الباحث القرآني

﴿الَّذِينَ ينَقُضُونَ﴾. (والذين) من صفة الفاسقين. و (النقض) في اللغة: الهدم، وإفساد ما أبرمته من حبل أو بناء [[ذكر نحوه الأزهري عن الليث، "تهذيب اللغة" (نقض) 4/ 3648، وانظر "اللسان" (نقض) 8/ 4524.]]، و (نقيض الشيء) [[في (أ): (نقيض).]]: ما ينقضه [[في (أ) و (ج): (ما تنقضه) وما في (ب) أصح، وموافق لما في "الوسيط" 1/ 68.]] اي: يهدمه ويرفع حكمه [[النقض: لغة: هو الكسر، وفي الاصطلاح: بيان تخلف الحكم المدعي عليه ثبوته أو نفيه عن دليل المعلل الدال عليه في بعض الصور. انظر "التعريفات" للجرجاني ص 245. والتناقض: (اختلاف قضيتين بالإيجاب والسلب بحيث يقتضي لذاته أن يكون إحداهما صادقة والأخرى كاذبة) انظر: "تيسير القواعد المنطقية شرح الرسالة الشمسية" 1/ 169.]]. والمناقضة في الشعر أن [[في (ب): (الشعر أو يقول ...).]] يقول الشاعر قصيدة، فينقض عليه شاعر آخر حتى يجيء بغير ما قال، والاسم النقيضة [[في (ب): (النقضة).]] ويجمع على النقائض، ولهذا المعنى قالوا: نقائض [[في (ب): (أنقاض).]] جرير والفرزدق [[ذكره الأزهري في "التهذيب" عن الليث (نقض) 8/ 364، انظر "اللسان" (نقض) 8/ 4524.]]. وقوله تعالى: ﴿عَهْدَ اللَّهِ﴾. (العهد) في اللغة يكون لأشياء مختلفة [[ذكر الأزهري عن أبي عبيد أن العهد يكون في أشياء مختلفة ثم ذكرها، انظر: "التهذيب" (عهد) 3/ 32607.]]، والذي أريد به هاهنا الوصية [[انظر: "تفسير ابن عطية" 1/ 217.]] والأمر من قولهم: عهد الخليفة إلى فلان كذا وكذا، أي [[في (ب): (أدا).]]: أمره. ومنه قوله تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ﴾ [يس: 60] أي ألم آمركم [[أنظر: "تهذيب اللغة" (عهد) 3/ 2607.]]. والعهد أيضًا [[في (ج): (أيضم).]] العقد الذي يتوثق به لما بعد [[انظر: "التهذيب" (عهد) 3/ 2607، "مفردات الراغب" ص 350.]]. وذكر أبو إسحاق للعهد [[في (ب): (العهد).]] المذكور في هذه الآية وجهين [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 73، 72، وقد ذكر ثلاثة أوجه، وجهان ذكرهما المؤلف هنا، والثالث حين قال: وقال قوم: إن عهد الله: هو الاستدلال على توحيده، وأن كل مميز يعلم أن الله خالق، فعليه الإيمان به، ثم قال: والقولان الأولان في القرآن ما يصدق تفسيرهما. وذكر "الطبري" هذِه الوجوه وغيرها.]] أحدهما: ما أخذه على النبيين ومن اتبعهم ألا يكفروا بالنبي ﷺ، وذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ﴾ [آل عمران: 81]. وقال [[هذا هو الوجه الثاني.]]: يجوز أن يكون عهد الله الذي أخذه من بين آدم من ظهورهم يوم الميثاق حين قال: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: 172] ثم جحدوا ونقضوا ذلك العهد في حال كمال عقولهم. والوجه الأول أصحهما، من قبل أن الله لا يحتج عليهم بما لا يعرفون، لأنه بمنزلة ما لم يكن إذا كانوا لا يشعرون به، ولا لهم دلالة عليه. والثاني مع هذه صحيح، لأنهم [[في (أ)، (ج): (لأنه) وأثبت ما في (ب) لأنه أصح في السياق.]] عرفوا ذلك العهد بخبر الصادق، فكان كما لو كانوا يشعرون به [[وبهذا يستدرك الواحدي على كلامه السابق عن العهد الذي أخذه الله على بني آدم حين استخرج ذرية آدم من ظهره، فهذا العهد ثابت بالخبر الصحيح، أخرجه "الطبري" في (تفسيره)، وجمع محمود شاكر طرقه وانتهى إلى الأخذ بما قرره == أحمد شاكر من تصحيح الحديث انظر: "الطبري" 13/ 223 ،222. قال ابن الجوزي: (ونحن وإن لم نذكر ذلك العهد، فقد ثبت بخبر الصادق فيجب الإيمان به) "زاد المسير" 1/ 56. ويبقى السؤال هل الميثاق المأخوذ عليهم هو العهد المراد بهذِه الآية أم لا؟ رجح ابن جرير: أن المراد بالعهد في هذِه الآية العهد الذي أخذه الله على بني إسرائيل في التوراة من الإقرار بمحمد ﷺ بما جاء به وتبيين نبوته. انظر: "الطبري" 1/ 182 - 183. ورجح القرطبي وغيره. أنها عامة والعهد هو وصية الله تعالى إلى خلقه وأمره إياهم بطاعته وطاعة رسله، ونقضهم للعهد ترك ذلك. انظر: "القرطبي" 1/ 210، ابن كثير 1/ 70.]]. وهذا [[في (أ)، (ج): (هذِه) وأثبت ما في (ب) لأنه أصح في السياق.]] الوجه هو قول ابن عباس ذكره في قوله: ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ [الرعد: 25] في سورة الرعد، قال: يريد الذي [[في (ب): (الذين).]] عهد إليهم في صلب آدم ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ [[سورة الأعراف: 172. الأثر عن ابن عباس ذكره الواحدي في "الوسيط" قال (وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء) "الوسيط" 1/ 68. ولم أجد الأثر عن ابن عباس في هذا المعنى في آية (البقرة) ولا في آية (الرعد) وقد وردت آثار عن ابن عباس من طريق عطاء في الميثاق الذي أخذه الله على بني آدم أوردها "الطبري" في تفسير قوله تعالى: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: 172] وليس في الآثار ذكر أنه هو العهد المراد بآية البقرة أو الرعد. انظر: "تفسير الطبري" 9/ 110 - 118.]]. وقوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾. (من) صلة لأجل التأكيد [[وقيل: لابتداء الغاية، انظر: "إملاء ما من به الرحمن" 1/ 27، "زاد المسير" 1/ 56، "البحر" 1/ 127، قال أبو حيان: إن القول إنها زائدة بعيد.]]. والميثاق: ما وقع التوثيق [[في (ب): (للتوثيق).]] به، كما أن الميقات ما وقع التوقيت به، ومواقيت الحج من ذلك، لأنه وقع توقيت الإحرام ببلوغها. والكتاب أو الكلام الذي يستوثق به: ميثاق، الوقت الذي يعقد به الوعد: ميعاد [[في (ج): (من معاد).]]، وكذلك المصداق [[في (ب): (الصداق).]] ما انعقد الصدق به [[انظر. "الوسيط" 1/ 69، و"الطبري" 1/ 184، "تهذيب اللغة" (وثق) 4/ 3834، "الكشاف" 2/ 268، "البحر" 1/ 127، "القرطبي" 1/ 211.]]. و (الياء) في الميثاق منقلبة عن الواو [[انظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 59 ب، "القرطبي" 1/ 211.]]. وقال الفراء: يقال في جمع الميثاق: مياثق ومواثق، قال [[قول الفراء أورده الأزهري في "تهذيب اللغة"، قال: وأنشد في لغة (الياء)، أي (مياثق) "التهذيب" (وثق) 4/ 3834، وانظر "اللسان" (وثق) 8/ 4764.]]: حِمىً لاَ يُحَلُّ الدَّهْرَ إلَّا بِإذْنِنَا ... وَلَا نَسْأَلُ الأَقْواَمَ عَقْدَ المَيَاثِقِ [[البيت لعياض بن درة الطائي، وقيل: عياض بن أم درة، يصف قومه بالمنعة والقوة يقول: لنا حمى لا يحله احد إلا بإذننا، ولا نسأل أحدا عقد ميثاق حماية. ورد البيت في "تهذيب اللغة" (وثق) 4/ 3834، "إصلاح المنطق" ص 138، "الخصائص" 3/ 175، "اللسان" (وثق) 8/ 4764، "شرح المفصل" 5/ 221، وأورد أبو زيد البيت على رواية (المواثق) وقال عن راوية المياثق: إنها شاذة: انظر "النوادر" ص 271.]] والكناية في الميثاق يجوز أن تكون [[في (أ)، (ج): (يكون) واخترت ما في (ب) لأنه أصح في السياق.]] عائدة على الله، [أي: من بعد ميثاق الله ذلك العهد، بما أكد من إيجابه عليهم. ويجوز أن تعود على العهد] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ، ج) والزيادة في (ب) يقتضيها السياق وقد وردت في "الوسيط" 1/ 69.]]، أي: من بعد ميثاق العهد وتوكده [[انظر "الطبري" 1/ 184، وابن عطية 1/ 218، "زاد المسير" 1/ 56، "الإملاء" 1/ 27، "الكشاف" 1/ 268.]]. وقوله تعالى: ﴿وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ [الرعد: 25] يعني الأرحام [[رجح "الطبري" هذا القول 1/ 185، وانظر الثعلبي 1/ 555 ب، "تفسير أبي الليث" 1/ 105، "زاد المسير" 1/ 57، وابن كثير 1/ 70.]]، وذلك أنّ قريشاً قطعوا رحم النبي ﷺ بالمعاداة معه [[وهي عامة لكل قاطع لما أمر الله بوصله، انظر: "الطبري" 1/ 185.]]. وقيل: هو الإيمان بجميع الرسل والكتب، وهو نوع من الصلة، لأنهم قالوا: ﴿نُؤمِنُ بِبَعضٍ وَنَكفُرُ بِبَعضٍ﴾ [النساء: 150] فقطعوا. وهذا الوجه هو قول ابن عباس ذكره في الآية التي في (الرعد) [[وهي قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾.]]، وقال: المؤمن لا يفرق [بين أحد من رسله فوصلوا [[وصلوا بينهم الإيمان بجميع الرسل. انظر: "الوسيط" 1/ 69. والرواية عن ابن عباس ذكرها أبو الليث من طريق الضحاك وعطاء، في آية (البقرة) ولم أجد أحدًا - فيما اطلعت عليه- ذكرها في الرعد، الظر: "الطبري" 13/ 139 - 140، وقد ذكر الثعلبي1/ 59 ب، والبغوي 1/ 77، كلام ابن عباس بمعناه ولم ينسباه.]]. قال الزجاج: وموضع ﴿أَنْ يُوصَلَ﴾ خفض على، [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] البدل من (الهاء) المعنى: ما أمر الله أن يوصل [[انتهي كلام الزجاج، "معاني القرآن" 1/ 73، وفيه (بأن يوصل).]]. ﴿وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ بالمعاصي، وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد ﷺ [[انظر: "الطبري" 1/ 185، والثعلبي 1/ 59 ب.]]. وقوله تعالى: ﴿أُوْلئِكَ هُمُ الخاَسِرُونَ﴾. أصل الخسران في التجارة أن يبتاع الرجل شيئًا فيوضع من رأس ماله [[في (ب): (المال).]]، وهي الوضيعة فيه، والمصدر: الخسارة والخسر، وصفقة [[في (ب): (وصفقته).]] خاسرة غير مربحة، هذا هو الأصل [[انظر: "الطبري" 1/ 185، "التهذيب" (خسر) 1/ 1028، "مفردات الراغب" 147.]]، ثم قيل لكل صائر إلى مكروه: خاسر، لنقصان حظه من الخير، والقوم نقصوا [[في (ب): (نقضوا).]] بكفرهم راحة أنفسهم التي كانت لهم لو آمنوا، فاستحقوا العقوبة وفاتتهم المثوبة [[انظر: "الطبري" 1/ 185، والثعلبي 1/ 59 ب، "القرطبي" 1/ 212.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب