الباحث القرآني
(p-٤٣٩)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلا تَنْصُرُوهُ﴾ أيْ: بِالنَّفِيرِ مَعَهُ ﴿فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ﴾ إعانَةٌ عَلى أعْدائِهِ؛ ﴿إذْ أخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ حِينَ قَصَدُوا إهْلاكَهُ عَلى ما شَرَحْنا في قَوْلِهِ: ﴿وَإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنْفالِ:٣٠] فَأعْلَمَهم أنَّ نَصْرَهُ لَيْسَ بِهِمْ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثانِيَ اثْنَيْنِ﴾ العَرَبُ تَقُولُ: هو ثانِيَ اثْنَيْنِ، أيْ: أحَدُ الِاثْنَيْنِ، وثالِثُ ثَلاثَةٍ، أيْ: أحَدُ الثَّلاثَةِ، قالَ الزَّجّاجُ: وقَوْلُهُ: ﴿ثانِيَ اثْنَيْنِ﴾ مَنصُوبٌ عَلى الحالِ؛ المَعْنى: قَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ أحَدَ اثْنَيْنِ، أيْ: نَصَرَهُ مُنْفَرِدًا إلّا مِن أبِي بَكْرٍ.
وَهَذا مَعْنى قَوْلِ الشَّعْبِيِّ: عاتَبَ اللَّهُ أهْلَ الأرْضِ جَمِيعًا في هَذِهِ الآَيَةِ غَيْرَ أبِي بَكْرٍ.
وَقالَ ابْنُ جَرِيرٍ: المَعْنى: أخْرَجُوهُ وهو أحَدُ الِاثْنَيْنِ، وهُما رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأبُو بَكْرٍ. فَأمّا الغارُ، فَهو ثُقْبٌ في الجَبَلِ، وقالَ ابْنُ فارِسٍ: الغارُ: الكَهْفُ، والغارُ: نَبْتٌ طَيِّبُ الرِّيحِ، والغارُ: الجَماعَةُ مِنَ النّاسِ، والغارانِ: البَطْنُ والفَرْجُ، وهُما الأجْوَفانِ، يُقالُ: إنَّما هو عَبْدُ غارَيْهِ. قالَ الشّاعِرُ:
؎ ألَمْ تَرَ أنَّ الدَّهْرَ يَوْمٌ ولَيْلَةٌ وأنَّ الفَتى يَسْعى لَغارَيْهِ دائِبًا
قالَ قَتادَةُ: وهَذا الغارُ في جَبَلٍ بِمَكَّةَ يُقالُ لَهُ: ثَوْرٌ. قالَ مُجاهِدٌ: مَكَثا فِيهِ ثَلاثًا. وقَدْ ذَكَرْتُ حَدِيثَ الهِجْرَةِ في كِتابِ "الحَدائِقِ" .
قالَ أنَسُ بْنُ مالِكٍ: (p-٤٤٠)أمَرَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ شَجَرَةً فَنَبَتَتْ في وجْهِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَسَتَرَتْهُ، وأمَرَ العَنْكَبُوتَ فَنَسَجَتْ في وجْهِهِ، وأمَرَ حَمامَتَيْنِ وحْشِيَّتَيْنِ فَوَقَعَتا في فَمِ الغارِ، فَلَمّا دَنَوْا مِنَ الغارِ، عَجِلَ بَعْضُهم لَيَنْظُرَ، فَرَأى حَمامَتَيْنِ، فَرَجَعَ فَقالَ: رَأيْتُ حَمامَتَيْنِ عَلى فَمِ الغارِ، فَعَلِمْتُ أنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أحَدٌ. وقالَ مُقاتِلٌ: جاءَ القائِفُ فَنَظَرَ إلى الأقْدامِ فَقالَ: هَذِهِ قَدَمُ ابْنِ أبِي قُحافَةَ، والأُخْرى لا أعْرِفُها، إلّا أنَّها تُشْبِهُ القَدَمَ الَّتِي في المَقامِ. وصاحَبَهُ في هَذِهِ الآَيَةِ أبُو بَكْرٍ، وكانَ أبُو بَكْرٍ قَدْ بَكى لَمّا مَرَّ المُشْرِكُونَ عَلى بابِ الغارِ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ "ما ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثالِثُهُما"؟
وَفِي السِّكِّينَةِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّها الرَّحْمَةُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: الوَقارُ، قالَهُ قَتادَةُ. والثّالِثُ: السُّكُونُ والطُّمَأْنِينَةُ، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، وهو أصْحُّ.
وَفِي هاءِ "عَلَيْهِ" ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّها تَرْجِعُ إلى أبِي بَكْرٍ، وهو قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ، وابْنِ عَبّاسٍ، وحَبِيبِ بْنِ أبِي ثابِتٍ. واحْتَجَّ مَن نَصَرَ هَذا القَوْلَ بِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ مُطَمْئِنًا.
والثّانِي: أنَّها تَرْجِعُ إلى النَّبِيِّ ﷺ، قالَهُ مُقاتِلٌ. (p-٤٤١)والثّالِثُ: أنَّ الهاءَ هاهُنا في مَعْنى تَثْنِيَةٍ، والتَّقْدِيرُ: فَأنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِما، فاكْتَفى بِإعادَةِ الذِّكْرِ عَلى أحَدِهِما مِن إعادَتِهِ عَلَيْهِما، كَقَوْلِهِ: ﴿واللَّهُ ورَسُولُهُ أحَقُّ أنْ يُرْضُوهُ﴾ [التَّوْبَةِ:٦٢]، ذَكَرَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأيَّدَهُ﴾ أيْ: قَوّاهُ، يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ بِلا خِلافٍ. ﴿بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها﴾ وهُمُ المَلائِكَةُ. ومَتى كانَ ذَلِكَ؟ فِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: يَوْمُ بَدْرٍ، ويَوْمُ الأحْزابِ، ويَوْمُ حُنَيْنٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
والثّانِي: لَمّا كانَ في الغارِ، صَرَفَتِ المَلائِكَةُ وُجُوهَ الكُفّارِ وأبْصارَهم عَنْ رُؤْيَتِهِ، قالَهُ الزَّجّاجُ.
فَإنْ قِيلَ: إذا وقَعَ الِاتِّفاقُ أنَّ هاءَ الكِنايَةِ في "أيَّدَهُ" تَرْجِعُ إلى النَّبِيِّ ﷺ، فَكَيْفَ تُفارِقُها هاءُ "عَلَيْهِ" وهُما مُتَّفِقَتانِ في نَظْمِ الكَلامِ؟
فالجَوابُ: أنَّ كُلَّ حَرْفٍ يُرَدُّ إلى الألْيَقِ بِهِ، والسَّكِينَةُ إنَّما يَحْتاجُ إلَيْها المُنْزَعِجُ، ولَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ مُنْزَعِجًا. فَأمّا التَّأْيِيدُ بِالمَلائِكَةِ، فَلَمْ يَكُنْ إلّا لَلنَّبِيِّ ﷺ ونَظِيرُ هَذا قَوْلُهُ: ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وتُعَزِّرُوهُ وتُوَقِّرُوهُ﴾ [الفَتْحُ:٨] يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ (وَتُسَبِّحُوهُ) يَعْنِي اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى﴾ فِيها قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّ كَلِمَةَ الكافِرِينَ الشِّرْكُ، جَعَلَها اللَّهُ السُّفْلى لِأنَّها مَقْهُورَةٌ، وكَلِمَةُ اللَّهِ وهي التَّوْحِيدُ، هي العُلْيا، لِأنَّها ظَهَرَتْ، هَذا قَوْلُ الأكْثَرِينَ.
والثّانِي: أنَّ كَلِمَةَ الكافِرِينَ ما قَدَّرُوا بَيْنَهم في الكَيْدِ بِهِ لَيَقْتُلُوهُ، وكَلِمَةُ اللَّهِ أنَّهُ ناصِرُهُ، رَواهُ عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، والحَسَنُ، وعِكْرِمَةُ، وقَتادَةُ، والضَّحّاكُ، ويَعْقُوبُ: "وَكَلِمَةَ اللَّهِ" بِالنَّصْبِ.
(p-٤٤٢)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ عَزِيزٌ﴾ أيْ: في انْتِقامِهِ مِنَ الكافِرِينَ (حَكِيمٌ) في تَدْبِيرِهِ.
{"ayah":"إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ثَانِیَ ٱثۡنَیۡنِ إِذۡ هُمَا فِی ٱلۡغَارِ إِذۡ یَقُولُ لِصَـٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِینَتَهُۥ عَلَیۡهِ وَأَیَّدَهُۥ بِجُنُودࣲ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِیَ ٱلۡعُلۡیَاۗ وَٱللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق