الباحث القرآني

ثم عاد الكلام إلى ما قبل القصة فقال: ﴿هُنَالِكَ﴾ قال الكلبي: (يقول عند ذلك، وهو يوم القيامة) [["النكت والعيون" 3/ 309، وذكره السمرقندي في "بحر العلوم" 2/ 300 بدون نسبة، وكذلك القرطبي 10/ 411.]]. وذكرنا عند [[قوله: (عند) ساقط من الأصل.]] قوله: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ﴾ [آل عمران: 38] أنه يجوز أن يشار بهنالك إلى المكان، وإلى ما مضى من الزمان. وقوله تعالى: ﴿الْوَلَايَةُ﴾ أكثر القراء على فتح الواو [[قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وعاصم، وأبو عمر: (الولاية) بفتح الواو. وقرأ حمزة، والكسائي: (الولاية) بكسر الواو. انظر: "السبعة" ص 392) "الحجة للقراء السبعة" 5/ 149، "التبصرة" ص 248، "العنوان" ص 123.]]، والولاية: نقيض العداوة، ومعناها التولي، وهو مصدر الوَلِيِّ [[انظر: "تهذيب اللغة" (ولى) 4/ 3955، "مقاييس اللغة" (ولى) 6/ 141، "لسان العرب" (ولى) 8/ 4920.]]. وروي عن أبي عمرو، والأصمعي أنهما قالا: (الولاية بالكسر هاهنا لحن [[قولهما: (أن الكسر هنا لحن). قول لا يعول عليه ، لأنه مخالف لقراءة سبعية ثابتة عن النبي -ﷺ-، والقراءة الثابتة حجة على اللغة، فلا يجوز ردها أو تضعيفها، كما أن الفتح والكسر هنا جائز عند أكثر أهل اللغة.]]، والكسر في فعالة يجيء فيما كان صنعة نحو: الخياطة والصناعة [[في (ص): (الصياغة).]]، أو معنى متقلدًا كالكتابة والإمارة والخلافة، وليس هنا معنى تولي أمر، إنما [[في (س): (إنما هو الولاية).]] الولاية من الدين) [["المحرر الوجيز" 9/ 318، "البحر المحيط" 6/ 130، "الدر المصون" 7/ 499، "الحجة للقراء السبعة" 5/ 149.]]. وكذلك التي في الأنفال: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنفال: 72]. وأما ولاية الأمور فهو بالكسر، كولاية السلطان، ومن أهل اللغة من يقول: يجوز الفتح في هذه، والكسر في تلك. كما قالوا: الوِكالة والوَكالة، والوصاية والوصاية بمعنى واحد [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 150، "إملاء ما من به الرحمن" 1/ 399، "الدر المصون" 7/ 498.]]. وقوله تعالى: ﴿لِلَّهِ الْحَقِّ﴾ من كسر القاف جعله من وصف الله سبحانه، ووصفه بالحق وهو مصدر كوصفه بالعدل وبالسلام [[قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وعاصم: (لله الحقِّ) بالكسر. انظر: "الحجة للقراء السبعة" 5/ 149، "الغاية في القراءات العشر" ص 307، " التبصرة" ص 249، "النشر" 2/ 311.]]. والمعنى: أنه ذو الحق وذو السلام. وكذلك الإله معناه ذو العبادة، ويدل على صحة هذه القراءة: ﴿وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾ [النور: 25]، وقوله: ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾ [الأنعام: 62]، ويصدقه قراءة عبد الله: (هنالك الولاية لله وهو الحق) [[انظر كتاب قراءة عبد الله بن مسعود ص 124.]]. وقرأ أبو عمرو والكسائي: ﴿للهِ الحقُّ﴾ بضم القاف [[قرأ أبو عمرو البصري، والكسائي: (لله الحقُّ) بالضم. انظر: "السبعة" ص 392، "الحجة للقراء السبعة" 5/ 149، "المبسوط في القراءات" 235، "حجة القراءات" 418.]]. جعلا الحق من صفة الولاية، وحجتهما قراءة أبي: (هنالك الولاية الحقّ لله) [["معالم التنزيل" 5/ 173، "روح المعاني" 15/ 285، "البحر المحيط" 6/ 131.]]. ومعنى وصف الولاية بالحق: أنه لا يشوبها غيره، ولا يخاف فيها ما يخاف في سائر الولايات من غير الحق. وأما معنى الآية فقال أبو إسحاق: (في تلك الحال بيانُ الولاية لله أي: عند ذلك يتبين وليُّ الله بتولي الله إياه) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 289.]]. قوله: (في تلك الحال) يعني: في حال مجازاة الله الكافر والمؤمن الولاية لله، على معنى: هنالك يتبين ذلك على ما ذكر. وقال ابن قتيبة: (يريد يومئذ يتولون الله ويؤمنون به، ويتبرؤون مما كانوا يعبدون) [["تفسير غريب القرآن" 1/ 268.]]. وهذا أظهر من قول الزجاج. وذهب غيرهما في معنى الولاية في هذه الآية: إلى تولي الأمر، لا إلى معنى الموالاة، فقال: (معنى الآية: في ذلك الموطن الذي هو موطن الجزاء لا يتمكن أحد من نصرة أحد، بل الله تعالى يتولى ذلك، فينصر المؤمنين ويخذل الكافرين، لا يملك ذلك أحد من العباد، فالولاية يومئذ تخلص له كما قال: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: 4] [["معالم التنزيل" 5/ 173، "النكت والعيون" 3/ 309، "الجامع لأحكام القرآن" 10/ 411، "التفسير الكبير" 21/ 129.]]. وقوله تعالى: ﴿هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا﴾ يقول: هو أفضل ثوابًا يقول: هو أفضل ثوابًا ممن يرجى ثوابه. قال أهل المعاني: (قوله: ﴿هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا﴾ مع أنه لا يثبت إلا هو، على تقدير: لو كان يثبت غيره لكان هو خير ثوابًا) [["معالم التنزيل" 5/ 173، "الجامع لأحكام القرآن" 10/ 411.]]. وقيل: (هذا على ادعاء الجهال والكفار أنه قد يثبت غير الله) [["الجامع لأحكام القرآن" 10/ 411.]]. ﴿وَخَيْرٌ عُقْبًا﴾ وعُقُبَا [[قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي: (عُقُبا) مضمومة القاف. وقرأ عاصم، وحمزة: (عُقْبا) ساكنة القاف. انظر: "السبعة" ص 392، "الحجة للقراء السبعة" 5/ 150، "التبصرة" ص 249، "العنوان" ص 123، "حجة القراءات" ص 419.]]. وهما لغتان في العاقبة يقال: عُقْب، وعُقُب، وعَاقِبَة وعُقْبى، والعقب لا يكون لله تعالى كما يكون الثواب له. ولا يجوز أن يضاف العاقبة إلى الله تعالى أو يوصف بالعاقبة، وإنما المعنى عاقبة طاعته خير من عاقبة طاعة غيره، فهو خير عقب طاعة وإثابة ونصرة وما يكون من هذا المعنى، ثم حذف المضاف إليه [["تفسير غريب القرآن" 1/ 268، "مجاز القرآن" 1/ 405، "القرطبي" 1/ 411.]]. ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾ [الكهف: 45].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب