الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا﴾ أكثر هذه الآية قد ذُكرت في سورة: سبحان، وفسرناها هناك [[عند قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا﴾ [الفرقان: 50].]]. وفسرت هذه الآية هنا تفسيرًا آخر؛ أي: صرفنا الماء المنزل من السماء سقيًا لهم، وغيثًا، وهو: المطر، مرة لهذه البلدة، ومرة لبلدة أخرى [["تفسير مقاتل" ص 64 أ. و"غريب القرآن" لابن قتيبة ص 314. و"تفسير الهوّاري" 3/ 213. واستبعد هذا القول ابن جزي ص 486.]]. روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ما عام بأكثر مطرًا من عام، ولكن الله يصرفه في الأرض، ثم قرأ: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ﴾ [[أخرجه ابن جرير 19/ 22. من طريقين، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. وأخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2706، من طريق واحد عنه. وأخرجه الحاكم 2/ 438، وقال: على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. قال ابن عاشور 19/ 51: فحصل من هذا أن المقدار الذي تفضل الله به من المطر على هذه الأرض لا تختلف كميته، وإنما يختلف توزيعه. وهذه حقيقة قررها علماء حوادث الجو في القرن الحاضر، فهو من معجزات القرآن العلمية.]]. وهذا كما روى ابن مسعود أن النبي -ﷺ- قال: "ما من سنة بأمطر من أخرى، ولكن إذا عمل قوم بالمعاصي حوَّل الله ذلك إلى غيرهم فإذا عصوا جميعًا صرف الله ذلك إلى الفيافي والبحار" [[أخرجه ابن جرير 19/ 22، مختصرًا، موقوفًا على ابن مسعود -رضي الله عنه- وليس مرفوعًا، وقد ذكره السمرقندي 2/ 463، مرفوعًا، بنصه، دون إسناد. وأخرجه الثعلبي 100 أ، بإسناده من طريق إسحاق بن بشر، نا ابن إسحاق، وابن جريج، ومقاتل، كلهم قالوا وبلغوا به ابن مسعود. وهذا إسناد منقطع؛ لأن هؤلاء الثلاثة لم يلقوا ابن مسعود -رضي الله عنه- فابن إسحاق، من الطبقة الخامسة: صغار التابعين، الذين رأوا الواحد والاثنين من الصحابة، لكن لم يثبت لهم لقاء أحد منهم. وابن جريج، من الطبقة السادسة: عاصروا الخامسة، لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة. ومقاتل بن سليمان، من الطبقة السابعة: طبقة كبار أتباع التابعين كمالك والثوري. مقدمة "تقريب التهذيب" 82. والحديث المنقطع: هو ما لم يتصل إسناده على أي وجه كان انقطاعه. "تدريب الراوي" 1/ 208. فالأقرب أن يكون موقوفًا على ابن مسعود -رضي الله عنه- كما هو عند ابن جرير. والله أعلم. قال ابن حجر، في "الكاف الشاف" 3/ 278: وفي الباب عن ابن مسعود، أخرجه العقيلي، من رواية علي بن حميد، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص عنه. وقال: لا يتابع على رفعه. ثم أخرجه موقوفًا من رواية عمرو بن مرزوق عن شعبة، وقال: هذا أولى. وهو بنصه، في "الفتح السماوي" 2/ 885. وأصله عند الزيلعي، في تخريجه لأحاديث "الكشاف" 2/ 464.]]. وقوله: ﴿لِيَذَّكَّرُوا﴾ قال مقاتل: ليعتبروا، ويتفكروا في ذلك، فيستدلوا به على التوحيد [["تفسير مقاتل" ص 46 أ، بمعناه. وفي "تنوير المقباس" ص 304: لكي يتعظوا بذلك. ونحوه ذكر الهواري 3/ 213، عن الحسن.]]. وقال أبو إسحاق: ليتفكروا في نعم الله علهم فيه، ويحمدونه على ذلك [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 71.]]. وقال أبو علي: ليتفكروا في قدرة الله، وموضع نعمته عليهم بما أحيا بلادهم به من الغيث [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 345.]]. ومن قرأ ﴿لِيَذَّكَّرُوا﴾ هو بالتخفيف [[بالتخفيف قراءة حمزة، والكسائي، والباقون بالتشديد. "السبعة في القراءات" ص465، و"الحجة للقراء السبعة" 5/ 345، و"النشر في القراءات العشر" 2/ 334.]] من الذكر، فمعناه: ليذكروا موضع النعمة به فيشكروه. قوله تعالى: ﴿فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا﴾ قال مقاتل والكلبي: إلا كفرًا بالله وبنعمته [["تفسير مقاتل" ص 64 أ. و"تنوير المقباس" ص 304.]]. قال أبو إسحاق: وهم الذين يقولون: مطرنا بنوء كذا [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 71. و"تفسير الثعلبي" 8/ 100 أ. و"تفسير الهواري" 3/ 213. ولم ينسبوه. وأخرجه ابن جرير 19/ 22، وابن أبي حاتم 8/ 2706، عن عكرمة. ويشهد لهذا حديث زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ الله -ﷺ- صَلاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ "هلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكمْ" قَالُوا الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ "أَصْبَحَ من عِبَادي مُؤمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ الله وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤمِنٌ بِي وَكَافرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأما مَن قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِن بِالْكَؤكَبِ". أخرجه البخاري، في الأذان، رقم 846، "فتح الباري" 2/ 333. ومسلم 1/ 83، كتاب == الإيمان رقم 71. وادعى النحاس في "إعراب القرآن" 3/ 163، أن لا خلاف بين أهل التفسير أن الكفر هاهنا قولهم: مطرنا بنوء كذا وكذا. وهو محمول على أن المراد بالتصريف تصريف المطر، أو لعله لم يطلع على غير هذا القول. ويدخل في هذا المعنى كل من ينسب هذه الظاهرة أو غيرها من الزلازل والبراكين ونحو ذلك للطبيعة، منكرًا تقدير الله تعالى وتدبيره لها، وحدوثها بدون فعل فاعل.]]. هذا الذي ذكرنا هو قول أكثر المفسرين [[أي أن الضمير في قوله تعالى: ﴿صَرَّفْنَاهُ﴾. يرجع للمطر. وهذا وجه ظاهر؛ لأنه أقرب مذكور، وسياق الآية يدل عليه. والله أعلم. وقد اقتصر عليه في "الوجيز" 2/ 781. ولم يذكر غيره ابن كثير 6/ 115. واختاره الشنقيطي 6/ 335.]]. وروى عطاء عن ابن عباس: ولقد صرفنا القرآن، يعني: أمثاله، ومواعظه بينهم ليتعظوا فأبى أكثر الناس إلا جحودًا بالقرآن [[تفسير ابن أبي حاتم 8/ 2707، من قول عطاء الخراساني، واستدل على صحته بقوله تعالى فيه: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾. وجعله الماوردي 4/ 149، راجعًا إلى الفرقان المذكور في أول السورة. واختاره ابن جزي 486. ولا يمنع أن يكون راجعًا إلى جميع ما سبق. تفسير أبي حيان 6/ 463. وذكر الزمخشري 3/ 277، وجهًا ثالثًا، واستظهره، ولم ينسبه؛ وهو أن المراد تصريف الحديث عن المطر والسحاب في القرآن وفي الكتب السماوية السابقة لما في هذه الآية من العبرة والعظة، فقال: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ﴾ يريد: ولقد صرفنا هذا القول بين الناس في القرآن وفي سائر الكتب والصحف التي أنزلت على الرسل عليهم السلام -وهو ذكر إنشاء السحاب وإنزال القطر- ليتفكروا ويعتبروا، ويعرفوا حق النعمة فيه ويشكروا. وذكره أبو السعود 6/ 224، واستظهره، ولم ينسبه. وكذا البرسوي 6/ 225. واقتصر عليه القاسمي 12/ 266. والله أعلم.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب