الباحث القرآني

﴿ٱلَّذِینَ یَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِیثَـٰقِهِۦ﴾ - تفسير

١٠٣٦- عن سعد بن أبي وقاص -من طريق ابنه مصعب- قال: الحَرُورِيَّةُ هم الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، وكان يسميهم الفاسقين[[أخرجه البخاري (٤٧٢٨)، وابن جرير ١٥/٤٢٥، وابن أبي حاتم ١/٧١-٧٢.]]١١٨. (١/٢٢٦)

١١٨ علَّقَ ابنُ كثير (١/٣٢٨) على قول سعد ﵄ بقوله: «وهذا الإسناد إن صحَّ عن سعد بن أبي وقاص ﵄ فهو تفسير على المعنى، لا أنّ الآية أُرِيد منها التنصيص على الخوارج الذين خرجوا على عليّ بالنهروان؛ فإن أولئك لم يكونوا حال نزول الآية، وإنما هم داخلون بوصفهم فيها مع من دخل؛ لأنهم سُمُّوا خوارج لخروجهم عن طاعة الإمام والقيام بشرائع الإسلام».

١٠٣٧- عن أبي العالية -من طريق الربيع بن أنس- في قوله: ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثاقِهِ﴾ إلى قوله: ﴿أولئك هم الخاسرون﴾، قال: هي سِتُّ خِصال في المنافقين، إذا كانت فيهم الظَّهرَة على الناس أظهروا هذه الخصائص: إذا حَدَّثوا كَذَبوا، وإذا وعدوا أخْلَفُوا، وإذا ائْتُمِنُوا خانوا، ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه، وقطعوا ما أمر الله به أن يُوصَل، وأفسدوا في الأرض. وإذا كانت الظَّهرَة عليهم أظهروا الخصال: إذا حَدَّثوا كَذَبُوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا ائْتُمِنُوا خانوا[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٧١.]]. (ز)

١٠٣٨- وعن الربيع بن أنس -من طريق أبي جعفر-، نحوه[[أخرجه ابن جرير ١/٤٣٩. وعلَّقه ابن أبي حاتم ١/٧١.]]. (ز)

١٠٣٩- عن قتادة -من طريق سعيد- في قوله: ﴿الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه﴾، قال: إيّاكم ونقضَ هذا الميثاق، فإن الله قد كَرِه نقضَه، وأَوْعَد فيه، وقدَّم فيه في آيٍ من القرآن تقدمة ونصيحة وموعظة وحجة، ما نعلم اللهَ أوْعَد في ذنب ما أوْعَد في نقض هذا الميثاق، فمَن أعطى عهد الله وميثاقه من ثمرة قلبه فلْيُوفِ به الله[[أخرجه ابن جرير ١/٤٣٩. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ.]]. (١/٢٢٧)

١٠٤٠- عن إسماعيل السدي -من طريق أسباط- ﴿الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه﴾، قال: هو ما عَهِد عليهم في القرآن، فأقَرُّوا به، ثم كفروا، فنَقَضُوه[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٧١. وعزا السيوطي آخره إلى ابن جرير من قول ابن مسعود وناس من الصحابة.]]. (ز)

١٠٤١- قال مقاتل بن سليمان: ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثاقِهِ﴾ فنقضوا العهد الأول، ونقضوا ما أخذ عليهم في التوراة -أن يعبدوا الله، ولا يُشْرِكوا به شيئًا، وأن يؤمنوا بالنبي ﷺ-، وكفروا بعيسى وبمحمد ﵉، وآمنوا ببعض الأنبياء، وكفروا ببعض[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٩٥.]]. (ز)

١٠٤٢- عن مقاتل بن حيان -من طريق بُكَيْر بن معروف- قوله: ﴿الذين ينقضون عهد الله﴾ يعني: ميثاقه الأول الذي أخذ عليهم أن يعبدوه ولا يُشْرِكوا، ﴿من بعد ميثاقه﴾ في التوراة أن يؤمنوا بمحمد ﷺ، ويُصَدِّقُوه. فكفروا، ونَقَضُوا الميثاقَ الأول[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٧١.]]١١٩. (ز)

١١٩ علَّقَ ابنُ عطية (١/١٥٩) على قولٍ مشابهٍ لهذا، واستبعدَه لدلالة السّياق، بقوله: «فالآية على هذا في أهل الكتاب، وظاهر ما قبلُ وبعدُ أنّها في جميع الكفار».

١٠٤٣- عن يحيى بن سلّام: ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثاقِهِ﴾، قال: هو الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم، وتفسيره في سورة الأعراف[[تفسير ابن أبي زمنين ١/١٣٠. وآخر كلامه يشير إلى قوله تعالى: ﴿وإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وأَشْهَدَهُمْ عَلى أنْفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أنْ تَقُولُوا يَوْمَ القِيامَةِ إنّا كُنّا عَنْ هَذا غافِلِينَ (١٧٢)﴾.]]١٢٠. (ز)

١٢٠ رَجَّحَ ابنُ جرير (١/٤٣٨) بالسياق أن تكون هذه الآية نازلةً في كُفّارِ أحْبارِ أهل الكتاب، والمنافقين منهم، وأن يكون المراد بالعهد ما أخذه الله عليهم في التوراة من العمل بما فيها، واتِّباع محمد ﷺ إذا بُعِث، والتصديق به، ونقضهم ذلك: هو جحودهم به بعد معرفتهم بحقيقته، وإنكارهم ذلك، وكتمانهم عِلْمَ ذلك الناسَ. ويدخل في أحكامهم كلُّ مَن كان على مِثْلِ ما كانوا عليه من الضَّلال، فقال: «وإنما قلت: إنه عنى بهذه الآيات مَن قلتُ إنه عنى بها؛ لأن الآيات من ابتداء الآيات الخمس والست من سورة البقرة فيهم نزلت إلى تمام قصصهم، وفي الآية التي بعد الخبر عن خلق آدم وبيانه في قوله: ﴿يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم﴾ [البقرة:٤٠]، وخطابِه إيّاهم -جَلَّ ذكره- بالوفاء في ذلك خاصة دون سائر البشر؛ ما يَدُلُّ على أن قوله: ﴿الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه﴾ مقصودٌ به كفارُهم ومنافقوهم ومَن كان من أشياعهم من مشركي عبدة الأوثان على ضلالهم. غير أنّ الخطاب -وإن كان لمن وصفتُ من الفريقين- فداخل في أحكامهم وفيما أوجب الله لهم من الوعيد والذم والتوبيخ كُلُّ من كان على سبيلهم ومنهاجهم من جميع الخلق، وأصناف الأمم المخاطبين بالأمر والنهي». وحَسَّنَ ابنُ كثير (١/٣٢٩-٣٣٠) أن يكون عُنِي بهذه الآية جميعُ أهل الشرك والكفر والنفاق، وأنّ المراد بالعهد: هو ما وضعه الله لجميع الكُفّار من الأدلة الدّالَّة على ربوبيته، وما احتج به لرسله من المعجزات. ونقضُهم إياه: تركُهم الإقرارَ بما ثبتت لهم صحتُه، وتكذيبهم الرسل والكتب، مع علمهم أنّ ما أتوا به حقٌّ. ونقل ابن عطية (١/١٥٩) في معنى العهد أقوالًا أخرى، فقال: «وقال آخرون: بل نصب الأدلة على وحدانية الله بالسماوات والأرض وسائر الصنعة هو بمنزلة العهد. وقال آخرون: بل هذا العهد هو الذي أخذه الله على عباده بواسطة رسله: أن يوحدوه، وأن لا يعبدوا غيره ... وقال قتادة: هذه الآية هي فيمن كان آمن بالنبي ﷺ ثم كفر به فنقض العهد».

﴿ٱلَّذِینَ یَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِیثَـٰقِهِۦ﴾ - آثار متعلقة بالآية

١٠٤٤- عن أنس، قال: خَطَبَنا رسول الله ﷺ، فقال: «ألا لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له»[[أخرجه أحمد ١٩/٣٧٥-٣٧٦ (١٢٣٨٣)، ٢٠/٣٢-٣٣ (١٢٥٦٧)، ٢٠/٤٢٣ (١٣١٩٩)، ٢١/٢٣١ (١٣٦٣٧)، وابن حبان ١/٤٢٣ (١٩٤). قال البزار في مسنده ١٣/٤٣٩ (٧١٩٦): «وهذا الحديث لا نعلم أحدًا رواه عن النبي ﷺ بهذا اللفظ إلا أنسًا، ولا نعلم له طريقًا عن أنس إلا هذا الطريق، وأبو هلال قد روى عنه جماعة من أهل العلم، واحتملوا حديثه، وإن كان غير حافظ». وقال البغوي في شرح السنة ١/٧٤-٧٥ (٣٨): «هذا حديث حسن». وقال الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة ٥/٧٣-٧٤ (١٦٩٩): «كذا رواه مُؤَمّل، وخالفه حجاج، فرواه عن حماد، عن ثابت وحميد ويونس، عن الحسن، عن النبي ﷺ مرسلًا. قال الدارقطني: والمرسل أصح». وقال الهيثمي في المجمع ١/٩٦ (٣٤١): «وفيه أبو هلال، وثَّقَه ابنُ معين وغيره، وضَعَّفَه النسائيُّ وغيره».]]. (١/٢٢٧)

١٠٤٥- عن عائشة، قالت: قال رسول الله ﷺ: «حُسْنُ العَهْد من الإيمان»[[أخرجه الحاكم ١/٦٢ (٤٠). قال الحاكم: «هذا حديث صحيح، على شرط الشيخين؛ فقد اتفقا على الاحتجاج برواته في أحاديث كثيرة، وليس له عِلَّة». ولم يتعقبه الذهبي. وقال ابن حجر في الفتح ١٠/٤٣٦: «وإسناده ضعيف». وصَحَّحه الألباني في الصحيحة ١/٤٢٤ (٢١٦).]]. (١/٢٢٨)

﴿وَیَقۡطَعُونَ مَاۤ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦۤ أَن یُوصَلَ﴾ - تفسير

١٠٤٦- عن سعد بن أبي وقاص -من طريق ابنه مصعب- قال: الحَرُورِيَّةُ الذين قال الله: ﴿ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل﴾[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٧٢.]]. (ز)

١٠٤٧- عن عبد الله بن عباس: ﴿ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل﴾، يعني: ما أمر الله به من الإيمان بالنبيين كلهم[[ذكره يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين ١/١٣٠-.]]. (ز)

١٠٤٨- عن قتادة -من طريق سعيد- في قوله: ﴿ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل﴾، قال: الرَّحِم، والقَرابَة[[أخرجه ابن جرير ١/٤٤١. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١/٢٢٨)

١٠٤٩- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط-: ﴿ويقطعون ما أمر الله به أن يُوصَل﴾ من الأرحام[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٧٢.]]. (ز)

١٠٥٠- قال مقاتل بن سليمان: نظيرها في الرعد [٢٥]: ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثاقِهِ ويَقْطَعُونَ ما أمَرَ اللَّهُ بِهِ أنْ يُوصَلَ﴾ من إيمانٍ بمحمد ﷺ، ﴿ويُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ ولَهُمْ سُوءُ الدّارِ﴾[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٩٥.]]. (ز)

١٠٥١- عن مُقاتِل بن حَيّان -من طريق بُكَيْر بن معروف- قوله: ﴿ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل﴾ في محمد ﷺ، والنبيين والمرسلين من قبله، أن يؤمنوا جميعًا، ولا يُفَرِّقوا بين أحد منهم[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٧٢.]]١٢١. (ز)

١٢١ رَجَّحَ ابن جرير (١/٤٤٠) بدلالة القرآن، والنّظائر أنّ الذي رَغّب اللهُ في وصْله، وذَمّ على قطعه في هذه الآية: الرَّحِمُ، فقال: «الذي رَغَّب اللهُ في وصْله، وذمّ على قطعه في هذه الآية: الرَّحِمُ، وقد بَيَّن ذلك في كتابه، فقال تعالى: ﴿فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم﴾ [محمد: ٢٢]». ثُمَّ حَكى (١/٤٤١) القولَ بالعموم في المراد من القطع، بقوله: «وقد تَأَوَّل بعضُهم ذلك أنّ الله ذَمَّهم بقطعهم رسول الله ﷺ، والمؤمنين به، وأرحامَهم، واستشهد على ذلك بعموم ظاهر الآية، وأَن لا دلالة على أنه مَعْنِيٌّ بها بعض ما أمر الله بوصله دون بعض. وهذا مذهبٌ من تأويل الآية غيرُ بعيد من الصواب، ولكن الله -جَلَّ ثناؤه- قد ذكر المنافقين في غير آية من كتابه، فوصفهم بقطع الأرحام. فهذه نظيرة تلك، غير أنها وإن كانت كذلك فهي دالَّةٌ على ذَمِّ اللهِ كُلَّ قاطعٍ قطع ما أمر الله بوصله رَحِمًا كانت أو غيرها». ورَجَّحَ ابنُ عطية (١/١٥٩-١٦٠ بتصرف) العمومَ في الآية، فقال: «قال جمهور أهل العلم: الإشارة في هذه الآية إلى دين الله، وعبادته في الأرض، وإقامة شرائعه، وحفظ حدوده. وهذا هو الحقُّ، والرَّحِمُ جزءٌ من هذا».

﴿وَیُفۡسِدُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ﴾ - تفسير

١٠٥٢- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- في قوله: ﴿ويفسدون في الأرض﴾، قال: يعملون فيها بالمعصية[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٧٢.]]. (١/٢٢٨)

١٠٥٣- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ويُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ﴾، يعني: ويعملون فيها بالمعاصي[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٩٥.]]. (ز)

١٠٥٤- عن مقاتل بن حيان -من طريق بُكَيْر بن معروف- في قوله: ﴿ويفسدون في الأرض﴾، قال: أعمالهم السيئة التي يعملون بها في الأرض[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٧٢ (٢٩٧).]]. (ز)

﴿أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ ۝٢٧﴾ - تفسير

١٠٥٥- عن عبد الله بن عباس -من طريق أبي رَوْق، عن الضحاك- قال: كُلُّ شيء نسبه الله إلى غير أهل الإسلام من اسم -مثل: خاسِر، ومُسْرِف، وظالِم، وفاسِق- فإنما يعني به: الكفر، وما نسبه إلى أهل الإسلام فإنما يعني به: الذَّنب[[أخرجه ابن جرير ١/٤٤٢. وعزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.]]. (١/٢٢٨)

١٠٥٦- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ويَقْطَعُونَ ما أمَرَ اللَّهُ بِهِ أنْ يُوصَلَ ويُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ﴾ يعني: ويعملون فيها بالمعاصي، ﴿أُولئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ﴾ في العقوبة، يعني: اليهود[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٩٥.]]. (ز)

١٠٥٧- عن مقاتل بن حيان -من طريق بُكَيْر بن معروف- قوله: ﴿أولئك هم الخاسرون﴾، يقول: هم أهل النار[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٧٢ (٢٩٩) من رواية محمد بن مزاحم، عن بكير، وأخرجه ١/٧٢ (٢٩٨) من رواية الوليد عن بكير، بلفظ: في الآخرة. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (١/٢٢٨)

    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب