الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: ﴿فإن لم تفعلوا﴾ فإن لم تذَروا ما بقي من الربا. * * * واختلف القرأة في قراءة قوله:"فأذنوا بحرب من الله ورسوله". فقرأته عامة قرأة أهل المدينة:"فَأْذَنُوْا" بقصر الألف من"فآذنوا"، وفتح ذالها، بمعنى: كونوا على علم وإذن. * * * وقرأه آخرون وهي قراءة عامة قرأة الكوفيين:"فَآذِنُوا" بمدّ الألف من قوله:"فأذنوا" وكسر ذالها، بمعنى: فآذنوا غيرَكم، أعلمُوهم وأخبروهم بأنكم علىَ حرْبهم. * * * قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ:"فأذَنوا" بقصر ألفها وفتح ذالها، بمعنى: اعلموا ذلك واستيقنوه، وكونوا على إذن من الله عز وجل لكم بذلك. وإنما اخترنا ذلك، لأن الله عز وجل أمر نبيه ﷺ أن ينبذ إلى من أقام على شركه الذي لا يُقَرُّ على المقام عليه، وأن يقتُل المرتدّ عن الإسلام منهم بكل حال إلا أن يراجع الإسلام، آذنه المشركون بأنهم على حربه أو لم يُؤذنوه. [[في المطبوعة: "أذنه المشركون بأنهم على حربه أو لم يأذنوه". وهو خطأ في الرسم، وفساد في المعنى بهذا الرسم. وصواب رسمه في المخطوطة، وهو صواب المعنى.]] فإذْ كان المأمور بذلك لا يخلو من أحد أمرين، إما أن يكون كان مشركا مقيمًا على شركه الذي لا يُقَرُّ عليه، أو يكون كان مسلمًا فارتدَّ وأذن بحرب. فأي الأمرين كان، فإنما نُبذ إليه بحرب، لا أنه أمر بالإيذان بها إن عَزَم على ذلك. [[في المخطوطة: "بالإنذار بها إن عزم على ذلك"، وهي صواب في المعنى، ولكن ما في المطبوعة عندي أرجح.]] لأن الأمر إن كان إليه، فأقام على أكل الربا مستحلا له ولم يؤذن المسلمون بالحرب، لم يَلزمهم حرْبُه، وليس ذلك حُكمه في واحدة من الحالين، فقد علم أنه المأذون بالحرب لا الآذن بها. وعلى هذا التأويل تأوله أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ٦٢٦١ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الرّبا"، إلى قوله: (فأذنوا بحرب من الله ورسوله﴾ : فمن كان مقيمًا على الرّبا لا ينزعُ عنه، فحقٌّ على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع، وإلا ضَرب عنقه. ٦٢٦٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا ربيعة بن كلثوم قال، حدثني أبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: يُقال يوم القيامة لآكل الرّبا:"خذ سلاحك للحرْب". [[الأثر: ٦٢٦٢- انظر الأثر السالف رقم: ٦٢٤١، والتعليق عليه.]] ٦٢٦٣- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج، قال، حدثنا ربيعة بن كلثوم، قال: حدثنا أبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مثله. ٦٢٦٤ - حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ﴿وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله﴾ أوْعدهم الله بالقتل كما تسمعون، فجعلهم بَهْرَجًا أينما ثقفوا. [[البهرج: الشيء المباح. والمكان بهرج: غير حمى. وبهرج دمه: أهدره وأبطله. وفي الحديث: أنه بهرج دم ابن الحارث.]] ٦٢٦٥ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، مثله. ٦٢٦٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:"فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله"، أوعد الآكلَ الرّبا بالقتل. [[في المطبوعة والمخطوطة: "أوعد لآكل الربا. . . " وهو لا شيء، والصواب ما أثبت.]] ٦٢٦٧ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: قوله: ﴿فأذنوا بحرب من الله ورسوله﴾ فاستيقنوا بحرب من الله ورسوله. * * * قال أبو جعفر: وهذه الأخبار كلها تنبئ عن أن قوله: ﴿فأذنوا بحرب من الله﴾ إيذان من الله عز وجل لهم بالحرب والقتل، لا أمر لهم بإيذان غيرهم. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أُمْوَالِكُمْ﴾ قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك:"إن تبتم" فتركتم أكلَ الربا وأنبتم إلى الله عز وجل ="فلكم رؤوس أموالكم" من الديون التي لكم على الناس، دون الزيادة التي أحدثتموها على ذلك ربًا منكم، كما: ٦٢٦٨ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم"، والمال الذي لهم على ظهور الرجال، [[في المطبوعة: "المال الذي لهم" بإسقاط الواو، وأثبت ما في المخطوطة وسيأتي على الصواب رقم: ٦٢٩٧. وفي المخطوطة"ظهور الرحال" بالحاء.]] جعل لهم رءوس أموالهم حين نزلت هذه الآية، فأما الربح والفضل فليس لهم، ولا ينبغي لهم أن يأخذوا منه شيئًا. ٦٢٦٩ - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك قال: وضع الله الرّبا، وجعل لهم رءوس أموالهم. ٦٢٧٠ - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله:"وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم"، قال: ما كان لهم من دَين، فجعل لهم أن يأخذوا رءوس أموالهم، ولا يزدادُوا عليه شيئًا. ٦٢٧١- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم" الذي أسلفتم، وسقط الربا. ٦٢٧٢ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ذكر لنا أنّ نبيّ الله ﷺ قال في خطبته يوم الفتح:"ألا إن ربا الجاهلية موضوعٌ كله، وأوَّل ربا أبتدئ به ربا العباس بن عبد المطلب". ٦٢٧٣- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: أن رسول الله ﷺ قال في خطبته:"إنّ كل ربا موضوع، وأول ربًا يوضع ربا العباس". [[الأثران: ٦٢٧٢، ٦٢٧٣- حديث خطبته ﷺ في حجة الوداع، رواه مسلم ٨: ١٨٢، ١٨٣ في حديث جابر بن عبد الله في حجة الوداع. وسنن البيهقي ٥: ٢٧٤، ٢٧٥. وخرجه السيوطي في الدر المنثور ١: ٣٦٧، وقال"أخرج أبو داود والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه عن عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع. . . "، وانظر ابن كثير ٢: ٦٥.]] . * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (٢٧٩) ﴾ قال أبو جعفر: يعني بقوله:"لا تَظلمون" بأخذكم رؤوس أموالكم التي كانت لكم قبل الإرباء على غُرمائكم منهم، دون أرباحها التي زدتموها ربًا على من أخذتم ذلك منه من غرمائكم، فتأخذوا منهم ما ليس لكم أخذُه، أو لم يكن لكم قبلُ="ولا تُظلمون"، يقول: ولا الغريم الذي يعطيكم ذلك دون الرّبا الذي كنتم ألزمتموه من أجل الزيادة في الأجل، يبخسُكم حقًّا لكم عليه فيمنعكموه، لأن ما زاد على رؤوس أموالكم لم يكن حقًّا لكم عليه، فيكون بمنعه إياكم ذلك ظالما لكم. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن عباس يقول، وغيرُه من أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ٦٢٧٤ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:"وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون"، فتُربون،"ولا تظلمون" فتنقصون. ٦٢٧٥ - وحدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون"، قال: لا تنقصون من أموالكم، ولا تأخذون باطلا لا يحلُّ لكم. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك:"وإن كان" ممن تقبضون منه من غرمائكم رؤوسَ أموالكم ="ذو عُسْرَة" يعني: معسرًا برؤوس أموالكم التي كانت لكم عليهم قبلَ الإرباء، فأنظروهم إلى ميسرتهم. وقوله:"ذو عسرة"، مرفوع ب"كان"، فالخبر متروك، وهو ما ذكرنا. وإنما صلح ترك خبرها، من أجل أنّ النكرات تضمِرُ لها العربُ أخبارَها، ولو وُجِّهت"كان" في هذا الموضع، إلى أنها بمعنى الفعل المكتفِي بنفسه التام، لكان وجهًا صحيحًا، ولم يكن بها حاجة حينئذ إلى خبر. فيكون تأويلُ الكلام عند ذلك: وإن وُجد ذُو عسرة من غرمائكم برؤوس أموالكم، فنَظِرة إلى ميسرة. وقد ذكر أنّ ذلك في قراءة أبي بن كعب: ﴿وَإِنْ كَانَ ذَا عُسْرَةٍ﴾ ، بمعنى: وإن كان الغريم ذا عسرة ="فنظرة إلى ميسرة". وذلك وإن كان في العربية جائزا فغيرُ جائز القراءة به عندنا، لخلافه خطوط مصاحف المسلمين. [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ١٨٦.]] * * * وأما قوله: ﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ ، فإنه يعني: فعليكم أن تنظروه إلى ميسرة، كما قال: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ﴾ [سورة البقرة: ١٩٦] ، وقد ذكرنا وجه رفع ما كان من نظائرها فيما مضى قبلُ، فأغنى عن تكريره. [[انظر ما سلف ٤: ٣٤.]] . * * * و"الميسرَة"، المفعلة من"اليُسر"، مثل"المرْحمة" و"والمشأمة". * * * ومعنى الكلام: وإن كان من غرمائكم ذو عسرة، فعليكم أن تنظروه حتى يُوسر بالدَّين الذي لكم، [[في المخطوطة والمطبوعة: "حتى يوسر بما ليس لكم"، واجتهد مصحح المطبوعة وقال: "لعل (ليس) زائدة من الناسخ". ولا أراه كذلك، بل قوله"بما ليس"، هي في الأصل الذي نقل عنه الناسخ"بالدين" مرتبطة الحروف، كما يكون كثيرا في المخطوطة القديمة، فلم يحسن الناسخ قراءتها، فقرأها"بما ليس"، وحذف"الذي"، لظنه أنها زائدة سهوا من الناسخ قبله، وتبين صحة ما أثبتناه، من كلام الطبري بعد في آخر تفسير الآية. ولو قرئت: "برأس ما لكم"، لكان صوابا في المعنى، كما يتبين من الآثار الآتية.]] فيصيرَ من أهل اليُسر به. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ٦٢٧٧ - حدثني واصل بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله:"وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة"، قال: نزلت في الربا. ٦٢٧٨ - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، حدثنا هشام، عن ابن سيرين: أن رجلا خاصَم رجلا إلى شُرَيح، قال: فقضى عليه وأمرَ بحبسه، قال: فقال رجل عند شريح: إنه مُعسرٌ، والله يقول في كتابه:"وإن كان ذو عسرة فنَظِرة إلى ميسرة"! قال: فقال شريح: إنما ذلك في الربا! وإن الله قال في كتابه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ [سورة النساء: ٥٨] ولا يأمرنا الله بشيء ثم يعذبنا عليه. ٦٢٧٩ - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم في قوله:"وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة"، قال: ذلك في الربا. ٦٢٨٠ - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن الشعبيّ أن الربيع بن خثيم كان له على رجل حق، فكان يأتيه ويقوم على بابه ويقول: أيْ فلان، إن كنت مُوسرًا فأدِّ، وإن كنت مُعسرًا فإلى مَيسرة. [[الأثر: ٦٢٨٠ - كان في المطبوعة: "مغيرة، عن الحسن. . . "، وفي المخطوطة"مغيرة، عن الحسى" مشددة الياء بالقلم، والناسخ كثير السهو والغفلة والتصحيف كما أسلفنا. وإنما هو"الشعبي"، وهذا الإسناد إلى الشعبي قد مضى مئات من المرات، انظر مثلا: ٤٣٨٥. وكان في المطبوعة: "الربيع بن خيثم" وهو تصحيف والصواب ما أثبت، وقد مضت ترجمته في رقم: ١٤٣٠.]] ٦٢٨١- حدثنا يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن محمد، قال: جاء رجل إلى شريح فكلَّمه فجعل يقول: إنه معسر، إنه مُعسر! ! قال: فظننت أنه يكلِّمه في محبوس، فقال شريح: إن الربا كان في هذا الحي من الأنصار، فأنزل الله عز وجل:"وإنْ كان ذُو عُسْرَة فَنظِرة إلى ميسرة" وقال الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ ، فما كان الله عز وجل يأمرنا بأمر ثم يعذبنا عليه، أدّوا الأمانات إلى أهلها. ٦٢٨٢- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن سعيد، عن قتادة في قوله:"وإن كان ذو عسرة فنطرة إلى ميسرة"، قال: فنظرة إلى ميسرة برأس ماله. ٦٢٨٣ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة"، إنما أمر في الربا أن ينظر المعسر، وليست النَّظِرة في الأمانة، ولكن يؤدِّي الأمانة إلى أهلها. [[في المخطوطة: "ولكن مؤدي الأمانة. . . "، وهو تصحيف من الناسخ.]] ٦٢٨٤ - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وإن كان ذو عسرة فنظرة" برأس المال ="إلى ميسرة"، يقول: إلى غنى. ٦٢٨٥- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس:"وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة"، هذا في شأن الربا. ٦٢٨٦ - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان قال [[في المطبوعة: "عبيد بن سلمان"، والصواب من المخطوطة، وقد مضى الكلام على هذا الإسناد فيما سلف.]] سمعت الضحاك في قوله: ﴿وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة﴾ ، هذا في شأن الربا، وكان أهل الجاهلية بها يتبايعون، فلما أسلم من أسلم منهم، أمِروا أن يأخذوا رءوس أموالهم. ٦٢٨٧ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:"وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة"، يعني المطلوب. ٦٢٨٨ - حدثني ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر في قوله:"وإن كان ذُو عسرة فنظِرةَ إلى ميسرة"، قال: الموت. ٦٢٨٩ - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن محمد بن علي مثله. ٦٢٩٠- حدثني المثنى قال، حدثنا قبيصة بن عقبة قال، حدثنا سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم:"وإن كان ذُو عسرة فنظرة إلى ميسرة"، قال: هذا في الربا. ٦٢٩١- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك، عن منصور، عن إبراهيم في الرجل يتزوج إلى الميسرة، قال: إلى الموت، أو إلى فُرْقة. ٦٢٩٢- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم:"فنظرة إلى ميسرة"، قال: ذلك في الربا. ٦٢٩٣ - حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا مندل، عن ليث، عن مجاهد:"فنظرة إلى ميسرة"، قال: يؤخّره، ولا يزدْ عليه. وكان إذا حلّ دين أحدهم فلم يجد ما يعطيه، زاد عليه وأخَّره. ٦٢٩٤ - وحدثني أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا مندل، عن ليث، عن مجاهد:"وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة" قال: يؤخره ولا يزدْ عليه. * * * وقال آخرون: هذه الآية عامة في كل من كان له قِبَل رجل معسر حقٌّ [[في المخطوطة: "هذه الآية عام. . . " تصحيف من الناسخ وسهو.]] من أيّ وجهة كان ذلك الحق، من دين حلال أو ربا. * ذكر من قال ذلك: ٦٢٩٥ - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك قال: من كان ذا عُسرة فنظرة إلى ميسرة، وأن تصدّقوا خير لكم. قال: وكذلك كل دين على مسلم، فلا يحلّ لمسلم له دَين على أخيه يعلم منه عُسرة أن يسجنه، ولا يطلبه حتى ييسره الله عليه. وإنما جعل النظرة في الحلال، فمن أجل ذلك كانت الدّيون على ذلك. ٦٢٩٦- حدثني علي بن حرب قال، حدثنا ابن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس:"وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة" قال: نزلت في الدَّين. [[الأثر: ٦٢٩٦-"علي بن حرب بن محمد بن علي الطائي". قال النسائي: "صالح"، وقال أبو حاتم: "صدوق" توفي سنة ٢٦٥، مترجم في التهذيب.]] * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في قوله:"وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة"، أنه معنيٌّ به غرماء الذين كانوا أسلموا على عهد رسول الله ﷺ، ولهم عليهم ديون قد أربَوْا فيها في الجاهلية، فأدركهم الإسلام قبل أن يقبضوها منهم، فأمر الله بوضع ما بقي من الربا بعد ما أسلموا، وبقبض رؤوس أموالهم، ممن كان منهم من غرمائهم موسرا، أو إنظار من كان منهم معسرا برؤوس أموالهم إلى ميسرتهم. فذلك حكم كل من أسلم وله ربا قد أربى على غريم له، فإن الإسلام يبطل عن غريمه ما كان له عليه من قِبْل الربا، ويلزمه أداء رأس ماله - الذي كان أخذ منه، أو لزمه من قبل الإرباء - إليه، إن كان موسرا. [[سياق العبارة"ويلزمه أداء رأس ماله. . . إليه. . . "، وما بينهما فصل.]] وإن كان معسرا، كان منظرا برأس مال صاحبه إلى ميسرته، وكان الفضل على رأس المال مبطلا عنه. غير أن الآية وإن كانت نزلت فيمن ذكرنا، وإياهم عنى بها، فإن الحكم الذي حكم الله به: من إنظاره المعسر برأس مال المربي بعد بطول الربا عنه، حكم واجب لكل من كان عليه دين لرجل قد حل عليه، وهو بقضائه معسر: في أنه منظر إلى ميسرته، لأن دين كل ذي دين، في مال غريمه، وعلى غريمه قضاؤه منه - لا في رقبته. فإذا عدم ماله، فلا سبيل له على رقبته بحبس ولا بيع، وذلك أن مال رب الدين لن يخلو من أحد وجوه ثلاثة: إما أن يكون في رقبة غريمه، أو في ذمته يقضيه من ماله، أو في مال له بعينه. = فإن يكن في مال له بعينه، فمتى بطل ذلك المال وعدم، فقد بطل دين رب المال، وذلك ما لا يقوله أحد. = ويكون في رقبته، [[في المطبوعة: "ويكون في رقبته"، والصواب من المخطوطة.]] فإن يكن كذلك، فمتى عدمت نفسه، فقد بطل دين رب الدين، وإن خلف الغريم وفاء بحقه وأضعاف ذلك، وذلك أيضا لا يقوله أحد. فقد تبين إذا، إذ كان ذلك كذلك، أن دين رب المال في ذمة غريمه يقضيه من ماله، فإذا عدم ماله فلا سبيل له على رقبته، لأنه قد عدم ما كان عليه أن يؤدي منه حق صاحبه لو كان موجودا، وإذا لم يكن على رقبته سبيل، لم يكن إلى حبسه وهو معدوم بحقه، سبيل. [[في المطبوعة: "لم يكن إلى حبسه بحقه وهو معدوم سبيل" قدم"بحقه"، وأثبت ما في المخطوطة، فهو صواب جيد.]] لأنه غير مانعه حقا، له إلى قضائه سبيل، فيعاقب بمطله إياه بالحبس. [[في المطبوعة: "فيعاقب بظلمه إياه. . . "، وفي المخطوطة"فيعاقب بطله إياه. . " وصواب قراءتها ما أثبت. مطله حقه يمطله مطلا، وماطله مطالا: سوفه ودافعه بالعدة والدين. هذا، وأبو جعفر رضي الله عنه، رجل قويم الحجة، أسد اللسان، سديد المنطق، عارف بالمعاني ومنازلها من الرأي، ومساقطها من الصواب. وهذه حجة بينة فاصلة من حججه التي أشرت إليها كثيرا في بعض تعليقي على هذا التفسير الجليل.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب