الباحث القرآني

﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ [[من فوائد هذه الآية: علو الحق على الباطل، وتبين الحق، واتضاحه اتضاحًا عظيمًا؛ لأن معارضة الباطل للحق، تزيده وضوحاً وبياناً، وكمال استدلال. تفسير السعدي 5/ 477. وإذا كان هذا في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فغيرهم من السائرين على طريقهم لا بد أن ينالهم شيء من ذلك، فلا بد من الصبر على == الأذى، وتحمل العناد والاستكبار، حتى يأتي الله بأمره ذكر البرسوي 6/ 208، عن أبي بكر بن طاهر، أنه قال: رُفعت درجات الأنبياء والأولياء بامتحانهم بالمخالفين، والأعداء. ونظير هذه الآية، قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ [الأنعام 112].]] أي: وكما جعلنا لك يا محمد أعداء من مشركي قومك، كذلك جعلنا لكل نبي عدوًا من كفار قومه [["تفسير الطبري" 19/ 10، بنحوه. وأخرج ابن أبي حاتم 8/ 2688، عن ابن عباس، في قوله تعالى: ﴿مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ قال: الكفار. وهو في "الوسيط" 3/ 339، بنصه، ولم ينسبه.]]. والعدوُّ هاهنا يجوز أن يكون في معنى الجماعة، كما قال: ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي﴾ [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 66. وجزم بهذا ابن جزي ص 484، حيث قال: العدو هنا جمع. ورجحه ابن عاشور 19/ 18.]] [الشعراء: 77] قال مقاتل: يقول لا يكبرن عليك فإن إلاَّنبياء قبلك قد لقيت هذا التكذيب من قومهم [["تفسير مقاتل" ص 45 أ.]]. وقال السدي: لم يبعث نبي قط إلا والمجرمون له أعداء، وبعضوهم أشد عليه من بعض. وكان عدو النبي -ﷺ- من قريش بنو أمية وبنو المغيرة [[أخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2688.]]. ولهذا دخل حرف التخصيص في قوله: ﴿مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ [[وصف أعداء الأنبياء بأنهم من المجرمين، أي: من جملة المجرمين، فإن الإجرام أعم من عداوة الأنبياء، وهو أعظمها. "التحرير والتنوير" 19/ 18.]] قال الكلبي: إن كل نبي أتى قومه كان بعضهم أغلظ من بعض وأسوأ قولاً، وصنيعًا، وبعضهم يستحي من ذلك وهو ألين قولاً، وأكف شرًا. ويجوز أن يكون المراد بقوله: ﴿عَدُوًّا﴾ واحداً من المجرمين، ممن كان أشد المشركين على نبيهم. وهذا مذهب الكلبي، ومقاتل؛ قالا: نزلت في أبي جهل [["تنوير المقباس" ص 302. و"تفسير مقاتل" ص 45 أ. و"معاني القرآن" للزجاج 4/ 66. ولم ينسبه. ونسبه القرطبي 13/ 27 لابن عباس رضي الله عنهما. وكذا السيوطي 6/ 254، ونسبه لابن مردويه.]]. وكان لعنه الله أشدهم عداوة لرسول الله -ﷺ- [["معاني القرآن" للفراء 2/ 267. وفي هذه الآية تنبيه للمشركين ليعرضوا أحوالهم على هذا الحُكم التاريخى فيعلموا أن حالهم كحال من كذبوا من قوم نوح، وعاد، وثمود. تفسير ابن عاشور 19/ 18.]]. قوله تعالى: ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ قال ابن عباس: هاديًا لك وناصرًا على أعدائك [["تنوير المقباس" ص 302: ﴿هَادِيًا﴾ حافظًا. ﴿وَنَصِيرًا﴾ مانعاً مما يراد بك.]]. وقال مقاتل: هاديًا إلى دينه ومانعًا منهم [["تفسير مقاتل" ص 45 أ. ونحوه قال الهوَّاري 3/ 209. وأخرج ابن أبي حاتم 8/ 2688، عن محمد بن إسحاق: إن ينصرك الله فلا يضرك خذلان من خذلك. وفي هذا تسلية للنبي -ﷺ- بوعده بهداية كثير ممن هم معرضون عنه. "تفسير ابن عاشور" 19/ 18. قال تعالى: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا﴾ [النصر: 2،1].]]. وقال أبو إسحاق: [الباء زائدة، المعنى: كفى ربك] [[ما بين المعقوفين لم أجده عند الزجاج. قال ابن عاشور 19/ 18: والباء، في قوله: ﴿بِرَبِّكَ﴾ تأكيد لاتصال الفاعل بالفعل. وأصله: كفى ربُّك في هذه الحالة. وقع الخلاف بين أهل العلم في وقوع الزائد في القرآن الكريم، فمنهم من أنكره كالمبرد وثعلب، وأكثر العلماء على إثبات ذلك؛ لكنهم اختلفوا في تسميته فمنهم من يسميه: صلة، ومنهم من يسميه: المقحم.= قال الزركشي: واعلم أن الزيادة واللغو من عبارة البصريين، والصلة والحشو من عبارة الكوفيين، قال سيبويه عقب قوله تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ﴾ [النساء: 155]: إن (ما) لغو؛ لأنها لم تُحدث شيئًا. والأولى اجتناب مثل هذه العبارة في كتاب الله تعالى؛ فإن مراد النحويين بالزائد من جهة الإعراب لا من جهة المعنى. "البرهان في علوم القرآن" 3/ 80 وقال أيضًا: ومعنى كونه زائدًا أن أصل المعنى حاصل بدونه دون التأكيد؛ فبوجوده حصل فائدة التأكيد، والواضع الحكيم لا يضع الشيء إلا لفائدة. وسئل بعض العلماء عن التأكيد بالحرف وما معناه، إذ إسقاط الحرف لا يخل بالمعنى؟ فقال: هذا يعرفه أهل الطباع إذ يجدون أنفسهم بوجود الحرف على معنى زائد لا يجدونه بإسقاط الحرف. "البرهان" 3/ 82 وهذا كلام حسن. وتكلم عن هذه المسألة د. عبد الفتاح الحموز في رسالته: "التأويل النحوي في القرآن الكريم"، حيث عقد فصلاً عنوانه: الزيادة في التنزيل.]]. و ﴿هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ منصوبان على الحال. المعنى: وكفى ربُّك في حال الهداية والنَصْر. ويجوز أن يكون منصوبًا على التمييز على معنى: كفى ربُّك من الهُدَاة والنُّصَّار [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 66.]]. وهذا مما قد تقدم فيه الكلام [[قال الواحدي في تفسير الآية 6، من سورة النساء ﴿وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا﴾ والباء في قوله: ﴿وَكَفَى بِاللهِ﴾ ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ﴾ في جميع القرآن زائدة. قال الزجاج: المعنى: كفى الله، كفى ربك. واستقصاء هذا مذكور في هذه السورة عند قوله: ﴿وَكَفَى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللهِ نَصِيرًا﴾ [النساء: 45]. وتفسير هذه الآية من القسم المفقود من البسيط.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب