الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الآية، قال أبو إسحاق: أعلمهم [[في (م): (أعلم)، وما أثبته موافق للمصدر التالي.]] الله أنهم إن تركوا نصره فلن يضره ذلك شيئًا، كما لم يضره قلة ناصريه حين كان بمكة [[اهـ. كلام أبي إسحاق الزجاج، انظر: "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 448.]]، وهم به الكفار ما هموا، فتولى الله تعالى نصريه ورد كيد من ناوأه خائبًا، ومعنى قوله: ﴿فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي: أعانه على أعدائه حين مكر به المشركون، وهو أن بعث إليه جبريل حتى أمره بالخروج [[رواه ابن إسحاق كما في "سيرة ابن هشام" 4/ 206 وفي سنده راوٍ لم يسم.]]، وجعل كيدهم في تباب، وأراد بقوله: ﴿إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ حين قصدوا إهلاكه، وذكرنا ذلك في قوله: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ﴾ [الأنفال: 30] الآية، وأضاف إخراجه إلى الكفار لأنهم لما هموا بقتله صعب عليه المقام، واحتاج [[في (ج): (فاحتاج).]] إلى الخروج من مكة، فأضيف الإخراج إليهم لما كانوا السبب في خروجه، قال ابن عباس في قوله: ﴿إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾: يريد: من مكة هاربًا منهم [["تنوير المقباس" ص 193 بمعناه.]]، وأما قوله: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ﴾ [الأنفال: 5] يريد: أمره إياه بالخروج [[عبارة المؤلف توحي بأنه يرى أن الإخراج المذكور في الآيتين واحد، وهو الإخراج من مكة، ومن ثم جمع بين الآيتين، والصحيح أن الإخراج المذكور في آية الأنفال إنما هو من المدينة إلى بدر. انظر: "تفسير ابن جرير" 9/ 182.]].
وقوله تعالى: ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾ أي واحد اثنين، قال الزجاج: وهو نصب على الحال، المعنى: فقد نصره الله أحد اثنين أي نصره منفردًا [[في (ي): (مفردًا)، وما أثبته موافق لما في "معاني القرآن وإعرابه".]] إلا من أبي بكر [[في (ي): (هو أبو بكر)، وهو خطأ.]] [[اهـ. كلام الزجاج، انظر: "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 449.]]، وهذا معنى قول الشعبي: عاتب الله -عز وجل- أهل الأرض جميعًا في هذه الآية غير أبي بكر [[رواه الثعلبي 6/ 110 أ، وابن المنذر كما في "الدر المنثور" 3/ 435، وفي سند الثعلبي داود بن المحبر وهو متروك، كما في "تقريب التهذيب" 200 (1811)، كما أن في متن هذا الأثر نظرًا من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الله تعالى هو الذي كف أيدي أصحاب نبيه ﷺ عن نصرته في مكة كما أفاد ذلك قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ﴾ [النساء: 77].
الثاني: أنه ليس في الآية ما يفيد أن الصحابة -رضي الله عنهم- كلفوا بنصرة نبيهم بمكة فتخلوا عنه حتى تكون عتاباً، أما قوله تعالى: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ﴾ فهو إخبار عن مستقبل، وقد قام الصحابة بذلك خير قيام وفدوه بالنفس والمال، ويكفي شاهدًا على ذلك أنه لم == يتخلف عنه في غزوة تبوك من المؤمنين الصادقين الذين لا عذر لهم سوى بضعة نفر على الرغم من بعد الشقة وحرج الموقف.
الثالث: أن هناك من أصحاب رسول الله -ﷺ- من شارك أبا بكر في نصرة النبي -ﷺ- أيام هجرته منهم علي بن أبي طالب الذي نام في فراش النبي -ﷺ- وتسجى ببردته، وعرض نفسه للخطر، وعبد الله بن أبي بكر الذي كان يتحسس أخبار المشركين ثم يخبر بها النبي -ﷺ- وصاحبه، وكذلك بنتا أبي بكر اللتان جهزتا الراحلتين، وعامر ابن فهيرة الذي كان يرعى حولهما الغنم فيشربان من لبنها. انظر: "صحيح البخاري" (3905) كتاب: المناقب، باب: هجرة النبي -ﷺ-، و"مسند الإمام أحمد" 1/ 331.]]، قال ابن عباس: والجمع في قوله: ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾ هو وأبو بكر [[في (ي): (هو أبو بكر)، والصواب ما أثبته وهو موافق لما في "الوسيط" 2/ 497، ولم ينسبه فيه لأحد، وانظر: قول ابن عباس في "تنوير المقباس" ص 193 بنحوه.]]، ويقال: فلان ثاني اثنين أي هو أحدهما مضاف، ولا يقال: هو ثان اثنين بالتنوين، وقد مرّ تفسيره مشبعًا في قوله: ﴿ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ [المائدة: 73] [[انظر النسخة (ج) 2/ 65 أوقد قال هنا: قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾. قال الفراء: ثالث ثلاثة لا يكون إلا مضافًا ولا يجوز التنوين في (ثالث) فينصب الثلاثة، وكذلك قوله: (ثانى اثنين) لا يكون (اثنين) إلا مضافًا؛ لأن المعنى مذهب اسم، كأنك قلت: واحد من اثنين، وواحد من ثلاثة، ولو قلت أنت: ثالث اثنين، جاز الإضافة وجاز التنوين ونصب الاثنين ... إلخ.]]، وقال صاحب النظم: (ثاني اثنين) أي: أحد اثنين ولو ذهب فيه مذهب الفعل كما تقول: كان واحداً فثنيته أي صيرته اثنين بنفسي لقيل: (ثاني واحد)، وكذلك قوله: (ثالث ثلاثة) أي: أحد ثلاثة، ولو ذهب به مذهب الفعل لقيل: (ثالث اثنين).
وقوله تعالى: ﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾، الغار: نقب في الجبل عظيم، قال قتادة: هو غار في جبل بمكة يقال له: ثور [[رواه ابن جرير10/ 136، وأبو الشيخ كما في "الدر المنثور" 3/ 435.]]، قال مجاهد: مكثا في الغار ثلاثًا [[رواه ابن جرير 10/ 136، والثعلبي 6/ 109 ب، وابن أبي شيبة كما في "الدر المنثور" 3/ 436.]]، وقال عروة بن الزبير: وكان عامر بن فهيرة [[هو: عامر بن فهيرة التيمي مولاهم، يقال: إن أصله من الأزد، أو من عنز بن وائل، استرق في الجاهلية فاشتراه أبو بكر الصديق، ثم أعتقه، وهو من السابقين إلى الإسلام وممن كان يعذب في الله، وقد هاجر وشهد بدرًا وأحدًا واستشهد يوم بئر معونة سنة 4 هـ.
انظر: "سيرة ابن هشام" 1/ 272، و"الإصابة" 2/ 256 (4415)، و"تهذيب التهذيب" 2/ 270.]] يروح عليهما بغنم لأبي بكر [[رواه ابن جرير 10/ 136، والثعلبي 6/ 109 ب، وقد رواه موصولاً عن عروة عن عائشة الإمام البخاري (3905) في "صحيحه"، كتاب: المناقب، باب: هجرة النبي -ﷺ- ضمن حديث الهجرة الطويل.]]، وقال قتادة: كان عبد الرحمن بن أبي بكر [[هو: عبد الرحمن بن أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان القرشي التيمي، أبو محمد، أكبر ولد أبي بكر الصديق، تأخر إسلامه إلى أيام صلح الحديبية ثم أسلم وحسن إسلامه، كان رجلاً صالحًا شجاعًا راميًا لم يجرب عليه كذبة قط، توفي فجأة قرب مكة سنة 58 هـ. انظر: "المعارف" ص 102، و"الإصابة" 2/ 392 (2588). وانظر التعليق التالي.]] يختلف إليهما [[الثابت في "صحيح البخاري" (3905)، كتاب: المناقب، باب: هجرة النبي ﷺ أن الذي كان يختلف إليهما عبد الله بن أبي بكر، وهو الصواب، وقد أسلم قديمًا مع آل أبي بكر، أما أخوه عبد الرحمن فقد تأخر إسلامه، كما مر في ترجمته.]]، فلما أراد رسول الله -ﷺ- الخروج جاءهما بناقتين [[في "صحيح البخاري" في الموضع السابق، حديث الهجرة الطويل وفيه: واستأجر رسول الله -ﷺ- وأبو بكر رجلاً من بني الديل .. أمناه فدفعا إليه راحلتيهما ووعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما.]] [[رواه الثعلبي 6/ 109 ب.]].
وقوله تعالى: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ﴾ خطب أبو بكر -رضي الله عنه-، فقال: أيكم يقرأ سورة التوبة؟ فقال رجل: أنا، [قال: اقرأ] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ي).]] فلما بلغ: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ﴾ بكى أبو بكر، وقال: أنا صاحبه [[رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 6/ 1800.]]، قال المفسرون: وهذه الصحبة كانت بأمر الله؛ لأن جبريل لما أمر رسول الله -ﷺ- بالخروج قال: "ومن يخرج معي؟ " قال: أبو بكر [[في (ج): تكررت جملة: (قال: أبو بكر).]] [[ذكره الزمخشري في "الكشاف" 2/ 190 بصيغة التمريض، وذكره الزيلعي في "تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف" 3/ 75 ولم يذكر من أخرجه.]]، قال الحسين ابن الفضل: من أنكر أن يكون عمر أو عثمان أو أحد [[في (ج): (واحد)، وما أثبته موافق لما في "الوسيط".]] من الصحابة كان صاحب رسول الله -ﷺ- فهو كذاب مبتدع، ومن أنكر أن يكون [[ساقط من (ي).]] أبو بكر صاحب رسول الله -ﷺ- كان كافرًا؛ لأنه رد نص القرآن [[انظر: "معالم التنزيل" 4/ 49، و"الوسيط" 2/ 99.]].
وقوله تعالى: ﴿لَا تَحْزَنْ﴾، قال ابن عباس: خرج رسول الله -ﷺ- وأبو بكر معه إلى الغار ليلاً، وأصبح المشركون يطلبونهما فاقتصوا الأثر إلى الغار، فحزن أبو بكر، وقال: أتينا يا رسول الله، فقال: "اللهم أعم أبصارهم" فعميت أبصارهم، وجعلوا يضربون يمينًا وشمالاً حول الغار [[أخرجه ابن عساكر كما في "الدر المنثور" 3/ 433 بنحوه، وذكر الثعلبي 6/ 109 ب قول الرسول ﷺ وما بعده، عن الزهري.]].
وقال المفسرون: قال أبو بكر لرسول الله ﷺ لما خاف [[في (ي): (ضاق).]] الطلب: يا رسول الله: إن قتلتُ فأنا رجل واحد، وإن قتلت هلكت الأمة، وكان حزنه شفقة [[في (ج): (شفقته)، والصواب ما أثبته بدلالة السياق.]] على رسول الله -ﷺ-، وخوفًا أن يُطِّلَع عليه [[في هذا أبلغ الرد على الرافضة الذين ينتقصون أبا بكر بحزنه المذكور، وانظر تفصيل ذلك في: "أحكام القرآن" لابن العربي 2/ 953.]]، فقال رسول الله -ﷺ-: "لا تحزن إن الله معنا" [[انظر: "تفسير الثعلبي" 6/ 109 أ، والبغوي 4/ 49.]]، قال الزجاج: لما أصبح المشركون اجتازوا بالغار فبكى أبو بكر، فقال رسول الله -ﷺ- "ما يبكيك؟ " فقال: أخاف أن تقتل فلا يعبد الله بعد اليوم، فقال له رسول الله -ﷺ: "لا تحزن إن الله معنا" أي إن الله -عز وجل- يمنعهم منا وينصرنا، قال: أهكذا يا رسول الله؟ قال: "نعم" فرقأ دمع أبي بكر وسكن [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 448، وقد روى الأثر بمعناه مختصرًا ابن أبي حاتم في "تفسيره" 6/ 1798 - 1799 ولفظه: فقلت: هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله وبكيت، فقال: "ما يبكيك؟ " فقلت: أما والله ما على نفسي أبكي، ولكن أبكي عليك. لكن هذا في مسيرهما إلى المدينة وليس في الغار.]]، وقال أبو بكر: قلتُ للنبي ﷺ ونحن في الغار: لو [أن واحداً] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ي).]] نظر إلى قدميه لأبصرنا، فقال: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما" [[رواه بنحوه البخاري (4381) كتاب التفسير، باب قوله ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾، ومسلم (2381) كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي بكر الصديق.]] فهذا معنى قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾.
وقوله تعالى: ﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾ اختلفوا في رجوع الكناية من (عليه)، فقال أبو روق: على النبي -ﷺ- [[لم أجد من ذكره عنه، وقد رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 6/ 1801 عن حبيب بن أبي ثابت، وذكره ابن الجوزي في "تفسيره" 3/ 440 عنه وعن علي وابن عباس.]]، قال الزجاج: لأن الله ألقى في قلبه ما سكن به وعلم أنهم غير واصلين إليه [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 449، وهذا أولى لأن في القول الثاني تفكيك للضمائر.]]، وقال ابن عباس: على أبي بكر، فأما النبي -ﷺ- فكانت [[في (ج): (كانت).]] السكينة عليه من [[ساقط من (ج).]] قبل ذلك [[رواه ابن أبي حاتم 6/ 1801، والثعلبي 6/ 110 ب، وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في "الدلائل" وابن عساكر في "تاريخه" كما في "الدر المنثور" 3/ 439.]]، قال أهل المعاني: وهذا أولى لأنه الخائف الذي احتاج إلى الأمن، والنبي ﷺ كان آمناً؛ لأنه كان قد وعد بالنصر، فكان ساكن القلب [[ذكره بمعناه ابن قتيبة في "غريب القرآن" 2/ 12، والنحاس في "معاني القرآن الكريم" 3/ 210، وفي "إعراب القرآن" 2/ 215.]]، وقال عطاء، عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾ يريد: رحمته على نبيه وعلى صاحبه [[ذكره مختصرًا الماوردي في "النكت" 2/ 364، وأبو حيان في "البحر المحيط" 5/ 43.]]، وعلى هذا: الكناية راجعة إليهما، وهو مذهب المبرد، قال: ويجوز أن تكون عليهما فاكتفى بذكر أحدهما كقوله: ﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾ [التوبة: 62] [[لم أجده في كتب المبرد التي بين يدي.]].
وذكر ابن الأنباري هذه الأقوال في رجوع الكناية، ونصر مذهب المبرد، وقال: التقدير: فأنزل الله سكينته عليهما وأيدهما، فاكتفى بإعادة الذكر على أحدهما من إعادته عليهما جميعًا كما قال: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: 62] الآية، وكما قال: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا﴾ [الجمعة: 11] [[ذكر قول ابن الأنباري باختصار ابن الجوزي في "تفسيره" 3/ 441 ولم أجده في كتبه المطبوعة.]].
وقوله تعالى: ﴿وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا﴾، قال ابن عباس: يريد: وقواه بجنود لم تروها [["الوسيط" 2/ 449، وبمعناه الفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص 193.]]، يريد: الملائكة يدعون الله له [[هذا التخصيص لا دليل عليه، وليس في سياق الرواية ما يشعر به.]]، وقال الزجاج: أيده بملائكة يصرفون وجوه الكفار وأبصارهم عن أن يروه [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 449.]]، وقال غيره: يعني ما كان من تقوية الملائكة لقلبه بالبشارة بالنصر من ربه، ومن إلقاء اليأس في قلوب المشركين حتى انصرفوا خائبين [[ذكر معنى هذا القول مختصرا ابن عطية في "تفسيره" 6/ 500.]]، وهذه الأقوال على أن هذا التأييد بالملائكة كان في الغار، والكلام في الكناية في قوله: (وأيده) كالكلام في الكناية في (عليه) غير أنه لا يجوز أن تكون الهاء في (وأيده) عائدة على أبي بكر خاصة؛ لأن المؤيد بالجنود هو رسول الله ﷺ، والاختيار أن تكون الكناية الأولى راجعة على أبي بكر، والثانية راجعة على النبي -ﷺ-.
وقال الكلبي: وأيده بجنود لم تروها أي: قواه وأعانه بالملائكة يوم بدر [[رواه البغوي في "تفسيره" 4/ 53، وانظر: "الوسيط" 2/ 449.]]، ونحو هذا قال مجاهد، قال: ذكر الله ما كان في أول شأنه [[رواه ابن جرير 10/ 136، وابن أبي حاتم 6/ 1801، وعزاه إلى السدي، وابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ كما في "الدر المنثور" ولفظه عندهم: قال: ذكر== ما كان في أول شأنه حين بعث يقول الله: فأنا فاعل ذلك به وناصره كما نصرته إذ ذاك وهو ثاني اثنين، وهو في "تفسير مجاهد" 369 بلفظ: قال: ذكر ما كان من أول شأنه حين أخرجوه، فالله ناصره كما نصره وهو ثاني اثنين.]]، ومعنى قول الكلبي: أن الله تعالى أخبر أنه صرف عنه كيد أعدائه ثم أظهر نصره بالملائكة يوم بدر، ومعنى قول مجاهد: أن هذه السورة من آخر ما نزل في القرآن، ويوم بدر كان في حدثان قدوم النبي -ﷺ-المدينة، فذكر في هذه السورة [[في (ي): (تكرار لبعض ما سبق ذكره، ولفظ الزيادة: من آخر ما نزل في القرآن، وذكر في هذه السورة.]] ما كان من نصره إياه في أول شأنه وهو يوم بدر [[هذا معنى قول مجاهد عند المؤلف، والمتأمل في لفظي قول مجاهد -وقد سبق ذكرهما في التعليق الأسبق- يظهر له أن معناه: لقد ذكر الله تعالى نصرته لعبده في أول شأنه حين بعث إذ كان ثاني اثنين في الغار، فالله ناصره بعد ذلك كما نصره في تلك الحادثة.]].
وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا﴾. قال ابن عباس: (السفلى) كلمة [[في (ج): (كلمة السفلى: الشرك).]] الشرك، و (العليا) لا إله إلا الله [[رواه ابن جرير 10/ 137، وابن أبي حا تم 6/ 1801، والثعلبي 110/ 6 ب، والبيهقي في كتاب: "الأسماء والصفات"، باب: ما جاء في فضل الكلمة الباقية .. 1/ 184 وهو من رواية علي بن أبي طلحة، ولفظ: "وكان هذا يوم بدر" ليس من كلام ابن عباس حسب المصادر السابقة.]]، وكان هذا يوم بدر، وهذا قول مقاتل [[انظر: "تفسيره" 29 أ.]]، واختيار الفراء [[انظر: "معاني القرآن" 1/ 438، ولم يذكر الفراء أن ذلك كان يوم بدر.]]، وقال عطاء عن ابن عباس: يريد ما كادوا به النبي -ﷺ- ومكروا جعله في ضلالة وندامة ﴿وَكَلِمَةُ اللَّهِ﴾: يريد: موعد الله ومكره هو الأعلى [[ذكره مختصرًا ابن الجوزي في "الزاد" 3/ 441، وأبو حيان في "البحر" 5/ 44، وأشار إليه المصنف في "الوسيط" 2/ 499.]]، وهذا اختيار ابن كيسان، قال: ﴿كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾: ما قدروا بينهم في الكيد به ليقتلوه فلم ينالوا أملهم، ﴿وَكَلِمَةُ اللَّهِ﴾: وعد الله أنه ناصره هو الحق [[هكذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: وهو الحق.]] [["الوسيط" 2/ 449 دون جملة: هو الحق.]].
والاختيار في قوله: ﴿وَكَلِمَةُ اللَّهِ﴾ هو الرفع [[على الابتداء و (هي) الخبر، أو تكون فصلاً والخبر (العليا).]]، وهو قراءة العامة [[قرأ بها العشرة غير يعقوب، انظر: "الغاية في القراءات العشر" ص 165، و"تقريب النشر" ص 120، و"إتحاف فضلاء البشر" ص 242، وهذه القراءة أبلغ لأن الجملة الاسمية تدل على الدوام والثبوت بخلاف الجملة الفعلية التي تدل على الحدوث والتجدد، ولأن كلمة الله في ذاتها عالية ثابتة فلا حاجة إلى جعلها كذلك.]] على الائتناف من غير در الفعل الذي هو (جعل)، قال الفراء: ويجوز: ﴿وَكَلِمَةُ اللَّهِ﴾ بالنصب [[وقرأ بها يعقوب والحسن والأعمش في رواية المطوعي. انظر: "إتحاف فضلاء البشر" ص 242 عطفًا على (كلمة الذين كفروا)، والمعنى: وجعل كلمة الذين كفروا، وجعل كلمة الله هي العليا.]] ولست أستحب ذلك لظهور اسم الله؛ لأنه لو نصبها والفعل فعله كان أجود الكلام أن يقال: وكلمته هي العليا، ألا ترى أنك تقول: قد أعتق أبوك غلامه، ولا تكاد تقول: أعتق أبوك غلام أبيك، وقال الشاعر في إجازة ذلك:
متى تأتي زيدًا قاعدًا عند حوضه ..... لتهدم ظلمًا حوض زيد تقارع [[لم أهتد إلى قائله. وانظر البيت بلا نسبة في: "شرح أبيات معاني القرآن" ص 214.]] فذكر زيدًا مرتين ولم يكن عنه في الثانية، والكناية وجه الكلام [["معاني القرآن" 1/ 438 وقد رد النحاس قول الفراء هذا فقال: قرأ الحسن ويعقوب (وكلمةَ الله) بالنصب عطفًا على الأول، وزعم الفراء أن هذا بعيد؛ قال: لأنك تقول: أعتق فلان غلام أبيه، ولا تقول: غلام أبي فلان. قال أبو جعفر: الذي ذكره الفراء لا يشبه الآية، ولكن يشبهها ما أنشده سيبوبه:
لا أرى الموت يسبق الموت شيء ..... نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
وهذا جيد حسن؛ لأنه لا إشكال فيه، بل يقول النحويون الحذاق: إن في إعادة الذكر في مثل هذا فائدة وهي أن فيه معنى التعظيم، قال الله عز وجل: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا﴾ [الزلزلة: 1 - 2] فهذا لا إشكال فيه. "إعراب القرآن" للنحاس 3/ 752.]].
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، قال ابن عباس: عزيز في ملكه، حكيم في خلقه [[لم أعثر على مصدره.]].
وقال ابن كيسان: عزيز في انتقامه من أهل الكفر، حكيم في تدبيره خلقه [[لم أعثر على مصدر هذا القول، وقد ذكره ابن الجوزي في "تفسيره" 3/ 442، والمؤلف في "الوسيط" 2/ 499 من غير نسبة.]].
{"ayah":"إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ثَانِیَ ٱثۡنَیۡنِ إِذۡ هُمَا فِی ٱلۡغَارِ إِذۡ یَقُولُ لِصَـٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِینَتَهُۥ عَلَیۡهِ وَأَیَّدَهُۥ بِجُنُودࣲ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِیَ ٱلۡعُلۡیَاۗ وَٱللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق