الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكم وأنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الكافِرِينَ﴾ ﴿إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ وإنْ تَنْتَهُوا فَهو خَيْرٌ لَكم وإنْ تَعُودُوا نَعُدْ ولَنْ تُغْنِيَ عَنْكم فِئَتُكم شَيْئًا ولَوْ كَثُرَتْ وأنَّ اللَّهَ مَعَ المُؤْمِنِينَ﴾ في الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَرَأ نافِعٌ وابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو (مُوَهِّنُ) بِتَشْدِيدِ الهاءِ مِنَ التَّوْهِينِ﴿كَيْدِ﴾ بِالنَّصْبِ، وقَرَأ حَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ ﴿مُوهِنُ كَيْدِ﴾ بِالإضافَةِ، والباقُونَ﴿مُوهِنُ﴾ بِالتَّخْفِيفِ﴿كَيْدِ﴾ بِالنَّصْبِ، ومِثْلُهُ قَوْلُهُ: ﴿كاشِفاتُ ضُرِّهِ﴾ [الزُّمَرِ: ٣٨] بِالتَّنْوِينِ وبِالإضافَةِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: الكَلامُ في ذَلِكَ ومَحَلُّهُ مِنَ الإعْرابِ كَما في قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكم فَذُوقُوهُ﴾ .
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: تَوْهِينُ اللَّهِ تَعالى كَيْدَهَمْ يَكُونُ بِأشْياءَ: بِإطْلاعِ المُؤْمِنِينَ عَلى عَوْراتِهِمْ، وإلْقاءِ الرُّعْبِ في قُلُوبِهِمْ، وتَفْرِيقِ كَلِمَتِهِمْ، ونَقْضِ ما أبْرَمُوا بِسَبَبِ اخْتِلافِ عَزائِمِهِمْ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: «يُنْبِئُ رَسُولَ اللَّهِ ويَقُولُ: إنِّي قَدْ أوْهَنْتُ كَيْدَ عَدُوِّكَ حَتّى قَتَلْتَ خِيارَهم وأسَرْتَ أشْرافَهم» .
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ﴾ فَفِيهِ قَوْلانِ:
القَوْلُ الأوَّلُ: وهو قَوْلُ الحَسَنِ ومُجاهِدٍ والسُّدِّيِّ أنَّهُ خِطابٌ لِلْكُفّارِ، رُوِيَ أنَّ أبا جَهْلٍ قالَ يَوْمَ بَدْرٍ: اللَّهُمَّ انْصُرْ أفْضَلَ الدِّينَيْنِ وأحَقَّهُ بِالنَّصْرِ، ورُوِيَ أنَّهُ قالَ: اللَّهُمَّ أيُّنا كانَ أقْطَعَ لِلرَّحِمِ وأفْجَرَ فَأهْلِكْهُ الغَداةَ، وقالَ السُّدِّيُّ: إنَّ المُشْرِكِينَ لَمّا أرادُوا الخُرُوجَ إلى بَدْرٍ أخَذُوا أسْتارَ الكَعْبَةِ وقالُوا اللَّهُمَّ انْصُرْ أعْلى الجُنْدَيْنِ وأهْدى الفِئَتَيْنِ وأكْرَمَ الحِزْبَيْنِ وأفْضَلَ الدِّينَيْنِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ، والمَعْنى: إنْ تَسْتَفْتِحُوا أيْ تَسْتَنْصِرُوا لِأهْدى الفِئَتَيْنِ وأكْرَمِ الحِزْبَيْنِ فَقَدْ جاءَكُمُ النَّصْرُ. وقالَ آخَرُونَ: إنْ تَسْتَقْضُوا فَقَدْ جاءَكُمُ القَضاءُ.
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّهُ خِطابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، رُوِيَ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا رَأى المُشْرِكِينَ وكَثْرَةَ عَدَدِهِمُ اسْتَغاثَ بِاللَّهِ، وكَذَلِكَ الصَّحابَةُ، وطَلَبَ ما وعَدَهُ اللَّهُ بِهِ مِن إحْدى الطّائِفَتَيْنِ وتَضَرَّعَ إلى اللَّهِ فَقالَ: ﴿إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ﴾ والمُرادُ أنَّهُ طَلَبَ النُّصْرَةَ الَّتِي تَقَدَّمَ بِها الوَعْدُ، فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ، أيْ حَصَلَ ما وُعِدْتُمْ بِهِ فاشْكُرُوا اللَّهَ والزَمُوا طاعَتَهُ. قالَ القاضِي: وهَذا القَوْلُ أوْلى لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ﴾ لا يَلِيقُ إلّا بِالمُؤْمِنِينَ، أمّا لَوْ حَمَلْنا الفَتْحَ عَلى البَيانِ والحُكْمِ والقَضاءِ لَمْ يَمْتَنِعْ أنْ يُرادَ بِهِ الكُفّارُ.
أمّا قَوْلُهُ: ﴿وإنْ تَنْتَهُوا فَهو خَيْرٌ لَكُمْ﴾ فَتَفْسِيرُ هَذِهِ الآيَةِ يَتَفَرَّعُ عَلى ما ذَكَرْنا مِن أنَّ قَوْلَهُ: ﴿إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ﴾ خِطابٌ لِلْكُفّارِ أوْ لِلْمُؤْمِنِينَ.
فَإنْ قُلْنا: إنَّ ذَلِكَ خِطابٌ لِلْكُفّارِ، كانَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الآيَةِ: إنْ تَنْتَهُوا عَنْ قِتالِ الرَّسُولِ وعَداوَتِهِ وتَكْذِيبِهِ فَهو خَيْرٌ لَكم، أمّا في الدِّينِ فَبِالخَلاصِ مِنَ العِقابِ والفَوْزِ بِالثَّوابِ. وأمّا في الدُّنْيا فَبِالخَلاصِ مِنَ القَتْلِ والأسْرِ والنَّهْبِ.
(p-١١٥)ثُمَّ قالَ: ﴿وإنْ تَعُودُوا﴾ أيْ إلى القَتْلِ﴿نَعُدْ﴾ أيْ نُسَلِّطْهم عَلَيْكم، فَقَدْ شاهَدْتُمْ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ وعَرَفْتُمْ تَأْثِيرَ نُصْرَةِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْكُمْ﴿ولَنْ تُغْنِيَ عَنْكم فِئَتُكُمْ﴾ أيْ كَثْرَةُ الجُمُوعِ كَما لَمْ يُغْنِ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ. وأمّا إنْ قُلْنا إنَّ ذَلِكَ خِطابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ كانَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الآيَةِ وإنْ تَنْتَهُوا عَنِ المُنازَعَةِ في أمْرِ الأنْفالِ وتَنْتَهُوا عَنْ طَلَبِ الفِداءِ عَلى الأسْرى فَقَدْ كانَ وقَعَ مِنهم نِزاعٌ يَوْمَ بَدْرٍ في هَذِهِ الأشْياءِ حَتّى عاتَبَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ﴾ [الأنْفالِ: ٦٨] فَقالَ تَعالى: ﴿وإنْ تَنْتَهُوا﴾ عَنْ مِثْلِهِ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَكم وإنْ تَعُودُوا﴾ إلى تِلْكَ المُنازَعاتِ﴿نَعُدْ﴾ إلى تَرْكِ نُصْرَتِكم لِأنَّ الوَعْدَ بِنُصْرَتِكم مَشْرُوطٌ بِشَرْطِ اسْتِمْرارِكم عَلى الطّاعَةِ وتَرْكِ المُخالَفَةِ، ثُمَّ لا تَنْفَعُكُمُ الفِئَةُ والكَثْرَةُ، فَإنَّ اللَّهَ لا يَكُونُ إلّا مَعَ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لا يَرْتَكِبُونَ الذُّنُوبَ.
واعْلَمْ أنَّ أكْثَرَ المُفَسِّرِينَ حَمَلُوا قَوْلَهُ: ﴿إنْ تَسْتَفْتِحُوا﴾ عَلى أنَّهُ خِطابٌ لِلْكُفّارِ، واحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنْ تَعُودُوا نَعُدْ﴾ فَظَنُّوا أنَّ ذَلِكَ لا يَلِيقُ إلّا بِالقِتالِ، وقَدْ بَيَّنّا أنَّ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ الحَمْلَ عَلى ما ذَكَرْناهُ مِن أحْوالِ المُؤْمِنِينَ، فَسَقَطَ هَذا التَّرْجِيحُ.
وأمّا قَوْلُهُ: ﴿وأنَّ اللَّهَ مَعَ المُؤْمِنِينَ﴾ فَقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ ﴿وأنَّ اللَّهَ﴾ بِفَتْحِ الألِفِ في أنَّ والباقُونَ بِكَسْرِها. أمّا الفَتْحُ فَقِيلَ: عَلى تَقْدِيرِ: ولِأنَّ اللَّهَ مَعَ المُؤْمِنِينَ، وقِيلَ هو مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿وأنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الكافِرِينَ﴾ وأمّا الكَسْرُ فَعَلى الِابْتِداءِ. واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayah":"إِن تَسۡتَفۡتِحُوا۟ فَقَدۡ جَاۤءَكُمُ ٱلۡفَتۡحُۖ وَإِن تَنتَهُوا۟ فَهُوَ خَیۡرࣱ لَّكُمۡۖ وَإِن تَعُودُوا۟ نَعُدۡ وَلَن تُغۡنِیَ عَنكُمۡ فِئَتُكُمۡ شَیۡـࣰٔا وَلَوۡ كَثُرَتۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق