الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾ الآية. قال النحويون: (كيف) في الأصل سؤال عن الحال، لأن جوابه يكون بالحال، وهي منتظمة جميع الأحوال [[انظر: "الكتاب" 4/ 233، "المقتضب" 3/ 289، 63، "حروف المعاني" للزجاجي ص 35، 59، وقد ذكر الزجاجي أنها تقع في ثلاثة مواضع: تقع بمنزلة (كما)، واستفهاما عن حال، وبمعنى التعجب واستشهد على هذا المعنى بالآية ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾، وانظر: "البرهان" 4/ 330، "مغني اللبيب" 1/ 204.]]. ونظيرها في الاستفهام (كم) لأنها تنتظم جميع الأعداد و (ما) [[(و) ساقطة من (ب).]] وهي تنتظم جميع الأجناس، و (أين) وهي تنتظم جميع الأماكن، و (متى) [وهي تنظم جميع الأزمان، و (من)] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] وهي تنتظم جميع ما يعقل [[انظر: "الكتاب" 4/ 233، "المقتضب" 3/ 63، 289.]]. قال الزجاج: تأويل (كيف) هاهنا استفهام في معنى التعجب، وهذا التعجب إنما هو للخلق والمؤمنين، أي اعجبوا من هؤلاء كيف [يكفرون] [[في (أ)، (ج): (تكفرون) وفي (ب) غير منقوطة، والتصحيح من "معاني القرآن" للزجاج 1/ 47.]] وثبتت حجة الله عليهم [[في (ب): (عليكم). انتهى من "معاني القرآن" للزجاج 1/ 47، انظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 59ب، وابن عطية 1/ 220، وبمعناه كلام الفراء الآتي بعده.]]. وقال الفراء: هذا على وجه التعجب والتوبيخ لا على الاستفهام المحض، أي: ويحكم كيف تكفرون؟ وهو كقوله: ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ [["معاني القرآن" للفراء 1/ 23، وانظر: "تفسير الطبري" 1/ 190.]] [التكوير: 26]. وقوله تعالى: ﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا﴾. قال النحويون: (كان) تقع [[في (أ): (يقع) وما في (ب، ج) أنسب للسياق.]] في الكلام على وجوه: تامة وناقصة وزائدة [[انظر: "تهذيب اللغة" (كان) 4/ 3083 - 3084. وذكر الهروي وجهاً رابعاً وهو: أن تكون (كان) مضمرا فيها اسمها (ضمير الشأن) وبعد كان جملة من مبتدأ وخبر مرفوعين. انظر: "الأزهية في علم الحروف" ص 179.]]. فالتامة: هي المكتفية باسمها دون خبرهما كقولك: كان القتال، أي وقع وحدث. والناقصة: هي التي لا تتم دون خبرها كقولك: كان زيد أميرا. والزائدة: هي التي تكون [[كذا في جميع النسخ الأولى (يكون).]] دخولها في الكلام كخروجها [[انظر: "تهذيب اللغة" (كان) 10/ 377، و"الأزهية في علم الحروف" ص183، و"مغني اللبيب" 2/ 559.]]. كقوله: ﴿مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ [مريم:29] [[وقد ذكر الأزهري عن ثعلب: أن للعلماء في الآية قولين: منهم من قال: (كان) == صلة أي، زائدة، وهذا ما أخذ به المؤلف هنا، ومنهم من قال (كان) هنا غير زائدة، وهو قول الفراء. انظر: "تهذيب اللغة" (كان) 4/ 3084. وجعلها المبرد زائدة مؤكدة. انظر: "المقتضب" 4/ 417. وقد قال ابن هشام: إن وجه الزيادة في (كان) هو أضعف الوجوه. انظر: "مغني اللبيب" 2/ 559.]]. و (كان) التي لها خبر تتصرف [[في (أ)، (ج): (ينصرف) واخترت ما في (ب)، لمناسبته للسياق.]] تصرف الفعل، وليست بفعل على الحقيقة، إنما تدل [[في (أ)، (ج): (يدل) واخترت ما في (ب)، لمناسبته للسياق.]] على الزمان وتدخل على الابتداء والخبر كقولك: زيد مسرور، [فإذا قلت كان زيد مسرورا، فكأنك قلت: زيد مسرور] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] فيما مضى من الزمان [[انظر: "الإيضاح العضدي" للفارسي 1/ 95، "الأضداد" لابن الأنباري ص 65، "الأزهية في علم الحروف" ص183، "مغني اللبيب" 2/ 559. (833).]]. ويقال في مصدره الكَوْن والكَيْنُونَة [[ذكره الازهري وقال: و (الْكَيْنَونَة) أحسن. "التهذيب" 4/ 3084.]]. قال الفراء: [تقول] [[في (أ)، (ج) (يقول) وفي (ب) بدون نقط والعبارة كما في "التهذيب": قال الفراء: (العرب تقول ذوات الياء ... إلخ)، "التهذيب": 4/ 3083.]] في ذوات (الياء): الطَّيْرُوَرة والحَيْدوَدة [[في (ب) (الحيرورة)، وفي "التهذيب" (الحيدودة) وهذا الأقرب؛ لأنه قال: الطيرورة من طرت والحيدودة من حدت. "التهذيب" 4/ 3083.]] والزَّيْغُوغَة فيما لا يحصى من هذا الضرب. فأما ذوات (الواو) مثل: قلت ورضت، فإنهم لا يقولون ذلك فيه، وقد أتى عنهم في أربعة أحرف منها: الكَيُنونَة من (كُنْتُ) والدَّيْمُومَة من (دُمْتُ) والْهَيْعُوعَة من (الْهُوَاع) [[الهوع بالفتح والضم: سوء الحرص وشدته، والعداوة، وهاع: قاء من غير تكلف، == والاسم (الهَوْع) و (الهُواع) و (الهَيْعُوعة)، انظر "القاموس" (الهوع) ص 777.]]، والسَّيْدُودَة من (سُدْتُ) وكان ينبغي أن يكون (كونونة) ولكنها لما قلت في مصادر (الواو) وكثرت في مصادر (الياء) [ألحقوها بالذي هو أكثر مجيئًا منها، إذ كانت الواو والياء] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] متقاربي المخرج. قال: وكان الخليل يقول: كَيْنُونَة (فَيْعَلُولَة)، وهي الأصل (كَيْوَنُونَة) [[في (ب): (في الاكونونه).]] التقت (ياء) و (واو)، والأولى منهما ساكنة فصيرتا [ياء] [[(ياء) ساقطة من جميع النسخ، والتصحيح من "تهذيب اللغة" 4/ 3084.]] مشددة [[فصارت (كَينُونَة) انظر "اللسان" (كون) 7/ 3959.]]، مثل ما قالوا: الهَيِّن، ثم خففوها، فقالوا: (كَيْنُونَة)، كما قالوا: هَيْن لَيْن. قال الفراء: وقد ذهب مذهبا، إلا أن القول عندي هو الأول [[انتهى كلام الفراء كما في "التهذيب" بنصه، 4/ 3084 (كان). وانظر "اللسان" (كون) 7/ 3959، وفيه عن ابن بري نحو كلام الخليل، وما بعد هذا من كلام الفراء لا ارتباط له بما سبق حيث الكلام السابق ورد بتهذيب اللغة ولعله أخذه عن كتاب المصادر للفراء وما بعده من كتاب "معاني القرآن" كما سيأتي.]]. قال: ويضمر [[في (ب): (ويضم).]] هاهنا (قد) والتقدير [[في "معاني القرآن" (وقوله: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا﴾ المعنى والله أعلم وقد كنتم، ولولا إضمار (قد) ... إلخ) 1/ 24.]]: (وقد كنتم أمواتا) ولولا إضمار (قد) لم يجز مثله في الكلام. وكذلك قوله: {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ} [[الواو في قوله ﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ﴾ ساقطة من (ب) وكذا وردت الآية في "معاني القرآن" 1/ 24.]] [يوسف: 27] المعنى: (فقد كذبت). وقولك للرجل: أصبحت كثر مالك، لا يجوز إلا وأنت تريد: قد كثر مالك، لأنهما جميعا قد كانا، فالثاني حال للأول، والحال لا يكون في الفعل إلا بإضمار (قد) أو بإظهارها [[انتهى ما نقله عن الفراء، انظر: "معاني القرآن" 1/ 24، وما ذكره الفراء يقرر القاعدة التي عند الجمهور وهي أن الجملة الفعلية، إذا كان فعلها ماض ووقعت حالا لابد من (قد) ظاهرة أو مقدرة، وبهذا قال "الطبري" في "تفسيره" 1/ 190، والزجاج في "المعاني" 1/ 74، الثعلبي 1/ 59 ب، أبو حيان في "البحر" 1/ 130 وغيرهم.]]. وحكى الكسائي: أصبحت [[[من هنا يبدأ سقط لوحة كاملة في نسخة (ب).]] نظرت إلى (ذات التنانير) يريد: قد نظرت، وذات التنانير) موضع [[(التنانير) جمع (تنور) وهو واد ذو شجر يقع بين الكوفة وبلاد غطفان، انظر "معجم ما استعجم" 1/ 320، "معجم البلدان" 2/ 47.]]. وتقدير الآية: كيف تكفرون وحالكم أنكم كنتم أمواتا. ومثل هذا قال الزجاج: فإنه قال: ومعنى (كنتم): وقد كنتم وهذه الواو، (واو الحال) [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 74.]]. قال أبو الفتح: إنما احتيج إلى إضمار (قد) لأن (قد) تقرب الماضي من الحال حتى تلحقه بحكمه، ألا تراهم يقولون: (قد قامت الصلاة) قبل حال قيامها، وعلى هذا قول الشاعر: أُمَّ صَبِيٍّ قَدْ حَبَا [[في (ج): (جا).]] أَوْ دَارجِ [[الرجز لجندب بن عمرو يعرض بامرأة الشماخ في قصة أوردها البغدادي في "الخزانة" 4/ 238، وهي في "ديوان الشماخ" ص 353، و (أم صبي): هي امرأة الشماخ، ورد البيت في "معاني القرآن" للفراء 1/ 214، "سر صناعة الإعراب" 2/ 641، "الخزانة" 4/ 238، "ديوان الشماخ" ص 363، "اللسان" (درج) 3/ 1353، "أوضح المسالك" ص193.]] فكأنه قال: حابٍ [[في (أ) و (ج): (حباب) وما في (ب) موافق لما في "سر صناعة الإعراب" لأبي الفتح.]] أو دارج [[قال في "اللسان": وجاز له ذلك؛ لأن (قد) تقرب الماضي من الحال حتى تلحقه بحكمه أو تكاد. "اللسان" (درج) 3/ 1351.]]. ومثل هذه الآية قوله: ﴿أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ﴾ [النساء: 90] على معنى: قد حصرت [[انتهى ما نقله المؤلف -بتصرف- من كتاب "سر صناعة الإعراب" لأبي الفتح ابن جني 2/ 641.]]. فأما أحكام واو الحال فإنها مذكورة عند قوله: ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ﴾ [آل عمران: 154]. وقوله تعالى: ﴿أَمْوَاتًا﴾ قال ابن عباس في رواية الضحاك: أراد [[في (أ): (أرادوا)، وما في (ب، ج) هو الصحيح.]]: وكنتم تراباً ردّهم إلى أبيهم آدم [[الأثر عن ابن عباس أخرجه "الطبري" من طريق الضحاك عن ابن عباس، 1/ 187، وكذا ابن أبي حاتم 1/ 73، وذكره السيوطي في "الدر" وعزاه إلى ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه، (الدر) 1/ 89، وذكره ابن كثير عن الضحاك عن ابن عباس ثم قال: وهكذا روى السدي بسنده عن أبي مالك عن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مُرة عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة، وعن أبي العالية، والحسن، == ومجاهد، وقتادة، وأبي صالح والضحاك وعطاء. ابن كثير 1/ 71 - 72، انظر "الوسيط" 1/ 70.]]. وقال في رواية عطاء والكلبي: وكنتم نطفا، وكل ما فارق الجسد من نطفة أو شعر فهو ميت [[وبهذا النص ذكره الفراء في "معاني القرآن" ولم ينسبه لأحد، 1/ 25، والذي ورد عن ابن عباس من طريق عطاء: كنتم أمواتا فأحياكم في أصلاب آبائكم لم تكونوا شيئًا حتى خلقكم، ثم يميتكم موتة الحق، ثم يحييكم حين يبعثكم، أخرجه ابن أبي حاتم 1/ 73، وأخرج نحوه ابن جرير 1/ 189، وذكره السيوطي في "الدر" ونسبه إلى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم. "الدر" 1/ 89، وذكره ابن كثير 1/ 71، وانظر: "تحقيق المروي عن ابن عباس" في سورة الفاتحة والبقرة وآل عمران 1/ 189 (رسالة ماجستير إعداد محمد العبد القادر). قال "الطبري" -بعد أن ذكر نحو هذا التفسير-: (وهذا قول ووجه من التأويل، لو كان به قائل من أهل القدوة الذين يرتضى للقرآن تأويلهم، ثم قال: وأولى ما ذكرنا من الأقوال: القول الذي ذكرنا عن ابن عباس وابن مسعود: من أن معنى قوله: ﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا﴾ أموات الذكر خمولًا في أصلاب أبائكم نطفا، لا تعرفون ولا تذكرون: فأحياكم بإنشائكم بشرا سويا حتى ذكرتم وعرفتم وحييتم ...) 1/ 189.]] ﴿فَأَحْيَاكُمْ﴾ في الأرحام بأن خلقكم بشرا، وجعل فيكم الحياة ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ في الدنيا ﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ للبعث ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ تردون فيفعل بكم ما يشاء مما سبق علمه وحكمه [[انظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 59 ب.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب