الباحث القرآني
﴿إلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إذْ أخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ مِن مَكَّةَ، وإسْنادُ الإخْراجِ إلَيْهِمْ إسْنادٌ إلى السَّبَبِ البَعِيدِ فَإنَّ اللَّهَ تَعالى أذِنَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِالخُرُوجِ حِينَ كانَ مِنهم ما كانَ فَخَرَجَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِنَفْسِهِ ﴿ثانِيَ اثْنَيْنِ﴾ حالٌ مِن ضَمِيرِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، أيْ أحَدَ اثْنَيْنِ مِن غَيْرِ اعْتِبارِ كَوْنِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ثانِيًا، فَإنَّ مَعْنى قَوْلِهِمْ ثالِثُ ثَلاثَةٍ ورابِعُ أرْبَعَةٍ ونَحْوُ ذَلِكَ أحَدُ هَذِهِ الأعْدادِ مُطْلَقًا لا الثّالِثُ والرّابِعُ خاصَّةً، ولِذا مَنَعَ الجُمْهُورُ أنْ يُنْصَبَ ما بَعْدُ بِأنْ يُقالَ ثالِثُ ثَلاثَةً ورابِعُ أرْبَعَةً، فَلا حاجَةَ إلى تَكَلُّفِ تَوْجِيهِ كَوْنِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ثانِيَهُما كَما فَعَلَهُ بَعْضُهم، وقُرِئَ ( ثانِي ) بِسُكُونِ الياءِ عَلى لُغَةِ مَن يُجْرِي النّاقِصَ مَجْرى المَقْصُورِ في الإعْرابِ، ولَيْسَ بِضَرُورَةٍ خِلافًا لِمَن زَعَمَهُ وقالَ: إنَّهُ مِن أحْسَنَ الضَّرُورَةِ في الشِّعْرِ، واسْتَشْكَلَتِ الشَّرْطِيَّةُ بِأنَّ الجَوابَ فِيها ماضٍ ويَتَشَرَّطُ فِيهِ أنْ يَكُونَ مُسْتَقْبَلًا حَتّى إذا كانَ ماضِيًا قُلِبَ مُسْتَقْبَلًا وهُنا لَمْ يَنْقَلِبْ، وأُجِيبُ بِأنَّ الجَوابَ مَحْذُوفٌ أُقِيمَ سَبَبُهُ مَقامَهُ وهو مُسْتَقْبَلٌ أيْ إنْ لَمْ تَنْصُرُوهُ فَسَيَنْصُرُهُ اللَّهُ تَعالى الَّذِي قَدْ نَصَرَهُ في وقْتِ ضَرُورَةٍ أشَدَّ مِن هَذِهِ المَرَّةِ وإلى هَذا يُشِيرُ كَلامُ مُجاهِدٍ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ المُرادُ إنْ لَمْ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ أوْجَبَ لَهُ النُّصْرَةَ حِينَ نَصَرَهُ في مِثْلِ ذَلِكَ الوَقْتِ فَلَنْ يَخْذُلَهُ في غَيْرِهِ، وفَرْقٌ بَيْنَ الوَجْهَيْنِ بَعْدَ اشْتِراكِهِما في أنَّ جَوابَ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ بِأنَّ الدّالَّ عَلَيْهِ عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ النُّصْرَةُ المُقَيَّدَةُ بِزَمانِ الضَّعْفِ والقِلَّةِ في السّالِفِ، وعَلى الوَجْهِ الثّانِي مَعْرِفَتُهم بِأنَّهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنَ المَنصُورِينَ، وقالَ القُطْبُ: الوَجْهانِ مُتَقارِبانِ إلّا أنَّ الأوَّلَ مَبْنِيٌّ عَلى القِياسِ والثّانِيَ عَلى الِاسْتِصْحابِ، فَإنَّ النُّصْرَةَ ثابِتَةٌ في تِلْكَ الحالَةِ فَتَكُونُ ثابِتَةً في الِاسْتِقْبالِ إذِ الأصْلُ بَقاءُ ما كانَ عَلى ما كانَ، وقِيلَ: إنَّهُ عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ يُقَدَّرُ الجَوابُ وعَلى الثّانِي هو نَصْرٌ مُسْتَمِرٌّ فَيَصِحُّ تَرْتِيبُهُ عَلى المُسْتَقْبَلِ لِشُمُولِهِ لَهُ ﴿إذْ هُما في الغارِ﴾ بَدَلٌ مِن ﴿إذْ أخْرَجَهُ﴾ بَدَلُ البَعْضِ إذِ المُرادُ بِهِ زَمانٌ مُتَّسِعٌ فَلا يُتَوَهَّمُ التَّغايُرُ المانِعُ مِنَ البَدَلِيَّةِ، وقِيلَ: إنَّهُ ظَرْفٌ ﴿ثانِيَ اثْنَيْنِ﴾ والمُرادُ بِالغارِ ثُقْبٌ في أعْلى ثَوْرٍ وهو جَبَلٌ في الجِهَةِ اليُمْنى لِمَكَّةَ عَلى مَسِيرِ ساعَةٍ، مَكَثا فِيهِ كَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ (p-97)تَعالى عَنْهُما ثَلاثَةَ أيّامٍ يَخْتَلِفُ إلَيْهِما بِالطَّعامِ عامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ؛ وعَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ يُجَهِّزُهُما فاشْتَرى ثَلاثَةَ أباعِرَ مِن إبِلِ البَحْرَيْنِ واسْتَأْجَرَ لَهُما دَلِيلًا، فَلَمّا كانا في بَعْضِ اللَّيْلِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثّالِثَةِ أتاهم عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ بِالإبِلِ والدَّلِيلِ، فَرَكِبُوا وتَوَجَّهُوا نَحْوَ المَدِينَةِ، ولِاخْتِفائِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في الغارِ ثَلاثَةً اخْتَفى الإمامُ أحْمَدُ فِيما يُرْوى زَمَنَ فِتْنَةِ القُرْآنِ كَذَلِكَ لَكِنْ لا في الغارِ، واخْتَفى هَذا العَبْدُ الحَقِيرُ زَمَنَ فَتْحِ بَغْدادَ بَعْدَ المُحاصَرَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وأرْبَعِينَ بَعْدَ الألْفِ والمِائَتَيْنِ خَوْفًا مِنَ العامَّةِ وبَعْضِ الخاصَّةِ لِأُمُورٍ نُسِبَتْ إلَيَّ وافْتَراها بَعْضُ المُنافِقِينَ عَلَيَّ في سِرْدابٍ عِنْدَ بَعْضِ الأحِبَّةِ ثَلاثَةَ أيّامٍ أيْضًا لِذَلِكَ، ثُمَّ أخْرَجَنِي مِنهُ بِالعِزِّ أمِينٌ وأيَّدَنِي اللَّهُ تَعالى بَعْدَ ذَلِكَ بِالغُرِّ المَيامِينَ ﴿إذْ يَقُولُ﴾ بَدَلٌ ثانٍ، وقِيلَ: أوَّلُ ( لِصاحِبِهِ ) وهو أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ.
وقَدْ أخْرَجَ الدّارَقُطْنِيُّ، وابْنُ شاهِينَ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، وغَيْرُهم عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ: أنْتَ صاحِبِي في الغارِ، وأنْتَ مَعِي عَلى الحَوْضِ» وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ مِن حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما، وأبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ، وأخْرَجَ هو، وابْنُ عُدَيٍّ مِن طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أنَسٍ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ لِحَسّانَ: هَلْ قُلْتَ في أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ شَيْئًا؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: قُلْ وأنا أسْمَعُ، فَقالَ حَسّانُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ:
؎وثانِيَ اثْنَيْنِ في الغارِ المَنِيفِ وقَدْ طافَ العَدُوُّ بِهِ إذْ صاعَدَ الجَبَلا
؎وكانَ حِبَّ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ عَلِمُوا ∗∗∗ مِنَ البَرِّيَّةِ لَمْ يَعْدِلْ بِهِ رَجُلًا
فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَتّى بَدَتْ نَواجِذُهُ ثُمَّ قالَ: صَدَقْتَ يا حَسّانُ هو كَما قُلْتَ» ولَمْ يُخالِفْ في ذَلِكَ أحَدٌ حَتّى الشِّيعَةُ فِيما أعْلَمُ لَكِنَّهم يَقُولُونَ ما سَتَعْلَمُهُ ورَدَّهُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى ﴿لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنا﴾ بِالعِصْمَةِ والمَعُونَةِ فَهي مَعِيَّةٌ مَخْصُوصَةٌ وإلّا فَهو تَعالى مَعَ كُلِّ واحِدٍ مِن خَلْقِهِ، رَوى الشَّيْخانِ، وغَيْرُهُما عَنْ أنَسٍ قالَ: حَدَّثَنِي أبُو بَكْرٍ قالَ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ في الغارِ فَرَأيْتُ آثارَ المُشْرِكِينَ فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أنَّ أحَدَهم رَفَعَ قَدَمَهُ لَأبْصَرَنا تَحْتَ قَدَمِهِ، فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: يا أبا بَكْرٍ ما ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ تَعالى ثالِثُهُما» . ورَوى البَيْهَقِيُّ وغَيْرُهُ. «أنَّهُ لَمّا دَخَلا الغارَ أمَرَ اللَّهُ تَعالى العَنْكَبُوتَ فَنَسَجَتْ عَلى فَمِ الغارِ وبَعَثَ حَمامَتَيْنِ وحْشِيَّتَيْنِ فَباضَتا فِيهِ، وأقْبَلَ فِتْيانُ قُرَيْشٍ مِن كُلِّ بَطْنٍ رُجْلًا بِعِصِيِّهِمْ وسُيُوفِهِمْ حَتّى إذا كانُوا قَدْرَ أرْبَعِينَ ذِراعًا تَعَجَّلَ بَعْضُهم فَنَظَرَ في الغارِ لِيَرى أحَدًا فَرَأى حَمامَتَيْنِ فَرَجَعَ إلى أصْحابِهِ فَقالَ: لَيْسَ في الغارِ أحَدٌ ولَوْ كانَ قَدْ دَخَلَهُ أحَدٌ ما بَقِيَتْ هاتانِ الحَمامَتانِ ”. وجاءَ في رِوايَةٍ قالَ بَعْضُهم: إنَّ عَلَيْهِ لَعَنْكَبُوتًا قَبْلَ مِيلادِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فانْصَرَفُوا، وأوَّلُ مَن دَخَلَ الغارَ أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ»، فَقَدْ أخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيانَ قالَ: «لَمّا انْطَلَقَ أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ إلى الغارِ قالَ أبُو بَكْرٍ: لا تَدْخُلْ يا رَسُولَ اللَّهِ حَتّى أسْتَبْرِئَهُ فَدَخَلَ الغارَ فَأصابَ يَدَهُ شَيْءٌ فَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ أُصْبُعِهِ وهو يَقُولُ:
؎ما أنْتِ إلّا أُصْبُعٌ دَمِيتِ ∗∗∗ وفي سَبِيلِ اللَّهِ ما لَقِيتِ
»
(p-98)رَوى البَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ، وابْنُ عَساكِرَ“ «أنَّهُ لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُهاجِرًا تَبِعَهُ أبُو بَكْرٍ فَجَعَلَ يَمْشِي مَرَّةً أمامَهُ ومَرَّةً خَلْفَهُ ومَرَّةً عَنْ يَمِينِهِ ومَرَّةً عَنْ يَسارِهِ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ما هَذا يا أبا بَكْرٍ؟ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ أذْكُرُ الرَّصْدَ فَأكُونُ أمامَكَ وأذْكُرُ الطَّلَبَ فَأكُونُ خَلْفَكَ، ومَرَّةً عَنْ يَمِينِكَ ومَرَّةً عَنْ يَسارِكَ، لا آمَنُ عَلَيْكَ، فَمَشى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَيْلَتَهُ عَلى أطْرافِ أصابِعِهِ حَتّى حَفِيَتْ رِجْلاهُ، فَلَمّا رَأى ذَلِكَ أبُو بَكْرٍ حَمَلَهُ عَلى كاهِلِهِ وجَعَلَ يَشْتَدُّ بِهِ حَتّى أتى فَمَ الغارِ فَأنْزَلَهُ ثُمَّ قالَ: والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لا تَدْخُلْ حَتّى أدْخُلَهُ فَإنْ كانَ فِيهِ شَيْءٌ نَزَلَ بِي قَبْلَكَ، فَدَخَلَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا فَحَمَلَهُ فَأدْخَلَهُ، وكانَ في الغارِ خَرْقٌ فِيهِ حَيّاتٌ وأفاعِي فَخَشِيَ أبُو بَكْرٌ أنْ يَخْرُجَ مِنهُنَّ شَيْءٌ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فَألْقَمَهُ قَدَمَهُ فَجَعَلْنَ يَضْرِبْنَهُ ويَلْسَعْنَهُ وجَعَلَتْ دُمُوعُهُ تَتَحَدَّرُ وهو لا يَرْفَعُ قَدَمَهُ حُبًّا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ”. وفي رِوايَةٍ:“ أنَّهُ سَدَّ كُلَّ خَرْقٍ في الغارِ بِثَوْبِهِ قَطَعَهُ لِذَلِكَ قِطَعًا وبَقِيَ خَرْقٌ سَدَّهُ بِعَقِبِهِ ”» رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ ﴿فَأنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ﴾ وهي الطُّمَأْنِينَةُ الَّتِي تَسْكُنُ عِنْدَها القُلُوبُ ( عَلَيْهِ ) أيْ: عَلى النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ، وابْنُ عَساكِرَ في تارِيخِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّ الضَّمِيرَ لِلصّاحِبِ، وأخْرَجَ الخَطِيبُ في تارِيخِهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أبِي ثابِتٍ نَحْوَهُ، وقِيلَ: وهو الأظْهَرُ لِأنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَمْ يَنْزَعِجْ حَتّى يَسْكُنَ ولا يُنافِيهُ تَعَيُّنُ ضَمِيرِ ﴿وأيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها﴾ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِعَطْفِهِ عَلى ( نَصَرَهُ اللَّهُ ) لا عَلى ( أنْزَلَ ) حَتّى تَتَفَكَّكَ الضَّمائِرُ عَلى أنَّهُ إذا كانَ العَطْفُ عَلَيْهِ كَما قِيلَ بِهِ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ لِلصّاحِبِ أيْضًا كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ ما أخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ مِن حَدِيثِ أنَسٍ «أنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ لِأبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ:“ يا أبا بَكْرٍ إنَّ اللَّهَ تَعالى أنْزَلَ سَكِينَتَهُ عَلَيْكَ وأيَّدَكَ» إلَخْ وأنْ أبَيْتُ فَأيُّ ضَرَرٍ في التَّفْكِيكِ إذا كانَ الأمْرُ ظاهِرًا.
واسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمُ الأوَّلَ وادَّعى أنَّهُ المُناسِبُ لِلْمَقامِ، وإنْزالُ السَّكِينَةِ لا يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ لِدَفْعِ الِانْزِعاجِ بَلْ قَدْ يَكُونُ لِرِفْعَتِهِ ونَصْرِهِ ﷺ، والفاءُ لِلتَّعْقِيبِ الذِّكْرِيِّ وفِيهِ بُعْدٌ، وفَسَّرَها بَعْضُهم عَلى ذَلِكَ الِاحْتِمالِ بِما لا يَحُومُ حَوْلَهُ شائِبَةُ خَوْفٍ أصْلًا، والمُرادُ بِالجُنُودِ المَلائِكَةُ النّازِلُونَ يَوْمَ بَدْرٍ، والأحْزابِ، وحُنَيْنٍ، وقِيلَ: هم مَلائِكَةٌ أنْزَلَهُمُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى لِيَحْرُسُوهُ في الغارِ، ويُؤَيِّدُهُ ما أخْرَجَهُ أبُو نُعَيْمٍ عَنْ أسْماءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ «أنَّ أبا بَكْرٍ رَأى رَجُلًا يُواجِهُ الغارَ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ لَرَآنا، قالَ: كَلّا إنَّ المَلائِكَةَ تَسْتُرُهُ الآنَ بِأجْنِحَتِها فَلَمْ يَنْشَبِ الرَّجُلُ أنْ قَعَدَ يَبُولُ مُسْتَقْبِلَهُما فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يا أبا بَكْرٍ لَوْ كانَ يَرانا ما فَعَلَ هَذا»، والظّاهِرُ أنَّهُما عَلى هَذا كانا في الغارِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُما عادَةً مِمَّنْ هو خارِجَ الغارِ، واعْتُرِضَ هَذا القَوْلُ بِأنَّهُ يَأْباهُ وصْفُ الجُنُودِ بِعَدَمِ رُؤْيَةِ المُخاطِبِينَ لَهم إلّا أنْ يُقالَ: المُرادُ مِن هَذا الوَصْفُ مُجَرَّدُ تَعْظِيمِ أمْرِ الجُنُودِ، ومَن جَعَلَ العَطْفَ عَلى ( أنْزَلَ ) التَزَمَ القَوْلَ المَذْكُورَ لِاقْتِضائِهِ لِظاهِرِ حالِ الفاءِ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ الإنْزالُ مُتَعَقَّبًا عَلى ما قَبْلَهُ وذَلِكَ مِمّا لا يَتَأتّى عَلى القَوْلِ الأوَّلِ في الجُنُودِ ﴿وجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى﴾ أيْ: كَلِمَتُهُمُ الَّتِي اجْتَمَعُوا عَلَيْها في أمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ في دارِ النَّدْوَةِ حَيْثُ نَجّاهُ رَبُّهُ سُبْحانَهُ عَلى رَغْمِ أُنُوفِهِمْ وحَفِظَهُ مِن كَيْدِهِمْ مَعَ أنَّهم لَمْ يَدَعُوا في القَوْسِ مَنزَعًا في إيصالِ الشَّرِّ إلَيْهِ، وجَعَلُوا الدِّيَةَ لِمَن يَقْتُلُهُ أوْ يَأْسِرُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وخَرَجُوا في طَلَبِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ رِجالًا ورُكْبانًا فَرَجَعُوا صِفْرَ الأكُفِّ سُودَ الوُجُوهِ، وصارَ لَهُ بَعْضُ (p-99)مَن كانَ عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَقَدْ أخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وأبُو نُعَيْمٍ، والبَيْهَقِيُّ كِلاهُما في الدَّلائِلِ عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ قالَ: «لَمّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وأبُو بَكْرٍ التَفَتَ أبُو بَكْرٍ فَإذا هو بِفارِسٍ قَدْ لَحِقَهم فَقالَ: يا نَبِيَّ اللَّهِ هَذا فارِسٌ قَدْ لَحِقَ بِنا فَقالَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: اللَّهُمَّ اصْرَعْهُ فَصُرِعَ عَنْ فَرَسِهِ فَقالَ: يا نَبِيَّ اللَّهِ مُرْنِي بِما شِئْتَ قالَ: فَقِفْ مَكانَكَ لا تَتْرُكَنَّ أحَدًا يَلْحَقُ بِنا، فَكانَ أوَّلَ النَّهارِ جاهِدًا عَلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وآخِرَ النَّهارِ مَسْلَحَةً» وكانَ هَذا الفارِسُ سُراقَةَ، وفي ذَلِكَ يَقُولُ لِأبِي جَهْلٍ:
؎أبا حَكَمٍ واللَّهِ لَوْ كُنْتَ شاهِدًا ∗∗∗ لِأمْرِ جَوادِي إذْ تَسِيخُ قَوائِمُهُ
؎عَلِمْتَ ولَمْ تَشْكُكْ بِأنَّ مُحَمَّدًا ∗∗∗ رَسُولٌ بِبُرْهانٍ فَمَن ذا يُقاوِمُهُ
وصَحَّ مِن حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ وغَيْرِهِما «أنَّ القَوْمَ طَلَبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وأبا بَكْرٍ، وقالَ أبُو بَكْرٍ: ولَمْ يُدْرِكْنا مِنهم إلّا سِراقَةُ عَلى فَرَسٍ لَهُ فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ هَذا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنا فَقالَ: ﴿لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنا﴾ حَتّى إذا دَنا فَكانَ بَيْنَنا وبَيْنَهُ قَدْرَ رُمْحٍ أوْ رُمْحَيْنِ أوْ ثَلاثَةٍ قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ هَذا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنا وبَكَيْتُ قالَ: لِمَ تَبْكِي؟ قُلْتُ: أما واللَّهِ ما أبْكِي عَلى نَفْسِي ولَكِنْ أبْكِي عَلَيْكَ فَدَعا عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وقالَ: اللَّهُمَّ أكْفِناهُ بِما شِئْتَ فَساخَتْ فَرَسُهُ إلى بَطْنِها في أرْضٍ صَلْدَةٍ ووَثَبَ عَنْها وقالَ: يا مُحَمَّدُ إنَّ هَذا عَمَلُكَ فادْعُ اللَّهَ تَعالى أنْ يُنْجِيَنِي مِمّا أنا فِيهِ فَواللَّهِ لَأُعْمِيَنَّ عَلى مَن ورائِي مِنَ الطَّلَبِ وهَذِهِ كِنانَتِي فَخُذْ مِنها سَهْمًا فَإنَّكَ سَتَمُرُّ بِإبِلِي وغَنَمِي في مَوْضِعِ كَذا وكَذا فَخُذْ مِنها حاجَتَكَ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: لا حاجَةَ لِي فِيها ودَعا لَهُ فانْطَلَقَ ورَجَعَ إلى أصْحابِهِ ومَضى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وأنا مَعَهُ حَتّى قَدِمْنا المَدِينَةَ» الحَدِيثَ، ويَجُوزُ تَفْسِيرُ الكَلِمَةِ بِالشِّرْكِ وهو الَّذِي أخْرَجَهُ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والبَيْهَقِيُّ في الأسْماءِ والصِّفاتِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما فَهي مَجازٌ عَنْ مُعْتَقَدِهِمُ الَّذِي مِن شَأْنِهِمُ التَّكَلُّمُ بِهِ، وفَسَّرَها بَعْضُهم بِدَعْوَةِ الكُفْرِ فَهي بِمَعْنى الكَلامِ مُطْلَقًا، وزَعَمَ شَيْخُ الإسْلامِ بِأنَّ الجَعْلَ المَذْكُورَ عَلى التَّفْسِيرَيْنِ آبَ عَنْ حَمْلِ الجُنُودِ عَلى المَلائِكَةِ الحارِسِينَ لِأنَّهُ لا يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الإنْجاءِ بَلْ بِالقَتْلِ والأسْرِ ونَحْوِ ذَلِكَ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّهُ لا إباءَ عَلى التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرْناهُ نَحْنُ عَلى أنَّ كَوْنَ الإنْجاءِ مَبْدَأٌ لِلْجَعْلِ بِتَفْسِيرَيْهِ كافٍ في دَفْعِ الإباءِ بِلا امْتِراءٍ ﴿وكَلِمَةُ اللَّهِ هي العُلْيا﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِها وعْدُهُ سُبْحانَهُ لِنَبِيِّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ المُشارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ ويَمْكُرُونَ ويَمْكُرُ اللَّهُ واللَّهُ خَيْرُ الماكِرِينَ﴾ وإمّا كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ كَما قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما، وإمّا دَعْوَةُ الإسْلامِ كَما قِيلَ، ولا يَخْفى ما في تَغْيِيرِ الأُسْلُوبِ مِنَ المُبالَغَةِ لِأنَّ الجُمْلَةَ الِاسْمِيَّةَ تَدُلُّ عَلى الدَّوامِ والثُّبُوتِ مَعَ الإيذانِ بِأنَّ الجَعْلَ لَمْ يَتَطَرَّقْ لِتِلْكَ الكَلِمَةِ وأنَّها في نَفْسِها عالِيَةٌ بِخِلافِ عُلُوِّ غَيْرِها فَإنَّهُ غَيْرُ ذاتِيٍّ بَلْ بِجَعْلٍ وتَكَلُّفٍ فَهو عَرَضٌ زائِلٌ وأمْرٌ غَيْرُ قارٍّ ولِذَلِكَ وسَّطَ ضَمِيرَ الفَصْلِ.
وقَرَأ يَعْقُوبُ ( وكَلِمَةَ اللَّهِ ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلى ﴿كَلِمَةَ الَّذِينَ﴾ وهو دُونُ الرَّفْعِ في البَلاغَةِ، ولَيْسَ الكَلامُ عَلَيْهِ كَأعْتَقَ زَيْدٌ غُلامَ زَيْدٍ كَما لا يَخْفى ﴿واللَّهُ عَزِيزٌ﴾ لا يُغالَبُ في أمْرَهِ ( حَكِيمٌ ) لا قُصُورَ في تَدْبِيرِهِ هَذا، واسْتُدِلَّ بِالآيَةِ عَلى فَضْلِ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ وهو لَعَمْرِي مِمّا يَدَعُ الرّافِضِيَّ في جُحْرِ ضَبٍّ أوْ مَهامِهِ قَفْرٍ فَإنَّها خَرَجَتْ مَخْرَجَ العِتابِ لِلْمُؤْمِنِينَ ما عَدا أبا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ، فَقَدْ أخْرَجَ ابْنُ (p-100)عَساكِرَ عَنْ سُفْيانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قالَ: عاتَبَ اللَّهُ سُبْحانَهُ المُسْلِمِينَ جَمِيعًا في نَبِيِّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ غَيْرَ أبِي بَكْرٍ وحْدَهُ فَإنَّهُ خَرَجَ مِنَ المُعاتَبَةِ ثُمَّ قَرَأ ﴿إلا تَنْصُرُوهُ﴾ الآيَةَ، بَلْ أخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الحَسَنِ قالَ: عاتَبَ اللَّهُ تَعالى جَمِيعَ أهْلِ الأرْضِ غَيْرَ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ فَقالَ: ﴿إلا تَنْصُرُوهُ﴾ إلَخْ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ بِلَفْظِ: إنَّ اللَّهَ تَعالى ذَمَّ النّاسَ كُلَّهم ومَدَحَ أبا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ فَقالَ: ﴿إلا تَنْصُرُوهُ﴾ إلَخْ، وفِيها النَّصُّ عَلى صُحْبَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ ولَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ لِأحَدٍ مِن أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ سِواهُ، وكَوْنُهُ المُرادَ مِنَ الصّاحِبِ مِمّا وقَعَ عَلَيْهِ الإجْماعُ كَكَوْنِ المُرادِ مِنَ العَبْدِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿سُبْحانَ الَّذِي أسْرى بِعَبْدِهِ﴾ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ومِن هُنا قالُوا: إنَّ إنْكارَ صُحْبَتِهِ كُفْرٌ، مَعَ ما تَضَمَّنَتْهُ مِن تَسْلِيَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لا تَحْزَنْ﴾ وتَعْلِيلُ ذَلِكَ بِمَعِيَّةِ اللَّهِ سُبْحانَهُ الخاصَّةِ المُفادَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ مَعَنا﴾ ولَمْ يَثْبُتْ مِثْلُ ذَلِكَ في غَيْرِهِ بَلْ لَمْ يُثْبِتْ نَبِيٌّ مَعِيَّةَ اللَّهِ سُبْحانَهُ لَهُ ولِآخَرَ مِن أصْحابِهِ وكَأنَّ في ذَلِكَ إشارَةً إلى أنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ كَأبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وفِي إنْزالِ السَّكِينَةِ عَلَيْهِ بِناءً عَلى عَوْدِ الضَّمِيرِ إلَيْهِ ما يُفِيدُ السَّكِينَةَ في أنَّهُ هُوَ- هُوَ- رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ ولَعَنَ باغِضِيهِ، وكَذا في إنْزالِها عَلى الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مَعَ أنَّ المُنْزَعِجَ صاحِبُهُ ما يُرْشِدُ المُنْصِفَ إلى أنَّهُما كالشَّخْصِ الواحِدِ، وأظْهَرَ مِن ذَلِكَ إشارَةَ ما ذُكِرَ إلى أنَّ الحُزْنَ كانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ويَشْهَدُ لِذَلِكَ ما مَرَّ في حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ، وأنْكَرَ الرّافِضَةُ دَلالَةَ الآيَةِ عَلى شَيْءٍ مِنَ الفَضْلِ في حَقِّ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ قالُوا: إنَّ الدّالَّ عَلى الفَضْلِ إنْ كانَ ﴿ثانِيَ اثْنَيْنِ﴾ فَلَيْسَ فِيهِ أكْثَرُ مِن كَوْنِ أبِي بَكْرٍ مُتِمًّا لِلْعَدَدِ، وإنْ كانَ ﴿إذْ هُما في الغارِ﴾ فَلا يَدُلُّ عَلى أكْثَرَ مِنِ اجْتِماعِ شَخْصَيْنِ في مَكانٍ وكَثِيرًا ما يَجْتَمِعُ فِيهِ الصّالِحُ والطّالِحُ، وإنْ كانَ ( لِصاحِبِهِ ) فالصُّحْبَةُ تَكُونُ بَيْنَ المُؤْمِنِ والكافِرِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالَ لَهُ صاحِبُهُ وهو يُحاوِرُهُ أكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ﴾ وقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وما صاحِبُكم بِمَجْنُونٍ﴾ و﴿يا صاحِبَيِ السِّجْنِ﴾ بَلْ قَدْ تَكُونُ بَيْنَ مَن يَعْقِلُ وغَيْرُهُ كَقَوْلِهِ:
؎إنَّ الحِمارَ مَعَ الحَمِيرِ مَطِيَّةٌ ∗∗∗ وإذا خَلَوْتَ بِهِ فَبِئْسَ الصّاحِبُ
وإنْ كانَ ﴿لا تَحْزَنْ﴾ فَيُقالُ: لا يَخْلُو إمّا أنْ يَكُونَ الحُزْنُ طاعَةً أوْ مَعْصِيَةً لا جائِزَ أنْ يَكُونَ طاعَةً وإلّا لِما نَهى عَنْهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَتَعَيَّنَ أنْ يَكُونَ مَعْصِيَةً لِمَكانِ النَّهْيِ وذَلِكَ مُثْبَتٌ خِلافَ مَقْصُودِكم عَلى أنَّ فِيهِ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى الجُبْنِ ما فِيهِ، وإنْ كانَ ﴿إنَّ اللَّهَ مَعَنا﴾ فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ إثْباتَ مَعِيَّةِ اللَّهِ تَعالى الخاصَّةِ لَهُ ﷺ وحْدَهُ لَكِنْ أتى بِـ ”نا“ سَدًّا لِبابِ الإيحاشِ، ونَظِيرُ ذَلِكَ الإتْيانُ بِأوْفى قَوْلُهُ:
﴿وإنّا أوْ إيّاكم لَعَلى هُدًى أوْ في ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ وإنْ كانَ ﴿فَأنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾ فالضَّمِيرُ فِيهِ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِئَلّا يَلْزَمَ تَفْكِيكُ الضَّمائِرِ، وحِينَئِذٍ يَكُونُ في تَخْصِيصِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِالسَّكِينَةِ هُنا مَعَ عَدَمِ التَّخْصِيصِ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿فَأنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وعَلى المُؤْمِنِينَ﴾ إشارَةٌ إلى ضِدِّ ما ادَّعَيْتُمُوهُ، وإنْ كانَ ما دَلَّتْ عَلَيْهِ الآيَةُ مِن خُرُوجِهِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في ذَلِكَ الوَقْتِ فَهو عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَمْ يُخْرِجْهُ مَعَهُ إلّا حَذَرًا مِن كَيْدِهِ لَوْ بَقِيَ مَعَ المُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ، وفي كَوْنِ المُجْهِّزِ لَهم بِشِراءِ الإبِلِ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ إشارَةٌ لِذَلِكَ، وإنْ كانَ شَيْئًا وراءَ ذَلِكَ فَبَيِّنُوهُ لِنَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ. انْتَهى كَلامُهم.
ولَعَمْرِي إنَّهُ أشْبَهُ شَيْءٍ بِهَذَيانِ المَحْمُومِ أوْ عَرْبَدَةِ السَّكْرانِ، ولَوْلا أنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ حَكى في كِتابِهِ الجَلِيلِ عَنِ إخْوانِهِمُ اليَهُودِ والنَّصارى ما هو مِثْلُ ذَلِكَ ورَدَّهُ رَحْمَةً بِضُعَفاءِ المُؤْمِنِينَ ما كُنّا نَفْتَحُ في رَدِّهِ فَمًا أوْ نُجْرِي (p-101)فِي مَيْدانِ تَزْيِيفِهِ قَلَمًا لَكِنِّي لِذَلِكَ أقُولُ: لا يَخْفى أنَّ ﴿ثانِيَ اثْنَيْنِ﴾ وكَذا ﴿إذْ هُما في الغارِ﴾ إنَّما يَدُلّانِ بِمَعُونَةِ المَقامِ عَلى فَضْلِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ ولا نَدَّعِي دَلالَتَهُما مُطْلَقًا، ومَعُونَةُ المَقامِ أظْهَرُ مِن نارٍ عَلى عَلَمٍ ولا يَكادُ يَنْتَطِحُ كَبْشانِ في أنَّ الرَّجُلَ لا يَكُونُ ثانِيًا بِاخْتِيارِهِ لِآخَرَ ولا مَعَهُ في مَكانٍ إذا فَرَّ مِن عَدُوٍّ ما لَمْ يَكُنْ مُعَوَّلًا عَلَيْهِ مُتَحَقِّقًا صِدْقُهُ لَدَيْهِ لا سِيَّما وقَدْ تَرَكَ الآخَرُ لِأجْلِهِ أرْضًا حَلَّتْ فِيها قَوابِلُهُ وحَلَّتْ عَنْهُ بِها تَمائِمُهُ وفارَقَ أحْبابَهُ وجَفا أتْرابُهُ وامْتَطى غارِبَ سَبْسَبٍ يَضِلُّ بِهِ القَطا وتَقْصُرُ فِيهِ الخُطا، ومِمّا يَدُلُّ عَلى فَضْلِ تِلْكَ الِاثْنَيْنِيَّةِ قَوْلُهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَسَكِّنًا جَأْشَ أبِي بَكْرٍ: «ما ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ تَعالى ثالُهُما» والصُّحْبَةُ اللُّغَوِيَّةُ وإنْ لَمْ تَدُلَّ بِنَفْسِها عَلى المُدَّعِي لَكِنَّها تَدُلُّ عَلَيْهِ بِمَعُونَةِ المَقامِ أيْضًا فَإضافَةُ صاحِبٍ إلى الضَّمِيرِ لِلْعَهْدِ أيْ صاحِبِهِ الَّذِي كانَ مَعَهُ في وقْتٍ يَجْفُو فِيهِ الخَلِيلُ خَلِيلَهُ ورَفِيقَهُ الَّذِي فارَقَ لِمُرافَقَتِهِ أهْلَهُ وقَبِيلَهُ، وأنَّ ﴿لا تَحْزَنْ﴾ لَيْسَ المَقْصُودُ مِنهُ حَقِيقَةَ النَّهْيِ عَنِ الحُزْنِ فَإنَّهُ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي لا تَدْخُلُ تَحْتَ التَّكْلِيفِ بَلِ المَقْصُودُ مِنهُ التَّسْلِيَةُ لِلصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أوْ نَحْوُها، وما ذَكَرُوهُ مِنَ التَّرْدِيدِ يَجْرِي مَثَلُهُ في قَوْلِهِ تَعالى خِطابًا لِمُوسى وهارُونَ عَلَيْهِما السَّلامُ: ﴿لا تَخافا إنَّنِي مَعَكُما﴾ وكَذا في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ﴿ولا يَحْزُنْكَ قَوْلُهم إنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ إلى غَيْرِ ذَلِكَ، أفَتَرى أنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ نَهى عَنْ طاعَتِهِ؟ أوْ أنَّ أحَدًا مِن أُولَئِكَ المَعْصُومِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً، سُبْحانَكَ هَذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ، ولا يُنافِي كَوْنُ الحُزْنِ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي لا تَدْخُلُ تَحْتَ التَّكْلِيفِ بِالنَّظَرِ إلى نَفْسِهِ أنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَوْرِدًا لِلْمَدْحِ والذَّمِّ كالحُزْنِ عَلى فَواتِ طاعَةٍ فَإنَّهُ مَمْدُوحٌ والحُزْنُ عَلى فَواتِ مَعْصِيَةٍ فَإنَّهُ مَذْمُومٌ لِأنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبارٍ آخَرَ كَما لا يَخْفى، وما ذُكِرَ في حَيِّزِ العِلاوَةِ مِن أنَّ فِيهِ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى الجُبْنِ ما فِيهِ، فِيهِ مِنِ ارْتِكابِ الباطِلِ ما فِيهِ، فَإنّا لا نُسَلِّمُ أنَّ الخَوْفَ يَدُلُّ عَلى الجُبْنِ وإلّا لَزِمَ جُبْنُ مُوسى وأخِيهِ عَلَيْهِما السَّلامُ فَما ظَنُّكَ بِالحُزْنِ؟ ولَيْسَ حُزْنُ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ بِأعْظَمَ مِنَ الِاخْتِفاءِ بِالغارِ، ولا يَظُنُّ مُسْلِمٌ أنَّهُ كانَ عَنْ جُبْنٍ أوْ يَتَّصِفُ بِالجُبْنِ أشْجَعُ الخَلْقِ عَلى الإطْلاقِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ؟، ومَن أنْصَفَ رَأى أنَّ تَسْلِيَتَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِأبِي بَكْرٍ بِقَوْلِهِ: ﴿لا تَحْزَنْ﴾ كَما سَلّاهُ رَبُّهُ سُبْحانَهُ بِقَوْلِهِ:
( لا يَحْزُنْكَ قَوْلُهم ) مُشِيرَةً إلى الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ عِنْدَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِمَنزِلَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ جَلَّ شَأْنُهُ فَهو حَبِيبُ حَبِيبِ اللَّهِ تَعالى بَلْ لَوْ قُطِعَ النَّظَرُ عَنْ وُقُوعِ مِثْلِ هَذِهِ التَّسْلِيَةِ مِنَ اللَّهِ تَعالى لِنَبِيِّهِ النَّبِيهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ كانَ نَفْسُ الخِطابِ بِلا تَحْزَنْ كافِيًا في الدَّلالَةِ عَلى أنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ حَبِيبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وإلّا فَكَيْفَ تَكُونُ مُحاوَرَةُ الأحِبّاءِ وهَذا ظاهِرٌ إلّا عِنْدَ الأعْداءِ، وما ذُكِرَ مِن أنَّ المَعِيَّةَ الخاصَّةَ كانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وحْدَهُ والإتْيانُ بِنا لِسَدِّ بابِ الإيحاشِ مِن بابِ المُكابَرَةِ الصِّرْفَةِ كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ الخَبَرُ المارُّ آنِفًا، عَلى أنَّهُ إذا كانَ ذَلِكَ الحُزْنُ إشْفاقًا عَلى رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لا غَيْرَ فَأيُّ إيحاشٍ في قَوْلِهِ لا تَحْزَنْ عَلى أنَّ اللَّهَ مَعِي، وإنْ كانَ إشْفاقًا عَلى الرَّسُولِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وعَلى نَفْسِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ لَمْ يَقَعِ التَّعْلِيلُ مَوْقِعَهُ والجُمْلَةُ مَسُوقَةٌ لَهُ ولَوْ سَلَّمْنا الإيحاشَ عَلى الأوَّلِ ووُقُوعَ التَّعْلِيلِ مَوْقِعَهُ عَلى الثّانِي يَكُونُ ذَلِكَ الحُزْنُ دَلِيلًا واضِحًا عَلى مَدْحِ الصِّدِّيقِ، وإنْ كانَ عَلى نَفْسِهِ فَقَطْ كَما يَزْعُمُهُ ذُو النَّفْسِ الخَبِيثَةِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّعْلِيلِ مَعْنًى أصْلًا، وأيُّ مَعْنًى في لا تَحْزَنْ عَلى نَفْسِكَ إنَّ اللَّهَ مَعِي لا مَعَكَ.
عَلى أنَّهُ يُقالُ لِلرّافِضِيِّ هَلْ فَهِمَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ مِنَ الآيَةِ ما فَهِمْتَ مِنَ التَّخْصِيصِ وأنَّ التَّعْبِيرَ (p-102)بِـ ”نا“ كانَ سَدًّا لِبابِ الإيحاشِ أمْ لا؟ فَإنْ كانَ الأوَّلَ يَحْصُلُ الإيحاشُ ولا بُدَّ فَنَكُونُ قَدْ وقَعْنا فِيما فَرَرْنا عَنْهُ، وإنْ كانَ الثّانِيَ فَقَدْ زَعَمْتَ لِنَفْسِكَ رُتْبَةً لَمْ تَكُنْ بالِغَها ولَوْ زَهَقَتْ رُوحُكَ، ولَوْ زَعَمْتَ المُساواةَ في فَهْمِ عِباراتِ القُرْآنِ الجَلِيلِ وإشاراتِهِ لِمَصاقِعِ أُولَئِكَ العَرَبِ المُشاهِدِينَ لِلْوَحْيِ ما سَلِمَ لَكَ أوْ تَمُوتَ فَكَيْفَ يَسْلَمُ لَكَ الِامْتِيازُ عَلى الصِّدِّيقِ وهو –هُوَ- وقَدْ فُهِمَ مِن إشارَتِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ في حَدِيثِ التَّخْيِيرِ ما خَفِيَ عَلى سائِرِ الصَّحابَةِ حَتّى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ فاسْتَغْرَبُوا بُكاءَهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى يَوْمَئِذٍ، وما ذُكِرَ مِنَ التَّنْظِيرِ في الآيَةِ مُشِيرٌ إلى التَّقِيَّةِ الَّتِي اتَّخَذَها الرّافِضَةُ دِينًا وحَرَّفُوا لَها الكَلِمَ عَنْ مَواضِعِها، وقَدْ أسْلَفْنا لَكَ الكَلامَ في ذَلِكَ عَلى أتَمِّ وجْهٍ فَتَذَكَّرْهُ، وما ذُكِرَ في أمْرِ السَّكِينَةِ فَجَوابُهُ يُعْلَمُ مِمّا ذَكَرْناهُ، وكَوْنُ التَّخْصِيصِ مُشِيرًا إلى إخْراجِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ عَنْ زُمْرَةِ المُؤْمِنِينَ كَما رَمَزَ إلَيْهِ الكَلْبُ عَدُوُّ اللَّهِ ورَسُولِهِ ﷺ لَوْ كانَ ما خَفِيَ عَلى أُولَئِكَ المُشاهِدِينَ لِلْوَحْيِ الَّذِينَ مِن جُمْلَتِهِمُ الأمِيرُ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ فَكَيْفَ مَكَّنُوهُ مِنَ الخِلافَةِ الَّتِي هي أُخْتُ النُّبُوَّةِ عِنْدَ الشِّيعَةِ وهُمُ الَّذِينَ لا تَأْخُذُهم في اللَّهِ تَعالى لَوْمَةُ لائِمٍ، وكَوْنُ الصَّحابَةِ قَدِ اجْتَمَعُوا في ذَلِكَ عَلى ضَلالَةٍ، والأمِيرُ كانَ مُسْتَضْعَفًا فِيما بَيْنَهم أوْ مَأْمُورًا بِالسُّكُوتِ وغَمْدِ السَّيْفِ إذْ ذاكَ كَما زَعَمَهُ المُخالِفُ قَدْ طَوى بِساطَ رَدِّهِ وعادَ شَذَرَ مَذَرَ فَلا حاجَةَ إلى إتْعابِ القَلَمِ في تَسْوِيدِ وجْهِ زاعِمِهِ، وما ذُكِرَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يُخْرِجْهُ إلّا حَذَرًا مِن كَيْدِهِ فِيهِ أنَّ الآيَةَ لَيْسَ فِيها شائِبَةٌ دَلالَةً عَلى إخْراجِهِ لَهُ أصْلًا، فَضْلًا عَنْ كَوْنِ ذَلِكَ حَذَرًا مِنَ الكَيْدِ، عَلى أنَّ الحَذَرَ لَوْ كانَ في مَعِيَّتِهِ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وأيُّ فُرْصَةٍ تَكُونُ مِثْلَ الفُرْصَةِ الَّتِي حَصَلَتْ حِينَ جاءَ الطَّلَبُ لِبابِ الغارِ؟ فَلَوْ كانَ عِنْدَ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ وحاشاهُ أدْنى ما يُقالُ لَقالَ: هَلُمُّوا فَهَهُنا الغَرَضُ، ولا يُقالُ: إنَّهُ خافَ عَلى نَفْسِهِ أيْضًا لِأنَّهُ يُمْكِنُ أنْ يُخَلِّصَها مِنهم بِأُمُورٍ ولا أقَلَّ مِن أنْ يَقُولَ لَهم: خَرَجْتُ لِهَذِهِ المَكِيدَةِ، وأيْضًا لَوْ كانَ الصِّدِّيقُ كَما يَزْعُمُ الزِّنْدِيقُ فَأيُّ شَيْءٍ مَنَعَهُ مِن أنْ يَقُولَ لِابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أوِ ابْنَتِهِ أسْماءَ أوْ مَوْلاهُ عامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ فَقَدْ كانُوا يَتَرَدَّدُونَ إلَيْهِ في الغارِ كَما أخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْ عائِشَةَ فَيُخْبِرُ أحَدُهُمُ الكَفّارَ بِمَكانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، عَلى أنَّهُ عَلى هَذا الزَّعْمِ يَجِيءُ حَدِيثُ التَّمْكِينِ وهو أقْوى شاهِدٍ عَلى أنَّهُ هو هُوَ، وأيْضًا إذا انْفَتَحَ بابُ هَذا الهَذَيانِ أمْكَنَ لِلنّاصِبِيِّ أنْ يَقُولَ والعِياذُ بِاللَّهِ تَعالى في عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ: إنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالبَيْتُوتَةِ عَلى فِراشِهِ الشَّرِيفِ لَيْلَةَ هاجَرَ إلّا لِيَقْتُلَهُ المُشْرِكُونَ ظَنًّا مِنهم أنَّهُ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَيَسْتَرِيحُ مِنهُ، ولَيْسَ هَذا القَوْلُ بِأعْجَبَ ولا أبْطَلَ مِن قَوْلِ الشِّيعِيِّ: إنَّ إخْراجَ الصِّدِّيقِ إنَّما كانَ حَذَرًا مِن شَرَهٍ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ سُبْحانَهُ مِن فَتْحِ هَذا البابِ المُسْتَهْجَنِ عِنْدَ ذَوِي الألْبابِ، وزَعَمَ أنَّ تَجْهِيزَ الأمِيرِ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ لَهم بِشِراءِ الأباعِرِ إشارَةً إلى ذَلِكَ لا يُشِيرُ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، عَلى أنَّ ذَلِكَ وإنْ ذَكَرْناهُ فِيما قَبْلُ إنَّما جاءَ في بَعْضِ الرِّواياتِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما والمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَ المُحْدَثِينَ غَيْرُ ذَلِكَ ولا بَأْسَ بِإيرادِهِ تَكْمِيلًا لِلْفائِدَةِ وتَنْوِيرًا لِفَضْلِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ فَنَقُولُ:
أخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وأحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والبُخارِيُّ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ «عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: لَمْ أعْقِلْ أبَوَيَّ قَطُّ إلّا وهُما يَدِينانِ الدِّينَ ولَمْ يَمْرُرْ عَلَيْنا يَوْمٌ إلّا يَأْتِينا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ طَرَفَيِ النَّهارِ بِكُرَةً وعَشِيَّةً ولَمّا ابْتُلِيَ المُسْلِمُونَ خَرَجَ أبُو بَكْرٍ مُهاجِرًا قَبْلَ أرْضِ الحَبَشَةِ حَتّى إذا بَلَغَ بَرْكَ الغِمادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ وهو سَيِّدُ القارَةِ فَقالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: أيْنَ تُرِيدُ يا أبا بَكْرٍ؟ فَقالَ أبُو بَكْرٍ: أخْرَجَنِي قَوْمِي فَأُرِيدُ أنْ أسِيحَ في الأرْضِ وأعْبُدَ رَبِّي، قالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: مَثَلُكَ يا أبا بَكْرٍ لا يَخْرُجُ ولا يُخْرَجُ إنَّكَ تَكْسِبُ المَعْدُومَ (p-103)وتَصِلُ الرَّحِمَ وتَحْمِلُ الكَلَّ وتَقْرِي الضَّيْفَ وتُعِينُ عَلى نَوائِبِ الحَقِّ فَأنا لَكَ جارٌ فارْجِعْ فاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ، فارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ فَرَجَعَ مَعَ أبِي بَكْرٍ فَطافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ في كُفّارِ قُرَيْشٍ فَقالَ: إنَّ أبا بَكْرٍ لا يَخْرُجُ مِثْلُهُ ولا يُخْرَجُ أتُخْرِجُونَ رَجُلًا يَكْسِبُ المَعْدُومَ ويَصِلُ الرَّحِمَ ويَحْمِلُ الكَلَّ ويَقْرى الضَّيْفَ ويُعِينُ عَلى نَوائِبِ الحَقِّ فَأنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ وأمَّنُوا أبا بَكْرٍ وقالُوا لِابْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أبا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ في دارِهِ ولْيُصَلِّ فِيهِ ما شاءَ ولْيَقْرَأْ ما شاءَ ولا يُؤْذِينا ولا يَسْتَعْلِنْ بِالصَّلاةِ والقِراءَةِ في غَيْرِ دارِهِ فَفَعَلَ ثُمَّ بَدا لِأبِي بَكْرٍ فابْتَنى مَسْجِدًا بِفِناءِ دارِهِ فَكانَ يُصَلِّي فِيهِ ويَقْرَأُ فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِساءُ المُشْرِكِينَ وأبْناؤُهم يَعْجَبُونَ مِنهُ ويَنْظُرُونَ إلَيْهِ، وكانَ رَجُلًا بَكّاءً لا يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ القُرْآنَ فَأفْزَعُ ذَلِكَ أشْرافَ قُرَيْشٍ فَأرْسَلُوا إلى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَقالُوا: إنَّما أجَرْنا أبا بَكْرٍ عَلى أنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ في دارِهِ وإنَّهُ جاوَزَ ذَلِكَ فابْتَنى مَسْجِدًا بِفِناءِ دارِهِ وأعْلَنَ بِالصَّلاةِ والقِراءَةِ وإنّا خَشِينا أنْ يُفْتَتَنَ نِساؤُنا وأبْناؤُنا فَإنْ أحَبَّ أنْ يَقْتَصِرَ عَلى أنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ في دارِهِ فَعَلَ وإنْ أبى إلّا أنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ فَسَلْهُ أنْ يَرُدَّ إلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإنّا قَدْ كَرِهْنا أنْ نُخْفِرَكَ ولَسْنا مُقِرِّينَ لِأبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلانَ فَأتى ابْنُ الدَّغِنَةِ أبا بَكْرٍ فَقالَ: يا أبا بَكْرٍ قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ فَإمّا أنْ تَقْتَصِرَ عَلى ذَلِكَ وإمّا أنْ تَرُدَّ إلى ذِمَّتِي فَإنِّي لا أُحِبُّ أنْ تَسْمَعَ العَرَبُ أنِّي أُخْفِرْتُ في عَقْدِ رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، فَقالَ أبُو بَكْرٍ: فَإنِّي أرُدُّ إلَيْكَ جِوارَكَ وأرْضى بِجِوارِ اللَّهِ تَعالى ورَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، ورَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ، قالَ لِلْمُسْلِمِينَ: قَدْ أرَيْتُ دارَ هِجْرَتِكم أرَيْتُ سَبْخَةً ذاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لابَتَيْنِ وهُما حَرَّتانِ، فَهاجَرَ مَن هاجَرَ قِبَلَ المَدِينَةِ إلى أرْضِ الحَبَشَةِ مِنَ المُسْلِمِينَ وتَجَهَّزَ أبُو بَكْرٍ مُهاجِرًا فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: عَلى رِسْلِكَ فَإنِّي أرْجُو أنْ يُؤْذَنَ لِي.
فَقالَ أبُو بَكْرٍ: وتَرْجُو ذَلِكَ بِأبِي أنْتَ؟ قالَ: نَعَمْ، فَحَبَسَ أبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِصُحْبَتِهِ وعَلَفَ راحِلَتَيْنِ كانَتا عِنْدَهُ ورَقَ السَّمُرِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ، فَبَيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ في بَيْتِنا في نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قالَ قائِلٌ لِأبِي بَكْرٍ: هَذا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُقْبِلًا في ساعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينا فِيها فَقالَ أبُو بَكْرٍ: فَداهُ أبِي وأُمِّي إنْ جاءَ بِهِ في هَذِهِ السّاعَةِ إلّا أمْرٌ، فَجاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فاسْتَأْذَنَ مَن عِنْدَكَ؟ فَقالَ أبُو بَكْرٍ: إنَّما هم أهْلُكَ بِأبِي أنْتَ يا رَسُولَ اللَّهِ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: فَإنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي بِالخُرُوجِ، فَقالَ أبُو بَكْرٍ: فالصَّحابَةَ بِأبِي أنْتَ يا رَسُولَ اللَّهِ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: نَعَمْ، فَقالَ أبُو بَكْرٍ: فَخُذْ بِأبِي أنْتَ يا رَسُولَ اللَّهِ إحْدى راحِلَتَيَّ هاتَيْنِ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: بِالثَّمَنِ، قالَتْ عائِشَةُ: فَجَهَّزْناهُما أحَثَّ الجِهازَ فَصَنَعْنا لَهُما سُفْرَةً في جِرابٍ فَقَطَعَتْ أسْماءُ بِنْتُ أبِي بَكْرٍ مِن نِطاقِها فَأوْكَأتْ بِهِ الجِرابَ فَلِذَلِكَ كانَتْ تُسَمّى ذاتَ النِّطاقِ، ولَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَوَأبُو بَكْرٍ بِغارٍ في جَبَلٍ يُقالُ لَهُ ثَوْرٌ، فَمَكَثا فِيهِ ثَلاثَ لَيالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُما عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي بَكْرٍ وهو غُلامٌ شابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ فَيَخْرُجُ مِن عِنْدِهِما سَحَرًا فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبائِتٍ فَلا يَسْمَعُ أمْرًا يُكادانِ بِهِ إلّا وعاهُ حَتّى يَأْتِيَهُما بِخَبَرِ ذَلِكَ حَتّى يَخْتَلِطَ الظَّلامُ ويَرْعى عَلَيْهِما عامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلًى لِأبِي بَكْرٍ مَنِيحَةً مِن غَنَمٍ، فَيُرِيحُها عَلَيْهِما حِينَ يَذْهَبُ بِغَلَسٍ ساعَةً مِنَ اللَّيْلِ، فَيَبِيتانِ في رِسْلِها حَتّى يَنْعَقَ بِها عامِرٌ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِن تِلْكَ اللَّيالِي الثَّلاثِ، واسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ رَجُلًا مِنَ الدِّئْلِ مِن بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هادِيًا خِرِّيتًا، قَدْ غَمَسَ يَمِينَ حِلْفٍ في آلِ العاصِ بْنِ وائِلٍ وهو عَلى دِينِ كُفّارِ قُرَيْشٍ فَأمِناهُ فَدَفَعا إلَيْهِ راحِلَتَيْهِما، (p-104)وواعَداهُ غارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاثٍ فَأتاهُما بِراحِلَتَيْهِما صَبِيحَةَ ثَلاثِ لَيالٍ، فَأخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ أذاخِرَ وهو طَرِيقُ السّاحِلِ» " الحَدِيثَ بِطُولِهِ، وفِيهِ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى فَضْلِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ ما فِيهِ، وهو نَصٌّ في أنَّ تَجْهِيزَهُما كانَ في بَيْتِ أبِي بَكْرٍ وأنَّ الرّاحِلَتَيْنِ كانَتا لَهُ، وذُكِرَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمْ يَقْبَلْ إحْداهُما إلّا بِالثَّمَنِ يَرُدُّ عَلى الرّافِضِيِّ زَعْمَ تُهْمَةِ الصَّدِيقَةِ وحاشاها في الحَدِيثِ.
هَذا ومَن أحاطَ خَبَرًا بِأطْرافِ ما ذَكَرْناهُ مِنَ الكَلامِ في هَذا المَقامِ عَلِمَ أنَّ قَوْلَهُ: كانَ شَيْئًا وراءَ ذَلِكَ فَبَيَّنُوهُ لَنا حَتّى نَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ ناشِئٌ عَنْ مُحْصِ الجَهْلِ أوِ العِنادِ ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن هادٍ. وبِالجُمْلَةِ إنَّ الشِّيعَةَ قَدِ اجْتَمَعَتْ كَلِمَتُهم عَلى الكُفْرِ بِدَلالَةِ الآيَةِ عَلى فَضْلِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ ويَأْبى اللَّهُ تَعالى إلّا أنْ يَكُونَ كَلِمَةُ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وكَلِمَتُهُ هي العُلْيا.
{"ayah":"إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ثَانِیَ ٱثۡنَیۡنِ إِذۡ هُمَا فِی ٱلۡغَارِ إِذۡ یَقُولُ لِصَـٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِینَتَهُۥ عَلَیۡهِ وَأَیَّدَهُۥ بِجُنُودࣲ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِیَ ٱلۡعُلۡیَاۗ وَٱللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق