الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾، أي أنه رسول ليس بإله، كما أنهم رسل ليسوا آلهة، وإنما أتى بالمعجزات من قبل ربه كما أتوا بها من قبل ربهم، فمن ادعى له الإلهية فهو كمن ادعى لهم الإلهية؛ لتساويهم في المنزلة. وهذا معنى قول أبي إسحاق [[انظر: "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 196.]]. وقوله تعالى: ﴿وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾، ذكرنا معنى الصديق فيما سبق [[عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: 69].]]، وقيل لمريم (صديقة) لتصديقها بآيات ربها، ومنزلة ولدها، وتصديقها ما أخبرها. قال الله تعالى في صفتها: ﴿وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ﴾ [التحريم: 12] [[انظر: "النكت والعيون" 2/ 56، "تفسير البغوي" 2/ 83.]]. وقال الفراء: ووقع عليها التصديق [[في (ج): (الصديق).]] كما وقع على الأنبياء، وذلك قوله تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا﴾ [مريم: 17] فلما كلمها جبريل وصدقته وقع عليها اسم الرسالة، فكانت كالنبي [[معاني القرآن 1/ 318.]]. وقوله تعالى: ﴿كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ﴾، قال أهل المعاني: هذه الآية احتجاج على النصارى بأن من ولَده النساء وهو يأكل الطعام لا يكون إلهًا للعباد؛ لأن سبيله سبيلهم في الحاجة إلى الصانع المدبر، والمعنى أنهما كانا يعيشان بالغذاء كما يعيش سائر الآدميين، فكيف يكون إله لا يقيمه إلا أكل الطعام؟ [[انظر: "تفسير الطبري" 6/ 315، "تفسير البغوي" 3/ 83.]]، وكل هذا معنى قول ابن عباس في تفسير قوله: ﴿يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ﴾ يريد هما لحم ودم، يأكلان ويشربان، ويبولان ويتغوطان [[انظر: "تفسير الوسيط" 2/ 213.]]. قال عبد الله بن مسلم [[ابن قتيبة.]]: هذا ألطف ما يكون من الكناية، لأنه عبر عن الحدث بالطعام، لأن من أكل الطعام لا بد له من أن يحدث [["غريب القرآن" ص 144، انظر: "زاد المسير" 2/ 404.]]، فلما ذكر أكل الطعام صار كأنه أخبر عن عاقبته، والطعام والحدث ليسا من أوصاف الإلهية، وأنكر عمرو بن يحيى [[لم يتبين من عمرو بن يحيى هذا، ويحتمل أن عمرو تصحفت عن: (أحمد)، فيكون المقصود: أحمد بن يحيى المعروف بثعلبَ، والمؤلف كثير ما ينقل عنه. والله أعلم.]] أن يكون هذا كناية عما ذكر، وقال: كأنه لم يعلم أن في الجوع وما ينال أهله من الذلة والعجز والفاقة أدل دليل على أنهم مخلوقون، حتى ادعى على الكلام شيئًا قد أغناه الله عنه. وقوله تعالى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ﴾، قال ابن عباس: نفسر لهم أمر ربوبيتي [[انظر: "تفسير الوسيط" 2/ 213.]]. وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [المائدة: 75]، يقال: أفكه يأفكه أفكًا، إذا صرفه. والإفك: الكذب؛ لأنه صرف عن الحق، وكل مصروف عن شيء مأفوك عنه [[انظر:"غريب القرآن" لابن قتيبة ص 144، "تفسير الطبري" 6/ 315، "معاني == الزجاج" 2/ 197، "بحر العلوم" 1/ 452، و"الصحاح" 4/ 1573 (أفك)، "النكت والعيون" 2/ 57.]]، وأنشد ابن السكيت: إن تكُ عن أحسنِ المروءة مأ ... فوكًا ففي آخرين قد أُفِكُوا [[البيت لعروة بن أذينة كما في الصحاح 4/ 1573 (أفك)، و"معجم شواهد العربية" ص 257، ونسبه في "اللسان" 1/ 97 (أفك) لعمرو بن أذينة، ولعل الأول أقرب.]] وقد أفكت الأرض إذا صرف عنها المطر، وأرض مأفوكة لم يصبها مطر [[انظر: "تفسير الطبري" 6/ 315، "تهذيب اللغة" 1/ 174 (أفك)، "النكت والعيون" 1/ 479.]]، ومعنى: ﴿أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ أي يصرفون عن الحق الذي يؤدي إليه تدبر الآيات [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 57.]]. وقال أبو عبيدة: أي يحرمون الحق، من قولهم: أرض مأفوكة، إذا حرمت [[في (ج): (حرم) بالتذكير.]] المطر [[انظر: "مجاز القرآن" 1/ 174، 175، "تهذيب اللغة" 1/ 174 (أفك).]]، وهذا كالأول؛ لأن الأرض التي حرمت المطر فقد صرف عنها المطر، وفي هذا دليل أنهم صدوا عن الإيمان وصرفوا عنه بصرفٍ لا من قبلهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب