الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا﴾ قال الكلبي: لما نزلت هذه الآيات التي تقدمت عرف قوم طعمة الظالم، فأقبلوا عليه وقالوا: بؤ بالذنب واتق الله، فقال: لا والذي يُحلف به ما سرقها إلا اليهودي، فأنزل الله: ﴿وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً﴾ يقول يمينه الكاذبة، ﴿أَوْ إِثْمًا﴾ سرقته الدرع، ورميه بها اليهودي، ﴿فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا﴾ برميه البريء ﴿وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ يعني: يمينه الكاذبة [[انظر: "زاد المسير" 2/ 195، و"البحر المحيط" 3/ 346، و"تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 96.]]. وعلى هذا التفسير عادت الكناية في (به) إلى الإثم الذي هو رمي البريء لا إلى الخطيئة؛ لأنه رمى البريء بالسرقة لا بإثم اليمين الفاجرة. وأما البهتان: فهو من البَهْت، وهو استقبالك أخاك بأمر تصفه به، وهو منه بريء. والاسم: البهتان [["العين" 4/ 35، و"تهذيب اللغة" 1/ 400 (بهت).]]، قال: أإن رأيتَ هامتي كالطَّستِ ... ظَلِلْتَ ترمين بقولٍ بُهتِ [[مر هذا الرجز في بداية السورة.]] وذكرنا ما في هذا الحرف عند قوله: ﴿أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا﴾ [النساء: 20]. قال أبو علي الفارسي: "الخطيئة: تقع على الصغيرة والكبيرة، فالصغيرة: قوله: ﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي﴾ [الشعراء: 82]، والكبيرة: قوله: ﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ﴾ [البقرة: 81] " [["الحجة" 2/ 116.]]. فإن قلت: فكيف تقدير قوله: (خطيئةً أو إثمًا)، والخطيئة قد وقعت على الصغيرة والكبيرة، والإثم كذلك، فكأنه بمنزلة: ومن يكسب صغيرًا أو صغيرًا، أو: من يكسب كبيرًا، أو كبيرًا؟ قيل: الإثم قد وقع في التنزيل على ما يقتطعه الإنسان من مال لا يجوز له أن يقتطع من ماله [[قد يكون في الكلام سقط، وتمامه: "ما يقتطعه الإنسان من مال أحد لا يجوز له أن يقتطع من ماله".]]، كقوله: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا﴾ [المائدة: 107] أي اقتطعوا بشهادتهما إثما، وإنما وقع اسم الإثم على ما يقتطعه الإنسان من غيره لوجهين: إما أن يكون أريد وذا إثم، أي ما اقتطعه مما أثم فيه من مال صاحبه أثم فيه، أو يكون سمي المقتطع إثمًا لما كان يؤدي آخذه إلى الإثم، كما سمي مظلمة لأنه يؤدي إلى الظلم. فوقع الإثم في هذه الآية على المسروق، كما وقع عليه في قوله: ﴿اسْتَحَقَّا إِثْمًا﴾ [المائدة: 107]، فإذا كان كذلك جاز أن يكون التقدير: ومن يكسب ذنبًا فيما بينه وبين الله سبحانه، أو ذنبًا هو من مظالم العباد. فهما جنسان، فجاز دخول (أو) في الكلام. وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ يَرْمِ بِهِ﴾: فلان، المعنى: ثم يرم بأحد هذين، أو يكون عاد الذكر إلى الإثم وحده، كما عاد إلى التجارة في قوله: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا﴾ [الجمعة: 11]. وهذا الذي ذكره أبو علي موافق لما ذكرنا من تفسير الآية. وقال ابن الأنباري: يجوز أن يعود الذكر إلى الكسب، أي: يرم بكسبه بريئًا. فدل يكسب على الكسب فكنىَّ عنه. قال: ويجوز أن تكون الهاء راجعة إلى معنى الخطيئة والإثم، فكأنه قال: ومن يكسب ذنبًا ثم يرم به بريئًا [[لم أقف على قول ابن الأنباري.]]. وذكرنا معنى الخطيئة في قوله: ﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ﴾ [البقرة: 81].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب