الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾. (الصم): جمع الأصم، وهو الذي به صمم، وهو انسداد الأذن، ويقال: رمح أصم: إذا لم يكن أجوف، وصخرة صماء: إذا كانت صلبة، والصمام ما يسد [[في (أ)، (ج) (يشد) بالشين، وما في (ب) موافق لما في كتب اللغة وهو ما أثبته،]] به رأس القارورة، هذا أصله في اللغة [[انظر "تهذيب اللغة" (صم) 2/ 2058، "الصحاح" (صمم) 5/ 1967، "مقاييس اللغة" (صمم) 3/ 278، "مفردات الراغب" ص 286، (تفسير "القرطبي") 1/ 185.]]. ولما كان الانسداد يؤدي إلى الشدة والصلابة قيل للصخرة الشديدة: صماء. وارتفع (صم) على الاستئناف، كأنه لما تم الكلام الأول استأنف فقال: صم، أي: هم صم [[قال ابن جرير: (... يأتيه الرفع من وجهين، والنصب من وجهين. فأما أحد وجهي الرفع: فعلى الاستئناف لما فيه من الذم ... والوجه الآخر: على نية التكرار من (أولئك) ... فأما على تأويل ما روينا عن ابن عباس من غير وجه رواية علي بن أبي طلحة عنه، فإنه لا يجوز فيه الرفع إلا من وجه واحد، وهو الاستئناف ... والقراءه التي هي القراءة، الرفع دون النصب ...) "تفسير الطبري" 1/ 146.]]. وقال أبو إسحاق [[الزجاج.]]: كأنه قال: هؤلاء الذين قصتهم ما مضى (صم) [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 59، نقل كلام الزجاج بمعناه.]]. ويجوز الاستئناف قبل تمام القصة، كقوله تعالى: ﴿جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابً﴾ [النبأ: 36]، ثم قال: ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [[قال الفراء: (ولو تم الكلام ولم تكن آية، لجاز أيضا الاستئناف، قال تعالى: ﴿جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ﴾ (الرحمن) يرفع ويخفض في الإعراب وليس الذي قبله بآخر آية). "معاني القرآن" 1/ 16. وما ذكره الواحدي يتم على قراءة الرفع في (رب) وبها قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو. انظر "السبعة" ص 669، "القطع والاستئناف" للنحاس ص 759، "الغاية" ص 286.]] وقال أيضا ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ﴾ [[(وأموالهم) ساقط من (أ)، (ج).]] [التوبة: 112] ثم قال: ﴿التَّائِبُونَ﴾ [التوبة:113] [[ذكره الفراء حيث قال: فأما ما جاء في رؤوس الآيات مستأنفا فكثير، من ذلك - ثم ذكره "معاني القرآن" 1/ 16.]]. وقال النابغة: تَوَهَّمْتُ آياتٍ لها فَعَرَفْتُها ... لستَّةِ أعوامٍ وَذَا العَامُ سَابِع [[البيت للنابغة الذبياني يمدح النعمان، ومعنى توهمت: أي لم يعرفها إلا توهما لخفاء معالمها، آيات: علامات للدار وما بقى من آثارها، لستة أعوام: أي بعد ستة أعوام ثم قال بعده: رَمَادٌ كَكُحل العَيْنِ لأيًا أُبِينُهُ ... ونؤى كجذْمِ الحَوْضِ أَثْلَمُ خَاشِعُ ومعنى لأيا أبينه: أي أتبينه بصعوبة لخفائه. البيت من "شواهد سيبويه" 2/ 86، "المقتضب" 4/ 322، وهو في "ديوان النابغة" ص 53، "مجاز القرآن" ص 33.]] ثم قال: (رماد) [[أي: في البيت الذي بعد سبق ذكره.]] فاستأنف، ولم يبدل [[ذكره أبو عبيدة. انظر: "مجاز القرآن" ص 33.]]. قال أهل المعاني: وإنما وصفهم الله تعالى بالصم [[في (ب): (بالصم).]] لتركهم قبول ما يسمعون، والعرب تقول لمن يسمع ولا يعمل على ما يسمعه: أصم. قال الشاعر: أَصَمُّ عَمَّا سَاءَهُ سَمِيعُ [[ورد هذا الرجز في "تهذيب اللغة" (صمم) 2/ 2058، "اللسان" (صمم) 4/ 2500، "شرح الحماسة" للمرزوقي 3/ 1450، "الكشاف" 1/ 204، "القرطبي" في "تفسيره" 1/ 186. جميعها بدون نسبة، ومعناه: هو أصم عما لا يليق به، معرض عما ساءه مع أنه يملك السمع.]] و (بكم) عن الخير، فلا [[في (أ)، (ج) (ولا) وما في (ب) أولى لصحة المعنى.]] يقولونه، و (عمي)، لأنهم في تركهم ما يبصرون من الهداية بمنزلة العمى [[انظر "تفسير الطبري" 1/ 146، (تفسير أبي الليث) 1/ 99، والبغوي في "تفسيره" 1/ 69، (تفسير أبي الليث) 1/ 54 أ، "البحر" 1/ 81، 82.]]. وقوله تعالى: ﴿لَا يَرْجِعُونَ﴾ أي إلى الإسلام، أو عن الجهل والعمى [[انظر "الطبري" في "تفسيره" 1/ 146، والثعلبي في "تفسيره" 1/ 54 أ.]]. قال محمد بن جرير: هذه الآية معناها التقديم والتأخير، والتقدير (وما كانوا مهتدين صم بكم ...) الآية، ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي﴾ [البقرة: 17]، ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ﴾ [البقرة: 19]، مثل آخر عطف على الأول. قال: لأن قوله ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [البقرة: 17] في الآخرة، إذا قلنا: إنه وصف المنافقين [[في (ج) (للمنافقين).]]، والخبر بأنهم صم بكم في الدنيا، فلهذا قلنا: إن هذا على التقَديم والتأخير [[ذكر كلام ابن جرير بمعناه انظر (تفسيره) 1/ 146.]]. وقال غيره: يجوز أن يعترض ذكر حالهم في الدنيا بعد وصف حالهم في الآخرة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب