الباحث القرآني

قوله: ﴿فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ يقال: أَذِنَ بالشيء: إذا علم به، يأذَنُ أَذَنُا وأَذَانَةً، قال أبو عبيدة: يقال: آذَنْتُه بالشيء فأَذِنَ به [["مجاز القرآن" لأبي عبيدة 1/ 83، وعبارته: تقول: آذنتك بحرب فأذنت به.]]، أي: عَلِمَ، مثل: أَنْذَرْتُه بالشيء فَنَذِرَ به، أي: عَلِمَ [[ينظر في أذن: "تهذيب اللغة" 1/ 139، "المفردات" ص 23 - 24، "اللسان" 1/ 51.]]. والمعنى: فإن لم تدعُوا الربا الذي قد أمر الله بوضعه عن الناس فاعلموا بحرب من الله، أي: فأيقنوا أنكم في امتناعكم من وضع ذلك حربٌ لله ورسوله. قال سعيد بن جبير، عن ابن عباس: يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 3/ 108، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 550، والثعلبي في "تفسيره" 2/ 1736، والبغوي في "تفسيره" 1/ 345.]]. وقال، في رواية الوالبي: يُستتاب من عامل بالربا، فإن تاب وإلا ضُربت عنقه [["تفسيرالثعلبي" 2/ 1736.]]. وهو قول قتادة [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 3/ 108، ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 550.]] والربيع [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 3/ 108.]]. وقال أهل المعاني: حرب الله النار، فمن كان حربًا لله استحق العقوبةَ بالنار، وحربُ رسولِه السيف، فمن كان حربًا له قوتل بالسيف [["تفسير الثعلبي" 2/ 1736، و"الكفاية في التفسير" للحيري 1/ 266، "تفسير البغوي" 1/ 344.]]. وقرأ حمزة وعاصم في بعض الروايات (فآذنوا) ممدودًا [[قرأ حمزة وشعبة (فآذنوا) ممدودة مكسورة الذال، وقرأ الباقون (فأذنوا) مقصورة مفتوحة الذال. ينظر: "السبعة" ص 192.]]، أي: اعلموا، من قوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ﴾ [الأنبياء: 109] ومفعول الإيذان محذوف في هذه الآية، تقديره: فأعْلِمُوا من لم ينته عن ذلك بحرب [[ستمطت من (ي).]]، وإذا أمروا بإعلام غيرهم علموا هم لا محالة، ففي أمرهم بالإعلام علمهم أيضًا أنهم حرب إن لم يمتنعوا عما نهوا عنه، وليس في علمهم دلالة على إعلام غيرهم، فهذا في الإبلاغ آكد [[من "الحجة" 2/ 413 بمعناه.]]. وقال أحمد بن يحيى: الاختيار: قراءة العامة من [[في (ي): (على).]] الإذن، لأنه يفسّر كونوا على إذنٍ وعلم، ولأن الكلام يجري به على وجه واحد، وهو أدل على المراد وأقرب في الأفهام [[أحمد بن يحيى، ينظر: "الكشف عن وجوه القراءات السبع" لمكي 1/ 318، "حجة القراءات" لابن زنجلة 148.]]. وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ﴾ أي: عن الربا ﴿فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ﴾ وإنما شرط التوبة، لأنهم إن لم يتوبوا كفروا برد حكم الله، وصار مالهم فيئًا للمسلمين، فلا يكون لهم رؤوس أموالهم [["تفسير الثعلبي" 2/ 1737، "تفسير السمعاني" 3/ 457، "الكشاف" 1/ 322.]]. وقوله تعالى: ﴿تُظْلَمُونَ﴾ قال عطاء: أي بطلب الزيادة ﴿وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ بالنقصان [[في (م): (النقصان).]] عن رأس المال [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 2/ 1736 بهذا اللفظ دون عزو لأحد.]]. وموضع ﴿تُظْلَمُونَ﴾ نصب على الحال من (لكم) [["الحجة" 2/ 413.]]، والتقدير: فلكم رؤوس أموالكم غير ظالمين ولا مظلومين. وروى عن عاصم في بعض الروايات: ﴿وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ بضم التاء الأولى ﴿وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ بفتح التاء الثانية [[قرأ المفضل عن عاصم (لا تُظْلَمون ولا تَظْلِمون) بضم التاء الأولى وفتح الثانية، والقراء كلهم بعكس ذلك كما ذكر ابن مجاهد في "السبعة" 192.]]، وقراءة القراء أشكل بما قبله؛ لأن الفعل الذي قبله مسند إلى فاعل، وهو قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ﴾، فتظلمون أشكل بما قبله لإسناد الفعل فيه إلى الفاعل من ﴿تُظْلَمُونَ﴾ المسند فيه [[من قوله: (فيه إلى)، من (ي) و (ش).]] الفعل إلى المفعول به [[من "الحجة" 2/ 414 بتصرف.]]. قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية قالت الإخوة المربون: بل نتوب إلى الله، فإنه لا يَدَان لنا بحرب الله ورسوله، فرضوا برأس المال، وسلّموا لأمر الله عز وجل، فشكا بنو المغيرة العسرة، وقالوا [[في (ي) (وقال).]]: آخرونا إلى أن تُدرك الغلات، فأبوا أن يؤخروا، فأنزل الله عز وجل [[ذكره مقاتل في "تفسيره" 1/ 227 والفراء في "معاني القرآن" 1/ 182، والحيري في "الكفاية" 1/ 236، والثعلبي في "تفسيره" 2/ 1737، وذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص 95 - 96، والحافظ في "العجاب" 1/ 641 عن الكلبي.]]: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب