الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ فَإِنْ قِيلَ: أَيْنَ جَوَابُ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ ؟ قِيلَ: جَوَابُهُ قَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي﴾ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ﴾ فَكَلَامٌ مُعْتَرِضٌ [[زاد المسير: ٥ / ١٣٧.]] . وَقِيلَ: فِيهِ إِضْمَارٌ مَعْنَاهُ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَإِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَهُمْ بَلْ نُجَازِيهِمْ ثُمَّ ذَكَرَ الْجَزَاءَ فَقَالَ [[زاد المسير: ٥ / ١٣٧.]] . ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ أَيْ: إِقَامَةٌ يُقَالُ: عَدَنَ فُلَانٌ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ سُمِّيَتْ عَدْنًا لِخُلُودِ الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ﴾ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يُحَلَّى كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَلَاثَ أَسَاوِرَ وَاحِدٌ مِنْ ذَهَبٍ وَوَاحِدٌ مِنْ فِضَّةٍ وَوَاحِدٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَيَوَاقِيتَ ﴿وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ﴾ وَهُوَ مَا رَقَّ مِنَ الدِّيبَاجِ ﴿وَإِسْتَبْرَقٍ﴾ وَهُوَ مَا غَلُظَ مِنْهُ وَمَعْنَى الْغِلَظِ فِي ثِيَابِ الْجَنَّةِ: إِحْكَامُهُ وَعَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: السُّنْدُسُ هُوَ الدِّيبَاجُ الْمَنْسُوجُ بِالذَّهَبِ ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا﴾ فِي الْجِنَانِ ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ وَهِيَ السُّرُرُ فِي الْحِجَالِ وَاحِدَتُهَا أَرِيكَةٌ ﴿نِعْمَ الثَّوَابُ﴾ أَيْ نِعْمَ الْجَزَاءُ ﴿وَحَسُنَتْ﴾ الْجِنَانُ ﴿مُرْتَفَقًا﴾ أَيْ: مَجْلِسًا وَمَقَرًّا. ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ﴾ الْآيَةَ قِيلَ: نَزَلَتْ فِي أَخَوَيْنِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ أَحَدُهُمَا مُؤْمِنٌ وَهُوَ أَبُو سَلَمَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ عَبْدِ يَالِيلَ [[انظر: البحر المحيط: ٦ / ١٢٤.]] [وَكَانَ زَوْجَ أُمِّ سَلَمَةَ قَبْلَ النَّبِيِّ ﷺ وَالْآخَرُ كَافِرٌ وَهُوَ الْأُسُودُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ عَبْدِ يَالِيلَ] [[ما بين القوسين ساقط من "ب".]] . وَقِيلَ: هَذَا مَثَلٌ لِعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَأَصْحَابِهِ مَعَ سَلْمَانَ وَأَصْحَابِهِ شَبَّهَهُمَا بِرَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَخَوَيْنِ أَحَدُهُمَا مُؤْمِنٌ وَاسْمُهُ يَهُوذَا فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَمْلِيخَا وَالْآخَرُ كَافِرٌ وَاسْمُهُ قُطْرُوسُ وَقَالَ وَهْبٌ: قِطْفِيرُ وَهُمَا اللَّذَانِ وَصَفَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ "وَالصَّافَّاتِ" وَكَانَتْ قِصَّتُهُمَا عَلَى مَا حَكَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ: كَانَ رَجُلَانِ شَرِيكَيْنِ لَهُمَا ثَمَانِيَةُ آلَافِ دِينَارٍ وَقِيلَ: كَانَا أَخَوَيْنِ وَرِثَا مِنْ أَبِيهِمَا ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِينَارٍ فَاقْتَسَمَاهَا فَعَمَدَ أَحَدُهُمَا فَاشْتَرَى أَرْضًا بِأَلْفِ دِينَارٍ فَقَالَ صَاحِبُهُ: اللَّهُمَّ إِنَّ فُلَانًا قَدِ اشْتَرَى أَرْضًا بِأَلْفِ دِينَارٍ فَإِنِّي أَشْتَرِي مِنْكَ أَرْضًا فِي الْجَنَّةِ بِأَلْفِ دِينَارٍ فَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَارٍ ثُمَّ إِنَّ صَاحِبَهُ بَنَى دَارًا بِأَلْفِ دِينَارٍ فَقَالَ هَذَا: اللَّهُمَّ إِنَّ فُلَانًا بَنَى دَارًا بِأَلْفِ دِينَارٍ فَإِنِّي أَشْتَرِي مِنْكَ دَارًا فِي الْجَنَّةِ بِأَلْفِ دِينَارٍ فَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ ثُمَّ تَزَوَّجَ صَاحِبُهُ امْرَأَةً فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا أَلْفَ دِينَارٍ فَقَالَ هَذَا الْمُؤْمِنُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَخْطِبُ إِلَيْكَ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ الْجَنَّةِ بِأَلْفِ دِينَارٍ فَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَارٍ ثُمَّ اشْتَرَى صَاحِبُهُ خَدَمًا وَمَتَاعًا بِأَلْفِ دِينَارٍ فَقَالَ هَذَا: اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْتَرِي مِنْكَ مَتَاعًا وَخَدَمًا فِي الْجَنَّةِ بِأَلْفِ دِينَارٍ فَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَارٍ ثُمَّ أَصَابَتْهُ حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ فَقَالَ: لَوْ أَتَيْتُ صَاحِبِي لَعَلَّهُ يَنَالُنِي مِنْهُ مَعْرُوفٌ فَجَلَسَ عَلَى طَرِيقِهِ حَتَّى مَرَّ بِهِ فِي حَشَمِهِ فَقَامَ إِلَيْهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ الْآخَرُ فَعَرَفَهُ فَقَالَ: فُلَانٌ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: أَصَابَتْنِي حَاجَةٌ بَعْدَكَ فَأَتَيْتُكَ لِتُصِيبَنِي بِخَيْرٍ فَقَالَ: مَا فَعَلَ مَالُكَ وَقَدِ اقْتَسَمْنَا مَالًا وَاحِدًا [[ساقط من "أ".]] وَأَخَذْتَ شَطْرَهُ؟ فَقَصَّ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ فَقَالَ: وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ بِهَذَا [[ساقط من "ب".]] ؟ اذْهَبْ فَلَا أُعْطِيكَ شَيْئًا فَطَرَدَهُ فَقُضِيَ لَهُمَا أَنْ تُوُفِّيَا فَنَزَلَ فِيهِمَا: "فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ" (الصَّافَّاتِ-٥٠،٥١) . وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ أَخَذَ بِيَدِهِ وَجَعَلَ يَطُوفُ بِهِ وَيُرِيهِ أَمْوَالَ نَفْسِهِ فَنَزَلَ فِيهِمَا [[انظر: زاد المسير: ٥ / ١٣٨-١٣٩، البحر المحيط: ٦ / ١٢٤، تفسير القرطبي: ١٠ / ٣٩٩-٤٠٠. والقصة من رواية الكلبي وهو ضعيف.]] . ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ﴾ اذْكُرْ لَهُمْ خَبَرَ رَجُلَيْنِ ﴿جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ﴾ بُسْتَانَيْنِ ﴿مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ﴾ أَيْ: أَطَفْنَاهُمَا مِنْ جَوَانِبِهِمَا بِنَخْلٍ وَالْحِفَافُ: الْجَانِبُ وَجَمْعُهُ أَحِفَّةٌ، يُقَالُ: حَفَّ بِهِ الْقَوْمُ أَيْ: طَافُوا بِجَوَانِبِهِ ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا﴾ أَيْ: جَعَلْنَا حَوْلَ الْأَعْنَابِ النَّخِيلَ وَوَسَطَ الْأَعْنَابِ الزَّرْعَ. وَقِيلَ: "بَيْنَهُمَا" أَيْ بَيْنَ الْجَنَّتَيْنِ زَرْعًا يَعْنِي: لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْجَنَّتَيْنِ مَوْضِعٌ خَرَابٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب