الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٦٠ - ٦٣] ﴿أمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وأنْـزَلَ لَكم مِنَ السَّماءِ ماءً فَأنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكم أنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أإلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هم قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾ (p-٤٦٧٨)﴿أمَّنْ جَعَلَ الأرْضَ قَرارًا وجَعَلَ خِلالَها أنْهارًا وجَعَلَ لَها رَواسِيَ وجَعَلَ بَيْنَ البَحْرَيْنِ حاجِزًا أإلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أكْثَرُهم لا يَعْلَمُونَ﴾ [النمل: ٦١] ﴿أمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إذا دَعاهُ ويَكْشِفُ السُّوءَ ويَجْعَلُكم خُلَفاءَ الأرْضِ أإلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا ما تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل: ٦٢] ﴿أمَّنْ يَهْدِيكم في ظُلُماتِ البَرِّ والبَحْرِ ومَن يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أإلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالى اللَّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ [النمل: ٦٣]
﴿أمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ﴾ إضْرابٌ وانْتِقالٌ، مِنَ التَّبْكِيتِ تَعْرِيضًا، إلى التَّصْرِيحِ بِهِ خِطابًا عَلى وجْهٍ أظْهَرَ مِنهُ لِمَزِيدِ التَّأْكِيدِ. أيْ: بَلْ مَن خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ، وأوْدَعَ فِيهِما مِنَ المَنافِعِ ما لا يُحْصى: ﴿وأنْـزَلَ لَكم مِنَ السَّماءِ ماءً فَأنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ﴾ أيْ: بَساتِينَ ذاتَ حُسْنٍ ورَوْنَقٍ يُبْهِجُ النُّظّارَ: ﴿ما كانَ لَكم أنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أإلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾ أيْ: أإلَهٌ آخَرُ كائِنٌ مَعَ اللَّهِ، الَّذِي ذَكَرَ بَعْضَ أفْعالِهِ، الَّتِي لا يَكادُ يَقْدِرُ عَلَيْها غَيْرُهُ، حَتّى يَتَوَهَّمَ جَعْلَهُ شَرِيكًا لَهُ تَعالى في العِبادَةِ؟ وهَذا تَبْكِيتٌ لَهم بِنَفْيِ الأُلُوهِيَّةِ عَمّا يُشْرِكُونَ بِهِ تَعالى، في ضِمْنِ النَّفْيِ الكُلِّيِّ عَلى الطَّرِيقَةِ البُرْهانِيَّةِ، بَعْدَ تَبْكِيتِهِمْ بِنَفْيِ الخَيْرِيَّةِ عَنْهُ بِما ذَكَرَ مِنَ التَّرْدِيدِ. قالَ أبُو السُّعُودِ: ﴿بَلْ هم قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾ أيْ: عَنْ طَرِيقِ الحَقِّ. أوْ بِهِ تَعالى غَيْرَهُ ﴿أمَّنْ جَعَلَ الأرْضَ قَرارًا﴾ [النمل: ٦١] أيْ: قارَّةً لا تَنْكَفِئُ بِمَن عَلَيْها. أوْ مُسْتَقَرًّا لِمَن عَلَيْها، يَتَمَتَّعُونَ بِمَنافِعِها: ﴿وجَعَلَ خِلالَها أنْهارًا وجَعَلَ لَها رَواسِيَ وجَعَلَ بَيْنَ البَحْرَيْنِ حاجِزًا﴾ [النمل: ٦١] أيْ: بَرْزَخًا مانِعًا مِنَ المُمازَجَةِ: ﴿أإلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾ [النمل: ٦١] أيْ: في الوُجُودِ، أوْ في إبْداعِ هَذِهِ البَدائِعِ: ﴿بَلْ أكْثَرُهم لا يَعْلَمُونَ﴾ [النمل: ٦١] أيْ: شَيْئًا مِنَ الأشْياءِ. ولِذَلِكَ لا يَفْهَمُونَ بُطْلانَ ما هم عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ، مَعَ كَمالِ ظُهُورِهِ: ﴿أمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إذا دَعاهُ﴾ [النمل: ٦٢] وهو الَّذِي أحْوَجَهُ مَرَضٌ أوْ فَقْرٌ أوْ نازِلَةٌ مِن نَوازِلِ الدَّهْرِ، إلى اللَّجَأِ والتَّضَرُّعِ إلى اللَّهِ تَعالى، اسْمُ مَفْعُولٍ مِن (الِاضْطِرارِ) الَّذِي هو افْتِعالٌ مِنَ (p-٤٦٧٩)(الضَّرُورَةِ) وهي الحالَةُ المُحَوِّجَةُ إلى اللَّجَأِ أيْ: الِالتِجاءِ والِاسْتِنادِ.
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: يُنَبِّهُ تَعالى أنَّهُ المَدْعُوُّ عِنْدَ الشَّدائِدِ، المَوْجُودُ عِنْدَ النَّوازِلِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿وإذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ في البَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إلا إيّاهُ﴾ [الإسراء: ٦٧]
وقالَ تَعالى: ﴿ثُمَّ إذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإلَيْهِ تَجْأرُونَ﴾ [النحل: ٥٣] وهَكَذا قالَ هاهُنا: ﴿أمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إذا دَعاهُ﴾ [النمل: ٦٢] أيْ: مَن هو الَّذِي لا يَلْجَأُ المُضْطَرُّ إلّا إلَيْهِ، والَّذِي لا يَكْشِفُ ضُرَّ المَضْرُورِينَ سِواهُ؟
وقالَ ابْنُ القَيِّمِ في (الجَوابِ الكافِي): إذا اجْتَمَعَ مَعَ الدُّعاءِ حُضُورُ القَلْبِ وجَمْعِيَّتُهُ بِكُلِّيَّتِهِ عَلى المَطْلُوبِ، وصادَفَ انْكِسارًا بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ وذُلًّا لَهُ وتَضَرُّعًا ورِقَّةً، ثُمَّ تَوَسَّلَ إلَيْهِ تَعالى بِأسْمائِهِ وصِفاتِهِ وتَوْحِيدِهِ، فَإنَّ هَذا الدُّعاءَ لا يَكادُ يُرَدُّ أبَدًا. ولا سِيَّما إنْ صادَفَ الأدْعِيَةَ المَأْثُورَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّها مَظِنَّةُ الإجابَةِ، أوْ أنَّها مُتَضَمِّنَةٌ لِلِاسْمِ الأعْظَمِ. ثُمَّ ساقَها ابْنُ القَيِّمِ مُسْنَدَةً.
ثُمَّ قالَ: وكَثِيرًا ما نَجِدُ أدْعِيَةً دَعا بِها قَوْمٌ فاسْتُجِيبَ لَهُمْ، فَيَكُونُ قَدِ اقْتَرَنَ بِالدُّعاءِ ضَرُورَةُ صاحِبِهِ وإقْبالُهُ عَلى اللَّهِ. أوْ حَسَنَةٌ تَقَدَّمَتْ مِنهُ، جَعَلَ اللَّهُ سُبْحانَهُ إجابَةَ دَعْوَتِهِ شُكْرًا لِحَسَنَتِهِ. أوْ صادَفَ الدُّعاءُ وقْتَ إجابَةٍ، ونَحْوَ ذَلِكَ، فَأُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ. فَيَظُنُّ الظّانُّ أنَّ السِّرَّ في لَفْظِ ذَلِكَ الدُّعاءِ، فَيَأْخُذُهُ مُجَرَّدًا عَنْ تِلْكَ الأُمُورِ الَّتِي قارَنَتْهُ مِن ذَلِكَ الدّاعِي. وهَذا كَما إذا اسْتَعْمَلَ رَجُلٌ دَواءً نافِعًا، في الوَقْتِ الَّذِي يَنْبَغِي، عَلى الوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي. فانْتَفَعَ بِهِ. فَظَنَّ غَيْرُهُ أنَّ اسْتِعْمالَ هَذا الدَّواءِ بِمُجَرَّدِهِ، كافٍ في حُصُولِ المَطْلُوبِ، كانَ غالِطًا. وهَذا مَوْضِعٌ يَغْلَطُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ. ومِن هَذا قَدْ يَتَّفِقُ دُعاؤُهُ بِاضْطِرارٍ عِنْدَ قَبْرٍ فَيُجابُ. فَيَظُنُّ الجاهِلُ أنَّ السِّرَّ لِلْقَبْرِ ولَمْ يَعْلَمْ أنَّ السِّرَّ لِلِاضْطِرارِ وصِدْقِ اللَّجَأِ إلى اللَّهِ. فَإذا حَصَلَ ذَلِكَ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللَّهِ، كانَ أفْضَلَ وأحَبَّ إلى اللَّهِ. انْتَهى.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَكْشِفُ السُّوءَ﴾ [النمل: ٦٢] أيْ: كُلَّ ما هو يَسُوءُ مِمّا يُضْطَرُّ فِيهِ وغَيْرِهِ: ﴿ويَجْعَلُكم خُلَفاءَ الأرْضِ﴾ [النمل: ٦٢] أيْ: خُلَفاءَ فِيها. وذَلِكَ تَوارُثُهم سُكّانَها، والتَّصَرُّفُ فِيها قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ (p-٤٦٨٠)أوْ أرادَ بِالخِلافَةِ المُلْكَ والتَّسَلُّطَ. قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ ﴿أإلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا ما تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل: ٦٢] ﴿أمَّنْ يَهْدِيكم في ظُلُماتِ البَرِّ والبَحْرِ﴾ [النمل: ٦٣] أيْ: بِالنُّجُومِ في السَّماءِ، والعَلاماتِ في الأرْضِ، إذا جَنَّ اللَّيْلُ عَلَيْكم مُسافِرِينَ في البَرِّ والبَحْرِ: ﴿ومَن يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ [النمل: ٦٣] وهي المَطَرُ: ﴿أإلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالى اللَّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ [النمل: ٦٣]
{"ayahs_start":60,"ayahs":["أَمَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ حَدَاۤىِٕقَ ذَاتَ بَهۡجَةࣲ مَّا كَانَ لَكُمۡ أَن تُنۢبِتُوا۟ شَجَرَهَاۤۗ أَءِلَـٰهࣱ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمࣱ یَعۡدِلُونَ","أَمَّن جَعَلَ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارࣰا وَجَعَلَ خِلَـٰلَهَاۤ أَنۡهَـٰرࣰا وَجَعَلَ لَهَا رَوَ ٰسِیَ وَجَعَلَ بَیۡنَ ٱلۡبَحۡرَیۡنِ حَاجِزًاۗ أَءِلَـٰهࣱ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ","أَمَّن یُجِیبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَیَكۡشِفُ ٱلسُّوۤءَ وَیَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَاۤءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَـٰهࣱ مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِیلࣰا مَّا تَذَكَّرُونَ","أَمَّن یَهۡدِیكُمۡ فِی ظُلُمَـٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَمَن یُرۡسِلُ ٱلرِّیَـٰحَ بُشۡرَۢا بَیۡنَ یَدَیۡ رَحۡمَتِهِۦۤۗ أَءِلَـٰهࣱ مَّعَ ٱللَّهِۚ تَعَـٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا یُشۡرِكُونَ"],"ayah":"أَمَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ حَدَاۤىِٕقَ ذَاتَ بَهۡجَةࣲ مَّا كَانَ لَكُمۡ أَن تُنۢبِتُوا۟ شَجَرَهَاۤۗ أَءِلَـٰهࣱ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمࣱ یَعۡدِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











