الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٥٠ - ٥٢] ﴿ولَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهم لِيَذَّكَّرُوا فَأبى أكْثَرُ النّاسِ إلا كُفُورًا﴾ ﴿ولَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا في كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: ٥١] ﴿فَلا تُطِعِ الكافِرِينَ وجاهِدْهم بِهِ جِهادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٢] . ﴿ولَقَدْ صَرَّفْناهُ﴾ أيْ: كَرَّرْنا هَذا القَوْلَ الَّذِي هو ذِكْرُ إنْشاءِ السَّحابِ وإنْزالِ القَطْرِ: ﴿بَيْنَهم لِيَذَّكَّرُوا﴾ أيْ: لِيَتَفَكَّرُوا ويَعْتَبِرُوا ويَعْرِفُوا حَقَّ النِّعْمَةِ فِيهِ ويَشْكُرُوا: ﴿فَأبى أكْثَرُ النّاسِ إلا كُفُورًا﴾ أيْ: كُفْرانَ النِّعْمَةِ وجُحُودَها: ﴿ولَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا في كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: ٥١] أيْ: نَبِيًّا يُنْذِرُ أهْلَهُ فَيَخِفُّ عَلَيْكَ أعْباءُ النُّبُوَّةِ. لَكِنْ لَمْ نَشَأْ ذَلِكَ، فَلَمْ نَفْعَلْهُ. بَلْ قَصَرْنا الأمْرَ عَلَيْكَ حَسْبَما يَنْطِقُ بِهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: ١] إجْلالًا لَكَ وتَعْظِيمًا، وتَفْضِيلًا لَكَ عَلى سائِرِ الرُّسُلِ. وقالَ المَهايِمِيُّ: أيْ: لَكِنْ لَمْ نَشَأْ. لِأنَّهُ يَقْتَضِي تَفَرُّقَ الأُمَمِ، وتَكْثُّرَ الِاخْتِلافاتِ. (p-٤٥٨٣)فَجَعَلْنا الواحِدَ نَذِيرًا لِلْكُلِّ لِيُطِيعُوهُ أوْ يُقاتِلَهم. والكُفّارُ يُرِيدُونَ أنْ يُطِيعَهُمُ الرُّسُلُ أوْ يَتْرُكُوهم عَلى ما هم عَلَيْهِ: ﴿فَلا تُطِعِ الكافِرِينَ﴾ [الفرقان: ٥٢] أيْ: فَقابِلْ ذَلِكَ بِالثَّباتِ والِاجْتِهادِ في الدَّعْوَةِ وإظْهارِ الحَقِّ والتَّشَدُّدِ والتَّصَبُّرِ. ولا تُطِعْهم فِيما يُرِيدُونَكَ عَلَيْهِ. وأرادَ بِهَذا النَّهْيِ، تَهْيِيجَهُ وتَهْيِيجَ المُؤْمِنِينَ، وتَحْرِيكَهم. أيْ: إثارَةَ غَيْرَتِهِ وغَيْرَتِهِمْ. وإلّا فَإطاعَتُهُ لَهم غَيْرُ مُتَصَوَّرَةٍ. وقالَ أبُو السُّعُودِ: كَأنَّهُ نَهْيٌ لَهُ، عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، عَنِ المُداراةِ مَعَهم، والتَّلَطُّفِ مَعَهم. أيْ: لِأنَّ في ذَلِكَ إضْعافًا لِلْحَقِّ وتَغْشِيَةً عَلَيْهِ. وطُولَ أمَدٍ في سَرَيانِهِ. ولِذا قالَ: ﴿وجاهِدْهم بِهِ﴾ [الفرقان: ٥٢] أيْ: بِالقُرْآنِ وما نَزَلَ إلَيْكَ مِنَ الحَقِّ: ﴿جِهادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٢] أيْ: لا يُخالِطُهُ فُتُورٌ، بِأنْ تُلْزِمَهم بِالحُجَجِ والآياتِ، وتَدْعُوَهم إلى النَّظَرِ في سائِرِ الآناتِ، لِتَتَزَلْزَلَ عَقائِدُهم، وتَسْمُجَ في أعْيُنِهِمْ عَوائِدُهم. وهَذِهِ الآيَةُ مِن أصْرَحِ الأدِلَّةِ في وُجُوبِ مُجادَلَةِ المُبْطِلِينَ، ودَعْوَتِهِمْ إلى الحَقِّ بِقُوَّةٍ، والتَّفَنُّنِ في مُحاجَّتِهِمْ بِأفانِينَ الأدِلَّةِ. فَإنَّ الحَقَّ يَتَّضِحُ بِالأدِلَّةِ. كَما أنَّ الشُّهُورَ تَشْتَهِرُ بِالأهِلَّةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب