الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿ومَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أوْ إثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتانًا وإثْمًا مُبِينًا ﴾ [النساء: ١١٢].
جاءَتْ هذه الآيةُ تبَعًا لسابقِ الآياتِ فيمَن سرَقَ مَتاعًا، ثُمَّ تَبرَّأَ منه، وألقى تُهَمَتَهُ على غيرِه، نصَّ عليهِ ابنُ عبّاسٍ وقتادةُ بنُ النُّعْمانِ وابنُ سِيرِينَ وغيرُهم، وحكى ابنُ جَريرٍ الإجماعَ على أنّ مَن اتَّهَمَ البريءَ هو ابنُ أُبَيْرِقٍ[[«تفسير الطبري» (٧/٤٧٨).]]، ولكنَّ العُلماءَ فيما يخصُّ البريءَ ودِينَهُ على خِلافٍ، والأشهَرُ أنّه يهوديٌّ على ما تقدَّمَ.
إقرارُ الإنسانِ على نفسِهِ دفعًا للضررِ عن غيرِهِ:
وفي هذه الآيةِ: وجوبُ أنْ يُقِرَّ الإنسانُ على نفسِهِ إنْ عَلِمَ أنّ التُّهَمةَ وقعَتْ أو ستقَعُ على غيرِه، فيُؤخَذُ بجَرِيرَتِهِ بريءٌ، وهذا في كلِّ حقٍّ، سواءٌ أكانَ للهِ أم لغيرِ اللهِ.
وأمّا إقرارُ الإنسانِ على نفسِهِ فيما لا يُؤخَذُ به غيرُهُ، ولا حقَّ لآدميٍّ فيه، ولو كان فيه حقٌّ لآدميٍّ وهو قادرٌ على إعادتِهِ بلا إقرارِه بذنبِهِ، سترًا لنفسِهِ، وهو عازمٌ على التوبةِ، ونادمٌ على جُرْمِه ـ: فالصَّحيحُ: أنّه يستُرُ نفسَهُ، ويتوبُ بينَهُ وبينَ ربِّه.
وأقوى الإقرارِ: إقرارُ الرجُلِ على نفسِهِ، وظاهرُ الإطلاقِ في الآيةِ: أنّ الإقرارَ يكفي مِن الرَّجُلِ على نفسِهِ مرَّةً واحدةً في قولِ جمهورِ العلماءِ، وهو قولُ أبي حنيفةَ والشافعيِّ ومالكٍ في قولٍ له، وعندَ قيامِ الشُّبْهةِ في قولِهِ أو ظنِّ إكراهِهِ وخوفِه عندَ عدمِ إقرارِهِ، فيُعادُ عليه حتّى يَستَبِينَ منه، ولا حَدَّ لأعلى الاستبانةِ، لكنْ حتّى يَغلِبَ على الظنِّ ظهورُ الإقرارِ باختيارٍ، فقد تكفي مرَّةٌ، وقد لا تكفي ثلاثٌ، ولا يثبُتُ تقييدُ عددِ الإقرارِ عنِ النبيِّ ﷺ، وقد روى أحمدُ وأصحابُ «السُّنَنِ»، مِن حديثِ أبي أُميَّةَ المَخْزُومِيِّ، أنّ النبيَّ ﷺ أُتي بلِصٍّ قدِ اعترَفَ ولم يُوجَدْ معه متاعٌ، فقال له النبيُّ ﷺ: (ما إخالُكَ سَرَقْتَ) [[أخرجه أحمد (٢٢٥٠٨) (٥/٢٩٣)، وأبو داود (٤٣٨٠) (٤/١٣٤)، والنسائي (٤٨٧٧) (٨/٦٧)، وابن ماجه (٢٥٩٧) (٢/٨٦٦).]]، وفي سندِه مجهولٌ، وهو أبو المُنذِرِ مَوْلى أبي ذَرٍّ، يَرْوِيهِ عن أبي أميَّةَ، به، وفي مَتْنِهِ اضطرابٌ، فتارةً يَقولُ: (ما إخالُكَ سَرَقْتَ) مرَّتَيْنِ، وتارةً يَقولُ: «مرَّتَيْنِ أو ثلاثًا»، وقد جاء مِن حديثِ أبي هريرةَ بنحوِه[[أخرجه البزار في «مسنده» (٨٢٥٩) (١٥/٤٦)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٣/١٦٨)، والحاكم في «المستدرك» (٤/٣٨١)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٨/٢٧٥).]]، والصوابُ: إرسالُهُ مِن حديثِ محمدِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ ثَوْبانَ مُرْسَلًا.
أخرَجَهُ أبو داودَ[[أخرجه أبو داود في «المراسيل» (٢٤٤) (ص ٢٠٤).]]، وصوَّبَ المُرْسَلَ ابنُ المَدينيِّ وابنُ خُزَيْمةَ وغيرُهما.
ولو صحَّ الحديثُ، لكان في الاستبانةِ عندَ قيامِ شُبْهةِ عدَمِ السَّرِقةِ، لعدَمِ وجودِ المتاعِ معه.
ولو كان الإقرارُ لا يصحُّ إلاَّ بعددٍ يتوقَّفُ في ثبوتِهِ عليه، لصَحَّ النقلُ به بأقوى إسنادٍ، كما في عددِ شهادةِ المتلاعِنَيْنِ على نفسَيْهِما، وعددِ الطلاقِ والحيضِ وغيرِ ذلك، فإنّ في ذلك حِفْظًا للدِّماءِ والأعراضِ والأموالِ، أو تضييعًا لها، ولكنْ لمّا كان المقصودُ الإقرارَ بعَيْنِه، وجَبَ على القاضي تحقيقُهُ مِن أيِّ شُبْهةٍ تُضعِفُه، ودفعُ الشُّبُهاتِ لا يتحقَّقُ بعددٍ معيَّنٍ، واللهُ أمَرَ بالعدلِ مع النفسِ، وذلك بالإقرارِ عليها بما يتحقَّقُ به العدلُ بلا عددٍ، كما في قولِهِ تعالى: ﴿كُونُوا قَوّامِينَ بِالقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ ولَوْ عَلى أنْفُسِكُمْ﴾ [النساء: ١٣٥].
وكلَّما قَوِيَتِ القرينةُ على عدَمِ صحةِ الإقرارِ، زِيدَ في تكرارِ الإقرارِ واستيضاحِهِ، كما قال النبيُّ ﷺ لِمَن أقرَّ على نفسِهِ: (أبِكَ جُنُونٌ؟) [[أخرجه البخاري (٦٨١٥) (٨/١٦٥)، ومسلم (١٦٩١) (٣/١٣١٨).]]، فهو أرادَ نَفْيَ شُبْهةِ الجنونِ وغيابِ العقلِ، ولذا أعادَ النبيُّ ﷺ طلَبَ الإقرارِ بأعدادٍ متبايِنةٍ، فتارةً مرَّةً، وتارةً مرَّتَيْنِ، وتارةً أربعًا، ممّا يدلُّ على عدمِ قصدِ العددِ بعينِه، وإنّما جِلاءُ الإقرارِ وتحقُّقُهُ وصِحَّتُه.
والإمامُ أحمدُ وإسحاقُ يَرَيانِ الإقرارَ أربعًا لإقامةِ الحدِّ، لظاهرِ رَجمِ ماعزٍ في «الصحيحَيْنِ»، حيثُ شَهِدَ على نفسِهِ أربعَ شهاداتٍ، وحديثِ جابرٍ في قصَّةِ رجمِ ماعزٍ، فإنّما هو شَهِدَ على نفسِه مِن تِلقائِها، ولم يَطلُبْ مِنه أربعًا، ثمَّ بعدَ الرّابعةِ قال له النبيُّ ﷺ: (أبِكَ جُنُونٌ؟)، فكانَتْ خمسًا، وظاهرُهُ عدمُ قصدِ الأربع، وإنّما دفعُ الشبهةِ، والتشوُّفُ للسَّتْرِ.
ويكونُ الإقرارُ عندَ مَن له ولايةُ الحَدِّ، وهو الحاكمُ القاضي الذي يَفصِلُ ويأمُرُ بتنفيذِ ما فصَلَ به، لا عند غيرِه، عند جمهورِ العلماءِ.
{"ayah":"وَمَن یَكۡسِبۡ خَطِیۤـَٔةً أَوۡ إِثۡمࣰا ثُمَّ یَرۡمِ بِهِۦ بَرِیۤـࣰٔا فَقَدِ ٱحۡتَمَلَ بُهۡتَـٰنࣰا وَإِثۡمࣰا مُّبِینࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق