الباحث القرآني
ولَمّا أبْطَلَ الكُفْرَ كُلَّهُ؛ بِإثْباتِ أفْعالِهِ؛ مِن إرْسالِهِ؛ وإنْزالِهِ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ مِن كَمالِهِ؛ وأثْبَتَ التَّوْحِيدَ عَلى وجْهٍ عامٍّ؛ أتْبَعَ ذَلِكَ تَخْصِيصَ ما كَفَرَ بِهِ المُخاطَبُونَ بِالإبْطالِ؛ فَكانَ ذَلِكَ دَلِيلًا خاصًّا بَعْدَ دَلِيلٍ عامٍّ؛ فَقالَ (تَعالى) - عَلى وجْهِ الحَصْرِ في الرُّسُلِيَّةِ؛ رَدًّا عَلى مَن يُعْتَقَدُ فِيهِ الإلَهِيَّةُ؛ واصِفًا لَهُ بِصِفَتَيْنِ؛ لا يَكُونانِ إلّا لِمَصْنُوعٍ مَرْبُوبٍ -: ﴿ما المَسِيحُ﴾؛ أيْ: المَمْسُوحُ بِدُهْنِ القُدْسِ؛ المُطَهَّرُ؛ المَوْلُودُ؛ لِأنَّهُ ﴿ابْنُ مَرْيَمَ إلا رَسُولٌ﴾؛ وبَيَّنَ أنَّهُ ما كانَ بِدْعًا مِمَّنْ كانَ قَبْلَهُ مِن إخْوانِهِ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾؛ أيْ: فَما مِن خارِقَةٍ لَهُ إلّا وقَدْ كانَ مِثْلُها؛ أوْ أعْجَبُ مِنها لِمَن قَبْلَهُ؛ كَآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - في خَلْقِهِ مِن تُرابٍ؛ ومُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - في قَلْبِ العَصى (p-٢٥٥)حَيَّةً تَسْعى - ونَحْوِ ذَلِكَ.
ولَمّا كَفَرُوا بِأُمِّهِ أيْضًا - عَلَيْهِما السَّلامُ - بَيَّنَ ما هو الحَقُّ في أمْرِها؛ فَقالَ: ﴿وأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾؛ أيْ: بَلِيغَةُ الصِّدْقِ في نَفْسِها؛ والتَّصْدِيقِ لِما يَنْبَغِي أنْ يُصَدَّقَ؛ فَرُتْبَتُها تَلِي رُتْبَةَ الأنْبِياءِ؛ ولِذَلِكَ تَكُونُ مِن أزْواجِ نَبِيِّنا ﷺ في الجَنَّةِ؛ وهَذِهِ الآيَةُ مِن أدِلَّةِ مَن قالَ: إنَّ مَرْيَمَ عَلَيْها السَّلامُ لَمْ تَكُنْ نَبِيَّةً؛ فَإنَّهُ (تَعالى) ذَكَرَ أشْرَفَ صِفاتِها في مَعْرِضِ الرَّدِّ عَلى مَن قالَ بِإلَهِيَّتِهِما؛ إشارَةً إلى بَيانِ ما هو الحَقُّ في اعْتِقادِ ما لَهُما مِن أعْلى الصِّفاتِ؛ وأنَّهُ مَن رَفَعَ واحِدًا مِنهُما فَوْقَ ذَلِكَ فَقَدْ أطْراهُ؛ ومَن نَقَصَهُ عَنْهُ فَقَدِ ازْدَراهُ؛ فالقَصْدُ العَدْلُ بَيْنَ الإفْراطِ؛ والتَّفْرِيطِ؛ بِاعْتِقادِ أنَّ أعْظَمَ صِفاتِ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - الرِّسالَةُ؛ وأكْمَلَ صِفاتِ أُمِّهِ الصِّدِّيقِيَّةُ.
ولَمّا كانَ المَقامُ مَقامَ البَيانِ عَنْ نُزُولِهِما عَنْ رُتْبَةِ الإلَهِيَّةِ؛ ذَكَرَ أبْعَدَ الأوْصافِ مِنها؛ فَقالَ: ﴿كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ﴾؛ وخَصَّ الأكْلَ لِأنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ ضَعْفًا لازِمًا ظاهِرًا؛ هو أصْلُ الحاجاتِ المُعْتَرِيَةِ لِلْإنْسانِ؛ فَهو تَنْبِيهٌ عَلى غَيْرِهِ؛ ومِنَ الأمْرِ الجَلِيِّ أنَّ الإلَهَ لا يَنْبَغِي أنْ يَدْنُوَ إلى جَنابِهِ عَجْزٌ أصْلًا؛ وقَدِ اشْتَمَلَ قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿وقالَ المَسِيحُ﴾ [المائدة: ٧٢]؛ وقَوْلُهُ: ﴿كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ﴾؛ عَلى أشْرَفِ أحْوالِ الإنْسانِ؛ وأخَسِّها؛ فَأشْرَفُها عِبادَةُ اللَّهِ؛ وأخَسُّها الِاشْتِغالُ عَنْها بِالأكْلِ؛ الَّذِي هو مَبْدَأُ الحاجاتِ. (p-٢٥٦)ولَمّا أوْضَحَ ما هو الحَقُّ في أمْرِهِما؛ حَتّى ظَهَرَ كالشَّمْسِ بُعْدُهُما عَمّا ادَّعَوْهُ فِيهِما؛ أتْبَعَهُ التَّعَجُّبَ مِن تَمامِ قُدْرَتِهِ عَلى إظْهارِ الآياتِ؛ وعَلى الإضْلالِ بَعْدَ ذَلِكَ البَيانِ؛ فَقالَ: ﴿انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآياتِ﴾؛ أيْ: نُوَضِّحُ إيضاحًا شافِيًا العَلاماتِ الَّتِي مِن شَأْنِها الهِدايَةُ إلى الحَقِّ؛ والمَنعُ مِنَ الضَّلالِ؛ ولَمّا كانَ العَمى عَنْ هَذا البَيانِ في غايَةِ البُعْدِ؛ أشارَ إلَيْهِ بِأداةِ التَّراخِي؛ فَقالَ: ﴿ثُمَّ انْظُرْ أنّى﴾؛ أيْ: كَيْفَ؛ ومِن أيْنَ؛ ولَمّا كانَ العَجَبُ قَبُولَهم لِلصَّرْفِ؛ وتَأثُّرَهم بِهِ؛ لا كَوْنَهُ مِن صارِفٍ مُعَيَّنٍ؛ بَنى لِلْمَفْعُولِ قَوْلَهُ: ﴿يُؤْفَكُونَ﴾؛ أيْ: يُصْرَفُونَ عَنِ الحَقِّ؛ وبَيانِ الطَّرِيقِ؛ صَرْفَ مَن لا نُورَ لَهُ أصْلًا؛ مِن أيِّ صارِفٍ كانَ؛ فَصَرْفُهم في غايَةِ السُّفُولِ؛ وبَيانُ الآياتِ في غايَةِ العُلُوِّ؛ فَبَيْنَهُما بَوْنٌ عَظِيمٌ.
{"ayah":"مَّا ٱلۡمَسِیحُ ٱبۡنُ مَرۡیَمَ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُۥ صِدِّیقَةࣱۖ كَانَا یَأۡكُلَانِ ٱلطَّعَامَۗ ٱنظُرۡ كَیۡفَ نُبَیِّنُ لَهُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ ثُمَّ ٱنظُرۡ أَنَّىٰ یُؤۡفَكُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق