الباحث القرآني
ولَمّا أخْبَرَ بِتَمامِ القُدْرَةِ، دَلَّ عَلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿هُوَ﴾ أيْ وحْدَهُ ﴿الأوَّلُ﴾ أيْ بِالأزَلِيَّةِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ فَلا أوَّلَ لَهُ، والقَدِيمُ الَّذِي مِنهُ وُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ ولَيْسَ وُجُودُهُ مِن شَيْءٍ لِأنَّ كُلَّ ما نُشاهِدُهُ مُتَأثِّرٌ لِأنَّهُ حَقِيرٌ، وكُلُّ ما كانَ كَذَلِكَ فَلا بُدَّ لَهُ مِن مُوجِدٍ غَيْرِ مُتَأثِّرٍ ﴿والآخِرُ﴾ بِالأبَدِيَّةِ، الَّذِي يَنْتَهِي إلَيْهِ وُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ في سِلْسِلَةِ التَّرَقِّي وهو بَعْدَ فَناءِ كُلِّ شَيْءٍ ولَوْ بِالنَّظَرِ إلى ما لَهُ مِن ذاتِهِ فَلا آخِرَ لَهُ لِأنَّهُ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ [نَعْتُ] العَدَمِ لِأنَّ كُلَّ ما سِواهُ مُتَغَيِّرٌ، وكُلُّ ما تَغَيَّرَ بِنَوْعٍ مِنَ التَّغْيِيرِ جازَ إعْدامُهُ، وما جازَ إعْدامُهُ فَلا بُدَّ لَهُ مِن مُعْدِمٍ يَكُونُ بَعْدَهُ ولا يُمْكِنُ إعْدامُهُ.
ولَمّا كانَ السَّبْقُ يَقْتَضِي البُطُونَ، والتَّأخُّرُ يُوجِبُ الظُّهُورَ، وكانا أمْرَيْنِ مُتَضادَّيْنِ لا يَكادُ الإنْسانُ يَسْتَقِلُّ بِتَعَلُّقِهِما في شَيْءٍ واحِدٍ، نَبَّهَ عَلى اجْتِماعِهِما فِيهِ، فَقالَ مُشِيرًا بِالواوِ إلى تَمامِ الِاتِّصافِ وتَحَقُّقِهِ: ﴿والظّاهِرُ﴾ أيْ بِالأحَدِيَّةِ لِلْعَقْلِ بِأدِلَّتِهِ الظّاهِرَةِ في المَصْنُوعاتِ بِما لَهُ مِنَ الأفْعالِ ظُهُورًا لا يَجْهَلُهُ عاقِلٌ، وهو الغالِبُ في رِفْعَتِهِ وعُلُوِّهِ فَلَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ (p-٢٥٦)﴿والباطِنُ﴾ بِالصَّمَدِيَّةِ وعَنِ انْطِباعِ الحَواسِّ وارْتِسامِ الخَيالِ وتَصَوُّرِ الفَهْمِ والفِكْرِ وبِتَمامِ العِلْمِ والحِكْمَةِ بِما لَهُ مِنَ العَظَمَةِ في ذاتِهِ بِكَثْرَةِ التَّعالِي والحُجُبِ بُطُونًا[ لا] يَكْتَنِهُهُ شَيْءٌ، وقالَ القُشَيْرِيُّ: الأوَّلُ بِلا ابْتِداءٍ، الآخِرُ بِلا انْتِهاءٍ. الظّاهِرُ بِلا خَفاءٍ، [الباطِنُ] بِنَعْتِ العُلا وعِزِّ الكِبْرِياءِ - انْتَهى، والعَطْفُ لِلدَّلالَةِ كَما أُشِيرَ إلَيْهِ عَلى الإحاطَةِ التّامَّةِ لِأنَّها لَمّا كانَتْ مُتَضادَّةً كانَتْ بِحَيْثُ لَوْ أُعْرِيَتْ عَنِ الواوِ لَرُبَّما ظُنَّ أنَّ وُجُودَها لا عَلى سَبِيلِ التَّمَكُّنِ، فَلا تَكُونُ مُحِيطَةً بَلْ مُقَيَّدَةً بِحَيْثِيَّةٍ مَثَلًا،فَجاءَتِ الواوُ دَلالَةً عَلى تَمَكُّنِ الوَصْفِ وإحاطَتِهِ وأنَّهُ واقِعٌ بِكُلِّ اعْتِبارٍ لَيْسَ واحِدٌ مِنَ الأوْصافِ مُكَمِّلًا لِشَيْءٍ آخَرَ ولا شارِحًا لِمَعْناهُ، فَهو أوَّلٌ عَلى الإطْلاقِ وآخِرٌ كَذَلِكَ، وظاهِرٌ حَتّى في حالِ بُطُونِهِ وباطِنٌ كَذَلِكَ، وهَذا عَلى الأصْلِ فَإنَّ صِفاتِهِ تَعالى مُحِيطَةٌ فَلا إشْكالَ، إنَّما الإشْكالُ عِنْدَ الخُلُوِّ مِنَ العَطْفِ فَهو الأغْلَبُ في إيرادِها كَما آخِرُ الحَشْرِ، ولَعَلَّ ذَلِكَ مُرادُ الكَشّافِ بِقَوْلِهِ: [إنَّ] الواوَ الأُولى مَعْناها الدَّلالَةُ عَلى الجامِعِ بَيْنَ الصِّفَتَيْنِ الأوَّلِيَّةِ والآخِرِيَّةِ، أيْ جَمْعًا هو في غايَةِ المَكِنَةِ، والثّالِثَةَ عَلى أنَّهُ الجامِعُ بَيْنَ الظُّهُورِ والخَفاءِ، وأمّا الوُسْطى فَعَلى أنَّهُ الجامِعُ بَيْنَ مَجْمُوعِ الصِّفَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ ومَجْمُوعِ الصِّفَتَيْنِ الأخِيرَتَيْنِ، فَهو المُسْتَمِرُّ الوُجُودِ في جَمِيعِ الأوْقاتِ الماضِيَةِ والآتِيَةِ. انْتَهى.
ولَمّا كانَ مَن ظَهَرَ لِشَيْءٍ بَطَنَ عَنْ غَيْرِهِ، ومَن بَطَنَ لِشَيْءٍ غابَ (p-٢٥٧)عَنْهُ عِلْمُهُ، وكانَ سُبْحانَهُ في ظُهُورِهِ عَلى ذَلِكَ بِمَعْنى أنَّهُ لَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ، وفي بُطُونِهِ بِحَيْثُ لَيْسَ دُونَهُ شَيْءٌ، فَقَدْ جَمَعَتِ الأوْصافُ إحاطَةَ العِلْمِ والقُدْرَةِ، أعْلَمَ نَتِيجَةَ ذَلِكَ فَقالَ: ﴿وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ أيْ لِكَوْنِ الأشْياءِ عِنْدَهُ عَلى حَدٍّ سَواءٍ،،[و]البُطُونُ والظُّهُورُ إنَّما هو بِالنِّسْبَةِ إلى الخَلْقِ، وأمّا هو سُبْحانَهُ فَلا باطِنَ مِنَ الخَلْقِ عِنْدَهُ بَلْ هو في غايَةِ الظُّهُورِ لَدَيْهِ لِأنَّهُ الَّذِي أوَجَدَهُمْ، وهَذا مَعْنى ما قالَ البَغْوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى: سَألَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَعْبًا عَنْ هَذِهِ الآيَةِ فَقالَ: مَعْناها أنَّ عِلْمَهُ بِالأوَّلِ كَعِلْمِهِ بِالآخِرِ، وعِلْمَهُ بِالظّاهِرِ كَعِلْمِهِ بِالباطِنِ - انْتَهى.
لِأنَّ العِلْمَ يَسْتَلْزِمُ القُدْرَةَ عَلى حَسَبِهِ.
{"ayah":"هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡـَٔاخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











