الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿قُلِ الحمد لِلَّهِ﴾ الآية، العامة على كسر لام قل، لالتقاء الساكنين، وأبو السمال بفتحها تخفيفاً، وكذا في قوله: ﴿وَقُلِ الحمد للَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾ [النمل: 93] ، «وَسَلاَمٌ» : مبتدأ، سوَّغ الابتداء به كونه دعاء.
فصل
المعنى: «الحمد لله» على هلاكهم، وهذا خطاب لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمر أن يحمد الله على هلاك كفار الأمم الخالية، و ﴿وَسَلاَمٌ على عِبَادِهِ الذين اصطفى﴾ بأن أرسلهم ونجّاهم. وقيل: هذا كلام مبتدأ، فإنه تعالى لما ذكر أحوال الأنبياء - عليهم السلام - وكان محمد - عليه السلام - كالمخالف لمن قبله - في العذاب؛ لأن عذاب الاستئصال مرتفع عن قومه - أمره الله تعالى بأن يشكر ربّه على ما خصّه به من هذه النعم، وبأن يسلم على الأنبياء الذين صبروا على مشاق الرسالة.
قوله: ﴿وَسَلاَمٌ على عِبَادِهِ الذين اصطفى﴾ قال مقاتل: هم الأنبياء والمرسلون بدليل قوله تعالى: ﴿وَسَلاَمٌ على المرسلين﴾ [الصافات: 181] . وقال ابن عباس - في رواية أبي مالك - هم أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقال الكلبي: هم أمة محمد وقيل: هم كل المؤمنين من السابقين واللاحقين.
قوله: «أَمّا» أمْ هذه متصلة عاطفة، لاستكمال شروطها، والتقدير: أَيُّهُمَا خَيْرٌ، و «خَيْرٌ» إمَّا تفضيل - على زعم الكفار - وإلزام الخصم، أو صفةٌ لا تفضيل فيها. و «مَا» في «أَمْ مَا» بمعنى الذين، وقيل: مصدرية، وذلك على حذف مضاف من الأول، أي أتوحيد الله خير أم شرككم؟ وقرأ أبو عمرو وعاصم: «أَمَّا يُشْرِكُونَ» بالغيبة حملاً على ما قبله من قوله: «وَأَمْطَرنَا عَلَيْهِمْ» ، وما بعده من قوله: «بَلْ أَكْثَرَهُمْ» ، والباقون على الخطاب، وهو التفات للكفار، بعد خطاب نبيه - عليه السلام - وهذا تبكيت للمشركين بحالهم، لأنهم آثروا عبادة الأصنام على عبادة الله تعالى، ولا يؤثر عاقل شيئاًعلى شيء إلا لزيادة خير ومنفعة، فقيل لهم هذا الكلام تنبياً لهم على نهاية ضلالهم وجهلهم، وروي أنّ رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كان إذا قرأها قال: «بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم» .
قوله: «أَمَّن خَلَقَ» «أَمْ» هذه منقطعة، لعدم تقدّم همزة الاستفهام ولا تسوية، و «مَنْ خَلَقَ» مبتدأ وخبره محذوف، فقدَّره الزمخشري: خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ، فقدر ما أثبت في الاستفهام الأوّل، وهو حَسَنٌ، وقَدَّرَهُ ابن عطية: يُكفَر بنعمته ويُشْرك به، ونحو هذا من المعنى. وقال أبو الفضل الرازي: لا بُدَّ من إضمار جملة معادلة، وصار ذلك المضمر كالمنطوق لدلالة الفحوى عليه، وتقدير تلك الجملة: أم مَّنْ خَلَقَ السَّمَواتِ والأَرْض كَمَنْ لَمْ يَخْلُقُ؟ وكذلك أخواتها، وقد أُظْهِرَ في غير هذا المواضع ما أُضْمِر فيها، كقوله:
﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ﴾ [النحل: 17] . وقال أبو حيان: وتسمية هذا المقدر جملة إن أراد أنّها جملة من جهة الألفاظ فصحيح، وإن أراد الجملة المصطلح عليها في النحو، فليس بصحيح، بل هو مضمر من قبيل المفرد. وقرأ الأعمش: «أَمَنْ» بتخفيف الميم جعلها (مَنْ) الموصولة داخلة عليها همزة الاستفهام، وفيها وجهان: أحدهما: أن يكون مبتدأ والخبر محذوف وتقديره ما تقدم من الأوجه، قاله أبو حيان.
والثاني: أنها بدل من «الله» ، كأنه قيل: أمن خلق السموات والأرض خَيْر أمَّا يشركون، ولم يذكر الزمخشري غيره. ويكون قد فصل بين البَدَل والمُبْدَل منه بالخبر وبالمعطوف على المبدل منه، وهو نظير قولك: أَزيدٌ خَيْرٌ أَمْ عَمْرٌوا أأخوك، على أن يكون أأخوك بدلاً من: أزيد، وفي جواز مثل هذا نظر.
قوله: «فَأَنْبَتْنَا» هذا التفات من الغيبة إلى المتكلم، لتأكيد معنى اختصاص الفعل بذاته، والإيذان بأنَّ إنْبات الحدائق المختلفة الألوان والطُّعوم - مع سقيها بماءٍ واحدٍ - لا يقدر عليه إلاّ هو وحده، ولذلك رشحه بقوله: ﴿مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا﴾ . فإن الإنسان ربما يقول: أنا الذي ألقي البذر في الأرض وأسقيها الماء وأسعى في تشميسها، وفاعل السبب فاعل المسبب، فإذن أنا المنبت للشجرة، فلمّا كان هذا الاحتمال قائماً، لا جرم أزال الله تعالى هذا الاحتمال، فرجع من لفظ الغيبة إلى لفظ المتكلم، والحدائق: جمع حديقةٍ وهي البستان، وقيل القطعة من الأرض ذات الماء. قال الراغب: سُمِّيَتْ بذلك تشبيهاً بحَدقةِ العين في الهيئة وحصول الماء فيه. وقال غيره: سُمِّيت بذلك لإحداق الجدارن بها.
وليس بشيء، لأنها يطلق عليها ذلك م عدم الجدران ووقف القراء على «ذَات» من «ذَاتِ بَهْجَة» بتاء مجهورة، والكسائي بها، لأنها تاء تأنيث. وقيل: « ذات» ، لأنه بمعنى جماعة حدائق ذات بهجة كما تقول: النساء ذهبت، و «البهجة» : الحسن، لأن حسّ الناظر يبتهج به. وقرأ ابن أبي عبلة: «ذَوَاتِ بَهَجَةٍ» بالجمع، وفتح هاء «بَهَجَةٍ» . قوله: ﴿مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ﴾ ، «أَنْ تُنْبِتُوا» اسم كان و «لَكُمْ» خبر مقدم، والجملة المنفية يجوز أن تكون صفة ل «حدائق» ، وأن تكون حالاً، لتخصصها بالصفة.
قوله: ﴿أإله مَّعَ الله﴾ استفهام بمعنى الإنكار، هل معبود سواه أعانه على صنعه، بل ليس معه إله، وقرىء: أإلهاً مَعَ اللَّهِ، أي: تدعون أو تشركون، ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾ : يعني كفار مكة، يَعْدِلُون: يشركون، أي: يعدلون بالله سواه، وقيل يعدلون عن هذا الحق الظاهر، ونظير هذه الآية أول سورة الأنعام.
{"ayahs_start":59,"ayahs":["قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِینَ ٱصۡطَفَىٰۤۗ ءَاۤللَّهُ خَیۡرٌ أَمَّا یُشۡرِكُونَ","أَمَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ حَدَاۤىِٕقَ ذَاتَ بَهۡجَةࣲ مَّا كَانَ لَكُمۡ أَن تُنۢبِتُوا۟ شَجَرَهَاۤۗ أَءِلَـٰهࣱ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمࣱ یَعۡدِلُونَ"],"ayah":"أَمَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ حَدَاۤىِٕقَ ذَاتَ بَهۡجَةࣲ مَّا كَانَ لَكُمۡ أَن تُنۢبِتُوا۟ شَجَرَهَاۤۗ أَءِلَـٰهࣱ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمࣱ یَعۡدِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











