الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٧٦] ﴿وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أحَدُهُما أبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وهو كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هو ومَن يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وهو عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ .
﴿وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا﴾ أيْ: مَثَلًا آخَرَ يَدُلُّ عَلى ما دَلَّ عَلَيْهِ المَثَلُ السّابِقُ عَلى وجْهٍ أوْضَحَ: ﴿رَجُلَيْنِ أحَدُهُما أبْكَمُ﴾ أيْ: أخْرَسُ: ﴿لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ﴾ أيْ: مِمّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ المِنطِيقُ المُفْصِحُ عَمّا في نَفْسِهِ: ﴿وهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ﴾ أيْ: ثَقِيلٌ عَلى مَن يَلِي أمْرَهُ، لِعَدَمِ اهْتِمامِهِ بِإقامَةِ مَصالِحِ نَفْسِهِ: ﴿أيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ﴾ أيْ: حَيْثُ يُرْسِلُهُ في أمْرٍ لا يَأْتِ بِنَجْحِهِ وكِفايَةِ مُهِمِّهِ: ﴿هَلْ يَسْتَوِي هو ومَن يَأْمُرُ بِالعَدْلِ﴾ أيْ: ومَن هو بَلِيغٌ مِنطِيقٌ ذُو كِفايَةٍ ورُشْدٍ لِيَنْفَعَ النّاسَ، بِحَثِّهِمْ عَلى العَدْلِ الشّامِلِ لِجَمِيعِ الفَضائِلِ.
{ وهو } أيْ: في نَفْسِهِ مَعَ ما ذَكَرَ مِن نَفْعِهِ العامِّ: ﴿عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ أيْ: عَلى سِيرَةٍ صالِحَةٍ ودِينٍ قَوِيمٍ، لا يَتَوَجَّهُ إلى مَطْلَبٍ إلّا ويَبْلُغُهُ بِأقْرَبِ سَعْيٍ وأسْهَلِهِ.
قالَ الأزْهَرِيُّ: ضَرَبَ تَعالى مَثَلًا لِلصَّنَمِ الَّذِي عَبَدُوهُ وهو لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ، فَهو كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ؛ لِأنَّهُ يَحْمِلُهُ إذا ظَعَنَ فَيُحَوِّلُهُ مِن مَكانٍ إلى مَكانٍ. فَقالَ اللَّهُ تَعالى: هَلْ يَسْتَوِي هَذا الصَّنَمُ الكَلُّ، ومَن يَأْمُرُ بِالعَدْلِ ؟ اسْتِفْهامٌ مَعْناهُ التَّوْبِيخُ، كَأنَّهُ قالَ: لا تُسَوُّوا بَيْنَ الصَّنَمِ وبَيْنَ الخالِقِ جَلَّ جَلالُهُ. انْتَهى.
(p-٣٨٣٦)وإلَيْهِ أشارَ الزَّمَخْشَرِيُّ بِقَوْلِهِ: وهَذا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ، ولِما يُفِيضُ عَلى عِبادِهِ ويَشْمَلُهم مَعَ آثارِ رَحْمَتِهِ وألْطافِهِ ونِعَمِهِ الدِّينِيَّةِ والدُّنْيَوِيَّةِ. ولِلْأصْنامِ الَّتِي هي أمْواتٌ لا تَضُرُّ ولا تَنْفَعُ. انْتَهى.
وناقَشَ الرّازِيُّ في حَمْلِهِ عَلى الصَّنَمِ بِأنَّ الوَصْفَ بِالرَّجُلِ وبِالبُكْمِ وبِالكَلِّ وبِالتَّوَجُّهِ في جِهاتِ المَنافِعِ، يَمْنَعُ مِن حَمْلِها عَلى الوَثَنِ. وكَذا الوَصْفُ في الثّانِي بِأنَّهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، يَمْنَعُ مِن حَمْلِهِ عَلى اللَّهِ تَعالى. انْتَهى.
وقَدْ يُقالُ في جَوابِهِ: بِأنَّ الأوْصافَ الأُوَلَ، وإنْ كانَتْ ظاهِرَةً في الإنْسانِ ) والأصْلُ في الإطْلاقِ ما يَتَبادَرُ وهو الحَقِيقَةُ ) إلّا أنَّ المُقامَ صَرَفَها إلى الوَثَنِ؛ لِأنَّ الآياتِ في بَيانِ حَقارَةِ ما يُعْبَدُ مِن دُونِهِ تَعالى، وكَوْنِهِ لا يَصْلُحُ لِلْأُلُوهِيَّةِ بِوَجْهٍ ما؛ لِما فِيهِ مِن صِفاتِ النَّقْصِ. وأمّا الوَصْفُ في قَوْلِهِ: ﴿عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ فَكَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [هود: ٥٦] فَصَحَّ الحَمْلُ.
ثُمَّ رَأيْتُ لِلْإمامِ ابْنِ القَيِّمِ في (أعْلامُ المُوقِّعِينَ) ما يُؤَيِّدُ ما اعْتَمَدْناهُ حَيْثُ قالَ في بَحْثِ أمْثالِ القُرْآنِ، في هَذَيْنِ المَثَلَيْنِ ما صُورَتُهُ:
فالمَثَلُ الأوَّلُ: يَعْنِي قَوْلَهُ تَعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا﴾ [النحل: ٧٥] الآيَةَ، ضَرَبَهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ لِنَفْسِهِ ولِلْأوْثانِ. فاللَّهُ سُبْحانَهُ هو المالِكُ لِكُلِّ شَيْءٍ. يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ عَلى عَبِيدِهِ سِرًّا وجَهْرًا ولَيْلًا ونَهارًا. يَمِينُهُ مَلْأى لا يُغِيضُها نَفَقَةٌ، سَحّاءُ اللَّيْلَ والنَّهارَ. والأوْثانُ مَمْلُوكَةٌ عاجِزَةٌ لا تَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ، فَكَيْفَ يَجْعَلُونَها شُرَكاءَ إلَيَّ ويَعْبُدُونَها مِن دُونِي، مَعَ هَذا التَّفاوُتِ العَظِيمِ والفَرْقِ المُبِينِ ؟ هَذا قَوْلُ مُجاهِدٍ وغَيْرِهِ.
وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هو مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ والكافِرِ، ومَثَلُ المُؤْمِنِ في الخَيْرِ الَّذِي عِنْدَهُ ثُمَّ رَزَقَهُ مِنهُ حَسَنًا، فَهو يُنْفِقُ مِنهُ عَلى نَفْسِهِ وعَلى غَيْرِهِ سِرًّا وجَهْرًا. والكافِرُ بِمَنزِلَةِ عَبْدٍ مَمْلُوكٍ (p-٣٨٣٧)عاجِزٍ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ؛ لِأنَّهُ لا خَيْرَ عِنْدَهُ. فَهَلْ يَسْتَوِي الرَّجُلانِ عِنْدَ أحَدٍ مِنَ العُقَلاءِ ؟ والقَوْلُ الأوَّلُ أشْبَهُ بِالمُرادِ، فَإنَّهُ أظْهَرُ في بُطْلانِ الشِّرْكِ، وأوْضَحُ عِنْدَ المُخاطَبِ، وأعْظَمُ في إقامَةِ الحُجَّةِ، وأقْرَبُ نَسَبًا بِقَوْلِهِ: ﴿ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهم رِزْقًا مِنَ السَّماواتِ والأرْضِ شَيْئًا ولا يَسْتَطِيعُونَ﴾ [النحل: ٧٣] ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثالَ إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٧٤] ثُمَّ قالَ: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ﴾ [النحل: ٧٥] ومِن لَوازِمِ هَذا المَثَلِ وأحْكامِهِ أنْ يَكُونَ المُؤْمِنُ المُوَحِّدُ مِمَّنْ رَزَقَهُ مِنهُ رِزْقًا حَسَنًا. والكافِرُ المُشْرِكُ كالعَبْدِ المَمْلُوكِ الَّذِي لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ. فَهَذا مِمّا يُنَبِّهُ عَلَيْهِ المَثَلُ وأرْشَدَ إلَيْهِ. فَذَكَرَهُ ابْنُ عَبّاسٍ مُنَبِّهًا عَلى إرادَتِهِ، لا أنَّ الآيَةَ اخْتُصَّتْ بِهِ. فَتَأمَّلْهُ فَإنَّكَ تَجِدُهُ كَثِيرًا في كَلامِ ابْنِ عَبّاسٍ وغَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ في فَهْمِ القُرْآنِ. فَيَظُنُّ الظّانُّ أنَّ ذَلِكَ هو مَعْنى الآيَةِ الَّتِي لا مَعْنى لَها غَيْرُهُ، فَيَحْكِيهِ قَوْلُهُ.
وأمّا المَثَلُ الثّانِي، فَهو مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى لِنَفْسِهِ ولِما يَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ أيْضًا. فالصَّنَمُ الَّذِي يُعْبَدُ مِن دُونِهِ بِمَنزِلَةِ رَجُلٍ أبْكَمَ لا يَعْقِلُ ولا يَنْطِقُ. بَلْ وهو أبْكَمُ القَلْبِ واللِّسانِ، قَدْ عُدِمَ النُّطْقَ القَلْبِيَّ واللِّسانِيَّ، مَعَ هَذا فَهو عاجِزٌ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ البَتَّةَ. وعَلى هَذا فَأيْنَما أرْسَلْتَهُ لا يَأْتِيكَ بِخَيْرٍ، ولا يَقْضِي لَكَ حاجَةً. واللَّهُ سُبْحانَهُ حَيٌّ قادِرٌ مُتَكَلِّمٌ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وهو عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. وهَذا وصْفٌ لَهُ بِغايَةِ الكَمالِ والحَمْدِ. فَإنَّ أمْرَهُ بِالعَدْلِ، وهو الحَقُّ يَتَضَمَّنُ أنَّهُ سُبْحانَهُ عالِمٌ بِهِ مُعْلِمٌ لَهُ، راضٍ بِهِ آمِرٌ لِعِبادِهِ بِهِ، مُحِبٌّ لِأهْلِهِ لا يَأْمُرُ بِسِواهُ، بَلْ تَنَزَّهَ عَنْ ضِدِّهِ الَّذِي هو الجَوْرُ والظُّلْمُ والسَّفَهُ والباطِلُ. بَلْ أمْرُهُ وشَرْعُهُ عَدْلٌ كُلُّهُ. وأهْلُ العَدْلِ هم أوْلِياؤُهُ وأحِبّاؤُهُ. وهُمُ المُجاوِرُونَ لَهُ عِنْدَ يَمِينِهِ، عَلى مَنابِرَ مِن نُورٍ. وأمْرُهُ بِالعَدْلِ يَتَناوَلُ الأمْرَ الشَّرْعِيَّ الدِّينِيَّ والأمْرَ القَدَرِيَّ الكَوْنِيَّ. وكِلاهُما عَدْلٌ لا جَوْرَ فِيهِ بِوَجْهٍ. كَما في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ: ««اللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أمَتِكَ، ناصِيَتِي بِيَدِكَ، ماضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضاؤُكَ»» . فَقَضاؤُهُ (p-٣٨٣٨)هُوَ أمْرُهُ الكَوْنِيُّ: ﴿إنَّما أمْرُهُ إذا أرادَ شَيْئًا أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: ٨٢] فَلا يَأْمُرُ إلّا بِحَقٍّ وعَدْلٍ. وقَضاؤُهُ وقَدَرُهُ القائِمُ بِهِ حَقٌّ وعَدْلٌ. وإنْ كانَ في المَقْضِيِّ المُقَدَّرِ ما هو جَوْرٌ وظُلْمٌ، فالقَضاءُ غَيْرُ المَقْضِي، والقَدَرُ غَيْرُ المُقَدَّرِ. ثُمَّ أخْبَرَ سُبْحانَهُ أنَّهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، وهَذا نَظِيرُ قَوْلِ رَسُولِهِ شُعَيْبٍ: ﴿إنِّي تَوَكَّلْتُ عَلى اللَّهِ رَبِّي ورَبِّكم ما مِن دابَّةٍ إلا هو آخِذٌ بِناصِيَتِها إنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [هود: ٥٦] وقَوْلُهُ: ﴿ما مِن دابَّةٍ إلا هو آخِذٌ بِناصِيَتِها﴾ [هود: ٥٦] نَظِيرُ قَوْلِهِ (ناصِيَتِي بِيَدِكَ) وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [هود: ٥٦] نَظِيرُ قَوْلِهِ (عَدْلٌ فِيَّ قَضاؤُكَ) فالأوَّلُ مِلْكُهُ، والثّانِي حَمْدُهُ. وهو سُبْحانُهُ لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ. وكَوْنُهُ سُبْحانَهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يَقْتَضِي أنَّهُ لا يَقُولُ إلّا الحَقَّ، ولا يَأْمُرُ إلّا بِالعَدْلِ، ولا يَفْعَلُ إلّا ما هو مَصْلَحَةٌ ورَحْمَةٌ وحِكْمَةٌ وعَدْلٌ. فَهو عَلى الحَقِّ في أقْوالِهِ وأفْعالِهِ. فَلا يَقْضِي عَلى العَبْدِ بِما يَكُونُ ظالِمًا بِهِ ولا يُؤْخَذُ بِغَيْرِ ذَنْبِهِ. ولا يَنْقُصُهُ مِن حَسَناتِهِ شَيْئًا. ولا يَحْمِلُ عَلَيْهِ مِن سَيِّئاتِ غَيْرِهِ الَّتِي لَمْ يَعْمَلْها، ولَمْ يَتَسَبَّبْ إلَيْها شَيْئًا. ولا يُؤاخِذُ أحَدًا بِذَنْبِ غَيْرِهِ، ولا يَفْعَلُ قَطُّ ما لا يُحْمَدُ عَلَيْهِ ويُثْنى بِهِ عَلَيْهِ ويَكُونُ لَهُ فِيهِ العَواقِبُ الحَمِيدَةُ والغاياتُ المَطْلُوبَةُ. فَإنَّ كَوْنَهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يَأْبى ذَلِكَ كُلَّهُ.
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [هود: ٥٦] يَقُولُ: إنَّ رَبِّي عَلى طَرِيقِ الحَقِّ يُجازِي المُحْسِنَ مِن خَلْقِهِ بِإحْسانِهِ والمُسِيءَ بِإساءَتِهِ، لا يَظْلِمُ أحَدًا مِنهم ولا يَقْبَلُ مِنهم إلّا الإسْلامَ لَهُ والإيمانَ بِهِ.
ثُمَّ حُكِيَ عَنْ مُجاهِدٍ مِن طَرِيقِ شِبْلِ بْنِ أبِي نَجِيحٍ عَنْهُ: ﴿إنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [هود: ٥٦] قالَ: الحَقُّ. وكَذَلِكَ رَواهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْهُ.
(p-٣٨٣٩)وقالَتْ فِرْقَةٌ: هي مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿إنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصادِ﴾ [الفجر: ١٤] وهَذا اخْتِلافُ عِبارَةٍ. فَإنَّ كَوْنَهُ بِالمِرْصادِ هو مُجازاةُ المُحْسِنِ بِإحْسانِهِ والمُسِيءِ بِإساءَتِهِ.
وقالَتْ فِرْقَةٌ: في الكَلامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: إنَّ رَبِّي يَحُثُّكم عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ويَحُضُّكم عَلَيْهِ. وهَؤُلاءِ إنْ أرادُوا أنَّ هَذا مَعْنى الآيَةِ الَّتِي أُرِيدَ بِها. فَلَيْسَ كَما زَعَمُوا ولا دَلِيلَ عَلى هَذا المُقَدَّرِ. وقَدْ فَرَّقَ سُبْحانَهُ بَيْنَ كَوْنِهِ آمِرًا بِالعَدْلِ وبَيْنَ كَوْنِهِ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. وإنْ أرادُوا أنَّ حَثَّهُ عَلى الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ مِن جُمْلَةِ كَوْنِهِ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، فَقَدْ أصابُوا.
وقالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرى: مَعْنى كَوْنِهِ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ: أنَّ مَرَدَّ العِبادِ والأُمُورِ كُلِّها إلى اللَّهِ لا يَفُوتُهُ شَيْءٌ مِنها. وهَؤُلاءِ إنْ أرادُوا أنَّ هَذا مَعْنى الآيَةِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ. وإنْ أرادُوا أنَّ هَذا مِن لَوازِمَ كَوْنِهِ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ومِن مُقْتَضاهُ ومُوجِبِهِ، فَهو حَقٌّ.
وقالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرى: مَعْناهُ كُلُّ شَيْءٍ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وقَهْرِهِ في مِلْكِهِ وقَبْضَتِهِ، وهَذا وإنْ كانَ حَقًّا فَلَيْسَ هو مَعْنى الآيَةِ. وقَدْ فَرَّقَ شُعَيْبٌ بَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿ما مِن دابَّةٍ إلا هو آخِذٌ بِناصِيَتِها﴾ [هود: ٥٦] وبَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿إنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [هود: ٥٦] فَهُما مَعْنَيانِ مُسْتَقِلّانِ.
فالقَوْلُ قَوْلُ مُجاهِدٍ. وهو قَوْلُ أئِمَّةِ التَّفْسِيرِ. ولا تَحْتَمِلُ العَرَبِيَّةُ غَيْرَهُ إلّا عَلى اسْتِكْراهٍ.
وقالَ جَرِيرٌ يَمْدَحُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ:
؎أمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلى صِراطٍ إذا اعْوَجَّ المَوارِدُ مُسْتَقِيمٍ
وقَدْ قالَ تَعالى: ﴿مَن يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ ومَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام: ٣٩] (p-٣٨٤٠)وإذا كانَ سُبْحانَهُ هو الَّذِي جَعَلَ رُسُلَهُ وأتْباعَهم عَلى الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ في أقْوالِهِمْ وأفْعالِهِمْ فَهو سُبْحانُهُ أحَقُّ بِأنْ يَكُونَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ في قَوْلِهِ وفِعْلِهِ. وإنْ كانَ صِراطُ الرُّسُلِ وأتْباعِهِمْ هو مُوافَقَةَ أمْرِهِ، فَصِراطُهُ الَّذِي هو سُبْحانَهُ عَلَيْهِ، هو ما يَقْتَضِيهِ حَمْدُهُ وكَمالُهُ ومَجْدُهُ مِن قَوْلِهِ الحَقَّ وفِعْلِهِ، وبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وفِي الآيَةِ قَوْلٌ ثانٍ مِثْلَ الآيَةِ الأُولى سَواءً: إنَّهُ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ والكافِرِ. وقَدْ تَقَدَّمَ ما في هَذا القَوْلِ، وبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. انْتَهى بِحُرُوفِهِ. وقَوْلُهُ تَعالى:
{"ayah":"وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلࣰا رَّجُلَیۡنِ أَحَدُهُمَاۤ أَبۡكَمُ لَا یَقۡدِرُ عَلَىٰ شَیۡءࣲ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوۡلَىٰهُ أَیۡنَمَا یُوَجِّههُّ لَا یَأۡتِ بِخَیۡرٍ هَلۡ یَسۡتَوِی هُوَ وَمَن یَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق