قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ [[قال الأخفش: مَنْ، هاهنا ليست باستفهام على قوله: ﴿خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ إنما هي بمنزلة: الذي. "معاني القرآن" 2/ 650.]] تقدير الكلام: أما تشركون خير أم من خلق السموات والأرض، فحذف ذكر الأول لقرب ذكره في قوله: ﴿أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ وهذا معنى قول أبي حاتم [["تفسير الثعلبي" 8/ 133 ب. ونحوه في "القطع والائتناف" 2/ 503.]].
وقوله: (حَدَائِقَ) قال الليث: الحديقة: أرض ذات شجر مثمر، والحديقة من الرياض: كل روضة قد أحدق بها حاجزٌ، أو أرضٌ مرتفعة، وأنشد لطرفة:
تَرَبعت القُفَّين في الشَّول ترتعي ... حدائق مَولِيِّ الأسرةِ أَغْيدِ [[البيت من معلقة طرفة، ومعنى: تربعت: أقامت زمن الربيع، القُفَّين: مثنى القف؛ وهو حجارة مترادف بعضها إلى بعض، لا يخالطها من اللين والسهولة شيء. والمراد هنا: موضع في نجد إذا أخصب ربعت العرب فيه لسعته واتساعه. والشول عند الناقة: فترة تمتد من انتهاء إرضاعها إلى حملها التالي، وهو فترة تنشط فيها الناقة، المولي: المكان الذي يصيبه الولي؛ وهو المطر الثاني، الأسرة: جمع السر؛ وهو من الوادي أفضل مكان فيه. أغيد: النبات الأغيد؛ هو الناعم المتثني، ويكون كذلك لنضرته ووفرة الماء في منبته. أراد طرفة بهذا البيت أن يعلل قوة هذه الناقة بحسن تغذيتها. شرح ديوان طرفة 93.]]
وكل شيء استدار بشيء فقد أحدق به [["العين" 3/ 41 (حدق)، ونقله عنه الأزهري، "تهذيب اللغة" 4/ 34. وليس فيهما إنشاد هذا البيت.]].
وقال أبو عبيدة: الحديقة والجنة في الدنيا مثل الحائط [[لم أجده في كتاب المجاز، وإنما فيه: أي: جنانًا من جنان الدنيا، واحدتها: حديقة. "مجار القرآن" 2/ 95.]].
قال الفراء: إنما يقال حديقة لكل بستان عليه حائط، وما لم يكن عليه حائط لا يقال له: حديقة [["معاني القرآن" للفراء 2/ 297. وذكره ابن جرير 20/ 3، ولم ينسبه. وقال الزجاج 4/ 128: الحديقة: البستان، وكذلك الحائط، وقيل: القطعة من النخل.]].
وقال ابن قتيبة: إنما يقال حديقة؛ لأنها يُحدَق عليها، أي: يُحْظَر [["غريب القرآن" 326، بلفظ: يحظر عليها حائط. وفي الحاشية: أي: يقام عليها حظيرة من قصب وخشب.]].
قال ابن عباس: يريد الأجنة والشجر [[ذكره الزجاج 4/ 128، ولم ينسبه.]].
وقال مقاتل: يعني حيطان النخل والشجر [[هكذا في نسخة (ج): حيطان، وكذا عند مقاتل 61 أ، وفي نسخة (أ)، (ب): حظار النخل والشجر. وقال عكرمة: الحدائق: النخل. "إعراب القرآن" للنحاس 3/ 217.]].
وقال الكلبي: الحدائق من البساتين: ما أحيط عليه حائط [[ذكره الهواري 3/ 260، عنه بلفظ قريب من قول مقاتل، حيث قال: الحديقة: الحائط من الشجر والنخل. وفي "تنوير المقباس" 320: بساتين؛ ما أحيط عليها من النخل والشجر.]].
قوله: ﴿ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ قال الكلبي: ذات منظر حسن [["تنوير المقباس" 320. وذكره ابن جرير 20/ 3، ولم ينسبه.]].
وقال ابن عباس ومقاتل: ذات حُسن [["تفسير مقاتل" 161. وأخرجه ابن أبي حاتم 9/ 2907، عن الضحاك. وهو قول ابن قتيبة، "غريب القرآن" 326. والزجاج 4/ 128.]].
وقال قتادة: النخل الحسان [[أخرجه عبد الرزاق 2/ 85. وعه ابن أبي حاتم 9/ 2907.]].
والبهجة: الحُسْن يبتهج به مَنْ رآه، أي: يُسر.
قوله: ﴿مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا﴾ أي: ما ينبغي لكم ذلك؛ لأنكم لا تقدرون عليها [[قال الثعلبي8/ 133 ب: (ما): هي ما النفي، بمعنى: ما قدر عليه.]].
ثم قال مستفهمًا منكرًا عليهم: ﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾ أي: هل معه معبود سواه أعانه على صنعه [["تفسير مقاتل" 61 أ، و"تفسير الثعلبي" 8/ 133 ب، ولم ينسبه.]] ﴿بَلْ﴾ أي: ليس معه إله ﴿هُمْ قَوْمٌ﴾ يعني: كفار مكة ﴿يَعْدِلُونَ﴾ يشركون به غيره. هذا معنى قول المفسرين [["تفسير مقاتل" 61 أ، و"تفسير الهواري" 3/ 260. و"تفسير ابن جرير" 20/ 3. و"تفسير الثعلبي" 8/ 133 ب. وأخرجه ابن أبي حاتم 9/ 2908، عن مجاهد.]]. وقال أبو إسحاق: يعدلون عن القصد والحق، أي: يكفرون [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 128.]].
{"ayah":"أَمَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ حَدَاۤىِٕقَ ذَاتَ بَهۡجَةࣲ مَّا كَانَ لَكُمۡ أَن تُنۢبِتُوا۟ شَجَرَهَاۤۗ أَءِلَـٰهࣱ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمࣱ یَعۡدِلُونَ"}