قوله تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ﴾ الآية، قال ابن عباس في رواية عطاء: (يريد ابني ملك كان في بني إسرائيل توفي وترك ابنين، فاتخذ أحدهما القصور والأجنة، والآخر كان زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرة، فكان إذا عمل أخوه شيئًا من زينة الدنيا أخذ مثل ذلك فقدم لآخرته، واتخذ به عند الله الأجنة والقصور، حتى نفذ ماله. فضربهما مثلاً للمؤمن والكافر الذي أبطرته النعمة) [["معالم التنزيل" 5/ 169 - 170، "المحرر الوجيز" 9/ 305 - 306، "النكت والعيون" 3/ 306، "زاد المسير" 5/ 138 - 139.]].
وقال الكلبي: (هما أخوان من بني مخزوم [[بني مخزوم: هذه النسبة ترجع إلى قبيلتين: إحداهما تنسب إلى بني مخزوم بن عمرو، ومخزوم قريش هو: مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، وقد نسب إلى هذه القبيلة خلق كثير، وأما مخزوم بن المغيرة فقد نسب إليه عدد كبير.
انظر: "الأنساب" 5/ 225، "اللباب" 4/ 179، "نهاية الأرَب" (281)، "الاشتقاق" 2/ 269.]]: أحدهما مؤمن وهو: أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد [[عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي، أبو سلمة المكي، أمه برة بنت عبد المطلب، وكان أخًا للنبي -ﷺ- من الرضاعة، هاجر الهجرتين، وشهد بدرًا مع النبي -ﷺ-، توفي -رضي الله عنه- بالمدينة في حياة النبي -ﷺ- في السنة الرابعة من الهجرة، فتزوج النبي -ﷺ- بزوجته أم سلمة -رضي الله عنه-.
انظر: "أسد الغابة" 3/ 190، "الإصابة في تمييز الصحابة"، "سيرة ابن هشام" 1/ 252، "تهذيب التهذيب" 5/ 251.]] زوج أم سلمة. والآخر: كافر وهو: الأسود [["الكشف والبيان" 3/ 389 ب، "بحر العلوم" 2/ 298، "معالم التنزيل" 5/ 169 - 170، "الكشاف" 2/ 389، "الجامع لأحكام القرآن" 10/ 399.]].
قال أبو إسحاق: (كان المشركون سألوا النبي -ﷺ- بمشورة اليهود عن قصة أصحاب الكهف، وعن الروح، وعن هذين الرجلين فأعلمه الله الجواب؛ لأنه مثل له -ﷺ- وللكفار، ومثل لجميع من آمن بالله، وجميع من عَنَدَ عنه وكفر به) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 284.]]. فقال: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ﴾ منصوب [[في (ص): (رجلين منصوب).]] على معنى المفعول.
وقوله تعالي: ﴿وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ﴾ الحفُّ: الإطافة بالشيء، يقال: حفَّ القوم بسيدهم يَحُفُّون بضم الحاء إذا أطافوا به وعكفوا [[انظر: "تهذيب اللغة" (حف) 1/ 869، "الصحاح" (حف) 4/ 1344، "القاموس المحيط" (حف) ص 801، "لسان العرب" (حفف) 2/ 930.]]، ومنه قوله: ﴿حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ﴾ [الزمر: 75]. والمعنى: جعلنا النخل مطبقًا بها ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا﴾ أي: بين الجنتين ﴿زَرْعًا﴾ ثم أخبر أنهما كاملتان في مادة حملهما وأعنابهما، والزرع الذي بينهما.
{"ayah":"۞ وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلࣰا رَّجُلَیۡنِ جَعَلۡنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَیۡنِ مِنۡ أَعۡنَـٰبࣲ وَحَفَفۡنَـٰهُمَا بِنَخۡلࣲ وَجَعَلۡنَا بَیۡنَهُمَا زَرۡعࣰا"}