الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى:
﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وما مِن إلَهٍ إلا إلَهٍ واحِدٌ وإنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾ ﴿أفَلا يَتُوبُونَ إلى اللهِ ويَسْتَغْفِرُونَهُ واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ﴿ما المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُسُلُ وأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أنّى يُؤْفَكُونَ﴾
هَذِهِ الآيَةُ إخْبارٌ مُؤَكَّدٌ؛ كالَّذِي قَبْلَهُ؛ وهو عن هَذِهِ الفِرْقَةِ الناطِقَةِ بِالتَثْلِيثِ؛ وهي - فِيما يُقالُ - "اَلْمَلْكِيَّةُ"؛ وهم فِرَقٌ؛ مِنهُمُ "اَلنُّسْطُورِيَّةُ"؛ وغَيْرُهُمْ؛ ولا مَعْنى لِذِكْرِ أقْوالِهِمْ في كِتابِ تَفْسِيرٍ؛ إنَّما الحَقُّ أنَّهم عَلى اخْتِلافِ أحْوالِهِمْ كُفّارٌ؛ مِن حَيْثُ جَعَلُوا في الأُلُوهِيَّةِ عَدَدًا؛ ومِن حَيْثُ جَعَلُوا لِعِيسى - عَلَيْهِ السَلامُ - حُكْمًا إلَهِيًّا.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "ثالِثُ ثَلاثَةٍ"؛﴾ لا يَجُوزُ فِيهِ إلّا الإضافَةُ؛ وخَفْضُ "ثَلاثَةٍ"؛ لِأنَّ المَعْنى: أحَدُ ثَلاثَةٍ؛ فَإنْ قُلْتَ: "زَيْدٌ ثالِثُ اثْنَيْنِ"؛ أو "رابِعُ ثَلاثَةٍ"؛ جازَ لَكَ أنْ تُضِيفَ؛ كَما تَقَدَّمَ؛ وجازَ ألّا تُضِيفَ؛ وتَنْصِبَ "ثَلاثَةً"؛ عَلى مَعْنى: "زَيْدٌ يُرْبِعُ ثَلاثَةً".
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما مِن إلَهٍ إلا إلَهٍ واحِدٌ﴾ ؛ خَبَرٌ صادِعٌ بِالحَقِّ؛ وهو الخالِقُ المُبْتَدِعُ؛ المُتَّصِفُ بِالصِفاتِ العُلا؛ تَعالى عَمّا يَقُولُ المُبْطِلُونَ.
ثُمَّ تَوَعَّدَ - تَبارَكَ وتَعالى- هَؤُلاءِ القائِلِينَ هَذِهِ العَظِيمَةَ بِمَسِّ العَذابِ؛ وذَلِكَ وعِيدٌ (p-٢٢٥)بِعَذابِ الدُنْيا مِنَ القَتْلِ؛ والسَبْيِ؛ وبِعَذابِ الآخِرَةِ بَعْدُ؛ لا يُفْلِتُ مِنهُ أحَدٌ مِنهم.
ثُمَّ رَفَقَ - جَلَّ وعَلا - بِهِمْ بِتَحْضِيضِهِ إيّاهم عَلى التَوْبَةِ؛ وطَلَبِ المَغْفِرَةِ؛ ثُمَّ وصَفَ نَفْسَهُ بِالغُفْرانِ والرَحْمَةِ؛ اسْتِجْلابًا لِلتّائِبِينَ؛ وتَأْنِيسًا لَهُمْ؛ لِيَكُونُوا عَلى ثِقَةٍ مِنَ الِانْتِفاعِ بِتَوْبَتِهِمْ.
ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى عن حَقِيقَةِ أمْرِ المَسِيحِ وأنَّهُ رَسُولٌ؛ بَشَرٌ؛ كالرُسُلِ المُتَقَدِّمَةِ قَبْلَهُ.
و"خَلَتْ"؛ مَعْناهُ: مَضَتْ؛ وتَقَدَّمَتْ في الخَلاءِ مِنَ الأرْضِ؛ وقَرَأ حِطّانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرَقاشِيُّ: "قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ رُسُلٌ"؛ بِتَنْكِيرِ "اَلرُّسُلُ"؛ وكَذَلِكَ قَرَأ: ﴿ "وَما مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُسُلُ"؛﴾ [آل عمران: ١٤٤] وقَدْ مَضى القَوْلُ عَلى وجْهِ هَذِهِ القِراءَةِ هُناكَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾ ؛ صِفَةٌ بِبِناءِ مُبالَغَةٍ؛ مِن "اَلصِّدْقُ"؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن "اَلتَّصْدِيقُ"؛ وبِهِ سُمِّيَ أبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُ -؛ لِتَصْدِيقِهِ؛ وهَذِهِ الصِفَةُ لِمَرْيَمَ تَدْفَعُ قَوْلَ مَن قالَ: "هِيَ نَبِيَّةٌ"؛ وقَدْ يُوجَدُ في صَحِيحِ الحَدِيثِ قَصَصُ قَوْمٍ كَلَّمَتْهم مَلائِكَةٌ في غَيْرِ نُبُوَّةٍ؛ كَقِصَّةِ الثَلاثَةِ: اَلْأقْرَعِ؛ والأعْمى؛ والأبْرَصِ؛ وغَيْرِهِمْ؛ ولا تَكُونُ هُنالِكَ نُبُوَّةٌ؛ فَكَذَلِكَ أمْرُ مَرْيَمَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿كانا يَأْكُلانِ الطَعامَ﴾ ؛ تَنْبِيهٌ عَلى نَقْصِ البَشَرِيَّةِ؛ وعَلى حالٍ مِنَ الِاحْتِياجِ إلى الغِذاءِ؛ تَنْتَفِي مَعَها الأُلُوهِيَّةُ؛ وذَكَرَ مَكِّيٌّ ؛ والمَهْدِيُّ؛ وغَيْرُهُما أنَّها عِبارَةٌ عَنِ الِاحْتِياجِ إلى الغائِطِ؛ وهَذا قَوْلٌ بَشِعٌ؛ ولا ضَرُورَةَ تَدْفَعُ إلَيْهِ حَتّى يُقْصَدَ هَذا المَعْنى بِالذِكْرِ؛ وإنَّما هي عِبارَةٌ عَنِ الِاحْتِياجِ إلى التَغَذِّي؛ ولا مَحالَةَ أنَّ الناظِرَ إذا تَأمَّلَ بِذِهْنِهِ لَواحِقَ التَغَذِّي وجَدَ ذَلِكَ؛ وغَيْرَهُ.
ثُمَّ أمَرَ تَعالى مُحَمَّدًا - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - وفي الضِمْنِ أُمَّتَهُ - بِالنَظَرِ في ضَلالِ هَؤُلاءِ القَوْمِ؛ وبُعْدِهِمْ عن سَنَنِ الحَقِّ؛ وأنَّ الآياتِ تُبَيَّنُ لَهُمْ؛ وتُبْرَزُ في غايَةِ الوُضُوحِ؛ ثُمَّ هم بَعْدَ ذَلِكَ يُصْرَفُونَ؛ أيْ: تَصْرِفُهم دَواعِيهِمْ؛ ويُزَيِّلُهم تَكَسُّلُهم عَنِ الحَقِّ.
(p-٢٢٦)وَ"كَيْفَ"؛ في هَذِهِ الآيَةِ؛ لَيْسَتْ سُؤالًا عن حالٍ؛ لَكِنَّها عِبارَةٌ عن حالٍ شَأْنُها أنْ يُسْألَ عنها بِكَيْفَ؛ وهَذا كَقَوْلِكَ: "كُنْ كَيْفَ شِئْتَ؛ فَأنْتَ صَدِيقٌ".
و"أنّى"؛ مَعْناها: مِن أيِّ جِهَةٍ؛ قالَ سِيبَوَيْهِ: مَعْناها: "كَيْفَ"؛ و"مِن أيْنَ".
و"يُؤْفَكُونَ"؛ مَعْناهُ: يُصْرَفُونَ؛ ومِنهُ قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿يُؤْفَكُ عنهُ مَن أُفِكَ﴾ [الذاريات: ٩] ؛ والأرْضُ المَأْفُوكَةُ: اَلَّتِي صُرِفَتْ عن أنْ يَنالَها المَطَرُ؛ والمَطَرُ في الحَقِيقَةِ هو المَصْرُوفُ؛ ولَكِنْ قِيلَ: "أرْضٌ مَأْفُوكَةٌ"؛ لَمّا كانَتْ [مَأْفُوكًا] عنها.
{"ayahs_start":73,"ayahs":["لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَـٰثَةࣲۘ وَمَا مِنۡ إِلَـٰهٍ إِلَّاۤ إِلَـٰهࣱ وَ ٰحِدࣱۚ وَإِن لَّمۡ یَنتَهُوا۟ عَمَّا یَقُولُونَ لَیَمَسَّنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمٌ","أَفَلَا یَتُوبُونَ إِلَى ٱللَّهِ وَیَسۡتَغۡفِرُونَهُۥۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ","مَّا ٱلۡمَسِیحُ ٱبۡنُ مَرۡیَمَ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُۥ صِدِّیقَةࣱۖ كَانَا یَأۡكُلَانِ ٱلطَّعَامَۗ ٱنظُرۡ كَیۡفَ نُبَیِّنُ لَهُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ ثُمَّ ٱنظُرۡ أَنَّىٰ یُؤۡفَكُونَ"],"ayah":"مَّا ٱلۡمَسِیحُ ٱبۡنُ مَرۡیَمَ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُۥ صِدِّیقَةࣱۖ كَانَا یَأۡكُلَانِ ٱلطَّعَامَۗ ٱنظُرۡ كَیۡفَ نُبَیِّنُ لَهُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ ثُمَّ ٱنظُرۡ أَنَّىٰ یُؤۡفَكُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق