الباحث القرآني

طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٠) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣١) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السماوات وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ [البقرة ٢٨- ٣٣]. * الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، الاستفهام هنا للإنكار والتعجب، وإن شئت فقل: للإنكار والتعجيب، أي ليعجّب غيرهم في هذه الحال، ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ﴾، والكفر بالله هو الإنكار والتكذيب، مأخوذ من كَفَر الشيءَ إذا ستره؛ ومنه الكُفُرّى لغلاف الطلع الذي يكون في النخل، ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾، أي: تجحدونه وتكذبون به، وتستكبرون عن عبادته مع أنكم تعلمون نشأتكم، ﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا﴾ وذلك قبل نفخ الروح في الإنسان هو ميت، جماد، ﴿فَأَحْيَاكُمْ﴾ بنفخ الروح، ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ ثانية، وذلك بعد أن تُنفَخ فيه الروح يموت إما في بطن أمه ويخرج ميتًا، وإما بعد أن يخرج إلى الدنيا، ﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ الحياة الآخرة التي لا موت بعدها، ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، بعد الإحياء الثاني تُرْجَعون إلى الله فينبئكم بأعمالكم ويجازيكم عليها. * في هذه الآية الكريمة: الإنكار على من كفر بالله عز وجل وهو يعلم حاله ومآله. * ومنها، من فوائد هذه الآية: أن الموت يطلق على ما لا روح فيه ولو لم تحله الروح أولًا، يعني لا يُشترط للوصف بالموت تقدم الحياة، بدليل قوله: ﴿كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ﴾، وأما ظن بعض الناس أنه لا يقال ميت إلا لمن سبقت حياته، فهذا ليس بصحيح، بل إن الله تعالى أطلق وصف الموت على الجمادات، فقال تعالى في الأصنام: ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾ [النحل ٢١] * ومن فوائد هذه الآية: أن الجنين لو خرج قبل أن تنفخ فيه الروح فإنه لا يثبت له حكم الحي، ولهذا لا يُغَسَّل ولا يُكَفَّن ولا يُصَلَّى عليه ولا يرث ولا يورَث، لماذا؟ لأنه ميت، جماد، ما استحق شيئًا مما يستحقه الأحياء. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تمام قدرة الله عز وجل، فإن هذا الجسد الميت ينفخ الله فيه الروح فيحيا ويكون إنسانًا يتحرك ويتكلم ويقوم ويقعد، ويفعل ما أراد الله عز وجل. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات البعث؛ لقوله بعد الموتة الثانية: ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ والبعث أنكره من أنكره من الناس واستبعده، وقال: ﴿مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [يس ٧٨]، فأقام الله تبارك وتعالى على إمكان ذلك ثمانية أدلة في سورة يس في آخرها: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [يس ٧٩]، هذا دليل على أنه يمكن أن يحيي العظام وهي رميم، وقوله: ﴿أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ دليل قاطع وبرهان جلي على إمكان إعادتها، كما قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم ٢٧]، ﴿وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [يس ٧٩]، هذا دليل ثاني، يعني كيف يعجز عن إعادتها وهو سبحانه وتعالى بكل خلق عليم، يعلم كيف يخلق الأشياء وكيف يكوِّنها، فلا يعجز عن إعادة الخلق، ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾ [يس ٨٠]، الشجر الأخضر فيه البرودة وفيه الرطوبة، والنار فيها الجفاف واليبوسة، هذه النار اليابسة الجافة تخرج من شجر بارد رطب، ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا﴾، كيف ذلك؟ كان الناس فيما سبق يضربون أغصانًا من أشجار معينة، يضربونها بالزَّند، شيء يسمى الزند عندهم، فإذا ضربوها انقدح، انقدحت النار، ويكون عندهم شيء قابل للاشتعال يشتعل بسرعة، ولهذا قال: ﴿فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾ تحقيقًا لذلك، هذا الشجر يختلف، بعضه واضح وسهل استخراج النار منه، وفي ذلك يقولون؛ يعني العرب: (في كل شجر نار واستْمجَدَ المرخُ والغفَار)، استمجد يعني علا على غيره وصارت النار فيه أكثر. ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السماوات وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ﴾ [يس ٨١]، ﴿بَلَى﴾، هذا الدليل الرابع، الخامس ﴿وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾، وفي أول الآيات: ﴿وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [يس ٧٩]، وهنا قال: ﴿الْخَلَّاقُ﴾، فالخلّاق صفته ووصفه الدائم، وإذا كان خلّاقًا ووصفه الدائم هو الخلق فلن يعجز عن إعادة الإنسان بعد موته، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس ٨٢]، هذا أيضًا دليل إذا أراد شيئًا مهمًّا كان، و(شيئًا) تعلمون أنها نكرة في سياق الشرط فتكون للعموم، ﴿أَمْرُهُ﴾، أي: شأنه في ذلك أن يقول له: كن، فيكون، أو ﴿أَمْرُهُ﴾ الذي هو الأمر واحد الأوامر، فيكون المعنى: إنما أمره أن يقول: كن، فلا يعيدها مرة أخرى. ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [يس ٨٣] هذا الدليل السابع، كل شيء فهو مملوك لله عز وجل، الموجود يعدمه والمعدوم يوجده؛ لأنه رب كل شيء، ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ هذا الدليل الثامن؛ لأنه ليس من الحكمة أن يخلق الله هذه الخليقة ويأمرها وينهاها ويرسل إليها الرسل، ويحصل ما يحصل من القتال بين المؤمن والكافر، ثم يكون الأمر هكذا يذهب سدى، بل لا بد من الرجوع، وهذا دليل عقلي، المهم أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يعيد الأموات إلى الحياة. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الخلق مآلهم ورجوعهم إلى من؟ إلى الله عز وجل.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب