الباحث القرآني

﴿وَضَرَبَ الله مَثَلًا رَجُلَيْنِ﴾ قال أبو زيد: رجل أبْكَم وهو العَيُّ المُفْحَمُ، وقد بَكِمَ بَكَمًا وبَكَامَةً، وقال أيضًا: الأبْكَمُ: الأقْطَعُ اللِّسَانِ؛ وهو العَيُّ بالجوابِ الذي لا يُحْسِنُ وَجْهَ الكَلَامِ [[لم أجده في نوادره، وورد في "تهذيب اللغة" (بكم) 1/ 379، بنصه.]]؛ لأنه لا يَفْهَم ولا يُفْهَم عنه. وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ﴾، أي: هذا الأبكم ثِقْلٌ وَوَبَالٌ على صاحبه وقرينه وابن عمه وَوَلِيِّه، والكلّ: الذي هو عِيالٌ وثِقْلٌ على صاحبه [[ورد في "تهذيب اللغة" (كل) 4/ 3176، بنصه.]]. قال أهل المعاني: وأصله من الغِلَظ الذي هو نقيض الحدة، يقال: كَلّ السكينُ كلولاً، إذا غَلُظَ شفرته فلم يقطع، وكَلَّ لسانه إذا لم ينبعث في القول لِغِلَظه وذهاب حَدّه، وكَلّ عن الأمر يَكَلُّ إذا ثقل عليه فلم ينبعث فيه، فهو يَكَلُّ إذا لم ينفذ في الأمر [[ورد بنحوه في: "أدب الكاتب" ص 333، و"تفسير الطوسي" 6/ 410، و"الفخر == الرازي" 20/ 86، و"تفسير القرطبي" 10/ 150، والخازن 3/ 127، وانظر: (كل) في "المحيط في اللغة" 6/ 141، و"مجمل اللغة" 2/ 765، و"الصحاح" 5/ 1811.]]. وقوله تعالى: ﴿أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ﴾ أي أينما [[في جميع النسخ: (إنما)، والمثبت هو الصحيح.]] يرسله، ومعنى التوجيه: أن ترسل صاحبك في وجه من الطريق، يقال: وجهته إلى موضع كذا فتوَجَّه إليه [[انظر: "تفسير الفخر الرازي" 20/ 86، بنصه تقريبًا.]]. وقوله تعالى: ﴿لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ﴾ لأنه عاجز لا يُحْسِن ولا يَفْهَم ما يُقَال له ولا يُفْهَم عنه، ﴿هَلْ يَسْتَوِي هُوَ﴾ أي هذا الأبكم الذي هو بهذا الوصف، ﴿وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ أي ومن هو قادر تام التمييز متكلم ناطق بالحق، آمرٌ بالعدل قادرٌ على الأمور مُصَرِّفٌ لها على أحسن الوجوه، ﴿وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ قال ابن عباس: يريد على دين مستقيم [[انظر: "تقسير الخازن" 3/ 127، وأبي حيان 5/ 519، بلا نسبة فيهما.]]. وللمفسرين في هذه الآية قولان كما ذكرنا في الآية الأولى، فمن قال في المثل الأول أنه مَثَلُ الأوثان والله تعالى، قال في هذه الآية أيضًا: إن هذا مَثَلٌ كالأول، وهو قول مجاهد والسدي وقتادة [[أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" 2/ 359 بمعناه عن قتادة، والطبري 14/ 149 - 150 بنصه عن مجاهد من طريقين، وبنحوه عن قتادة، وورد في "تفسير السمرقندي" 2/ 244، بنحوه عن السدي، والثعلبي 2/ 160 ب بمعناه عن مجاهد، و"تفسير الماوردي" 3/ 204 ب معناه، وانظر: "تفسير ابن الجوزي" 4/ 473، عن مجاهد وقتادة، والفخر الرازي 20/ 87، و"تفسير القرطبي" 10/ 149، عن مجاهد، وأبي حيان 5/ 519، عن قتادة، وابن كثير 2/ 637 - 638، عن مجاهد، و"الدر المنثور" 4/ 236، وزاد نسبته إلى ابن المنذر عن قتادة.]]، واختيار الفراء [["معاني القرآن" للفراء 2/ 111.]] والزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 214.]] وابن قتيبة [["الغريب" لابن قتيبة 1/ 248.]]. قال مجاهد: كل هذا مَثَلُ إله الحق وما يُدْعَى من دونه من الباطل [[سبق توثيقه.]] وقال السدي: أما الأبكم فمِثْلُ الصنم؛ لأنه أَبْكَمُ لا ينطق، وهو كَلّ على عابديه؛ يُنْفِقون عليه ولا يُنْفِق هو عليهم ولا يَرْزقُهم، ﴿أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ﴾: الصنم من شرق أو غرب لا يأت بخير، يقول: لا يرزقهم ولا ينفعهم، ﴿هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾، والذي يأمر بالعدل: الله تبارك وتعالى، ونحو هذا قال قتادة [[أخرجه الطبري 14/ 155، بنحوه عن قتادة، و"الدر المنثور" 4/ 235 - 236، وعزاه إلى ابن أبي حاتم، بنحوه عن السدي.]]. وقال الزجاج: هل يستوي القادرُ التامُ التمييزِ والعاجزُ الذي لا يُحْسِن ولا يأتي بخير، فكيف تُسَوُّون بين الله عز وجل وبين الأحجار [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 214، بنصه.]]. وقال ابن قتيبة: هذا مَثَلُ آلهتهم؛ لأنها بُكْمٌ صُمّ عُمْيٌ، ثِقْلٌ على من عبدَها في خدمتها، وهي لا تأتيه بخير [["تأويل مشكل القرآن" ص 385، بنحوه تقريبًا.]]. ثم قال: ﴿هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ فجعل هذا المَثَلَ لنفسه، وقال في قوله: ﴿وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ﴾ هذا مثل للصنم الذي عبدوه، ﴿وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ﴾؛ لأنه يحمله إذا ظَعَن، وُيحَوِّلَه من مكان إلى مكان إذا تحرك، فقال الله تعالى: ﴿هَلْ يَسْتَوِي﴾: هذا الصنم الكَلّ، ﴿وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾، وهو استفهام معناه التوبيخ، كأنه قال: لا تُسَوُّوا بين الصنمِ الكَلِّ وبين الخالق عز وجل [[ورد في "تهذيب اللغة" (كل) 4/ 3176، بنصه تقريبًا.]]. وقال آخرون: هذا مثل للمؤمن والكافر، وهو قول ابن عباس في رواية عطية [[أخرجه الطبري 14/ 150، بنحوه ضعيفة، وورد في "تفسير الثعلبي" 2/ 160 ب، بنصه، و"تفسير الماوردي" 3/ 204، وانظر: "تفسير البغوي" 5 - 23 - 34، وابن الجوزي 4/ 473، وأبي حيان 5/ 519، وابن كثير 2/ 637.]]. ثم اختلفوا فيمن نزل، فروى يَعْلَى بن مُنْيَةَ [[يَعْلَى بن أُمَيَّة التميمي -رضي الله عنه- ينسب حينًا إلى أبيه وحينًا إلى أمه مُنْيَة، وقيل: هي أم أبيه، جزم بذلك الدارقطني، أبو صفوان، صحابي، أسلم يوم الفتح وشهد حنينًا والطائف وتبوك، شهد صفين مع علي -رضي الله عنه-، مات سنة بضع وأربعين. انظر: "الاستيعاب" 4/ 147، و"أسد الغابة" 5/ 523، و"الإصابة" 3/ 668 (9358)، و"تقريب التهذيب" ص 609 (7839).]] عن ابن عباس: أنها نزلت في عثمان بن عفان ومولاه؛ كان عثمان -رضي الله عنه- ينفق عليه ويكفيه المؤونة، وكان مولاه يكره الإسلام، وينهاه عن الصدقة ويمنعه من النفقة [[أخرجه الطبري 14/ 151 بنصه تقريبًا، ورد في "تفسير الثعلبي" 2/ 160 ب، بنصه، و"تفسير الماوردي" 3/ 204، بمعناه، وانظر: "تفسير ابن الجوزي" 4/ 473، والفخر الرازي 2/ 870، و"تفسير القرطبي" 10/ 149، وابن كثير 2/ 638، و"الدر المنثور" 4/ 235 - 236، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر.]]. وقال في رواية عطاء، الأبكم: أُبي بن خلف الجمحي، ﴿وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ﴾ يريد كَلّ على قومه، كان يؤذيهم، ﴿هَلْ يَسْتَوِي هُوَ﴾، يريد أبي ابن خلف، ﴿وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾، يريد حمزة وعثمان بن مظعون [[ورد في "تفسير الثعلبي" 2/ 160 ب، بنصه مختصرًا، وانظر: "تفسير البغوي" 5/ 33 - 34، وابن الجوزي 4/ 473، و"القرطبي" 10/ 149، وهذا كالمَثَلِ الأول؛ لا دليل صحيح على تخصيصه بأحد بعينه، وحسبك تضارب الروايات لرده، والصحيح حمل الآية على العموم. انظر: التعليق على آية [75]، و"تفسير أبي حيان" 5/ 520، و"تفسير الألوسي" 14/ 197.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب