الباحث القرآني

ثم قال: ﴿وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ الخطيئة والإثم من الكلمات التي إذا اجتمعت افترقت، وإذا افترقت اجتمعت، فالخطيئة، والإثم، والسوء، وما أشبه ذلك معناها واحد إذا انفردت كل كلمة عن الأخرى، أما إذا اقترنت إحداهما مع الأخرى فلا بد أن نحمل كل واحدة على معنى؛ لئلا يلزم التكرار بلا فائدة، والأصل في العطف أنه يقتضي المغايرة. فما هي الخطيئة؟ وما هو الإثم؟ قال بعض العلماء: الخطيئة: ما ارتكبه الإنسان عن غير قصد، والإثم: ما ارتكبه عن قصد. وفي هذا نظر؛ وذلك لأن الخطيئة المرتكَبة عن غير قصد قد رفع الله عنها الحرج والإثم، فلا تكون خطيئة، وأجيب عن ذلك بأنه لا مانع أن يكسب خطيئة، ويكون هناك مانع من العقوبة عليها، وإلا فالأصل أن مَن فعل الخطيئة عُوقب عليها، لكن هناك مانع وهو عفو الله عز وجل، وقيل: الخطيئة ما تعدّى إلى الغير، والإثم ما كان خاصًّا بالإنسان، وقيل: بالعكس، كل هذه الأقوال دفعًا لوجود التكرار في الآية. وقوله: ﴿ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا﴾ الفعل لا يمكن أن يدخله الكسر، فلماذا كان هذا الفعل مكسورًا؟ * طالب: (...) على فعل الشرط (...). * الشيخ: وهذا؟ * الطالب: محذوف حرف العلّة. * الشيخ: وهذا مجزوم بأيش؟ * الطالب: بحرف العلّة الياء. * الشيخ: بحذف حرف العلّة؛ وهي الياء. ﴿ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا﴾ أي: بريئًا من هذا الإثم، وذلك كرمي هؤلاء الفئة لليهودي بأنه هو السارق. ﴿فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا﴾ أي: كذبًا. ﴿وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ أي: عقوبة بيّنة، فكلمة (مبين) بمعنى بيّنة؛ لأن المبين يأتي بمعنى البيّن، ويأتي بمعنى المبيِّن للشيء؛ إذ إن (أبان) و(بان) يستعمل لازمًا كما يستعمل (أبان) متعديًا، فتقول مثلًا: أبان لي الحجة، وهذا متعدٍّ، ويقال: أبان الفجرُ، أي: ظهر، وهذا لازم، وعليه فكلمة (مبين) بمعنى (بيّن). قوله: ﴿احْتَمَلَ بُهْتَانًا﴾؛ لأنه كذب على الغير. ﴿وَإِثْمًا مُبِينًا﴾؛ لأنه جمع بين الخطيئة أو الإثم وبين رمي غيره بها، فجمع بين سيئتين، ولهذا كان إثمًا مبينًا. * في الآية الكريمة: تحريم رمي الغير بما فعل الإنسان من خطيئة، وجه ذلك قوله: ﴿فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾، فإن رَمَى الغير بخطيئة أو إثم لم تُنْسَب إليه من قبل، فهل يكون داخلًا في ذلك؟ يعني أن رجلًا اتهم شخصًا بعمل خطيئة أو إثم وقال: إنه عمل الخطيئة أو الإثم، هل نقول: إنه احتمل بهتانًا وإثمًا مبينًا؟ نعم، نقول ذلك، لكن الآية إنما خصّت ذلك فيمن فعل الشيء، ثم رمى به غيره؛ لأنها تحكي القضية الواقعة، وحكاية القضية الواقعة لا يكون لها مفهوم ما دام المعنى ثابتًا في هذا ونظيره، ولا شك أن من رمى غيره بفعل خطيئة وهو كاذب أنه محتمل للإثم والبهتان. * ومن فوائد هذه الآية: أن السيئات تتضاعف بتعدّد أوصافها؛ لقوله: ﴿بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾، وهذا هو الواقع وهو العدل، أرأيت من قذف قريبًا له، ومن قذف أجنبيًّا منه، كلاهما قذْف، لكن انضم إلى قذْف القريب أيش؟ قطيعة الرحم، فتكون هذه السيئة متضاعفة، فلا جرم أن يتضاعف إثمها؛ لأن الأحكام مرتّبة على أوصافها، وكذلك أيضًا من تصدّق على بعيد وتصدّق على قريب، ففعله كله صدقة، لكن صدقته على البعيد صدقة فقط، وعلى القريب صدقة وصلة؛ فالأعمال السيئة تتضاعف بتضاعف الأوصاف، وكذلك الأعمال الصالحة تتضاعف بتضاعف الأوصاف. * ومن فوائد هذه الآية: التحذير من رمي الغير بالخطايا والآثام؛ لقوله: ﴿فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب