي العُلْيا واللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة»: ٤٠] (p-٣٧٠)وأخْرَجَ ابْنُ شاهِينَ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، وابْنُ عَساكِرَ عَنْ حُبْشِيِّ بْنِ جُنادَةَ قالَ: «قالَ أبُو بَكْرٍ: يا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أنَّ أحَدًا مِنَ المُشْرِكِينَ رَفَعَ قَدَمَهُ لَأبْصَرَنا، قالَ: يا أبا بَكْرٍ لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنا» .
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «إنَّ الَّذِينَ طَلَبُوهم صَعِدُوا الجَبَلَ فَلَمْ يَبْقَ إلّا أنْ يَدْخُلُوا، فَقالَ أبُو بَكْرٍ: أُتِينا، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يا أبا بَكْرٍ لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنا. وانْقَطَعَ الأثَرُ فَذَهَبُوا يَمِينًا وشِمالًا» .
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ وأخْرَجَ أبا بَكْرٍ مَعَهُ لَمْ يَأْمَن عَلى نَفْسِهِ غَيْرَهُ حَتّى دَخَلا الغارَ» .
وأخْرَجَ ابْنُ شاهِينَ والدّارَقُطْنِيُّ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، وابْنُ عَساكِرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأبِي بَكْرٍ: أنْتَ صاحِبِي في الغارِ، وأنْتَ مَعِي عَلى الحَوْضِ» .
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ مِن حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ وأبِي هُرَيْرَةَ، مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ، وابْنُ عَساكِرَ مِن طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أنَسٍ «أنَّ (p-٣٧١)رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ لِحَسّانَ: هَلْ قُلْتَ في أبِي بَكْرٍ شَيْئًا؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: قُلْ وأنا أسْمَعُ، فَقالَ:
؎وثانِيَ اثْنَيْنِ في الغارِ المُنِيفِ وقَدْ ∗∗∗ طافَ العَدُوُّ بِهِ إذْ صاعَدَ الجَبَلا
؎وكانَ حِبَّ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ عَلِمُوا ∗∗∗ مِنَ البَرِّيَّةِ لَمْ يَعْدِلْ بِهِ رَجُلا
فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتّى بَدَتْ نَواجِذُهُ ثُمَّ قالَ: صَدَقْتَ يا حَسّانُ هو كَما قُلْتَ» .
وأخْرَجَ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمانَ الأطْرابُلْسِيُّ في فَضائِلِ الصَّحابَةِ، وابْنُ عَساكِرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ: إنَّ اللَّهَ ذَمَّ النّاسَ كُلَّهم ومَدَحَ أبا بَكْرٍ فَقالَ: ﴿إلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إذْ أخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إذْ هُما في الغارِ إذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنا﴾ .
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ أبِي بَكْرٍ قالَ: «ما دَخَلَنِي إشْفاقٌ مِن شَيْءٍ ولا دَخَلَنِي في الدِّينِ وحْشَةٌ إلى أحَدٍ بَعْدَ لَيْلَةِ الغارِ، فَإنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ رَأى إشْفاقِي عَلَيْهِ وعَلى الدِّينِ قالَ لِي: هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإنَّ اللَّهَ قَدْ قَضى لِهَذا الأمْرِ بِالنَّصْرِ والتَّمامِ» .
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ سُفْيانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قالَ: عاتَبَ اللَّهُ المُسْلِمِينَ جَمِيعًا في نَبِيِّهِ ﷺ غَيْرَ أبِي بَكْرٍ وحْدَهُ فَإنَّهُ خَرَجَ مِنَ المُعاتَبَةِ ثُمَّ قَرَأ: ﴿إلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ﴾ (p-٣٧٢)الآيَةَ.
وأخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الحَسَنِ قالَ: لَقَدْ عاتَبَ اللَّهُ جَمِيعَ أهْلِ الأرْضِ غَيْرَ أبِي بَكْرٍ، فَقالَ: ﴿إلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إذْ أخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ﴾ .
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ مِن طَرِيقِ الزُّبَيْرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى قالَ: أخْبَرَنِي بَعْضُ أصْحابِنا قالَ: قالَ شابٌّ مِن أبْناءِ الصَّحابَةِ في مَجْلِسٍ فِيهِ القاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: واللَّهِ ما كانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِن مَوْطِنٍ إلّا وأنا فِيهِ مَعَهُ، فَقالَ القاسِمُ: يا ابْنَ أخِي لا تَحْلِفْ، قالَ: هَلُمَّ، قالَ: بَلى ما لا تَرُدُّهُ قالَ اللَّهُ: ﴿ثانِيَ اثْنَيْنِ إذْ هُما في الغارِ﴾ .
وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وأحْمَدُ، والبُخارِيُّ ومُسْلِمٌ، والتِّرْمِذِيُّ وأبُو عَوانَةَ، وابْنُ حِبّانَ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنْ أنَسٍ قالَ: حَدَّثَنِي أبُو بَكْرٍ قالَ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ في الغارِ فَرَأيْتُ آثارَ المُشْرِكِينَ فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أنَّ أحَدَهم رَفَعَ قَدَمَهُ لَأبْصَرَنا تَحْتَ قَدَمِهِ، فَقالَ: يا أبا بَكْرٍ، ما (p-٣٧٣)ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثالِثُهُما» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ المُنْذِرِ وأبُو الشَّيْخِ، وأبُو نُعَيْمٍ في ”الدَّلائِلِ“ «عَنْ أبِي بَكْرٍ، أنَّهُما لَمّا انْتَهَيا إلى الغارِ إذا جُحْرٌ فَألْقَمَهُ أبُو بَكْرٍ رِجْلَيْهِ قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنْ كانَتْ لَدْغَةٌ أوْ لَسْعَةٌ كانَتْ بِي» .
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: «لَمّا كانَتْ لَيْلَةُ الغارِ قالَ أبُو بَكْرٍ: يا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي فَلَأدْخُلُ قَبْلَكَ فَإنْ كانَتْ حَيَّةٌ أوْ شَيْءٌ كانَتْ بِي قَبْلَكَ، قالَ: ادْخُلْ، فَدَخَلَ أبُو بَكْرٍ فَجَعَلَ يَلْمِسُ بِيَدَيْهِ فَكُلَّما رَأى جُحْرًا قالَ بِثَوْبِهِ فَشَقَّهُ ثُمَّ ألْقَمَهُ الجُحْرَ، حَتّى فَعَلَ ذَلِكَ بِثَوْبِهِ أجْمَعَ، وبَقِيَ جُحْرٌ فَوَضَعَ عَلَيْهِ عَقِبَهُ وقالَ: ادْخُلْ، رَسُولَ اللَّهِ. فَلَمّا أصْبَحَ قالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: فَأيْنَ ثَوْبُكَ؟ يا أبا بَكْرٍ فَأخْبَرَهُ بِالَّذِي صَنَعَ فَرَفَعَ النَّبِيُّ ﷺ يَدَيْهِ وقالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ أبا بَكْرٍ مَعِي في دَرَجَتِي يَوْمَ القِيامَةِ، فَأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ: إنَّ اللَّهَ قَدِ اسْتَجابَ لَكَ» .
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيانَ قالَ: «لَمّا انْطَلَقَ أبُو بَكْرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلى الغارِ قالَ لَهُ أبُو بَكْرٍ: لا تَدْخُلْ يا رَسُولَ اللَّهِ حَتّى أسْتَبْرِئَهُ.
(p-٣٧٤)فَدَخَلَ أبُو بَكْرٍ الغارَ، فَأصابَ يَدَهُ شَيْءٌ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ أُصْبُعِهِ وهو يَقُولُ:
؎هَلْ أنْتَ إلّا أُصْبُعٌ دَمِيتِ ∗∗∗ وفي سَبِيلِ اللَّهِ ما لَقِيتِ»
.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَنْ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ قالَ: قالَتْ عائِشَةُ: قالَ أبُو بَكْرٍ: «لَوْ رَأيْتِنِي ورَسُولَ اللَّهِ ﷺ إذْ صَعِدْنا الغارَ فَأمّا قَدَما رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَتَفَطَّرَتا دَمًا، وأمّا قَدَمايَ فَعادَتْ كَأنَّها صَفْوانٌ، قالَتْ عائِشَةُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَتَعَوَّدِ الحِفْيَةَ» .
وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، وأبُو نُعَيْمٍ والبَيْهَقِيُّ في ”الدَّلائِلِ“ عَنِ أبِي مُصْعَبٍ قالَ: أدْرَكْتُ أنَسَ بْنَ مالِكٍ وزَيْدَ بْنَ أرْقَمَ والمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ فَسَمِعْتُهم يَتَحَدَّثُونَ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَيْلَةَ الغارِ أمَرَ اللَّهُ شَجَرَةً فَنَبَتَتْ في وجْهِ النَّبِيِّ ﷺ فَسَتَرَتْهُ، وأمَرَ اللَّهُ العَنْكَبُوتَ فَنَسَجَتْ في وجْهِ النَّبِيِّ ﷺ فَسَتَرَتْهُ، وأمَرَ اللَّهُ حَمامَتَيْنِ وحْشِيَّتَيْنِ فَوَقَفَتا بِفَمِ الغارِ، وأقْبَلَ فِتْيانُ قُرَيْشٍ مِن كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ بِعِصِيِّهِمْ وأسْيافِهِمْ وهِرّاوِيهِمْ حَتّى إذا كانُوا مِنَ النَّبِيِّ ﷺ قَدْرَ أرْبَعِينَ ذِراعًا فَعَجِلَ بَعْضُهم فَنَظَرَ في الغارِ يَرى فِيهِ أحَدًا فَرَأى حَمامَتَيْنِ بِفَمِ الغارِ فَرَجَعَ إلى أصْحابِهِ فَقالُوا: ما لَكَ لَمْ تَنْظُرْ في الغارِ؟ فَقالَ: رَأيْتُ حَمامَتَيْنِ بِفَمِ الغارِ فَعَرَفْتُ أنْ لَيْسَ فِيهِ أحَدٌ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ ما قالَ فَعَرَفَ (p-٣٧٥)أنَّ اللَّهَ قَدْ دَرَأ عَنْهُ بِهِما فَسَمَّتَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَيْهِنَّ وفَرَضَ جَزاءَهُنَّ وانْحَدَرْنَ في الحَرَمِ فَأفْرَخَ ذَلِكَ الزَّوْجُ كُلَّ شَيْءٍ في الحَرَمِ» .
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ في تارِيخِهِ بِسَنَدٍ واهٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «كانَ أبُو بَكْرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في الغارِ فَعَطِشَ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اذْهَبْ إلى صَدْرِ الغارِ فاشْرَبْ، فانْطَلَقَ أبُو بَكْرٍ إلى صَدْرِ الغارِ فَشَرِبَ مِنهُ ماءً أحْلى مِنَ العَسَلِ وأبْيَضَ مِنِ اللَّبَنِ وأزْكى رائِحَةً مِنَ المِسْكِ، ثُمَّ عادَ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّ اللَّهَ أمَرَ المَلَكَ المُوَكَّلَ بِأنْهارِ الجَنَّةِ أنْ خَرِّقْ نَهْرًا مِن جَنَّةِ الفِرْدَوْسِ إلى صَدْرِ الغارِ لِتَشْرَبَ» .
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قالَ: والَّذِي لا إلَهَ غَيْرُهُ لَقَدْ عُوتِبَ أصْحابُ مُحَمَّدٍ ﷺ كُلُّهم في نُصْرَتِهِ إلّا أبا بَكْرٍ فَإنَّ اللَّهَ قالَ: ﴿إلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إذْ أخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إذْ هُما في الغارِ﴾ خَرَجَ أبُو بَكْرٍ واللَّهِ مِنَ المَعْتَبَةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ - وكانَ مِن أهْلِ الصُّفَّةِ - قالَ: أخَذَ عُمَرُ بِيَدِ أبِي بَكْرٍ فَقالَ: مَن لَهُ هَذِهِ الثَّلاثُ؟ ﴿إذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ﴾ مَن صاحِبُهُ؟ ﴿إذْ هُما في الغارِ﴾ مَن هُما؟ ﴿لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنا﴾ .
(p-٣٧٦)وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الحارِثِ عَنْ أبِيهِ أنَّ أبا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قالَ: أيُّكم يَقْرَأُ سُورَةَ التَّوْبَةِ قالَ: رَجُلٌ: أنا، قالَ: اقْرَأْ، فَلَمّا بَلَغَ: ﴿إذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ﴾ بَكى وقالَ: أنا واللَّهِ صاحِبُهُ.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنْ قَتادَةَ قالَ: كانَ صاحِبُهُ أبا بَكْرٍ والغارُ جَبَلٌ بِمَكَّةَ يُقالُ لَهُ: ثَوْرٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أبُو بَكْرٍ أخِي وصاحِبِي في الغارِ فاعْرِفُوا ذَلِكَ لَهُ، فَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لاتَّخَذْتُ أبا بَكْرٍ خَلِيلًا سُدُّوا كُلَّ خَوْخَةٍ في هَذا المَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أبِي بَكْرٍ» .
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «لَوِ اتَّخَذْتُ خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لاتَّخَذْتُ أبا بَكْرٍ خَلِيلًا ولَكِنْ أخِي وصاحِبِي في الغارِ» .
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ الزُّهْرِيِّ في قَوْلِهِ: ﴿إذْ هُما في الغارِ﴾ قالَ: الغارُ الَّذِي في الجَبَلِ الَّذِي يُسَمّى ثَوْرًا.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: «رَأيْتُ قَوْمًا يَصْعَدُونَ حِراءَ فَقُلْتُ: ما يَلْتَمِسُ هَؤُلاءِ في حِراءَ؟ فَقالُوا: الغارَ الَّذِي اخْتَبَأ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأبُو بَكْرٍ، قالَتْ عائِشَةُ: ما اخْتَبَأ في حِراءَ إنَّما اخْتَبَأ في ثَوْرٍ وما كانَ أحَدٌ يَعْلَمُ مَكانَ ذَلِكَ الغارِ إلّا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أبِي بَكْرٍ وأسْماءَ بِنْتَ أبِي بَكْرٍ فَإنَّهُما كانا يَخْتَلِفانِ إلَيْهِما وعامِرُ (p-٣٧٧)ابْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلى أبِي بَكْرٍ» فَإنَّهُ كانَ إذا سَرَحَ غَنَمَهُ مَرَّ بِهِما فَحَلَبَ لَهُما.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: «مَكَثَ أبُو بَكْرٍ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ في الغارِ ثَلاثًا» .
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وأحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ والبُخارِيُّ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، مِن طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ «عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: لَمْ أعْقِلْ أبَوَيَّ قَطُّ إلّا وهُما يَدِينانِ الدِّينَ ولَمْ يَمُرَّ عَلَيْنا يَوْمٌ إلّا يَأْتِينا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ طَرَفَيِ النَّهارِ بُكْرَةً وعَشِيَّةً، ولَمّا ابْتُلِيَ المُسْلِمُونَ خَرَجَ أبُو بَكْرٍ مُهاجِرًا قِبَلَ أرْضِ الحَبَشَةِ حَتّى إذا بَلَغَ بَرْكَ الغِمادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ وهو سَيِّدُ القارَةِ فَقالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: أيْنَ تُرِيدُ يا أبا بَكْرٍ؟ فَقالَ أبُو بَكْرٍ: أخْرَجَنِي قَوْمِي فَأُرِيدُ أنْ أسِيحَ في الأرْضِ أعْبُدُ رَبِّي، قالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: فَإنَّ مِثْلَكَ يا أبا بَكْرٍ لا يَخْرُجُ ولا يُخْرَجُ إنَّكَ تَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ عَلى نَوائِبِ الحَقِّ فَأنا لَكَ جارٌ، فارْجِعْ فاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ. فارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ فَرَجَعَ مَعَ أبِي بَكْرٍ فَطافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ في كُفّارِ قُرَيْشٍ فَقالَ: لا يَخْرُجُ مِثْلُهُ ولا يُخْرَجُ، أتُخْرِجُونَ رَجُلًا يَكْسِبُ المَعْدُومَ ويَصِلُ الرَّحِمَ ويَحْمِلُ الكَلَّ ويَقْرِي الضَّيْفَ ويُعِينُ عَلى نَوائِبِ الحَقِّ؟! فَأنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ (p-٣٧٨)وأمَّنُوا أبا بَكْرٍ وقالُوا لِابْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أبا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ في دارِهِ ولْيُصَلِّ فِيها ما شاءَ ولْيَقْرَأْ ما شاءَ ولا يُؤْذِينا ولا يَسْتَعْلِنْ بِالصَّلاةِ والقِراءَةِ في غَيْرِ دارِهِ، فَفَعَلَ ثُمَّ بَدا لِأبِي بَكْرٍ فابْتَنى مَسْجِدًا بِفِناءِ دارِهِ، فَكانَ يُصَلِّي فِيهِ ويَقْرَأُ فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِساءُ المُشْرِكِينَ وأبْناؤُهم يَعْجَبُونَ مِنهُ ويَنْظُرُونَ إلَيْهِ، وكانَ أبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكّاءً لا يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ القُرْآنَ فَأفْزَعَ ذَلِكَ أشْرافَ قُرَيْشٍ فَأرْسَلُوا إلى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَقالُوا: إنّا أجَرَنا أبا بَكْرٍ عَلى أنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ في دارِهِ وإنَّهُ جاوَزَ ذَلِكَ فابْتَنى مَسْجِدًا بِفِناءِ دارِهِ وأعْلَنَ الصَّلاةَ والقِراءَةَ، وإنّا خَشِينا أنْ يَفْتِنَ نِساءَنا وأبْناءَنا، فَإنْ أحَبَّ أنْ يَقْتَصِرَ عَلى أنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ في دارِهِ فَعَلَ، وإنْ أبى إلّا أنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ فَسَلْهُ أنْ يَرُدَّ إلَيْكَ ذِمَّتَكَ فَإنّا قَدْ كَرِهْنا أنْ نُخْفِرَكَ ولَسْنا مُقِرِّينَ لِأبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلانَ، فَأتى ابْنُ الدَّغِنَةِ أبا بَكْرٍ فَقالَ: يا أبا بَكْرٍ قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإمّا أنْ تَقْتَصِرَ عَلى ذَلِكَ، وإمّا أنْ تَرُدَّ إلَيَّ ذِمَّتِي فَإنِّي لا أُحِبُّ أنْ تَسْمَعَ العَرَبُ أنِّي أُخْفِرْتُ في عَقْدِ رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، فَقالَ أبُو بَكْرٍ: فَإنِّي أرُدُّ إلَيْكَ جِوارَكَ وأرْضى بِجِوارِ اللَّهِ ورَسُولِهِ ﷺ - ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ - قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِلْمُسْلِمِينَ: قَدْ أُرِيتُ دارَ هِجْرَتِكم أُرِيتُ سَبَخَةً ذاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لابَتَيْنِ وهُما حِرَّتانِ. فَهاجَرَ مَن هاجَرَ قِبَلَ المَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ورَجَعَ إلى المَدِينَةِ بَعْضُ مَن كانَ هاجَرَ إلى أرْضِ الحَبَشَةِ مِنَ المُسْلِمِينَ وتَجَهَّزَ أبُو بَكْرٍ مُهاجِرًا، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عَلى رِسْلِكَ فَإنِّي أرْجُو أنْ يُؤْذَنَ لِي، فَقالَ أبُو بَكْرٍ: (p-٣٧٩)وتَرْجُو ذَلِكَ بِأبِي أنْتَ! قالَ: نَعَمْ، فَحَبَسَ أبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِصُحْبَتِهِ وعَلَفَ راحِلَتَيْنِ كانَتا عِنْدَهُ ورَقَ السَّمُرِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ، فَبَيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ في بَيْتِنا في نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قالَ قائِلٌ لِأبِي بَكْرٍ: هَذا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُقْبِلًا في ساعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينا فِيها فَقالَ أبُو بَكْرٍ: فِداهُ أبِي وأُمِّي إنْ جاءَ بِهِ في هَذِهِ السّاعَةِ إلّا أمْرٌ فَجاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: حِينَ دَخَلَ لِأبِي بَكْرٍ: أخْرِجْ مَن عِنْدَكَ، فَقالَ أبُو بَكْرٍ: إنَّما هم أهْلُكَ بِأبِي أنْتَ يا رَسُولَ اللَّهِ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
فَإنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي بِالخُرُوجِ، فَقالَ أبُو بَكْرٍ: فالصَّحابَةَ بِأبِي أنْتَ يا رَسُولَ اللَّهِ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: نَعَمْ، فَقالَ أبُو بَكْرٍ: فَخُذْ بِأبِي أنْتَ يا رَسُولَ اللَّهِ إحْدى راحِلَتَيَّ هاتَيْنِ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: بِالثَّمَنِ، فَقالَتْ عائِشَةُ: فَجَهَّزْناهُما أحَثَّ الجِهازِ، فَصَنَعْنا لَهُما سُفْرَةً في جِرابٍ فَقَطَعَتْ أسْماءُ بِنْتُ أبِي بَكْرٍ مِن نِطاقِها فَأوْكَتْ بِهِ الجِرابَ - فَلِذَلِكَ كانَتْ تُسَمّى ذاتَ النِّطاقِ - ولَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأبُو بَكْرٍ بِغارٍ في جَبَلٍ يُقالُ لَهُ: ثَوْرٌ فَمَكَثا فِيهِ ثَلاثَ لَيالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُما عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي بَكْرٍ وهو غُلامٌ شابٌّ لَقِنٌ ثَقِفٌ فَيَخْرُجُ مِن عِنْدِهِما سَحَرًا فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبائِتٍ فَلا يَسْمَعُ أمْرًا يُكادانِ بِهِ إلّا وعاهُ حَتّى يَأْتِيَهُما بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلامُ، ويَرْعى عَلَيْهِما عامِرُ بْنُ (p-٣٨٠)فُهَيْرَةَ مَوْلًى لِأبِي بَكْرٍ» مَنِيحَةً مِن غَنَمٍ فَيُرِيحُها عَلَيْهِما حِينَ يَذْهَبُ بِغَلَسٍ ساعَةً مِنَ اللَّيْلِ فَيَبِيتانِ في رِسْلِهِما حَتّى يَنْعِقَ بِها عامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِن تِلْكَ اللَّيالِي الثَّلاثِ، واسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا مَن بَنِي الدِّيلِ ثُمَّ مِن بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هادِيًا خِرِّيتًا - والخِرِّيتُ الماهِرُ بِالهِدايَةِ - قَدْ غَمَسَ يَمِينَ حِلْفٍ في آلِ العاصِي بْنِ وائِلٍ، وهو عَلى دِينِ كُفّارٍ قُرَيْشٍ فَأمِناهُ فَدَفَعا إلَيْهِ راحِلَتَيْهِما وواعَداهُ غارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاثِ لَيالٍ، فَأتاهُما بِراحِلَتَيْهِما صَبِيحَةَ ثَلاثِ لَيالٍ فارْتَحَلا فانْطَلَقَ مَعَهُما عامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلى أبِي بَكْرٍ والدَّلِيلُ الدِّيلِيُّ فَأخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ أذاخِرَ، وهو طَرِيقُ السّاحِلِ.
قالَ الزُّهْرِيُّ: وأخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مالِكٍ المُدْلِجِيُّ وهو ابْنُ أخِي سُراقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ: أنَّ أباهُ أخْبَرَهُ أنَّهُ سَمِعَ سُراقَةَ يَقُولُ: «جاءَتْنا رُسُلُ كُفّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ في رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وأبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما لِمَن قَتَلَهُما أوْ أسَرَهُما، فَبَيْنا أنا جالِسٌ في مَجْلِسٍ مِن مَجالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ أقْبَلَ رَجُلٌ (p-٣٨١)مِنهم حَتّى قامَ عَلَيْنا، فَقالَ: يا سُراقَةُ إنِّي رَأيْتُ آنِفًا أسْوِدَةً بِالسّاحِلِ لا أُراها إلّا مُحَمَّدًا وأصْحابَهُ قالَ سُراقَةُ: فَعَرَفْتُ أنَّهم هُمْ، فَقُلْتُ: إنَّهم لَيْسُوا بِهِمْ ولَكِنْ رَأيْتُ فُلانًا وفُلانًا انْطَلَقُوا آنِفًا. ثُمَّ لَبِثْتُ في المَجْلِسِ حَتّى قُمْتُ فَدَخَلْتُ بَيْتِي، وأمَرْتُ جارِيَتِي أنْ تُخْرِجَ لِي فَرَسِي وهي مِن وراءِ أكَمَةٍ فَتَحْبِسَها عَلَيَّ، وأخَذْتُ رُمْحِي فَخَرَجْتُ بِهِ مِن ظَهْرِ البَيْتِ فَخَطَطْتُ بِرُمْحِي الأرْضَ وخَفَضْتُ عالِيَةَ الرُّمْحِ حَتّى أتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُها فَدَفَعْتُها وتُقَرِّبُ بِي حَتّى رَأيْتُ أسْوِدَتَهُما فَلَمّا دَنَوْتُ مِنهم حَيْثُ يُسْمِعُهُمُ الصَّوْتُ، عَثَرَتْ بِي فَرَسِي فَخَرَرْتُ عَنْها، فَقُمْتُ فَأهْوَيْتُ بِيَدِي إلى كِنانَتِي فاسْتَخْرَجْتُ مِنها الأزْلامَ فاسْتَقْسَمْتُ بِها أضُرُّهم أمْ لا؟ فَخَرَجَ الَّذِي أكْرَهُ ألّا أضُرَّهُمْ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي وعَصَيْتُ الأزْلامَ، فَدَفَعْتُها تُقَرِّبُ بِي حَتّى إذا دَنَوْتُ مِنهم عَثَرَتْ بِي فَرَسِي فَخَرَرْتُ عَنْها، فَقُمْتُ فَأهْوَيْتُ بِيَدِي إلى كِنانَتِي فاسْتَخْرَجْتُ الأزْلامَ فاسْتَقْسَمْتُ فَخَرَجَ الَّذِي أكْرَهُ ألّا أضُرَّهم فَعَصَيْتُ الأزْلامُ ورَكِبْتُ فَرَسِي فَدَفَعْتُها تُقَرِّبُ بِي حَتّى إذا سَمِعْتُ قِراءَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وهو لا يَلْتَفِتُ وأبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالتِفاتَ ساخَتْ يَدا فَرَسِي في الأرْضِ حَتّى بَلَغَتِ الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْها فَزَجَرْتُها فَنَهَضَتْ فَلَمْ تَكَدْ تَخْرُجُ يَداها فَلَمّا (p-٣٨٢)اسْتَوَتْ قائِمَةً إذا لِأثَرِ يَدَيْها عُثانٌ ساطِعٌ في السَّماءِ مِنَ الدُّخانِ فاسْتَقْسَمْتُ بِالأزْلامِ فَخَرَجَ الَّذِي أكْرَهُ ألّا أضُرَّهم فَنادَيْتُهم بِالأمانِ فَوَقَفا ورَكِبْتُ فَرَسِي حَتّى جِئْتُهُمْ، ووَقَعَ في نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ ما لَقِيتُ مِنَ الحَبْسِ عَنْهم أنَّهُ سَيَظْهَرُ أمْرُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَلَتْ لَهُ: إنَّ قَوَّمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ وأخْبَرْتُهم مِن أخْبارِ سَفَرِهِمْ وما يُرِيدُ النّاسُ بِهِمْ، وعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزّادَ والمَتاعَ فَلَمَّ يَرْزَءُونِي شَيْئًا ولَمْ يَسْألُونِي إلّا أنْ أخْفِ عَنّا فَسَألْتُهُ أنْ يَكْتُبَ لِي كِتابًا مُوادَعَةً آمَنُ بِهِ، فَأمَرَ عامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ لِي في رُقْعَةٍ مِن أدِيمٍ ثُمَّ مَضى» .
قالَ الزُّهْرِيُّ: وأخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ «أنَّهُ لَقِيَ الزُّبَيْرَ ورَكْبًا مِنَ المُسْلِمِينَ كانُوا تُجّارًا بِالشّامِ قافِلِينَ إلى مَكَّةَ، فَعَرَّضُوا النَّبِيَّ ﷺ وأبا بَكْرٍ بِثِيابٍ بَياضٍ وسَمِعَ المُسْلِمُونَ بِالمَدِينَةِ بِخُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَكانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَداةٍ إلى الحَرَّةِ فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتّى يُؤْذِيَهم حَرُّ الظَّهِيرَةِ فانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَما أطالُوا انْتِظارَهُ، فَلَمّا أوَوْا إلى بُيُوتِهِمْ أوْفى رَجُلٌ مِن يَهُودَ أُطُمًا مِن آطامِهِمْ لِأمْرٍ يَنْظُرُ إلَيْهِ فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وأصْحابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمُ (p-٣٨٣)السَّرابُ فَلَمْ يَتَناهى اليَهُودِيُّ أنْ نادى بِأعْلى صَوْتِهِ يا مَعْشَرَ العَرَبِ هَذا جَدُّكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ، فَثارَ المُسْلِمُونَ إلى السِّلاحِ فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَتّى أتَوْهُ بِظَهْرِ الحَرَّةِ فَعَدَلَ بِهِمْ ذاتَ اليَمِينِ حَتّى نَزَلَ في بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقُباءَ وذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِن شَهْرِ رَبِيعٍ الأوَّلِ، فَقامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأبُو بَكْرٍ يُذَكِّرُ النّاسَ وجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صامِتًا، وطَفِقَ مَن جاءَ مِنَ الأنْصارِ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ رَأى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَحْسَبُهُ أبا بَكْرٍ حَتّى أصابَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ الشَّمْسُ، فَأقْبَلَ أبُو بَكْرٍ حَتّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرادِئِهِ فَعَرَفَ النّاسُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وابْتَنى المَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلى التَّقْوى، وصَلّى فِيهِ ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ راحِلَتَهُ فَسارَ ومَشى النّاسُ حَتّى بَرَكَتْ بِهِ عِنْدَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالمَدِينَةِ وهو يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجالٌ مِنَ المُسْلِمِينَ وكانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ لِسَهْلٍ وسُهَيْلٍ غُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ أخَوَيْنِ في حِجْرِ أبِي أُمامَةَ أسْعَدَ بْنِ زُرارَةَ مِن بَنِي النَّجّارِ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ بَرَكَتْ بِهِ راحِلَتُهُ: هَذا المَنزِلُ إنْ شاءَ اللَّهُ. ثُمَّ دَعا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الغُلامَيْنِ فَساوَمَهُما بِالمِرْبَدِ يَتَّخِذُهُ مَسْجِدًا، فَقالا: لا بَلْ، نَهَبُهُ لَكَ يا رَسُولَ اللَّهِ، فَأبى النَّبِيُّ ﷺ أنْ يَقْبَلَهُ مِنهُما حَتّى ابْتاعَهُ مِنهُما وبَناهُ مَسْجِدًا وطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللَّبَنَ في بِنائِهِ وهو يَقُولُ:
؎هَذا الحِمالُ لا حِمالُ خَيْبَرْ ∗∗∗ (p-٣٨٤)هَذا أبَرُّ رَبَّنا وأطْهَرُ
؎اللَّهُمَّ إنَّ الأجْرَ أجْرُ الآخِرَةْ ∗∗∗ فارْحَمِ الأنْصارَ والمُهاجِرَةْ
ويَتَمَثَّلُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي» قالَ ابْنُ شِهابٍ: ولَمْ يَبْلُغْنِي في الأحادِيثِ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَمَثَّلَ بِبَيْتٍ مِنَ شِعْرٍ تامًّا غَيْرَ هَؤُلاءِ الأبْياتِ ولَكِنْ كانَ يَرْجُزُهم لِبِناءِ المَسْجِدِ، فَلَمّا قاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كُفّارَ قُرَيْشٍ حالَتِ الحَرْبُ بَيْنَ مُهاجِرِي أرْضِ الحَبَشَةِ وبَيْنَ القُدُومِ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتّى لَقُوهُ بِالمَدِينَةِ زَمَنَ الخَنْدَقِ فَكانَتْ أسْماءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ تُحَدِّثُ: «أنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ كانَ يُعَيِّرُهم بِالمُكْثِ في أرْضِ الحَبَشَةِ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ زَعَمَتْ أسْماءُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ: لَسْتُمْ كَذَلِكَ وكانَتْ أوَّلُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ في القِتالِ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأنَّهم ظُلِمُوا﴾ [الحج: ٣٩] حَتّى بَلَغَ: ﴿لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: ٤٠] . [الحَجِّ»: ٣٩-٤٠]
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وأحْمَدُ، والبُخارِيُّ عَنْ أنَسٍ قالَ: «أقْبَلَ النَّبِيُّ ﷺ إلى المَدِينَةِ وهو يُرْدِفُ أبا بَكْرٍ وهو شَيْخٌ يُعْرَفُ والنَّبِيُّ ﷺ لا يُعْرَفُ فَكانُوا يَقُولُونَ: يا أبا بَكْرٍ مَن هَذا الغُلامُ بَيْنَ يَدَيْكَ؟ قالَ: هادٍ يَهْدِينِي السَّبِيلَ.
(p-٣٨٥)قالَ: فَلَمّا دَنَوْنا مِنَ المَدِينَةِ نَزَلْنا الحَرَّةَ، وبَعَثَ إلى الأنْصارِ فَجاءُوا قالَ: فَشَهِدْتُهُ يَوْمَ دَخَلَ المَدِينَةَ فَما رَأيْتُ يَوْمًا كانَ أحْسَنَ ولا أضْوَأ مِن يَوْمِ دَخَلَ عَلَيْنا فِيهِ وشَهِدْتُهُ يَوْمَ ماتَ فَما رَأيْتُ يَوْمًا كانَ أقْبَحَ ولا أظْلَمَ مِن يَوْمٍ ماتَ فِيهِ النَّبِيُّ» ﷺ .
وأخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ في ”التَّمْهِيدِ“ عَنْ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ خَرَجَ مُهاجِرًا إلى المَدِينَةِ ومَعَهُ أبُو بَكْرٍ أُتِيَ بِراحِلَةِ أبِي بَكْرٍ فَسَألَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أنْ يَرْكَبَ ويُرْدِفَهُ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: بَلْ أنْتَ ارْكَبْ وأرْدُفُكَ أنا فَإنَّ الرَّجُلَ أحَقُّ بِصَدْرِ دابَّتِهِ. فَلَمّا خَرَجا لَقِيا في الطَّرِيقِ سُراقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ - وكانَ أبُو بَكْرٍ لا يَكْذِبُ - فَسَألَهُ: مَنِ الرَّجُلُ؟ قالَ: باغٍ، قالَ: فَما الَّذِي وراءَكَ؟ قالَ: هادٍ، قالَ: أحْسَسْتَ مُحَمَّدًا؟ قالَ: هو ورائِي» .
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وأيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها﴾ . أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، والبَيْهَقِيُّ في ”الدَّلائِلِ“، وابْنُ عَساكِرَ في ”تارِيخِهِ“ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَأنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾ قالَ: عَلى أبِي بَكْرٍ لِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ تَزَلِ السِّكِّينَةُ مَعَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: «دَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ وأبُو بَكْرٍ غارَ (p-٣٨٦)حِراءَ»، فَقالَ أبُو بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ ﷺ: لَوْ أنَّ أحَدَهم يُبْصِرُ مَوْضِعَ قَدَمِهِ لَأبْصَرَنِي وإيّاكَ، فَقالَ: ما ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثالِثُهُما يا أبا بَكْرٍ؟ إنَّ اللَّهَ أنْزَلَ سَكِينَتَهُ عَلَيْكَ وأيَّدَنِي بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها.
وأخْرَجَ الخَطِيبُ في ”تارِيخِهِ“ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أبِي ثابِتٍ: ﴿فَأنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾ قالَ: عَلى أبِي بَكْرٍ فَأمّا النَّبِيُّ ﷺ فَقَدْ كانَتْ عَلَيْهِ السِّكِّينَةُ.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى﴾ . الآيَةَ. أخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والبَيْهَقِيُّ في ”الأسْماءِ والصِّفاتِ“ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى﴾ قالَ: هي الشِّرْكُ بِاللَّهِ: ﴿وكَلِمَةُ اللَّهِ هي العُلْيا﴾ قالَ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنِ الضِّحاكَ، مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ، وأبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنْ أبِي مُوسى قالَ: «جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: الرَّجُلُ يُقاتِلُ شَجاعَةً ويُقاتِلُ حَمِيَّةً ويُقاتِلُ رِياءً، فَأيُّ ذَلِكَ في سَبِيلِ اللَّهِ؟ قالَ مَن قاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هي العُلْيا فَهو في سَبِيلِ اللَّهِ» .
{"ayah":"إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ثَانِیَ ٱثۡنَیۡنِ إِذۡ هُمَا فِی ٱلۡغَارِ إِذۡ یَقُولُ لِصَـٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِینَتَهُۥ عَلَیۡهِ وَأَیَّدَهُۥ بِجُنُودࣲ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِیَ ٱلۡعُلۡیَاۗ وَٱللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق