الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ قال ابن عباس: حتى نراه علانية [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 2/ 81، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 355، وذكره القرطبي في "تفسيره" 1/ 136، "تفسير ابن كثير" 1/ 170، والسيوطي في الدر 1/ 70.]]، وقال قتادة: عيانا [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 1/ 289، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 356.]]. وقد تكون الرؤية غير جهرة كالرؤية في النوم [[بياض في (ب).]]، وكرؤية القلب، فإذا قيل [[في (ب) (قال).]]: رآه جهرة، لم يكن إلا على رؤية العين على التحقيق دون التخييل [[انظر "الغريب" لابن قتيبة ص 49، "تفسير البغوي" 1/ 74، "البحر المحيط" 1/ 210، "تفسير القرطبي" 1/ 344 - 345.]]. قال أهل اللغة: معنى قوله: جهرةً أي غير مستتر عنَّا بشيء، وأصل الجهر في اللغة: الكشف والإظهار، يقال: جهرت البئر، إذا كشفت الطين عن الماء ليظهر الماء [[انظر "معاني القرآن" للأخفش 1/ 267، "تهذيب اللغة" (جهر) 1/ 676، "مقاييس اللغة" (جهر) 1/ 487، "الصحاح" (جهر) 2/ 618.]]، قال: إِذَا وَرَدْنَا آجِنًا جَهَرْنَاه ... أَو خَالِيًا مِنْ أَهْلِهِ عَمَرْنَاهْ [[الرجز ذكره أبو زيد في "النوادر"، قال: أنشدتني شماء، وهي أعرابية فصيحة من بني كلاب. تقول: إنهم من كثرتهم نزفوا مياه الآبار الآجنة من كثرة المكث، وعمروا المكان الخالي. "نوادر أبي زيد" ص 574)، والبيتان في "تهذيب اللغة" (جهر) 1/ 676، "الصحاح" (جهر) 2/ 618، "اللسان" (جهر) 2/ 711.]] أبو زيد يقال: جهرت بالقول أجهر به، إذا أعلنته، وجاهرني فلان جِهَارًا أي [[(أي) ساقط من (ب).]] عَالَنَنِي، والجهر: العلانية [["تهذيب اللغة" (جهر) 1/ 677.]]. والجَهَارَةُ: ظهور الجَمَال [[في (ج): (الحال).]] وأنكشافه ببياض اللون [[في (ب): (المال). انظر: "الصحاح" (جهر) 2/ 619، "اللسان" 2/ 711.]]، قال الأعشى: وَسَبَتْكَ حِيَنَ تَبَسَّمتْ ... بَيْنَ الأَرِيكَةِ والسِّتَارَهْ بِقَوَامِهَا الحَسَنِ الَّذِي .. جَمَعَ المَدَادَةَ [[في (ب)، (ج): (المدارة).]] والجَهَارَةْ [[قوله: (الأريكة): سرير منجد مزين، و (المداد): طول القامة، والبيتان من قصيدة == للأعشى يهجو بها شيبان بن شهاب، انظر ديوانه ص 153، والبيت الأول في "الزاهر" 1/ 562، "الخزانة" 3/ 311، وروايته في "الزاهر": (وسبتك يوم تزينت).]] فالجهرة في هذه الآية: فعلة من الجهر، وهو مصدر يراد به المفعول [[قوله: (يراد به المفعول) لم أجده فيما اطلعت عليه-، قال القرطبي: (جهرة: مصدر في موضع الحال) "تفسير القرطبي" 1/ 345، وانظر "فتح القدير" 1/ 137، وفي "الفتوحات الإلهية" قال: (إنه مفعول مطلق، لأن الجهرة نوع من مطلق الرؤية فيلاقي عامله في المعنى) 1/ 55. والجهرة: قد تكون من صفات الرؤية، فهو مصدر من جهر أي: عيانا، ويحتمل: أن تكون من صفة الرائين، أي ذوي جهرة، أو مجاهرين بالرؤية، ويحتمل: أن تكون راجعة إلى معنى القول أو القائلين، أي قولا جهرة أو جاهرين بذلك. انظر: "البحر المحيط" 1/ 210، 211.]]. وقوله تعالى: ﴿فَأَخَذَتكُمُ الصَّاعِقَةُ﴾ يعني ما تصعقون منه، أي: تموتون، لأنه قال: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾ [البقرة: 56]. وقال مقاتل: الصاعقة: الموت [[أخرج ابن جرير عن قتادة والربيع نحوه 2/ 82، وكذا "تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 356، وانظر "الدر" 1/ 70. بعضهم فسر الصاعقة: بالموت، وبعضهم قال: هي سبب الموت، ثم اختلفوا فيها: هل هي نار أو صيحة أو جنود من السماء. انظر "تفسير الرازي" 3/ 86.]]، ومضى الكلام في الصاعقة [[عند تفسير آية 19 من سورة البقرة.]]. قال المفسرون: إن الله تعالى أمر موسى أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه [[(إليه) ساقط من (ج).]] من عبادة العجل، فاختار موسى سبعين رجلًا من خيارهم، وخرج بهم إلى طور سيناء، وسمعوا كلام الله، وكان موسى إذا كلمه ربه وقع على وجهه نور ساطع، لا يستطيع أحد من بني آدم [[في (ب): (بني اسرائيل).]] أن ينظر إليه، ويغشاه عمود من غمام. فلما فرغ موسى وانكشف الغمام [[(الغمام) ساقط من (ب).]]، قالوا له: لن نؤمن لك، أي: لن نصدقك، حتى نرى الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة، وهي نار جاءت [[(جاءت) ساقط من (ب).]] من السماء فأحرقتهم [[في (أ)، (ج): (فأحرقهم) وما في (ب) أولى للسياق، وموافق لما عند الثعلبي في "تفسيره"، والكلام أخذه ملخصا عن الثعلبي في "تفسيره" 1/ 74 أ، وأخرج الطبري نحوه عن محمد ابن إسحاق وعن السدي 1/ 291 - 292. ثم قال الطبري في "تفسيره" بعد أن ذكر بعض الآثار: (فهذا ما روي في السبب الذي من أجله قالوا لموسى: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ ولا خبر عندنا بصحة شيء مما قاله من ذكرنا قوله في سبب قيلهم لموسى تقوم به حجة فيسلم له، وجائز أن يكون ذلك بعض ما قالوه ..) 1/ 89، وانظر: "تفسير أبي الليث" 1/ 293، "تفسير ابن عطية" 1/ 301، "تفسير ابن كثير" 1/ 99.]] جميعًا. ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ يريد نظر بعضهم إلى بعض عند نزول الصاعقة [[ذكره الطبري ولم يعزه 1/ 290، وانظر "تفسير البغوي" 1/ 74، "زاد المسير" 1/ 83، "تفسير القرطبي" 1/ 345، "تفسير ابن كثير" 1/ 99.]]، قاله [[في (ب) (قال).]] ابن زيد. وإنما أخذتهم الصاعقة؛ لأنهم امتنعوا من الإيمان بموسى بعد ظهور معجزته حتى يريهم ربهم جهرة، والإيمان بالأنبياء واجب بعد ظهور معجزتهم، ولا يجوز لهم اقتراح المعجزات عليهم، فلهذا [[في (ج) (فهكذا).]] عاقبهم الله [[انظر "تفسير الرازي" 3/ 86، "تفسير القرطبي" 1/ 344، و"تفسير النسفي" 1/ 128، "البحر المحيط" 1/ 211، 212.]]، ولما كان سؤال موسى إيمانًا منه وتصديقًا واشتياقًا لم يعاقب عليه، وهؤلاء سألوه [[في (ب): (يسألوه).]] شاكّين منكرين متعنتين فعوقبوا عليه. وقال بعضهم: إن أصحاب موسى اعتقدوا إحالة الرؤية [[في (ج): (الرؤيا).]] على الله فعلقوا إيمانهم على الرؤية [[المعتزلة هي التي تقول بإحالة الرؤية وقد تمسكوا بمثل هذه الآية. قال الزمخشري: (وفي هذا الكلام دليل على أن موسى عليه الصلاة والسلام رادهم القول وعرفهم أن رؤية ما لا يجوز عليه أن يكون في جهة محال ...) "الكشاف" 1/ 282، ورد عليه صاحب "الإنصاف" في حاشية على "الكشاف" بما أبطل زعمه، كما رد عليه الرازي في "تفسيره" 3/ 85، وانظر "تفسير القرطبي" 1/ 344 - 345، "البحر المحيط" 1/ 211.]]: ومرادهم: لن نؤمن لك قط، كقوله: ﴿حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾ [الأعراف: 40]، فلهذا عاقبهم الله عليه. وهذه الآية تتضمن التوبيخ لهم على مخالفة الرسول عليه السلام مع قيام معجزته، كما خالف أسلافهم [موسى مع ما أتى به من الآيات الباهرة، والتحذير لهم أن ينزل بهم كما نزل بأسلافهم] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب). انظر "تفسير الطبري" 1/ 290، "تفسير الرازي" 3/ 83.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب