الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ الأكثرون على أن هذا خطاب للمشركين [[انظر: "تفسير ابن جرير" 9/ 207، وابن أبي حاتم 5/ 1675، والثعلبي 6/ 49.]]، وذلك أن أبا [[في (ح): (أبو). وهو خطأ.]] جهل قال يوم بدر: اللهم انصر أفضل الدينين وأحقه بالنصر [[روى نحوه ابن جرير 9/ 209، عن يزيد بن رومان، وبمعناه ابن أبي حاتم 5/ 1675، عن عطية العوفي.]]، وروي أنه قال: اللهم أينا كان أقطع للرحم وأفجر فأحنه [[أحنه: أهلكه، و (الحين) بفتح الحاء: الهلاك، انظر: "القاموس المحيط" (حين) (1192)، و"لسان العرب" (حين) 2/ 1074.]] الغداة [[رواه ابن جرير 207/ 9 - 208، عن الزهري وروى نحوه عن الصحابي عبد الله بن ثعلبة العدوي وكذلك رواه الحاكم في "المستدرك" 2/ 328، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، ورواه أيضاً أحمد في "المسند" 5/ 431.]]. وقال السدي: إن المشركين لما أرادوا الخروج إلى بدر أخذوا أستار الكعبة وقالوا: اللهم انصر أعلى الجندين، وأهدى الفئتين، وأكرم الحزبين، وأفضل الدينين، فأنزل الله هذه الآية [[رواه الثعلبي 6/ 49 ب، والبغوي 3/ 342، وبنحوه ابن جرير 9/ 208.]]، فمعنى: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا﴾ إن تستنصروا لأهدى الفئتين فقد جاءكم النصر، وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء [[رواه بمعناه ابن جرير 9/ 207، وابن أبي حاتم 5/ 1675 من رواية علي بن أبى طلحة.]]، والحسن ومجاهد والزهري والسدي والضحاك والعوفي [[روى أقوالهم عدا الحسن البصري ابن جرير 9/ 207 - 208.]]. ومضى الكلام في معنى الاستفتاح عند قوله: ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ﴾ [[البقرة: 89، وانظر النسخة الأزهرية 1/ 70 ب، وقد قال هناك ما نصه: يستفتحون على الذين كفروا: قال ابن عباس والسدي: هو أنهم إذا حزبهم أمر، وظهر لهم عدو قالوا: اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان، وكانوا يسألون النصر بمحمد وبكتابه.]]، والاستفتاح على قول هؤلاء [[في (س): (على هذا القول).]]: الاستنصار. وقال عكرمة: قال المشركون: اللهم لا نعرف ما جاء به محمد فافتح بيننا وبينه بالحق؛ فقال الله تعالى: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ ان تستقضوا فقد جاءكم القضاء [[رواه الثعلبي 6/ 49 ب، والبغوي 3/ 342، ورواه مختصرًا ابن جرير 9/ 207 ، وابن أبي حاتم 5/ 1675.]]، واختار الفراء القول الأول [[انظر: كتابه "معاني القرآن" 1/ 406.]]، وذكر أبو إسحاق القولين جميعًا، وقال: كلا القولين جيد [[انظر: كتابه "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 408.]]. وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَنْتَهُوا﴾، قال ابن عباس: يريد عن الشرك بالله ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [[ذكره ابن الجوزي 3/ 335 بلفظ: عن قتال محمد ﷺ والكفر، ورواه الفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص 179 بلفظ: عن القتال والكفر.]]. ﴿وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ﴾، قال الحسن: وإن يعودوا لقتال محمد نعد عليهم بالقتل والأسر والهزيمة مثل يوم بدر [[لم أجد من ذكره عنه وقد ذكره بلا نسبة الثعلبي في "تفسيره" 6/ 49ب،== والمؤلف في "الوسيط" 2/ 451.]]. وهو قول ابن عباس [[ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 336، والفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص 179.]] وغيره [[هو قول ابن إسحاق كما في "السيرة النبوية" 2/ 314، وعروة بن الزبير كما في "تفسير ابن أبي حاتم" 5/ 1676، وابن جرير في "تفسيره" 9/ 209، والسمرقندي في "تفسيره" 2/ 12.]]. ﴿وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا﴾ أي جماعتكم شيئًا ﴿وَلَوْ كَثُرَتْ﴾ في العدد، ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ قرئ بكسر ﴿أَن﴾ وفتحه [[قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر وحفص عن عاصم بالفتح، وقرأ الباقون بالكسر. انظر: كتاب "السبعة" ص 305، وكتاب "التيسير" ص 116، و"تقريب النشر" ص 118، و"تحبير التيسير" ص 118.]]، فمن كسر فهو منقطع مما قبله، ويقوي ذلك أن في حرف عبد الله: والله مع المؤمنين [[انظر: كتاب "المصاحف" للسجستاني ص 62، و"تفسير الثعلبي" 69/ 50 أ، و"الكشاف" 2/ 151، و"تفسير السمرقندي" 2/ 12، و"المحرر الوجيز" 6/ 254 - 255، و"البحر المحيط" 5/ 298، فهؤلاء وافقوا المؤلف في نص قراءة ابن مسعود، وخالفه ابن جرير الطبري في "تفسيره" 9/ 210، والفراء في "معاني القرآن" 1/ 407، فذكر أن لفظ قراءة ابن مسعود وإن الله لمع المؤمنين. هذا: ولم يذكر قراءة ابن مسعود ابن خالويه في "مختصره في شواذ القرآن"، ولا ابن جني في "المحتسب في تفسير شواذ القرآن".]]. ومن فتح فوجهه: ﴿وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ﴾ [ولأن الله مع المؤمنين، أي لذلك لن تغني عنكم فئتكم شيئًا] [[ما بين المعقوفين ساقط من (م).]]، قال الفراء: فيكون موضعها نصبًا لأن الخفض يصلح فيها [["معاني القرآن" 1/ 407.]]. قال ابن عباس في قوله: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يريد: وإن كانوا قليلًا، ولا غالب لمن كان الله معه، وقال أيضًا: وأن الله مع المؤمنين في النصر لهم [[رواه بمعناه الفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص 179، وإسناده واهٍ؛ لأنه من رواية الكلبي وهو كذّاب مجمع على تركه. انظر: "تهذيب التهذيب" 3/ 569 - 570.]]. وقال أبيّ بن كعب وعطاء الخرساني: قوله: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [خطاب لأصحاب النبي ﷺ يقول: إن تستنصروا الله وتسالوه الفتح فقد جاءكم الفتح، [[ما بين المعقوفين ساقط من (س).]] والنصر، ثم عاد إلى خطاب الكفار فقال: ﴿وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [[ذكره عنهما الثعلبي 6/ 49 ب مختصرًا ورواه كذلك ابن أبي هاشم 5/ 1675 عن عطاء، وهو قول ضعيف لما يأتي: أولاً: أن في هذا القول تفكيك للضمائر فبعضها يعود إلى المؤمنين وبعضها يعود إلى الكافرين دون ملجيء لذلك، والأصل تناسق الضمائر. ثانيًا: صحة سبب نزول الآية في أبي جهل وكفار قريش كما تقدم، قال القرطبي 7/ 387: الصحيح أنه خطاب للكفار.]]. ومن أهل المعاني من يجعل جميع الآية خطابًا للمؤمنين على هذا القول [[ذكره الماوردي في "النكت والعيون" 2/ 306، وابن الجوزي في "تفسيره" 3/ 335، وابن عطية في "المحرر الوجيز" 6/ 254، والرازي في "التفسير الكبير" 15/ 142، وهو قول ضعيف جدًّا لعدة أمور منها: == أولاً: مخالفته لما صح عن الصحابة -رضي الله عنهم- في سبب نزول الآية. ثانيًا: في قوله تعالى: ﴿وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ﴾ ما يؤكد أن المخاطبين أعداء الله محاربون له. ثالثًا: في قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ما يفيد أن الخطاب لغيرهم؛ ولو كان لهم لكان المعنى: وإن تعودوا أيها المؤمنون للمنازعة نعد للإنكار والله معكم، وهذا غير مراد قطعًا لأن الآية إنكار على المخاطبين، ولذا اضطر الرازي 8/ 147 لما جوزّ هذا الوجه أن يقيد المؤمنين بقوله: فإن الله لا يكون إلا مع المؤمنين الذين لا يرتكبون الذنوب. اهـ. ولا عصمة إلا للأنبياء.]] فيقول: معنى قوله: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ أي عن المنازعة في الأنفال، ﴿وَإِنْ تَعُودُوا﴾ إلى مثل ما كان منكم من المنازعة فيها نعد للإنكار عليكم، ولن تغني عنكم جماعتكم شيئًا مع منع نصر الله لكم. والوجه ما عليه عامة المفسرين أن الآية بأسرها خطاب للمشركين [[وقد اقتصر عليه ابن جرير 13/ 450، وأبو الليث السمرقندي 2/ 12، وابن كثير 2/ 308، وصححه القرطبي 7/ 387.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب