قوله تعالى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ﴾ قال جماعة المفسرين: هو الأول قبل كل شيء، كان هو ولا شيء موجود، فهو الأول بلا ابتداء، والآخر بعد كل شيء بلا انتهاء، يفني الأشياء، ويبقى آخرًا كما كان أولاً، وهذا يروى مرفوعًا أنه "الأول وليس قبله شيء والآخر وليس بعده شيء" [[الحديث أخرجه مسلم (2713) في الدعاء، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع وفيه "اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء" الحديث. والترمذي في الدعوات، باب ما جاء في الدعاء إذا أوى إلى فراشه، وأحمد 2/ 381، 404.]].
قال الأزهري: ولا يجوز أن يعدو في تفسير الاسمين ما روي عن النبي -ﷺ- [[لم أجد هذا اللفظ في "تهذيب اللغة" 13/ 474 (بطن) وإنما قال: ومن صفات الله عز وجل: "الظاهر والباطن" لا تأويلها ما روي عن النبي -ﷺ- في تمجيد الرب .. وذكر الحديث.]].
قوله تعالى: ﴿وَالظَّاهِرُ﴾ أي الغالب العالي على كل شيء، ومثل قوله تعالى: ﴿فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ [الصف: 14] أي غالبين عالين، من قولك: ظهرت على فلان أي علوته. ومنه قوله تعالى: ﴿عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ [الزخرف: 33] وهذا معنى ما روي في الحديث: "والظاهر فليس فوقك شيء" وهذا قول أكثر أهل العلم [[انظر: "مجموع الفتاوي" 5/ 244 - 245، و"معاني القرآن" للفراء 3/ 132، قال ابن كثير: وقال البخاري: قال يحيى: ونقل كلام الفراء. "ابن كثير" 4/ 302.]]، ويجوز أن يكون معنى الظاهر أنه ظاهر بالأدلة والشواهد على ربوبيته [[انظر: "الكشاف" 4/ 63، و"فتح القدير" 5/ 165، ثم قال: وقد فسر هذه الأشياء الأربعة رسول الله -ﷺ- فيتعين المصير إلى ذلك.]]. وهذا معنى ما روي في الخبر: "اللهم أنت الظاهر فلا تخفى".
قوله تعالى: ﴿وَالْبَاطِنُ﴾ قال أبو إسحاق: الباطن العالم بما بطن، كما تقول: فلان يبطن أمر فلان، أي يعلم دِخْلَةَ أمره [[انظر: "معاني القرآن" 5/ 122.]].
قال الليث: يقال أنت أبطن بهذا الأمر من فلان، أي: أخبر بباطنه فالله تعالى العالم الباطن بكل شيء فلا أحد أعلم منه [[انظر: "تهذيب اللغة" (بطن).]]، وهذا معنى ما روي في الحديث: "وأنت الباطن فليس دونك شيء" أي ليس أقرب منك بالعلم شيء، ويجوز أن يكون معنى الباطن أنه محتجب عن الأبصار وهو معنى ما روي في الخبر "والباطن فلا يُرى".
{"ayah":"هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡـَٔاخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمٌ"}